• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أحداث صفين:

و روى الامام أبو جعفر (ع) الكثير من أحداث صفين، و قد نقلها عنه نصر بن مزاحم، و الطبري و ابن أبي الحديد، و غيرهم من المؤرخين.
و فيما يلي بعضها:
فك الحصار عن الماء:
و زحف معاوية بجنوده الى صفين قبل أن يقدم إليها جيش الامام، و قد اجمع رأيه على احتلال الفرات فاحاطه بقوى مكثفة لمنع اصحاب الامام من الاستسقاء منه، و لما قدمت جيوش الامام رأوا الفرات قد احتلته قوات معاوية، و هي تمنعهم أشد المنع من الدنو منه، و قد روى الامام أبو جعفر (ع) كيفية فك احتلاله من قبل جيش الامام (ع) قال (ع) :
«و نادى الاشعث عمرو بن العاص، فقال: ويحك يا ابن العاص! خل يننا و بين الماء فو اللّه لئن لم تفعل لتأخذنا و اياكم السيوف، فقال عمرو:
و اللّه لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف و اياكم، فيعلم ربنا أينا اصبر اليوم، فترجل الاشعث و الأشتر و ذوو البصائر من اصحاب علي (ع) و ترجل معهما اثنا عشر الفا فحملوا على عمرو و أبى الأعور، و من معهما من أهل الشام، فأزالوهم عن الماء، حتى غمست خيل علي سنابكها في الماء»  1 و من الجدير بالذكر أن جيش الامام لما احتل الفرات أرادوا أن يقابلوا اهل الشام بالمثل فيمنعونهم عنه، كما صنعوا ذلك معهم، الا ان الامام لم يسمح لهم بذلك، و عاملهم معاملة المحسن الكريم فخلى بينهم و بين الماء.
معاوية مع ابن العاص:
و روى الامام أبو جعفر (ع) حديثا دار بين معاوية و عمرو بن العاص، قال (ع) : «طلب معاوية الى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام، فقال له عمرو: على أن لي حكمي إن قتل اللّه ابن أبي طالب، و استوسقت لك البلاد، قال: أ ليس حكمك في مصر؟ قال: و هل مصر تكون عوضا عن الجنة، و قتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم، و هم فيه مبلسون؟ فقال معاوية: إن لك حكمك أبا عبد اللّه إن قتل ابن أبي طالب، رويدا لا يسمع الناس كلامك، فقال لهم-أي لأهل الشام-عمرو: يا معشر أهل الشام سووا صفوفكم، و اعيروا ربكم جماجمكم، و استعينوا باللّه إلهكم، و جاهدوا عدو اللّه و عدوكم، و اقتلوهم قتلهم اللّه و أبادهم «وَ اِصْبِرُوا إِنَّ اَلْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ اَلْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»  2 .
و بهذا الخداع و التضليل استطاع معاوية أن يناجز الامام أمير المؤمنين عليه السلام رائد الحكمة و الحق في الأرض.
خطبة للامام بصفين:
و روى الامام ابو جعفر (ع) خطبة لجده الامام امير المؤمنين (ع) خطبها بصفين، و قد تحدث فيها عن سمو اخلاق النبي العظيم (ص) و مدى الخسارة العظمى التي منيت بها الانسانية بفقده (ص) كما ذكر فيها مكانته و منزلته عند النبي (ص) ثم دعا فيها الى جهاد عدوه معاوية ابن أبي سفيان، و هذا نصها:
«الحمد للّه على نعمه الفاضلة على جميع من خلق من البر و الفاجر، و على حججه البالغة على خلقه من اطاعه فيهم، و من عصاه، إن رحم فبفضله و منه، و إن عذب فبما كسبت أيديهم، و أن اللّه ليس بظلام للعبيد، أحمده على حسن البلاء، و تظاهر النعماء، و أستعينه على ما نابنا من أمر دنيا أو آخرة، و أومن به و أتوكل عليه، و كفى باللّه وكيلا، و أشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له، و اشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالهدى و دين الحق، ارتضاه لذلك، و كان أهله، و اصطفاه على جميع العباد لتبليغ رسالته، و جعله رحمة منه على خلقه، فكان كعلمه فيه رءوفا رحيما، اكرم خلق اللّه حسبا، و اجمله منظرا، و اسخاه نفسا و ابره بوالد، و أوصله لرحم، و افضله علما، و اثقله حلما، و أوفاه بعهد، و آمنه على عقد، لم يتعلق عليه مسلم و لا كافر بمظلمة قط، بل كان يظلم