بويع له بعهد من أبيه بعد هلاك أخيه في جمادى الآخرة سنة ( ٩۶ ه) و قد نكل بآل الحجاج تنكيلا فظيعا، و قد عهد بتعذيبهم إلى عبد الملك ابن المهلب ٢ و عزل جميع عمال الحجاج و اطلق في يوم واحد من سجنه واحدا و ثمانين ألفا، و أمرهم أن يلحقوا بأهاليهم، و وجد في السجن ثلاثين ألفا ممن لا ذنب لهم و ثلاثين ألف امرأة ٣ و كانت هذه من مآثره و ألطافه على الناس.
و كان مجحفا أشد الاجحاف في جباية الخراج فقد كتب إلى عامله على مصر اسامة بن زيد التنوخي رسالة جاء فيها «احلب الدر حتى ينقطع، و احلب الدم حتى ينصرم» و قدم عليه اسامة بما جباه من الخراج، و قال له: إني ما جئتك حتى نهكت الرعية، و جهدت فان رأيت أن ترفق بها و ترفه عليها، و تخفف من خراجها ما تقوى به على عمارة بلادها فافعل فانه يستدرك ذلك في العام المقبل فصاح به سليمان:
«هبلتك أمك احلب الدر، فاذا انقطع فاحلب الدم» ۴ .
و دلت هذه البادرة على تجرده من الرحمة و الرأفة على رعيته، فقد أمات الحركة الاقتصادية، و أشاع الفقر و البؤس في البلاد.
وفاته:
و يقول المؤرخون: إنه كان شديد الاعجاب بنفسه، و قد لبس أفخر ثيابه و راح يقول: أنا الملك الشاب المهاب، الكريم، الوهاب، و تمثلت أمامه احدى جواريه فقال لها:
«كيف ترين أمير المؤمنين؟ ! !» .
«أراه منى النفس، و قرة العين، لو لا ما قال الشاعر. .» .
«ما قال: ؟» .
«إنه قال:» .
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى غير أن لا بقاء للانسان
أنت من لا يريبنا منك شيء علم اللّه غير أنك فان
ليس فيما بدا لنا منك عيب يا سليمان غير أنك فان
فكانت هذه الأبيات كالصاعقة على رأسه، فقد تبدد جبروته و اعجابه بنفسه، و يقول المؤرخون: انه لم يمكث إلا زمنا يسيرا حتى هلك 5 و كانت خلافته سنتين و خمسة أشهر و خمسة أيام، و توفى يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر سنة ( ٩٩ ه) 6 .
_________
١ ) تأريخ ابن الأثير ۴ / ١٣٨ .
٢ ) تأريخ ابن الأثير ۴ / ١٣٨ .
٣ ) تأريخ ابن عساكر ۵ / ٨٠ .
۴ ) الجهشياري (ص ٣٢ ) .
5 ) مروج الذهب ٣ / ١١٣ .
6 ) تأريخ ابن الأثير ۴ / ١۵١ .
سليمان بن عبد الملك:
- الزيارات: 433