• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

٣٧ -خاتمة

أقول: جعلت في خاتمة كتابنا هذا ليصير «ختامه مسك» دراسات الدقيقة لآية اللّه الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر من كتابه «فدك في التأريخ» و انتخبت منها ثلاثة أبحاث-:
 ١ -على مسرح الثورة.
 ٢ -و تأريخ الثورة.
 ٣ -محكمة الكتاب-.
بعينها مع هامشها لكي لا يخلو كتابنا من الدلائل و البراهين العلميّة، و ليتمّ الفائدة بعون اللّه تعالى.
و لعمري ما رأيت بيانا و دراستا أعلى و أجمل و أوجز و أنفذ و أجمع كمالا و أحسن من حيث إقامة البراهين، و أوضح شكلا في هذا الصدد منها.
فهي أرفع صوت لنصرة الحقّ في إسماع السامعين من الأدنين و المبعدين، و القريب و الأقاصي.
و رأيت إيرادها في الخاتمة أصلح و أنفع لبلغة المرام، لأنّ المقصد واحد، و هو نصرة جانب الحقّ، و معاونة المظلوم الّذي غصب حقّه، و ردّ جانب الغاصبين و الظالمين عن مشروعيّة الخلافة الإسلاميّة لهم.
تكلّم السيّد الشهيد في هذه الدراسات عن أعماق قلبه الزّكي المهيّج و المتلاطم، كلامه و بيانه نبع عن قلب صافي المحترق مثل العسل المصفّى يشفي صدور قوم من الموالين و المنصفين، و يهدي من يطلب الحقّ، و هو من المتحيّرين، لأنّه اتّصل بينبوع الحكمة، و صاحب الولاية، و تفرّع اقتباسا عن روح خطبة الصدّيقة الطاهرة عليها السّلام.
و مع هذا إنّها كالقنابل الذريّة يتساقط على رؤوس المريبين و المرتابين المنافقين، أو أنّها مثل الصواعق على مسامع الّذين يجعلون أصابعهم في آذانهم حذر الموت، يكاد البرق يخطف أبصارهم، كلّما أضاء لهم مشوا فيه و إذا أظلم عليهم قاموا. . . و الحمد للّه، فهذه عين دراساته و بيانه أمامك.
على مسرح الثورة
وقفت لا يخالجها شكّ فيما تقدّم عليه، و لا يطفح عليها موقفها الرهيب بصبابة من خوف أو ذعر، و لا يمرّ على خيالها الّذي كان جدّيا بل كلّ الجّد، تردّد في تصميمها، و لا تساورها هاجسة من هواجس القلق الإرتباك.
و ها هي الآن في أعلى القمة من استعدادها النبيل، و ثباتها الشجاع على خطتها الطموح، و أسلوبها الدفاعي، فقد كانت بين بابين يتسعان لتردّد طويل، و درس عريض.
فلا بدّ لها من اختيار أحدهما قد اختارت الطريق المتعب من الطريقين الّذي يشقّ سلوكه على المرأة بطبيعتها الضعيفة لما يكتنفه من شدائد و مصاعب تتطلب جرأة أدبية، ملكة بيانية مؤثرة، و قدرة على صب معاني الثورة كلّها في كلمات، و براعة و في تصوير النقمة، و نقد الأوضاع القائمة تصويرا و نقدا يجعلان في ألفاظ معنى من حياة، و حظا من خلود، لتكون الحروف جنود الثورة، و سندها الخالد في تأريخ العقيدة.
و لكنّه الإيمان و الإستبسال سبيل الحقّ الّذي يبعث في النفوس الضعيفة نقائضها، و يفجر في الطبائع المخذولة قوّة لا تتعرّض لضعف و لا تردّد.
و لذا كان اختيار الثائرة لهذا الطريق ممّا يوافق طبعها، و يلتئم مع شخصيّتها
المركزة على الإنتصار للحقّ، و الإندفاع في سبيله.
و كانت حولها نسوة متعددات من حفدتها، و نساء قومها كالنجوم المتناثرة يلتففن بها بغير انتظام، و هنّ جميعا سواسية في هذا الإندفاع و الإلتياع، و قائدتهن بينهنّ تستعرض ما ستقدم عليه من وثبة كريمة تهيىء لها العدة و الذخيرة.
و هي كلّما استرسلت في استعراضها ازدادت رباطة جأش، و قوّة جنان، و تضاعفت قوّة الحقّ الّتي تعمل في نفسها، و اشتدّت صلابة في الحركة، و انبعاثا نحو الدفاع عن الحقوق المسلوبة، و نشاطا في الإندفاع، و بسالة في الموقف الرهيب.
كأنّها قد استعارت في لحظتها هذه قلب رجلها العظيم، لتواجه به ظروفها القاسية، و ما حاكت لها يد القدر أستغفر اللّه، بل ما قدر لها المقدّر الحكيم من مأساة مروعة تهدّ الجبل و تزلزل الصعب الشامخ.
و كانت في لحظتها الرهيبة الّتي قامت فيها بدور الجندي المدافع شبحا قائما ترتسم عليه سحابة حزن مرير، و هي شاحبة اللون، عابسة الوجه، مفجوعة القلب، كاسفة البال، منهدّة العمد، ضعيفة الجانب، مائعة الجسم، و في صميم نفسها، و عميق فكرها المتأمّلة إشعاعة بهجة، و إثارة طمأنينة.
و ليس هذا و لا ذاك استعذابا لأمل باسم، أو سكونا إلى حلم لذيذ، أو استقبالا لنتيجة حسنة مترقبة، بل كانت الإشعاعة؛ إشعاعة رضا بالفكرة، و الإستبشار بالثورة، و كانت الطمأنينة ثقة بنجاح، لا هذا الّذي نفيناه.
بل على وجه آخر، و إنّ في بعض الفشل الآجل إيجابا لنجاح عظيم و كذلك وقع، فقد قامت امة برمتها تقدس هذه الثورة الفائزة، بل تستمد منها ثباتها و استبسالها في هذا الثياب.
و دفعتها أفكارها في وقفتها تلك إلى الماضي القريب يوم كانت موجات السعادة تلعب بحياتها السعيدة، و يوم كانت نفس أبيها يصعد، و نسمه يهبط،
و كان بيتها قطب الدولة العتيد، و دعامة المجد الراسخة المهيمنة على الزمن الخاشع المطيع.
و لعلّ أفكارها هذه ساقتها إلى تصوّر أبيها صلّى اللّه عليه و اله، و هو يضمّها إلى صدره الرحيب، و يحوطها بحنانه العبقري، و يطبع على فمها الطاهر قبلاته الّتي اعتادتها منه، و كانت غذاءها صباحا و مساءا.
ثمّ وصلت إلى حيث بلغت سلسلة الزمن فيواجهها الواقع العابس، و إذا بالزمان غير الزمان، و ها هو بيتها مشكاة النور، و رمز النبوّة و الإشعاعة المتألقة المحلقة بالسماء مهدد بين الفينة و الفينة.
و ها هو ابن عمّها الرجل الثاني في دنيا الإسلام باب علم النبوّة، و وزيرها المخلص، و هارونها المرجى، الّذي لم يكن لينفصل ببدايته الطاهرة عن بداية النبوّة المباركة فهو ناصرها في البداية، و أملها الكبير في النهاية، يخسر أخيرا خلافة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و تقوّض معنوياته النوريّة الّتي شهدت لها السماء و الأرض جميعا، و تسقط سوابقه الفذة عن الإعتبار ببعض المقاييس الّتي تمّ اصطلاحها في تلك الأحايين.
و هنا بكت بكاء شقيا ما شاء اللّه لها أن تبكي، و لم يكن بكاء بمعناه الّذي يظهر على الأسارير، و يخيم على المظاهر، بل كان لوعة الضمير، و ارتياع النفس، و انتفاضة الحسرات في أعماق القلب، و ختمت طوافها الأليم هذا بعبرتين نضتا من مقلتيها.
ثمّ لم تطل وقفتها، بل اندفعت كالشرارة الملتهبة و حولها صويحباتها حتّى وصلت إلى ميدان الصراع، فوقفت وقفتها الخالدة، و أثارت حربها الّذي استعملت فيه ما يمكن مباشرته للمرأة في الإسلام، و كادت ثورتها البكر أن تلتهم الخلافة لولا أن عاكسها شذوذ الظرف، و تناثرت أمامها العقبات.
تلك هي الحوراء الصدّيقة فاطمة عليها السّلام بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ريحانة النبوّة، و مثال العصمة، و هالة النور المشعّة، و بقيّة الرسول بين المسلمين-في طريقها إلى المسجد-و قد خسرت أبوة هي أزهى الأبوات في تأريخ الإنسان، و أفيضها حنانا، و أكثرها إشفاقا، و أوفرها بركة.
و هذه كارثة من شأنها أن تذيق المصاب بها مرارة الموت، أو أن تظهر له الموت حلوا شهيا، و أملا نيّرا.
و هكذا كانت الزهراء عليها السّلام حينما لحق أبوها بالرفيق الأعلى، و طارت روحه الفرد إلى جنان ربّها راضية مرضيّة.
ثمّ لم تقف الحوادث المرّة عند هذا الحدّ الرهيب، بل عرضت الزهراء عليها السّلام لخطب آخر قد لا يقلّ تأثيرا في نفسها الطهور، و إيقادا لحزنها، و إذ كاء لأساها عن الفاجعة الاولى كثيرا، و هو خسارة المجد الّذي سجلته السماء لبيت النبوّة على طول التأريخ.
و أعني بهذا المجد العظيم سيادة الامّة و زعامتها الكبرى، فقد كان من تشريعات السماء أن يسوس آل محمّد صلّى اللّه عليه و اله امّته و شيعته، لأنّهم مشتقاته و مصغراته، و إذا بالتقدير المعاكس يصرف مراكز الزعامة عن أهلها، و مناصب الحكم عن أصحابها، و يرتب لها خلفاء و امراء من عند نفسه.
و بهذا و ذاك خسرت الزهراء عليها السّلام أقدس النبوّات و الابوّات، و أخلد الرئاسات و الزعامات بين عشية و ضحاها، فبعثتها نفسها المطوقة بآفاق من الحزن و الأسف إلى المعركة و مجالاتها، و مباشرة الثورة و الإستمرار عليها.
و الحقيقة الّتي لا شكّ فيها أنّ أحدا ممّن يوافقها على مبدئها و نهضتها لم يكن ليمكنه أن يقف موقفها، و يستبسل استبسالها في الجهاد إلاّ و أن يكون أكلة باردة، و طعمة رخيصة للسلطات الحاكمة الّتي كانت قد بلغت يومذاك أوج الضغط و الشدّة.
فعلى الإشارة عتاب، و على القول حساب، و على الفعل عتاب، فلم يكن ليختلف عمّا نصطلح عليه اليوم بالأحكام العرفية، و هو أمر ضروري للسلطات يومئذ في سبيل تدعيم أساسها، و تثبيت بنيانها.
أمّا إذا كان القائم المدافع بنت محمّد صلّى اللّه عليه و اله و بضعته و صورته الناضرة، فهي محفوظة لا خوف عليها بلا شكّ، باعتبار هذه النبوّة المقدّسة، و لما للمرأة في الإسلام عموما من حرمات و خصائص تمنعها و تحميها من الأذى.
مستمسكات الثورة
ارتفعت الزهراء عليها السّلام بأجنحة من خيالها المطهّر إلى آفاق حياتها الماضية و دنيا أبيها العظيم الّتي استحالت حين لحقّ سيّد البشر بربّه إلى ذكرى في نفس الحوراء متألقة بالنور تمدّ الزهراء عليها السّلام في كلّ حين بألوان من الشعور و العاطفة و التوجيه، و تشيع في نفسها ضروبا من البهجة و النعيم.
فهي و إن كانت قد تأخّرت عن أبيها في حساب الزمن أيّاما أو شهورا، و لكنّها لم تنفصل عنه في حساب الروح و الذكرى لحظة واحدة.
و إذن ففي جنبيها معين من القوّة لا ينبض، و طاقة على ثورة كاسحة لا تخمد، و أضواء من نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و اله و نفس محمّد صلّى اللّه عليه و اله تنير لها الطريق، و تهديها سواء السبيل.
و تجرّدت الزهراء عليها السّلام في اللحظة الّتي اختمرت فيها ثورة نفسها عن دنيا الناس، و اتّجهت بمشاعرها إلى تلك الذكرى الحية في نفسها لتستمد منها قبسا من نور في موقفها العصيب، و صارت تنادي:
إليّ يا صور السعادة الّتي أفقت منها على شقاء لا يصطبر عليه. .
إليّ يا أعز روح عليّ، و أحبّها إليّ. . . حدّثيني و أفيضي عليّ من نورك الإلهي، كما كنت تصنعين معي دائما.
إليّ يا أبي أناجيك إن كانت المناجاة تلذ لك، و ابثك همومي، كما اعتدت أن أفعل في كلّ حين، و أخبرك أنّ تلك الظلال الظليلة الّتي كانت تقيني من لهيب هذه الدنيا لم يعد لي منها شيء.
قد كان بعدك أنباء و هنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إليّ يا ذكريات الماضي العزيز حدّثيني حديثك الجذاب، وردّدي على
مسامعي كلّ شيء لا تثيرها حربا لا هوادة فيها على هؤلاء الّذين ارتفعوا-أو ارتفع الناس بهم-إلى منبر أبي و مقامه، و لم يعرفوا لآل محمّد عليهم السّلام حقوقهم، و لا لبيتهم حرمة تصونه من الإحراق و التخريب.