فيغفر، و يقدر فيصفح، و يعفو حتى مضى صلى اللّه عليه و آله مطيعا للّه، صابرا على ما اصابه، مجاهدا في اللّه حق جهاده حتى أتاه اليقين (ص) ، فكان ذهابه اعظم المصيبة على جميع اهل الأرض البر و الفاجر، ثم ترك كتاب اللّه فيكم يأمر بطاعة اللّه و ينهى عن معصيته، و قد عهد الي رسول اللّه (ص) عهدا فلست أحيد عنه، و قد حضرتم عدوكم و قد علمتم من رئيسهم منافق ابن منافق، يدعوهم الى النار، و ابن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم الى الجنة و الى طاعة ربكم، و يعمل بسنة نبيكم (ص) فلا سواء من صلى قبل كل ذكر، لم يسبقني بصلاتي مع رسول اللّه أحد، و أنا من اهل بدر، و معاوية طليق ابن طليق، و اللّه إنكم لعلى حق، و انهم لعلى باطل فلا يكونن القوم على باطلهم اجتمعوا عليه، و تفرقون عن حقكم، حتى يغلب باطلهم حقكم «قاتلوهم يعذبهم اللّه بأيديكم، فان لم تفعلوا يعذبهم بأيدي غيركم» فاجابه اصحابه قائلين: يا أمير المؤمنين انهض بنا الى عدونا و عدوك اذا شئت، فو اللّه ما نريد بك بدلا نموت معك، و نحيا معك، فقال لهم علي: «و الذي نفسي بيده لنظر الي رسول اللّه (ص) أضرب قدامه بسيفي، فقال: «لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى الا علي، و قال: «يا علي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، و موتك و حياتك يا علي معي» و اللّه ما كذبت، و لا كذبت، و لا ضللت و لا ضل بي، و ما نسيت ما عهد الي، و اني لعلى بينة من ربي، و اني لعلى الطريق الواضح، الفظه لفظا  3 .
يوم الهرير:
و كان من اعظم ايام صفين، و أشدها محنة يوم الهرير، و هو اليوم الأعظم-كما يسميه المؤرخون-فقد استعرت فيه نار الحرب، و أشتد أوارها، حتى خيم الفزع و الموت على الناس و قد تحدث عنه الامام أبو جعفر (ع) قال: «لما كان اليوم الأعظم، قال اصحاب معاوية: و اللّه لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا، فبادروا القتال غدوة في يوم من ايام الشعرى  4 طويل شديد الحر، فتراموا حتى فنيت النبال، و تطاعنوا حتى تقصفت الرماح، ثم نزل القوم عن خيولهم، و مشى بعضهم الى بعض بالسيوف، حتى كسرت جفونها، و قام الفرسان في الركب، ثم اضطربوا بالسيوف، و بعمد الحديد، فلم يسمع السامعون إلا تغمغم القوم، و صليل الحديد في الهام، و تكادم الأفواه، و كسفت الشمس و ثار القتام، و ضلت الألوية و الرايات، و مرت مواقيت اربع صلوات ما يسجد فيهن للّه إلا تكبيرا، و نادت المشيخة فى تلك الغمرات، يا معشر العرب اللّه، اللّه في الحرمات من النساء و البنات.»
و لما انتهى ابو جعفر الى هذه الكلمات بكى  5 فقد طافت به تلك الذكريات الحزينة التي تذيب من هولها القلوب، فقد مثلت أمامه محنة جده الامام امير المؤمنين (ع) حينما ابتلى بتلك الزمرة الخائنة التي عملت على محو الاسلام، و أزالة مكاسبه، و اعادة الحياة الجاهلية في الارض.
ان من ابشع مهازل التأريخ البشري هي مكيدة ابن العاص في رفع المصاحف و قد وصفها (راوحوست ميلر) بأنها من اشنع المهازل و اسوئها في التأريخ البشري  6 فقد اشرف جيش الامام على الفتح، و تفللت جميع قوى معاوية و أراد أن يلوذ بالفرار، و لجأ الى ابن العاص يطلب منه الرأي فأشار عليه برفع المصاحف و هي مكيدة مدبرة قد حيكت أصولها و وضعت مخططاتها بين ابن العاص و بين الاشعث بن قيس الماكر الخبيث في جيش الامام.
و قد تحدث الامام أبو جعفر عن عدد المصاحف التي رفعت، فقال عليه السلام: استقبلوا عليا بمائة مصحف و وضعوا في كل مجنبة  7 مائتي مصحف فكان جميعها خمسمائة مصحف.
و قام فريق من اتباع معاوية، فنادوا في المعسكر العراقي: «يا معشر العرب، اللّه اللّه في النساء، و البنات و الابناء من الروم و الأتراك و أهل فارس غدا إذا فنيتم، اللّه اللّه في دينكم هذا كتاب اللّه بيننا و بينكم.
