• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مواعظه:

و وجه الامام أبو جعفر (ع) الى شيعته المواعظ التي وعظ بها الأوصياء أممهم فحذرهم من غرور الدنيا و فتنها، و بصرهم صولة الدهر، و فجائع الأيام، و دعاهم الى التفكر و التبصر فيما يصيرون إليه من مفارقة الدنيا الى القبور المظلمة، و اللحود الموحشة التي لا ينفع فيها إلا ما ادخره الانسان من العمل الصالح، و هذه بعض مواعظه:
 ١ -قال (ع) : «أيها الناس إنكم في هذه الدار اغراض تنتضل فيكم المنايا، لن يستقبل أحد منكم يوما جديدا من عمره إلا بانقضاء آخر من أجله، فأية اكلة ليس فيها غصص؟ أم أي شربة ليس فيها شرق؟ استصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه، فان اليوم غنيمة، و غدا لا تدري لمن هو، أهل الدنيا فى سفر يحلون عقد رحالهم في غيرها، قد خلت منا أصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد أصله.
أين الذين كانوا أطول أعمارا منكم و أبعد آمالا؟ ! أتاك يا ابن آدم ما لا ترده، و ذهب عنك ما لا يعود، فلا تعدن عيشا منصرفا عيشا، ما لك منه إلا لذة تزدلف بك الى حمامك، و تقربك من أجلك؟ فكأنك قد صرت الحبيب المفقود، و السواد المخترم، فعليك بذات نفسك، ودع ما سواها، و استعن باللّه يعنك. .»  1 
 ٢ -و حضر عنده جماعة من الشيعة فوعظهم، و حذرهم عقاب اللّه، فلم يحفلوا بكلامه فغاظه ذلك، و اطرق برأسه مليا الى الارض، ثم رفع رأسه، فجعل يعاتبهم، و يعظهم مرة أخرى قائلا:
«إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتا، الا يا أشباحا بلا أرواح و ذبابا بلا مصباح كأنكم خشب مسندة، و أصنام مريدة، أ لا تأخذون الذهب من الحجر، إلا تقتبسون الضياء من النور الأزهر، أ لا تأخذون اللؤلؤ من البحر، خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها و ان لم يعمل بها، فان اللّه يقول: «اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ هَدٰاهُمُ اَللّٰهُ»  2 .
ويحك يا مغرور أ لا تحمد من تعطيه فانيا، و يعطيك باقيا، درهم يفنى بعشرة تبقى الى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم آتاك اللّه عند مكافأة هو مطعمك و ساقيك، و كاسيك، و معافيك، و كافيك، و ساترك ممن يراعيك، من حفظك في ليلك و نهارك، و أجابك عند اضطرارك، و عزم لك على الرشد في اختبارك، كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك و خوفك، دعوته فاستجاب لك فاستوجب بجميل صنيعه الشكر فنسيته فيمن ذكر، و خالفته فيما أمر، ويلك انما أنت لص من لصوص الذنوب، كلما عرضت لك شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه، و أقدمت بجهلك عليه، فارتكبته كأنك لست بعين اللّه أو كأن اللّه ليس لك بالمرصاد! ! !
يا طالب الجنة ما أطول نومك، و أكل مطيتك، و أوهى همتك فلله أنت من طالب و مطلوب، و يا هاربا من النار ما أحث مطيتك إليها، و ما اكسبك لما يوقعك فيها! ! !
انظروا الى هذه القبور سطورا بافناء الدور، تدانوا في خططهم، و قربوا في مزارهم، و بعدوا في لقائهم، عمروا فخربوا، و انسوا فأوحشوا و سكنوا فأزعجوا، و قنطوا فرحلوا، فمن سمع بدان بعيد و شاحط  3 قريب و عامر مخرب، و آنس موحش، و ساكن مزعج، و قاطن مرحل غير أهل القبور! ! !