ذكريني بمشاهد أبي و غزواته، ألم يكن يقصّ عليّ ألوانا من بطولة أخيه و صهره و استبساله في الجهاد، و تفوقه على سائر الأنداد، و وقوفه إلى صف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في أشدّ الساعات، و أعنف المعارك الّتي فرّ فيها فلان و فلان، و تقاصر عن اقتحامها الشجعان؟
أيصحّ بعد هذا أن نضع أبا بكر على منبر النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و ننزل بعليّ عليه السّلام عمّا يستحق من مقام؟ !
خبريني يا ذكريات أبي العزيز! أليس أبو بكر هو الّذي لم يأتمنه الوحي على تبليغ آية إلى المشركين؟
و انتخب للمهمّة عليّا عليه السّلام، فماذا يكون معنى هذا إن لم يكن معناه أنّ عليّا عليه السّلام هو الممثل الطبيعي للإسلام الّذي يجب أن تستند إليه كلّ مهمّة لا يتيسّر للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله مباشرتها؟
إنّي لأتذكر بوضوح ذلك اليوم العصيب الّذي أرجف فيه المرجفون لما استخلف أبي عليّا عليه السّلام على المدينة و خرج إلى الحرب، فوضعوا لهذا الإستخلاف ما شاؤوا من تفاسير، و كان عليّ عليه السّلام ثابتا كالطود لا تزعزعه مشاغبات المشاغبين.
و كنت أحاول أن يلتحق بأبي ليحدّثه بحديث الناس، و أخيرا لحق بالنبيّ صلّى اللّه عليه و اله، ثمّ رجع متهلل الوجه، ضاحك الأسارير، تحمله الفرحة إلى قرينته الحبيبة ليزف إليها بشرى لا بمعنى من معاني الدنيا، بل بمعنى من معاني السماء.
فقصّ عليّ كيف استقبله النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و رحّب به، و قال له: «أنت منّي بمنزلة
هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» .  ١ 
و هارون موسى كان شريكا له في الحكم، و إماما لامّته، و معدّا لخلافته، فلا بدّ أن يكون هارون محمّد صلّى اللّه عليه و اله وليّا للمسلمين، و خليفته فيهم من بعده.
و لمّا وصلت إلى هذه النقطة من أفكارها المتدفقة صرخت أنّ هذا هو الإنقلاب الّذي أنذر اللّه تعالى في كتابه، إذ قال: وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ .
فها هم الناس قد انقلبوا على أعقابهم، و استولى عليهم المنطق الجاهلي الّذي تبادله الحزبان في السقيفة، حين قال أحدهما: نحن أهل العزّة و المنعة، و اولوا العدد و الكثرة، و أجابه الآخر: من ينازعنا سلطان محمّد صلّى اللّه عليه و اله و نحن أولياؤه و عترته.
و سقط الكتاب و السنّة في تلك المقاييس.
ثمّ أخذت تقول:
يا مبادىء محمّد صلّى اللّه عليه و اله! الّتي جرت في عروقي منذ ولدت، كما يجري الدم في العصب، أنّ عمر الّذي هجم عليك في بيتك المكيّ الّذي أقامه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله مركزا لدعوته، قد هجم على آل محمّد عليهم السّلام في دارهم، و أشعل النار فيها أو كاد. .
يا روح امّي العظيمة! إنّك ألقيت عليّ درسا خالدا في حياة النضال الإسلامي بجهادك الرائع في صف سيّد المرسلين صلّى اللّه عليه و اله، و سوف أجعل من نفسي خديجة عليها السّلام عليّ في محنته القائمة.
لبّيك لبّيك يا امّاه! إنّي أسمع صوتك في أعماق روحي يدفعني إلى مقاومة الحاكمين.
فسوف أذهب إلى أبي بكر لأقول له: لقد جئت شيئا فريّا، فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم اللّه، و الزعيم محمّد صلّى اللّه عليه و اله، و الموعد القيامة.
و لأنبّه المسلمين إلى عواقب فعلتهم، و المستقبل القائم الّذي بنوه بأيديهم، و أقول:
لقد لقحت فنظرة ريثما تحلب، ثمّ احتلبوها طلاع القعب دما عبيطا، و هناك يخسر المبطلون، و يعرف التالون، غبّ ما أسّس الأوّلون.
ثمّ اندفعت إلى ميدان العمل و في نفسها مبادىء محمّد صلّى اللّه عليه و اله و روح خديجة عليها السّلام، و بطولة عليّ عليه السّلام، و إشفاق عظيم على هذه الامّة من مستقبل مظلم.
طريق الثورة
لم يكن الطريق الّذي اجتازته الثائرة طويلا، لأنّ البيت الّذي انبعث منه شرر الثورة و لهيبها هو بيت عليّ عليه السّلام بالطبع الّذي كان يصطلح عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بيت النبوّة، و هو جار المسجد لا يفصل بينهما سوى جدار واحد، فلعلّها دخلته من الباب المتّصل به، و المؤدّي إليه من دارها مباشرة، كما يمكن أن يكون مدخلها الباب العام.
و لا يهمّنا تعيين أحد الطريقين، و إن كنت أرجح أنّها سلكت الباب العام، لأنّ سياق الرواية التأريخية الّتي حكت لنا هذه الحركة الدفاعيّة يشعر بهذا، فإنّ دخولها من الباب الخاصّ لا يكلّفها سيرا في نفس المسجد، و لا اجتياز طريق بينه و بين بيتها.
فمن أين للراوي أن يصف مشيها و ينعته بأنّه لا يخرم مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟ و هو لم يكن معها بالطبع، و لو تصوّرنا أنّها سارت في نفس المسجد، فلا ينتهي سيرها بالدخول على الخليفة، و إنّما يبتدىء بذلك، لأنّ من دخل المسجد صدق عليه أنّه دخل على من فيه، و إن سار في ساحته.
مع أنّ الراوي يجعل دخولها على أبي بكر متعقبا لمشيها، و هذا و غيره يكون قرينة على ما استقربناه.
النسوة
و تدلّنا الرواية على أنّ الزهراء عليها السّلام كانت تصحبها معها نسوة من قومها و حفدتها، كما سبق ذكره و مرد هذه الصحبة، و ذلك الإختيار للباب العام إلى أمر واحد.
و هو تنبيه الناس، و كسب التفاتهم باجتيازها في الطريق مع تلك النسوة ليجتمعوا في المسجد، و يتهافتوا حيث ينتهي بها السير بقصد التعرف على ما تريده و تعزم عليه من قول أو فعل.
و بهذا تكون المحاكمة علنيّة تعيها أسماع عامّة المسلمين في ذلك الوسط المضطرب.
ظاهرة
سبق أنّ الرواية التأريخيّة جاءت تنص على أنّ الزهراء عليها السّلام لم تكن لتخرم في مشيتها مشية أبيها صلّى اللّه عليه و اله.
و يتسع لنا المجال لفلسفة هذا التقليد الدقيق، فلعلّه كان طبيعة قد جرت عليها في موقفها هذا بلا تكلّف و لا اعتناء خاص.
و ليس هذا ببعيد، فإنّها صلوات اللّه عليها قد اعتادت أن تقلد أباها، و تحاكيه في سائر أفعالها و أقوالها.
و يحتمل أن يكون لهذه المشابهة المتقنة وجه آخر، بأن كانت الحوراء عليها السّلام قد عمدت في موقفها يومذاك إلى تقليد أبيها في مشيه عن التفات و قصد، فأحكمت التمثيل و أجادت المحاكاة، فلم تكن لتخرم مشية النبيّ صلّى اللّه عليه و اله، و أرادت بهذا أن تستولي على المشاعر و إحساس الناس، و عواطف الجمهور بهذا التقليد الباهر الّذي يدفع بأفكارهم إلى سفر قصير، و تجول لذيذ في الماضي القريب حيث عهد النبوة المقدّس، و الأيّام الضواحك الّتي قضوها تحت ظلال نبيّهم الأعظم صقلا عاطفيّا ما يمهد للزهراء عليها السّلام الشروع في مقصودها، و يوطىء القلوب لتقبل دعوتها الصارخة، و استجابة استنقاذها الحزين، و نجاح محاولتها اليائسة، أو شبه اليائسة.
و لذا ترى أنّ الراوي نفسه أثرت عليه هذه الناحية أيضا من حيث يشعر أو
لا يشعر، و دفعه تأثّره هذا إلى تسجيلها فيما سجّل من تصوير الحركة الفاطميّة عليها السّلام.
صرخة باركتها الزهراء عليها السّلام، ورعتها السماء فكانت عند اندلاعها محط الثقل الّذي تركز عنده الحقّ المذبوح، و المحاولة اليائسة الّتي شاعت حولها ابتسامات أمل استحالت بعد انتهائها إلى عبوس مرير، و يأس ثابت، و استسلام فرضته حياة الناس الواقعة يومذاك.
ثورة لم تكن لتقصد بها الثائرة نتيجة لها على ما يطرد في الثورات الاخرى بقدر ما كانت تستهدف إلى تثبيت الثورة لذاتها، و تسجيلها فيما يسجله التأريخ في سطوره البارزة، فكانت الثورة على هذا بنفسها تؤدّي الغرض كاملا غير منقوص.
و هذا ما وقع بالفعل، و به نفسر الحكم بنجاحها، و إن فشلت، كما سنوضّحه في موقع آخر من هذا الكتاب.
تأريخ الثورة
إذا كان التجرّد عن المرتكزات و الآناة في الحكم و الحريّة في التفكير شروطا للحياة الفكريّة المنتجة، و للبراعة الفنية في كلّ دراسة عقليّة مهما يكن نوعها، و مهما يكن موضوعها، فهي أهمّ الشروط الأساسيّة لإقامة بناء تأريخي محكم لقضايا أسلافنا ترتسم فيه خطوط حياتهم الّتي صارت ملكا للتأريخ.
و يصوّر عناصر شخصيّاتهم الّتي عرفوها في أنفسهم، أو عرفها الناس يومئذ فيهم، و يتّسع لتأمّلات شاملة لكلّ موضوع من موضوعات ذلك الزمن المنصرم يتعرّف بها على لونه التأريخي و الإجتماعي، و وزنه في حساب الحياة العامّة، أو في حساب الحياة الخاصّة الّتي يعني بها الباحث و تكون مدارا لبحثه، كالحياة الدينيّة و الأخلاقيّة و السياسيّة.
إلى غير ذلك من النواحي الّتي يأتلف منها المجتمع الإنساني على شرط أن تستمد هذه التأمّلات كيانها النظري من عالم الناس المنظور، لا من عالم تبتدعه العواطف و المرتكزات، و ينشأه التعبّد و التقليد، لا من خيال مجنح يرتفع بالتوافه و السفاسف إلى الذروة، و يبنى عليها ما شاء من تحقيق و نتائج، لا من قيود لم يستطع الكتاب أن يتحرر عنها ليتأمّل و يفكّر كما تشاء له أساليب البحث العلمي النزيه.
و أمّا إذا جئنا للتأريخ لا لنسجّل واقع الأمر-خيرا كان أو شرّا-و لا لنحبس دراستنا في حدود من مناهج البحث العلمي الخالص، و لا لنجمع الإحتمالات و التقديرات الّتي يجوز افتراضها ليسقط منها على محك البحث ما يسقط و يبقى ما يليق بالتقدير و الملاحظة.
بل لنستلهم عواطفنا و موروثاتنا و نستمد من وحيها الأخاذ تأريخ أجيالنا
السابقة، فليس ذلك تأريخا لأولئك الأشخاص الّذين عاشوا على وجه الأرض يوما ما، و كانوا بشرا من البشر تتنازعهم ضروب شتّى من الشعور و الإحساس، و تختلج في ضمائرهم ألوان مختلفة من نوازع الخير و نزعات الشرّ، بل هو ترجمة لأشخاص عاشوا في ذهننا و طارت بهم نفوسنا إلى الآفاق العالية من الخيال.
فإذا كنت تريد أن تكون حرّا في تفكيرك، و مؤرّخا لدنيا الناس لا روائيا يستوحي من دنيا ذهنه ما يكتب، فضع عواطفك جانبا-أو إذا شئت فاملأ بها شعاب نفسك، فهي ملكك لا ينازعك فيها أحد-و استثن تفكيرك الّذي به تعالج البحث، فإنّه لم يعد ملكك بعد أن اضطلعت بمسؤوليّة التأريخ، و أخذت على نفسك أن تكون أمينا ليأتي البحث مستوفيا لشروطه قائما على اسس صحيحة من التفكير و الإستنتاج.
كثيرة جدّا هذه الأسباب الّتي تحول بين نقاد التأريخ و بين حرّيتهم فيما ينقدون، و قد اعتاد المؤرّخون-أو أكثر المؤرّخين بتعبير أصحّ-أن يقتصروا على ضروب معينة من هندسة الحياة الّتي يؤرّخونها، و أن يصوغوا التأريخ صياغة قد يظهر فيها الجمال الفنّي أحيانا حينما يتوسّع الباحث في انطباعاته عن الموضوع.
و لكنّها صورة باهتة في أكثر الأحايين ليس فيها ما في دنيا الناس الّتي تصوّرهم من معاني الحياة و شؤونها المتدفقة بألوان من النشاط و الحركة و العمل.