و التاع الامام، و انبرى قائلا: اللهم إنك تعلم ما الكتاب يريدون فأحكم بيننا و بينهم انك أنت الحكم الحق المبين  8 .
و قد اطاحت هذه المكيدة بالنصر الذي أحرزه جيش الامام، فقد انقلب على اعقابه و ماج في الفتنة، و اضطرب كأشد ما يكون الاضطراب، و كان من المتوقع أن تمنى حكومة الامام بانقلاب عسكري يتزعمه الأشعث ابن قيس، و قد ادرك الامام هذا الوضع المتفجر فأبدى من الاناة و الصبر ما لا يوصف، فقد استجاب-على كره-الى إيقاف القتال، و أوعز الى قائد قواته المسلحة الزعيم مالك الأشتر بالانسحاب عن ساحة الحرب بعد ان اشرف على الفتح، و صار أمرا محتوما.
وثيقة التحكيم:
و بعد ان أجبر الامام على التحكيم الذي انقذ حكومة معاوية، و اطاح بحكومة الامام (ع) فقد تسابق زعماء الفتنة في جيش الامام مع اهل الشام الى تسجيل ما يرومونه من الشروط التي تنهي الحرب مؤقتا حتى يجتمع الحكمان، و قد روى الامام أبو جعفر (ع) نص الوثيقة، و أخذها عنه المؤرخون لهذه الاحداث و هذا نصها بعد البسملة:
«هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب، و معاوية بن أبي سفيان، قاضي علي بن أبي طالب على اهل العراق، و من كان معه من شيعته من المؤمنين و المسلمين، و قاضي معاوية بن أبي سفيان على اهل الشام، و من كان معه من شيعته من المؤمنين و المسلمين، اننا ننزل على حكم اللّه تعالى و كتابه، و لا يجمع بيننا الا إياه، و ان كتاب اللّه سبحانه تعالى بيننا من فاتحته الى خاتمته، نحيى ما احيا القرآن، و نميت ما امات القرآن، فان وجد الحكمان ذلك في كتاب اللّه اتبعاه، و إن لم يجداه أخذا بالسنة العادلة غير المفرقة، و الحكمان عبد اللّه بن قيس و عمرو بن العاص، و قد أخذ الحكمان من علي و معاوية و من الجندين انهما امينان على انفسهما و أموالهما و أهلهما، و الأمة لهما انصار، و على الذي يقضيان عليه و على المؤمنين و المسلمين من الطائفتين عهد اللّه ان يعملوا بما يقضيان عليه مما وافق الكتاب و السنة، و ان الأمن و الموادعة و وضع السلاح متفق عليه بين الطائفتين الى ان يقع الحكم، و على كل واحد من الحكمين عهد اللّه ليحكمن بالأمة بالحق، لا بالهوى، و أجل الموادعة سنة كاملة، فان احب الحكمان أن يعجلا الحكم عجلاه، و ان توفي أحدهما فلأمير شيعته أن يختار مكانه رجلا، لا يألوا الحق و العدل، و إن توفي أحد الأميرين كان نصب غيره الى اصحابه ممن يرضون أمره، و يحمدون طريقته اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة و أراد فيها إلحادا و ظلما. .»  9 
و وقع الفريقان على هذه الوثيقة، و لم تتعرض الى مطالبة معاوية بدم عثمان ذلك الدم الذي اتخذه شعارا لتمرده و بغيه على حكومة الامام، و من المؤكد انه لم يكن يهتم بعثمان فقد استنجد به حينما حاصره الثوار فاعاره اذنا صماء حتى قتل، فاتخذ قتله وسيلة لنيل اطماعه.
و بهذا ينتهي بنا الحديث عن روايات الامام ابي جعفر لأحداث صفين تلك الأحداث المؤلمة التي جرت للمسلمين اعظم المحن و الخطوب، و القتهم في شر عظيم.
_____________
1 ) شرح ابن أبي الحديد  ٣ / ٣٢۴ .
2 ) وقعة صفين (ص  ٢۶٧ ) .
3 ) وقعة صفين (ص  ٣۵۴ - ٣۵۶ ) .
4 ) الشعرى: كوكب نير يقال له المرزم يطلع بعد الجوزاء، و طلوعه في شدة الحر «اللسان» .
5 ) شرح النهج  ٢ / ٢١٢ - ٢١٣ ، وقعة صفين (ص  ۵۴٧ ) .
6 ) العقيدة و الشريعة في الاسلام (ص  ١٩٠ ) .
7 ) المجنبة: بكسر النون المشددة ميمنة الجيش و ميسرته.
8 ) شرح النهج  ٢ / ٢١٢ ، وقعة صفين (ص  ۵۴۶ - ۵۴٧ ) .
9 ) شرح النهج  ٢ / ٢٣٣ - ٢٣۴ .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page