يا ابن الأيام الثلاثة: يومك الذي ولدت فيه، و يومك الذي تنزل فيه قبرك، و يومك الذي تخرج فيه الى ربك، فيا له من يوم عظيم يا ذوي الهيئة المعجبة و الهيم المعطنة  4 مالي ارى اجسامكم عامرة، و قلوبكم دامرة اما و اللّه لو عاينتم ما أنتم ملاقوه، و ما أنتم إليه صائرون لقلتم:
«يٰا لَيْتَنٰا نُرَدُّ وَ لاٰ نُكَذِّبَ بِآيٰاتِ رَبِّنٰا وَ نَكُونَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ»  5  قال جل من قائل: «بَلْ بَدٰا لَهُمْ مٰا كٰانُوا يُخْفُونَ . . وَ لَوْ رُدُّوا لَعٰادُوا لِمٰا نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكٰاذِبُونَ  6 »  7 .
لقد انكر الامام أبو جعفر (ع) على هؤلاء القوم انصرافهم عن وعظه، و ارشاداته الهادفة الى استقامتهم و حسن سلوكهم، و ظفرهم بخير الدنيا و الآخرة، و قد وجه إليهم هذه الموعظة البالغة فدعاهم الى اللّه، و التمسك بطاعته، فانه بيده الخير و الحرمان.
لقد وعظهم بهذه المواعظ التي تخشع لها النفوس، و تتوجل منها القلوب ليرجعهم الى حظيرة الايمان و واقع الاسلام.
 ٣ -و وعظ الامام بعض اصحابه فأحاطه علما بواقع هذه الحياة فقال (ع) له:
«انزل الدنيا كمنزل نزلته و ارتحلت عنه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت، و ليس معك منه شيء.»  8 
ان الانسان لو نظر الى الدنيا بهذه النظرة الصائبة، و تعرف على واقعها و حالها لما أصيب بداء الغرور و الأنانية، و الجشع و الطمع و غير ذلك من الآفات النفسية التي تضله عن طريق الحق.
 ۴ -و من مواعظه (ع) أنه قال: «ما اغرورقت عين بمائها من خشية اللّه إلا و حرم اللّه وجه صاحبها على النار، فان سالت على الخدين دموعه لم يرهق وجهه قتر و لا ذلة، و ما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة فان اللّه تعالى يكفر بها بحور الخطايا. .»  9 
لقد دعا (ع) الى البكاء من خشية اللّه فانه من علامة الايمان، و هو يكشف عن اتصال العبد بربه و خالقه.
 ۵ -قال (ع) : «اكثر من ذكر الموت فانه لم يكثر انسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا.»  10
ان الانسان متى ذكر الموت، و جعله أمام عينيه فانه يزهد في هذه الدنيا، و ينصرف عن مباهجها، و ملاذها.
 ۶ -و سئل الامام أبو جعفر عن أشد الناس زهدا؟ فقال (ع) :
من لا يبالي الدنيا في يد من كانت، فقيل له: من أخسر الناس صفقة؟ فقال (ع) : من باع الباقي بالفاني، فقيل له: من اعظم الناس قدرا؟ فقال (ع) : من لا يرى الدنيا لنفسه قدرا  11 .
 ٧ -و وعظ (ع) اصحابه فقال لهم: «إن اللّه تعالى يقول: يا ابن آدم تطولت عليك بثلاث: سترت عليك ما لو يعلم به اهلك ما داروك، و أوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا، و جعلت لك نظرة في ثلثك فلم تقدم خيرا.»  12 
هذه بعض النماذج من مواعظه القيمة و قد ساقها (ع) الى معالجة النفوس و تهذيبها، و كانت هذه الظاهرة التربوية من ابرز القيم في تعاليم أئمة أهل البيت (ع) .
____________
1 ) تحف العقول (ص  ٢٩٩ ) الكامل للمبرد  ١ / ١٢٧ .
2 ) سورة الزمر، آية  ١٨ .
3 ) الشاحط: البعيد.
4 ) الهيم: الأبل العطاش، العاطنة: الأبل التي رويت ثم بركت.
5 ) سورة الانعام: آية  ٢٧ .
6 ) سورة الانعام: آية  ٢٨ .
7 ) تحف العقول (ص  ٢٩١ - ٢٩٢ ) .
8 ) مرآة الجنان  ١ / ٢۴٨ ، شذرات الذهب  ١ / ١۴٩ .
9 ) اخبار الدول (ص  ١١ ) .
10 ) جامع السعادات  ٢ / ۶١ .
11 ) البيان و التبيين  ٣ / ١۶١ .
12 ) الخصال (ص  ١٣١ ) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page