و سوف تجد فيما يأتي أمثلة بمقدار ما يتّسع له موضوعنا من الزمن الدقيق الّذي ندرسه في هذه الفصول، أعني الظرف الّذي تلا وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و تقررت فيه المسألة الأساسية في تأريخ الإسلام على شكل لا يتغيّر، و هي نوع السلطة الّتي ينبغي أن تتولّى امور المسلمين. .
كلّنا نودّ أن يكون التأريخ الإسلامي في عصره الأوّل الزاهر طاهرا كلّ الطهر، بريئا ممّا يخالط الحياة الإنسانيّة من مضاعفات الشرّ و مزالق الهوى، فقد
كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانيّة في تأريخ هذا الكوكب على الإطلاق، و ارتقت فيه العقيدة الإلهيّة إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهيّة في دنيا الفلسفة و العلم.
فقد عكس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله روحه في روح ذلك العصر، فتأثر بها و طبع بطابعها الإلهي العظيم، بل فنى الصفوة من المحمّديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتّجاه إلاّ نحو المبدع الأعظم الّذي ظهرت و تألقت منه أنوار الوجود، و إليه تسير كما كان استاذهم الأكبر الّذي فنى الوجود المنبسط كلّه بين عينيه ساعة هبوط الرسالة السماوية عليه.
فلم يكن يرى شيئا، و لا يسمع صوتا سوى الصوت الإلهي المنبعث من كلّ صوب و حدب، و في كلّ جهة من جهات الوجود، و ناحية من نواحي الكون يعلن تقليده الشارة الكبرى:
إنّ عصرا تلغى فيه قيمة الفوارق المادية على الإطلاق، و يستوي فيه الحاكم و المحكوم في نظر القانون، و مجالات تنفيذه، و يجعل مدار القيمة المعنوية، و الكرامة المحترمة فيه؛ تقوى اللّه الّتي هي تطهير روحي، و صيانة للضمير، و ارتفاع بالنفس إلى آفاق من المثالية الرفيعة، و يحرّم في عرفه احترام الغني، لأنّه غني، و إهانة الفقير، لأنّه فقير.
و لا يفرق فيه بين الأشخاص إلاّ بمقدار الطاقة الإنتاجية لَهٰا مٰا كَسَبَتْ وَ عَلَيْهٰا مَا اِكْتَسَبَتْ و يتسارع فيه إلى الجهاد لصالح النوع الإنساني الّذي معناه إلغاء مذهب السعادة الشخصيّة في هذه الدنيا، و إخراجها عن حساب الأعمال.
(أقول) : إنّ العصر الّذي تجتمع له كلّ هذه المفاخر لهو خليق بالتقديس و التبجيل، و الإعجاب و التقدير، و لكن ماذا أراني دفعت إلى التوسّع في أمر لم أكن اريد أن أطيل فيه؟ و ليس لي أن أفرط في جنب الموضوع الّذي احاوله بالتوسّع في أمر آخر
و لكنّها الحماسة لذلك العصر هي الّتي دفعتني إلى ذلك، فهو بلا ريب زين العصور في الروحانية و الإستقامة، أنا أفهم هذا جيّدا، و اوافق عليه متحمسا.
و لكنّي لا أفهم أن يمنع عن التعمّق في الدرس العلمي، أو التمحيص التأريخي لموضوع كموضوعات الساعة الّتي نتكلّم عنها من مراحل ذلك الزمن، أو يحضر علينا أن نبدأ البحث في مسألة فدك على أساس أنّ أحد الخصمين كان مخطئا في موقفه بحسب موازين الشريعة و مقاييسها.
أو أن نلاحظ أنّ قصّة الخلافة و فكرة السقيفة لم تكن مرتجلة و لا وليدة يومها إذا دلّنا على ذلك سير الحوادث حينذاك، و طبيعة الظروف المحيطة بها.
و أكبر الظنّ أنّ كثيرا منّا ذهب في تعليل مناقب ذلك العصر و مآثره مذهبا جعله يعتقد أنّ رجالات الزمن الخالي.
و بتعبير أوضح تحديدا: أنّ أبا بكر و عمر و أضرابهما الّذين هم من موجهي الحياة العامّة يومئذ لا يمكن أن يتعرّضوا لنقد أو محاكمة، لأنّهم بناة ذلك العصر و الواضعون لحياته خطوطها الذهبية، فتأريخهم تأريخ ذلك العصر، و تجريدهم عن شيء من مناقبهم تجريد لذلك العصر عن مثاليته الّتي يعتقدها فيه كلّ مسلم.
و اريد أن أترك لي كلمة مختصرة في هذا الموضوع فيها مادّة لبحث طويل، و لمحة من دراسة مهمّة قد أعرض لها في فرصة اخرى من فرص التأليف، و اكتفي الآن أن أتساءل عن نصيب هذا الرأي من الواقع.
صحيح أنّ الإسلام في أيّام الخليفتين كان مهيمنا، و الفتوحات متّصلة، و الحياة متدفقة بمعاني الخير، و جميع نواحيها مزدهرة بالإنبعاث الروحي الشامل، و اللون القرآني المشع، و لكن هل يمكن أن نقبل أنّ التفسير الوحيد لهذا وجود الصدّيق! ! أو الفاروق! ! على كرسي الحكم؟
و الجواب المفصّل عن هذا السؤال نخرج ببيانه عن حدود الموضوع، و لكنّا نعلم أنّ المسلمين في أيّام الخليفتين كانوا في أوج تحمسهم لدينهم،
و الإستبسال في سبيل عقيدتهم.
حتّى أنّ التأريخ سجّل لنا أنّ شخصا أجاب عمر حينما صعد يوما على المنبر و سأل الناس: لو صرفناكم عمّا تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين؟ إذا كنّا نستتيبك فإن تبت قبلناك.
فقال عمر: و إن لم؟
قال: نضرب عنقك الّذي فيه عيناك.
فقال عمر: الحمد للّه الّذي جعل في هذه الامّة من إذا أعوججنا أقام أودنا.
و نعلم أيضا أنّ رجالات الحزب المعارض-و أعني به أصحاب عليّ عليه السّلام- كانوا بالمرصاد للخلافة الحاكمة، و كان أيّ زلل و انحراف مشوه للون الحكم حينذاك كفيلا بأن يقلبوا الدنيا رأسا على عقب، كما قلّبوها على عثمان يوم اشترى قصرا، و يوم ولّى أقاربه، و يوم عدل عن السيرة النبويّة المثلى.
مع أنّ الناس في أيّام عثمان كانوا أقرب إلى الميوعة في الدين و اللين و الدعة منهم في أيّام صاحبيه.
و نفهم من هذا أنّ الحاكمين كانوا في ظرف دقيق لا يتّسع للتغيير و التبديل في أسس السياسة و نقاطها الحساسة لو أرادوا إلى ذلك سبيلا، لأنّهم تحت مراقبة النظر الإسلامي العام الّذي كان مخلصا كلّ الإخلاص لمبادئه، و جاعلا لنفسه حقّ الإشراف على الحكم و الحاكمين.
و لأنّهم يتعرّضون لو فعلوا شيئا من ذلك لمعارضة خطرة من الحزب الّذي لم يكن يزال يؤمن بأنّ الحكم الإسلامي لا بدّ أن يكون مطبوعا بطابع محمّدي خالص، و أنّ الشخص الوحيد الّذي يستطيع أن يطبعه بهذا الطابع المقدّس هو عليّ عليه السّلام وارث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و وصيّه و وليّ المؤمنين من بعده.
و أمّا الفتوحات الإسلامية؛ فكان لها الصدارة في حوادث تلك الأيّام، ولكننا جميعا نعلم أيضا أنّ ذلك لا يسجل للحكومة القائمة في أيّام الخليفتين
بلونها المعروف مجدا في حساب التأريخ ما دام كلّ شأن من شؤون الحرب و معداته و أساليبه يتهيّأ بعمل أشبه ما يكون بالعمل الإجماعي من الامّة الّذي تعبر به عن شخصيّتها الكاملة تعبيرا عمليّا خالدا، و لا يعبّر عن شخصيّة الحاكم الّذي لم يصل إليه من لهيب الحرب شرر، و لم يستقل فيه برأي، و لم يتهيّأ له إلاّ بأمر ليس فيه أدنى نصيب.
فإنّ خليفة الوقت سواء أكان وقت فتح الشام أو العراق و مصر لم يعلن بكلمة الحرب عن قوّة حكومته و مقدرة شخصه على أن يأخذ لهذه الكلمة أهبتها، بل أعلن عن قوّة الكلمة النبويّة الّتي كانت وعدا قاطعا بفتح بلاد كسرى و قيصر اهتزّت له قلوب المسلمين حماسة و أملا، بل إيمانا و يقينا.
و يحدّثنا التأريخ أنّ كثيرا ممّن اعتزل الحياة العلميّة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لم يخرج عن عزلته إلى مجالات العمل إلاّ حين ذكر هذا الحديث النبوي، فقد كان هو و الإيمان المتركز في القلوب القوّة الّتي هيأت للحرب كلّ ظروفه و كلّ رجاله و إمكانياته.
و أمر آخر هيّأ للمسلمين أسباب الفوز، و أنالهم النصر في معارك الجهاد لا يتّصل بحكومة الشورى عن قرب أو بعد.
و هو الصيت الحسن الّذي نشره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله للإسلام في آفاق الدنيا، و أطراف المعمورة، فلم يكن يتوجّه المسلمون إلى فتح بلد من البلاد إلاّ كان أمامهم جيش آخر من الدعايات و الترويجات لدعوتهم و مبادئهم.
و في أمر الفتوحات شيء آخر هو الوحيد الّذي كان من وظيفة الحاكمين وحدهم القيام به دون سائر المسلمين الّذين هيئوا بقيّة الامور، و هو ما يتلو الفتح من بث الروح الإسلاميّة، و تركيز مثاليات القرآن في البلاد المفتوحة، و تعميق الشعور الوجداني و الديني في الناس الّذي هو معنى وراء الشهادتين.
و لا أدري هل يمكننا أن نسجّل للخليفتين شيئا من البراعة في هذه الناحية
أو نشكّ في ذلك-كلّ الشكّ-كما صار إليه بعض الباحثين، و كما يدلّ عليه تأريخ البلاد المفتوحة في الحياة الإسلاميّة كانت الظروف كلّها تشارك الخليفتين في تكوين الحياة العسكرية المنتجة الّتي قامت على عهدها، و في بناء الحياة السياسية الخاصّة الّتي اتّخذاها؟
و لا أدري ماذا كان موقفهما لو قدر لهما و لعليّ عليه السّلام أن يتبادلوا ظروفهم، فيقف الصدّيق! ! و الفاروق! ! موقف الإمام و يسود في تلك الظروف الّتي كانت كلّها تشجع على بناء سياسة، و منهج لحكم جديد، و إنشاء حياة لها من ألوان الترف، و ضروب النعيم حظّ عظيم.
فهل كانا يعاكسان تلك الظروف كما عاكسها أمير المؤمنين عليه السّلام؟ . . فضرب بنفسه مثلا في الإخلاص للمبدأ و النزاهة في الحكم.
و أنا لا أقصد بهذا أن أقول: إنّ الخليفتين كانا مضطرّين اضطرارا إلى سيرة رشيدة في الحكم، و اعتدال في السياسة و الحياة، و مرغمين على ذلك، و إنّما أعني أنّ الظروف المحيطة بهما كانت تفرض عليهما ذلك سواء أكانا راغبين فيه أو مكرهين عليه.
كما أنّي لا اريد أن أجرّدهما عن كلّ أثر في التأريخ، و كيف يسعني شيء من ذلك؟ و هما اللذان كتبا يوم السقيفة سطور التأريخ الإسلامي كلّه، و إنّما عنيت أنّهما كانا ضعيفي الأثر في بناء تأريخ أيّامهما خاصّة، و ما ازدهرت به من حياة مكافحة و حياة فاضلة.
أكتب هذا كلّه و بين يدي كتاب «فاطمة عليها السّلام و الفاطميّون» للاستاذ عبّاس محمود العقاد، و قد جئته بشوق بالغ لأرى ما يكتب في موضوع الخصومة بين الخليفة و الزهراء عليها السّلام.
و أنا على يقين من أنّ أيّام التعبّد بأعمال السالفين و تصويبها-على كلّ تقدير-قد انتهت، و أنّ الزمان الّذي يتحاشى فيه عن التعمق في شيء من مسائل
الفكر الإنساني دينا كانت أو مذهبا أو تأريخا أو أيّ شيء آخر قد مضى مع ما مضى من تأريخ الإسلام بعد أن طال قرونا.
و لعلّ الخليفة الأوّل كان هو أوّل من أعلن ذلك المذهب عندما صرخ في وجه من سأله عن مسألة الحريّة الإنسانيّة و القدر و هدده و توعده.
و لكن أليس قد أراحنا اللّه تعالى من هذا المذهب الّذي يسيء إلى روح الإسلام؟ و إذن فكان لي أن أتوقّع بحثا لذيذا يتحفنا به الاستاذ في موضوع الخصومة من شتّى نواحيها.
و لكن الواقع كان على عكس ذلك، فإذا بكلمة الكتاب حول الموضوع قصيرة و قصيرة جدّا و إلى حدّ استبيح لنفسي أن أنقلها و أعرضها عليك دون أن اطيل عليك، فقد قال:
«و الحديث في مسألة فدك هو كذلك من الأحاديث الّتي لا تنتهي إلى مقطع للقول متّفق عليه غير أنّ الصدق فيه لا مراء أنّ الزهراء عليها السّلام أجلّ من أن تطلب ما ليس لها بحقّ، و أنّ الصدّيق! ! أجلّ من أن يسلبها حقّها الّذي تقوم به البيّنة عليه.
و من أسخف ما قيل: إنّه إنّما منعها فدك مخافة أن ينفق عليّ عليه السّلام من غلّتها على الدعوة إليه، فقد ولي الخلافة أبو بكر و عمر و عثمان و عليّ عليه السّلام و لم يسمع أنّ أحدا بايعهم لمال أخذه منهم، و لم يرد ذكر شيء من هذا في إشاعة و لا في خبر يقين، و ما نعلم تزكية لذمّة الحكم من عهد الخليفة الأوّل أوضح بيّنة من حكمه في مسألة فدك.
فقد كان يكسب برضى فاطمة عليها السّلام و يرضى الصحابة برضاها، و ما أخذ من فدك شيئا لنفسه فيما ادّعاه عليه مدّع، و إنّما هو الحرج في ذمّة الحكم بلغ أقصاه بهذه القضيّة بين هؤلاء الخصوم الصادقين المصدقين رضوان اللّه عليهم أجمعين، انتهى» .
و نلاحظ قبل كلّ شيء أنّ الاستاذ شاء أن يعتبر البحث في مسألة فدك لونا
من ألوان النزاع الّتي ليس لها قرار، و لا يصل الحديث فيه إلى نتيجة فاصلة ليقدّم بذلك عذره عن التوفر على دراستها.
و أعتقد أنّ في محاكمات هذا الكتاب الّتي سترد عليك جوابا عن هذا.
و نلاحظ أيضا أنّه بعد أن جعل مسألة فدك من الأحاديث الّتي لا تنتهي إلى مقطع للقول متّفق عليه رآى أنّ فيها حقيقتين لا مراء فيهما و لا جدال:
إحداهما: أنّ الصدّيقة أرفع من أن تنالها تهمة بكذب.
و الاخرى: أنّ الصدّيق! ! أجلّ من أن يسلبها حقّها الّذي تثبته البيّنة.
فإذا لم يكن في صحّة موقف الخليفة و اتّفاقه مع القانون جدال، ففيم الجدال الّذي لا قرار له؟ و لم لا تنتهي مسألة فدك إلى مقطع للقول متّفق عليه؟
و أنا أفهم أنّ للكاتب الحرّية في أن يسجل رأيه في الموضوع-أيّ موضوع كما يشاء-و كما يشاء له تفكيره بعد أن يرسم للقارىء مدارك ذلك الرأي، و بعد أن يدخل تقديرات المسألة كلّها في الحساب ليخرج منها بتقدير معين.
ولكنّي لا أفهم أن يقول: إنّ المسألة موضوع لبحث الباحثين، ثمّ لا يأتي إلاّ برأي مجرّد عن المدارك يحتاج إلى كثير من الشرح و التوضيح، و إلى كثير من البحث و النظر.
فإذا كانت الزهراء عليها السّلام أرفع من كلّ تهمة فما حاجتها إلى البيّنة؟
و هل تمنع التشريعات القضائية في الإسلام عن أن يحكم العالم استنادا إلى علمه؟
و إذا كانت تمنع عن ذلك فهل معنى هذا أن يجوز في عرف الدين سلب الشيء من المالك؟
هذه أسألة و معها أسألة اخرى أيضا في المسألة تتطلب جوابا علميّا، و بحثا على ضوء أساليب الإستنباط في الإسلام.
و اريد أن أكون حرّا و إذن فإنّي استميح الاستاذ أن الاحظ أنّ تزكية موقف الخليفة و الصدّيقة معا أمر غير ممكن، لأنّ الأمر في منازعتهما لو كان مقتصرا على مطالبة الزهراء عليها السّلام بفدك و امتناع الخليفة عن تسليمها له، لعدم وجود مستمسك شرعي بواسطته لها بما تدّعيه و انتهاء المطالبة إلى هذا الحدّ لوسعنا أن نقول: إنّ الزهراء عليها السّلام طلبت حقّها في نفس الأمر و الواقع.
و أنّ الخليفة لمّا امتنع عن تسليمه لها لعدم تهيؤ المدرك الشرعي الّذي تثبت به الدعوى تركت مطالبتها، لأنّها عرفت أنّها لا تستحق فدكا بحسب النظام القضائي و سنن الشرع.
ولكنّنا نعلم أنّ الخصومة بينهما أخذت أشكالا مختلفة حتّى بلغت مبلغ الإتّهام الصريح من الزهراء عليها السّلام و أقسمت على المقاطعة.
و إذن فنحن بين اثنتين:
إحداهما: أن نعترف بأنّ الزهراء عليها السّلام قد ادّعت بإصرار ما ليس لها بحقّ في عرف القضاء الإسلامي و النظام الشرعي، و إن كان ملكها في واقع الأمر.
و الاخرى: أن نلقي التبعة على الخليفة، و نقول: إنّه قد منعها حقّها الّذي كان يجب عليه أن يعطيها إيّاه، أو يحكم لها بذلك على فرق علمي بين التعبيرين يتّضح في بعض الفصول الآتية.
فتنزيه الزهراء عليها السّلام عن أن تطلب طلبا لا ترضى به حدود الشرع و الإرتفاع بالخليفة عن أن يمنعها حقّها الّذي تسخو به عليها تلك الحدود لا يجتمعان إلاّ إذا توافق النقيضان.
و لنترك هذا إلى مناقشة اخرى، فقد اعتبر الاستاذ حكم الخليفة في مسألة فدك أوضح بيّنة و دليل على تزكيته و ثباته على الحقّ و عدم تعدّيه عن حدود الشريعة، لأنّه لو أعطى فدكا لفاطمة عليها السّلام لأرضاها بذلك، و أرضى الصحابة برضاها.
و لنفترض معه أنّ حدود القانون الإسلاميّ هي الّتي كانت تفرض عليه أن يحكم بأنّ فدكا صدقة، و لكن ماذا كان يمنعه عن أن ينزل للزهراء عليها السّلام عن نصيبه و نصيب سائر الصحابة الّذين صرّح الاستاذ بأنّهم يرضون بذلك؟ . .
أ كان هذا محرما في عرف الدّين أيضا؟ أو أنّ أمرا ما أوحى إليه بأن لا يفعل ذلك؟
بل ماذا كان يمنعه عن تسليم فدك للزهراء عليها السّلام بعد أن أعطته وعدا قاطعا بأن تصرف حاصلاتها في وجوه الخير و المصالح العامّة؟
و أمّا ما استسخفه الكاتب من تعليل لحكم الخليفة فسوف نعرف في هذا الفصل ما إذا كان سخيفا حقّا.
*** إذا عرفنا أنّ مرتكزات الناس ليست وحيا من السماء لا تقبل شكّا و لا جدالا، و أنّ درس مسائل السالفين ليس كفرا و لا زندقة و لا تشكيكا في إعلام النبوّة، كما كانوا يقولون، فلنا أن نتساءل عمّا بعث الصدّيقة عليها السّلام إلى البدء بمنازعتها حول فدك على الوجه العنيف الّذي لم يعرف، أو لم يشأ أن يعرف هيبة للسلطة المهيمنة، أو جلالا للقوّة المتصرّفة يعصم الحاكمين من لهيبها المتصاعد، و شررها المتطاير، و بقي الحكم من إشاعة نور متألقة تلقي ضوءا عليه.
فتظهر للتأريخ حقيقته مجرّدة عن كلّ ستار، بل كانت بداية المنازعة و مراحلها نذير ثورة مكتسحة، أو ثورة بالفعل عندما اكتملت في شكلها الأخير، و يومها الأخير، تحمل كلّ ما لهذا المفهوم من مقدّمات و نتائج، و لا تتعرّض لضعف أو تردّد.
و ما عساه أن يكون هدف السلطة الحاكمة، أو بالأحرى هدف الخليفة نفسه في أن يقف مع الحوراء عليها السّلام على طرفي الخطّ أو لم يكن يخطر بباله أنّ خطته هذه تفتح له بابا في التأريخ في تعداد أوليائه، ثمّ يذكر بينها خصومة أهل البيت عليهم السّلام.
فهل كان راضيا بأوليته هذه مخلصا لها حتّى يستبسل في امتناعه و موقفه السلبي، بل الإيجابي المعاكس، أو أنّه كان منقادا للقانون، و ملتزما بحرفيته في موقفه؟
هذا كما يقولون، فلم يشأ أن يتعدّ حدود اللّه تبارك و تعالى في كثير أو قليل، و أنّ لموقفه الغريب تجاه الزهراء عليها السّلام صلة بموقفه في السقيفة، و أعني بهذه الصلة الإتّحاد في الغرض أو اجتماع الغرضين على نقطة واحدة.
و بالأحرى أن تقوم على دائرة واحدة متّسعة اتّساع دولة النبيّ صلّى اللّه عليه و اله فيها آمال بواسم، و موجات من الأحلام ضحك لها الخليفة كثيرا، و سعى في سبيلها كثيرا أيضا.
إنّنا ندرك بوضوح، و نحن نلاحظ الظرف التأريخي الّذي حف بالحركة الفاطميّة أنّ البيت الهاشمي المفجوع بعميده الأكبر قد توفرت له كلّ بواعث الثورة على الأوضاع القائمة، و الإنبعاث نحو تغييرها و إنشائها إنشاءا جديدا.
و أنّ الزهراء عليها السّلام قد اجتمعت لها كلّ إمكانيّات الثورة و مؤهلات المعارضة الّتي قرّر المعارضون أن تكون منازعة سلمية مهما كلف الأمر.
و إنّنا نحس أيضا إذا درسنا الواقع التأريخي لمشكلة فدك و منازعاتها بأنّها مطبوعة بطابع تلك الثورة، و نتبين بجلاء أنّ هذه المنازعات كانت في واقعها و دوافعها ثورة على السياسة العليا، و ألوانها الّتي بدت للزهراء عليها السّلام بعيدة عمّا تألفه من ضروب الحكم، و لم تكن حقّا منازعة في شيء من شؤون السياسة المالية، و المناهج الإقتصادية الّتي سارت عليها خلافة الشورى، و إن بدت على هذا الشكل في بعض الأحايين.
و إذا أردنا أن نمسك بخيوط الثورة الفاطميّة من اصولها، أو ما يصحّ أن يعتبر من اصولها، فعليها أن ننظر نظرة شاملة عميقة لنتبيّن حادثتين متقاربتين في تأريخ الإسلام كان أحدها صدى للآخر، و إنعكاسا طبيعيّا له.
و كانا معا يمتدّان بجذورهما و خيوطهما الاولى إلى حيث قد يلتقي إحداهما بالآخر، أو بتعبير أصحّ؛ إلى النقطة المستعدّة في طبيعتها إلى أن تمتدّ منها خيوط الحادثتين.
أحدهما: الثورة الفاطميّة على الخليفة الأوّل الّتي كادت أن تزعزع كيانه السياسي، و ترمي بخلافته بين مهملات التأريخ.
و الآخر: موقف ينعكس فيه الأمر فتقف عائشة امّ المؤمنين! ! بنت الخليفة! ! الموتور في وجه عليّ عليه السّلام زوج الصدّيقة عليها السّلام الثائرة على أبيها.
و قد شاء القدر لكلتا الثائرتين أن تفشلا مع فارق بينهما مرده إلى نصيب كلّ منهما من الرضا بثورتها، و الإطمئنان الضميري إلى صوابها، و حظّ كلّ منهما من الإنتصار في حساب الحقّ الّذي لا التواء فيه، و هو أن الزهراء عليها السّلام فشلت بعد أن جعلت الخليفة يبكي، و يقول: «أقيلوني بيعتي» .
و عائشة، فشلت فصارت تتمنّى أنّها لم تخرج إلى حرب و لم تشق عصا طاعة.
هاتان الثورتان متقاربتان في الموضوع و الأشخاص، فلماذا لا تنتهيان إلى أسباب متقاربة و بواعث متشابهة؟
و نحن نعلم جيّدا أنّ سرّ الإنقلاب الّذي طرأ على عائشة حين أخبارها بأنّ عليّا عليه السّلام ولي الخلافة يرجع إلى الأيّام الاولى في حياة عليّ عليه السّلام، و عائشة حينما كانت المنافسات على قلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بين زوجته و بضعته.
و من شأن هذه المنافسة أن تتّسع في آثارها فتثبت مشاعرا مختلفة من الغيظ و التنافر بين الشخصين المتنافسين، و تلف بخيوطها من حولهما من الأنصار و الأصدقاء.
و قد اتّسعت بالفعل في أحد الطرفين، فكان ما كان بين عائشة و عليّ عليه السّلام فلا بدّ أن تتّسع في الطرف الآخر، فتعمّ من كانت تعمل عائشة على حسابه في بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله.
نعم؛ إنّ انقلاب (عائشة) إنّما هو من وحي ذكريات تلك الأيّام الّتي نصح فيها عليّ عليه السّلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بأن يطلقها في قصّة الإفك المعروفة.
و هذا النصح إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على انزعاجه منها، و من منافستها لقرينته، و على أنّ الصراع بين زوج الرسول و بضعته كان قد اتّسع في معناه و شمل عليّا عليه السّلام و غير عليّ ممّن كان يهتم بنتائج تلك المنافسة و أطوارها.
نعرف من هذا أنّ الظروف كانت توحي إلى الخليفة الأوّل بشعور خاصّ نحو الزهراء عليها السّلام و زوج الزهراء عليها السّلام، و لا ننسى أنّه هو الّذي تقدم لخطبتها فردّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، ثمّ تقدم عليّ عليه السّلام إلى ذلك، فأجابه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إلى ما أراد.
و ذاك الردّ، و هذا القبول يولدان في الخليفة إذا كان شخصا طبيعيّا يشعر بما يشعر به الناس، و يحسّ كما يحسّون شعورا بالخيبة و الغبطة لعليّ عليه السّلام-إذا احتطنا في التعبير-و بأنّ فاطمة عليها السّلام كانت هي السبب في تلك المنافسة بينه و بين عليّ عليه السّلام الّتي انتهت بفوز منافسه.
و لنلاحظ أيضا أنّ أبا بكر هو الشخص الّذي بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ليقرأ سورة التوبة على الكافرين، ثمّ أرسل وراءه و قد بلغ منتصف الطريق ليستدعيه و يعفيه من مهمّته لا لشيء إلاّ لأنّ الوحي شاء أن يضع أمامه مرّة اخرى منافسة في الزهراء عليها السّلام الّذي فاز بها دونه.
و لا بدّ أنّه كان يراقب ابنته في مسابقتها مع الزهراء عليها السّلام على الأولية لدى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و يتأثّر بعواطفها، كما هو شأن الآباء مع الأبناء.
و ما يدرينا لعلّه اعتقد في وقت من الأوقات أنّ فاطمة عليها السّلام هي الّتي دفعت بأبيها إلى الخروج لصلاة الجماعة في المسجد يوم مهدت له عائشة الّتي كانت تعمل على حسابه في بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أن يؤمّ الناس مادام النبيّ صلّى اللّه عليه و اله مريضا.
إنّ التأريخ لا يمكننا أن نترقب منه شرح كلّ شيء شرحا واضحا جليّا غير أنّ الأمر الّذي تجمع عليه الدلائل أنّ من المعقول جدّا أن يقف شخص مرّت به
ظروف كالظروف الخاصّة الّتي أحاطت بالخليفة من عليّ عليه السّلام و فاطمة عليها السّلام موقفه التأريخي المعروف.
و أنّ امرأة تعاصر ما عاصرته الزهراء عليها السّلام في أيّام أبيها من منافسات حتّى في شباك يصل بينها و بين أبيها حري بها أن لا تسكت إذا أراد المنافسون أن يستولوا على حقّها الشرعي الّذي لا ريب فيه.
هذه هي الثورة الفاطميّة في لونها العاطفي، و هو لون من عدّة ألوان، أوضحها و أجلاها اللون السياسي الغالب على أساليبها و أطوارها.
و أنا حين أقول ذلك، لا أعني بالسياسة مفهومها الرائج في أذهان الناس هذا اليوم المركز على الإلتواء و الإفتراء، و إنّما أقصد بها مفهومها الحقيقي الّذي لا إلتواء فيه.
فالممعن في دراسة خطوات النزاع و تطوراته و الأشكال الّتي اتّخذها لا يفهم منه ما يفهم من قضيّة مطالبة بأرض، بل يتجلّى له منها مفهوم أوسع من ذلك ينطوي على غرض طموح يبعث إلى الثورة، و يهدف إلى استرداد عرش مسلوب و تاج ضائع، و مجد عظيم، و تعديل امّة انقلبت على أعقابها.
و على هذا كانت فدك معنى رمزيّا يرمز إلى المعنى العظيم، و لا يعني تلك الأرض الحجازية المسلوبة.
و هذه الرمزية الّتي اكتسبتها فدك هي الّتي ارتفعت بالمنازعة من مخاصمة عادية منكمشة في افقها محدودة في دائرتها إلى ثورة واسعة النطاق رحيبة الافق.
أدرس ما شئت من المستندات التأريخية الثابتة للمسألة، فهل ترى نزاعا ماديّا؟ أو ترى اختلافا حول فدك بمعناها المحدود و واقعها الضيق؟ أو ترى تسابقا على غلاّت أرض مهما صعد بها المبالغون و ارتفعوا؟
فليست شيئا يحسب له المتنازعان حسابا.
كلاّ؛ بل هي الثورة على أسس الحكم و الصرخة الّتي أرادت فاطمة عليها السّلام أن تقتلع بها الحجر الأساسي الّذي بني عليه التأريخ بعد يوم السقيفة.
و يكفينا لإثبات ذلك أن نلقي نظرة على الخطبة الّتي خطبتها الزهراء عليها السّلام في المسجد أمام الخليفة و بين يدي المجتمع المحتشد من المهاجرين و الأنصار، فإنّها دارت أكثر ما دارت حول امتداح عليّ عليه السّلام، و الثناء على مواقفه الخالدة في الإسلام، و تسجيل حقّ أهل البيت الّذين وصفتهم بأنّهم الوسيلة إلى اللّه في خلقه، و خاصّته و محلّ قدسه، و حجّته في غيبه، و ورثة أنبيائه في الخلافة.
و الحكم و إلفات المسلمين إلى حظّهم العاثر، و اختيارهم المرتجل و انقلابهم على أعقابهم، و ورودهم غير شربهم، و إسنادهم الأمر إلى غير أهله، و الفتنة الّتي سقطوا فيها، و الدواعي الّتي دعتهم إلى ترك الكتاب و مخالفته فيما يحكم به في موضوع الخلافة و الإمامة.
فالمسألة إذن ليست مسألة ميراث و نحلة إلاّ بالمقدار الّذي يتّصل بموضوع السياسة العليا، و ليست مطالبة بعقار أو دار، بل هي في نظر الزهراء عليها السّلام مسألة إسلام و كفر، و مسألة إيمان و نفاق، و مسألة نصّ و شورى.
و كذلك نرى هذا النفس السياسي الرفيع في حديثها مع نساء المهاجرين و الأنصار، إذ قالت فيما قالت:
أين زحزحوها عن رواسي الرسالة، و قواعد النبوّة، و مهبط الروح الأمين، و الطبين بأمر الدنيا و الدين؟ ألا ذلك هو الخسران المبين، و ما الّذي نقموا من أبي حسن عليه السّلام؟ نقموا و اللّه؛ نكير سيفه، و شدّة و طأته، و نكال وقعته و تنمّره في ذات اللّه.
و تاللّه؛ لو تكافؤا عن زمام نبذه إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لا عتلقه و سار إليهم سيرا سجحا، لا تكلم حشاشه، و لا يتعتع راكبه، و لأوردهم منهلا نميرا، فضفاضا تطفح فضفاضه، و لأصدرهم بطانا قد تحيّر بهم الرأي غير متحل بطائف إلاّ بغمر
الناهل، وردعه سورة الساغب، و لفتحت عليهم بركات من السماء و الأرض، و سيأخذهم اللّه بما كانوا يكسبون.
ألا هلمّ فاستمع! و ما عشت أراك الدهر عجبا، و إن تعجب فقد أعجبك الحادث، إلى أيّ لجأ استندوا؟
و بأيّ عروة تمسّكوا؟ لبئس المولى و لبئس العشير، و لبئس للظالمين بدلا.
إستبدلوا و اللّه؛ الذنابي بالقوادم و العجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا، ألا إنّهم هم المفسدون، و لكن لا يشعرون.
ويحهم! أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى اَلْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاٰ يَهِدِّي إِلاّٰ أَنْ يُهْدىٰ فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ؟
و لم يؤثر عن نساء النبيّ صلّى اللّه عليه و اله أنّهنّ خاصمن أبا بكر في شيء من ميراثهن أكن أزهد من الزهراء عليها السّلام في متاع الدنيا، و أقرب إلى ذوق أبيها في الحياة؟
أو أنّهنّ اشتغلن بمصيبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و لم تشغل بها بضعته؟
أو أنّ الظروف السياسيّة هي الّتي فرقت بينهنّ فأقامت من الزهراء عليها السّلام معارضة شديدة، و منازعة خطرة دون نسوة النبيّ اللاتي لم تزعجهنّ أوضاع الحكم.
و أكبر الظّن؛ أنّ الصدّيقة عليها السّلام كانت تجد في شيعة قرينها، و صفوة أصحابه الّذين لم يكونوا يشكّون في صدقها من يعطف شهادته على شهادة عليّ عليه السّلام، و تكتمل بذلك البيّنة عند الخليفة.
أفلا يفيدنا هذا أنّ الهدف الأعلى لفاطمة عليها السّلام الّذي كانوا يعرفونه جيّدا ليس هو إثبات النحلة أو الميراث؟ بل القضاء على نتائج السقيفة، و هو لا يحصل بإقامة البيّنة في موضوع فدك.
بل بأن تقدّم البيّنة لدى الناس جميعا على أنّهم ضلّوا سواء السبيل، و هذا
ما كانت تريد أن تقدّمه الحوراء في خطبتها المناضلة.
و لنستمع إلى كلام الخليفة بعد أن انتهت الزهراء عليها السّلام من خطبتها و خرجت من المسجد، فصعد المنبر و قال: أيّها الناس! ما هذه الرعة إلى كلّ قالة، لئن كانت هذه الأماني في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ألا من سمع فليقل، من شهد فليتكلّم، إنّما هو ثعالة شهيدة ذنبه، مرب لكلّ فتنة كأم طحال أحبّ أهلها إليها البغي! ! !
ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلت، و لو قلت لبحت أنّي ساكت ما تركت.
ثمّ التفت إلى الأنصار و قال: قد بلغني يا معشر الأنصار! مقالة سفهائكم و أحق من لزم عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أنتم، فقد جاءكم فآويتم و نصرتم، ألا إنّي لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم يستحق ذلك.
و هذا الكلام يكشف لنا عن جانب من شخصيّة الخليفة، و يلقي ضوءا على منازعة الزهراء عليها السّلام له.
و الّذي يهمّنا الآن ما يوضحه من أمر هذه المنازعة و انطباعات الخليفة عنها، فإنّه فهم-حقّ الفهم-أنّ احتجاج الزهراء عليها السّلام لم يكن حول الميراث أو النحلة، و إنّما كان حربا سياسيّة-كما نسمّيها اليوم-و تظلّما لقرينها العظيم الّذي شاء الخليفة و أصحابه أن يبعدوه عن المقام الطبيعي له في دنيا الإسلام.
فلم يتكلّم إلاّ عن عليّ عليه السّلام، فوصفه بأنّه ثعالة، و أنّه مرب لكلّ فتنة، و أنّه كأمّ طحال! ! و أنّ فاطمة عليها السّلام-العياذ باللّه-ذنبه التابع له، و لم يذكر عن الميراث قليلا أو كثيرا.
و لنلاحظ ما جاءت به الرواية في صحاح الستّة من أنّ عليّا عليه السّلام و العبّاس كانا يتنازعان في فدك في أيّام عمر بن الخطّاب، فكان عليّ عليه السّلام يقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جعلها في حياته لفاطمة عليها السّلام، و كان العبّاس يأبى ذلك، و يقول: هي ملك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أنا وارثه، و يتخاصمان إلى عمر، فيأبى أن يحكم بينهما و يقول:
أنتما أعرف بشأنكما، أما أنا فقد سلّمتها إليكما.
فقد نفهم من هذا الحديث-إذا كان صحيحا-أنّ حكم الخليفة كان سياسيّا موقّتا، و أنّ موقفه كان ضرورة من ضرورات الحكم في تلك الساعة الحرجة، و إلاّ فلمّا أهمل عمر بن الخطاب رواية الخليفة و طرحها جانبا و سلّم فدكا إلى العبّاس و عليّ عليه السّلام.
و موقفه منهما يدلّ على أنّه سلم فدكا إليهما على أساس أنّها ميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لا على وجه التوكيل.
إذ لو كان على هذا الوجه لما صحّ لعليّ عليه السّلام و العبّاس أن يتنازعا في أنّ فدكا هل هي نحلة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لفاطمة عليها السّلام أو تركة من تركاته الّتي يستحقّها ورثته.
و ما أثر هذا النزاع لو فرض أنّها في رأي الخليفة مال للمسلمين، و قد و كلهما في القيام عليه، و لفض عمر النزاع، و عرفها أنّه لا يرى فدكا مالا موروثا و لا من أملاك فاطمة عليها السّلام و إنّما أوكل أمرها إليهما لينوبا عنه برعايتها و تعاهدها.
كما أنّ عدم حكمه بفدك لعليّ عليه السّلام وحده معناه أنّه لم يكن واثقا بنحلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فدكا لفاطمة عليها السّلام، فليس من وجه لتسليمها إلى عليّ عليه السّلام و العبّاس إلاّ الإرث.
و إذن ففي المسألة تقديران:
أحدهما: أنّ عمر كان يتّهم الخليفة بوضع الحديث في نفي الإرث.
و الآخر: إنّه تأوّله و فهم منه معنى لا ينفي التوريث، و لكن لم يذكر تأويله و لم يناقش به أبا بكر حينما حدث به، و سواء أصحّ هذا أو ذاك، فالجانب السياسي في المسألة ظاهر، و إلاّ فلماذا يتّهم عمر الخليفة بوضع الحديث إذا لم يكن في ذلك ما يتّصل بسياسة الحكم يومئذ؟ و لماذا يخفي تأويله و تفسيره؟
و هو الّذي لم يتحرج عن إبداء مخالفته للنبيّ صلّى اللّه عليه و اله أو الخليفة الأوّل فيما اعترضهما من مسائل.
و إذا عرفنا أنّ الزهراء عليها السّلام نازعت في أمر الميراث بعد استيلاء الحزب الحاكم عليه، لأنّ الناس لم يعتادوا أن يستأذنوا الخليفة في قبض مواريثهم، أو في تسليم المواريث إلى أهلها، فلم تكن فاطمة عليها السّلام في حاجة إلى مراجعة الخليفة، و لم تكن لتأخذ رأيه و هو الظالم المنتزي على الحكم في رأيها.
فالمطالبة بالميراث لا بدّ أنّها كانت صدى لما قام به الخليفة من تأميمه للتركة-على ما نقول اليوم-و الإستيلاء عليها.
أقول: إذا عرفنا هذا و أنّ الزهراء عليها السّلام لم تطالب بحقوقها قبل أن تنتزع منها، تجلّى لدينا أنّ ظرف المطالبة كان مشجعا كلّ التشجيع للمعارضين على أن يغتنموا مسألة الميراث مادّة خصبة لمقاومة الحزب الحاكم على اسلوب سلمي كانت تفرضه المصالح العليا يومئذ، و اتّهامه بالغضب و التلاعب بقواعد الشريعة و الإستخفاف بكرامة القانون.
و إذا أردنا أن نفهم المنازعة في أشكالها و أسبابها على ضوء الظروف المحيطة بها و تأثيرها كان لزاما علينا أن نعرض تلك الظروف عرضا مستعجلا و نسجل صورة واضحة الألوان للعهد الإنقلابي بالمقدار الّذي يتصّل بغرضنا.
و لا أعني بالإنقلاب حين أصف عهد الخليفة الأوّل بذلك إلاّ مفهومه الحقيقي المنطبق على تلوّن السلطة الحاكم بشكل جمهوري يتقوّم بالثورة و يكتسب صلاحياته من الجماعات المنتخبة و نزعها لشكلها الأوّل الّذي يستمد قوّته و سلطته من السماء.
فقد كانت تلك اللحظة الّتي ضرب بها بشير بن سعد على يد الخليفة نقطة التحوّل في تأريخ الإسلام الّتي وضعت حدّا لأفضل العهود، و أعلنت عهدا آخر تترك تقريضه للتأريخ.
و قد كان ذلك في اليوم الّذي حانت فيه الساعة الأخيرة في تأريخ النبوّات الّتي قطعت أقدس أداة وصل بين السماء و الأرض، و أبركها و أفيضها خيرا و نعمة
و أجودها صقلا للإنسانية، إذ لفظ سيّد البشر نفسه الأخير و طارت روحه إلى الرفيق الأعلى، فكان قاب قوسين أو أدنى.
فهرع الناس إلى بيت النبوّة الّذي كان يشرق بأضوائه لتوديع العهد المحمّدي السعيد، و تشييع النبوّة الّتي كانت مفتاح مجد الامّة و سرّ عظمتها، و اجتمعوا حوله تتقاذفهم شتّى الخواطر، و ترتسم في أفكارهم ذكريات من روعة النبوّة و جلال النبيّ العظيم.
و قد خيل إليهم أنّ هذه السنوات العشر الّتي نعموا فيها برعاية خير الأنبياء، و أبر الآباء كانت حلما لذيذا تمتّعوا به لحظة من زمان، و ازدهرت به الإنسانيّة برهة من حياتها، و هاهم قد أفاقوا على أسوأ ما يستيقظ عليه نائم.
و بينما كان المسلمون في هذه الغمرة الطاغية، و الصمت الرهيب لا ينطق منهم أحد بكلمة، و قد اكتفوا في تأبين الراحل العظيم بالدموع و الحسرات و الخشوع و الذكريات يفاجؤون بصوت يجلجل في الفضاء، و يقطع خيط الصمت الّذي لفّ المجتمعين، و هو يعلن:
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لم يمت و لا يموت حتّى يظهر دينه على الدين كلّه، و ليرجعنّ فليقطعنّ أيدي رجال و أرجلهم ممّن أرجف بموته، لا أسمع رجلا يقول: مات رسول اللّه إلاّ ضربته بسيفي.
و التفت الأنظار إلى مصدر الصوت ليعرفوا القائل، فوجدوا عمر بن الخطّاب، قد وقف خطيبا بين الناس، و هو يجلجل برأيه في شدّة لا تقبل نزاعا، و شاعت الحياة في الناس من جديد، فتكلّموا و تحدّثوا في كلام عمر، و التف بعضهم حوله.
و أكبر الظنّ؛ أنّ قوله وقع من أكثرهم موقع الإستغراب و التكذيب، و حاول جماعة منهم أن يجادلوه في رأيه، و لكنّه بقي شديدا في قوله ثابتا عليه، و الناس يتكاثرون حوله و يتكلّمون في شأنه، و يعجبون لحاله.
___________
 ١ ) ورد حديث المنزلة في صحيح البخاري و مسلم و خصائص النسائي و مستدرك الحاكم و جامع الترمذي و مروج الذهب.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ربيع الاول

(١) هجرة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله إلى يثرب (المدينة المنورة) (٢) ليلة المبيت (٣) وفاة زوجة النبي...

المزید...

٣ ربيع الاول

احراق الكعبة

المزید...

٤ ربيع الاول

خروج النبي صلّى الله عليه وآله وسلم من الغار

المزید...

٥ ربيع الاول

(١) الهجوم على دار الزهراء سلام الله عليها (٢) وفاة السيدة سكينة ...

المزید...

٨ ربيع الاول

استشهاد الامام الحسن العسكري عليه السلام

المزید...

٩ ربيع الاول

(١) مقتل الخليفة الثاني (٢) قتل عمر بن سعد (٣) تسلّم الامام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف مهامّ الامامة...

المزید...

١٠ ربيع الاول

١) زواج النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله) من خديجة الكبرى(عليها السلام). ٢) وفاة عبدالمطّلب جدّ الرسول الأعظم ...

المزید...

١٢ ربيع الأوّل

١) وفاة المعتصم العباسي. ٢) وفاة أحمد بن حنبل.

المزید...

١٣ ربيع الأوّل

تأسست الدولة العباسية على يد أبوالعبّاس السفّاح

المزید...

١٤ ربيع الأوّل

١) موت يزيد بن معاوية. ٢) موت الخليفة العباسي موسى الهادي.

المزید...

١٥ ربيع الأوّل

بناء مسجد « قبا »

المزید...

١٦ ربيع الأوّل

وصول الأسرى إلى الشام

المزید...

١٧ ربيع الأوّل

١) ولادة النبي الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله). ٢) ولادة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام). ...

المزید...

١٨ ربيع الاول

بناء مسجد المدينة

المزید...

٢٥ ربيع الأوّل

٢٥ ربيع الأوّل غزوة دومة الجندل

المزید...

٢٦ ربيع الاول

صلح الامام الحسن بن علي المجتبى عليه السلام مع معاوية

المزید...
0123456789101112131415
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page