• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الوجه الأول

لما نظرنا في المذاهب(1) وجدنا أحقها وأصدقها وأخلصها عن شوائب الباطل، وأعظمها تنزيها لله تعالى ولرسله ولأوصيائه، (أحسن (ها في) المسائل الأصولية والفروعية، مذهب الإمامية.
لأنهم اعتقدوا أن الله تعالى هو المخصوص بالأزلية والقدم، وأن كل ما سواء محدث، لأنه واحد.
وأنه ليس بجسم، ولا في مكان، وإلا لكان محدثا، بل نزهوه عن مشابهة المخلوقات، وأنه تعالى قادر على جميع المقدورات.
وأنه عدل حكيم لا يظلم أحدا، ولا يفعل القبيح، وإلا لزم الجهل والحاجة، تعالى الله عنهما، ويثيب المطيع، لئلا يكون ظالما، ويعفو عن العاصي أو يعذبه بجرمه من(2) غير ظلم له.
وأن أفعاله محكمة واقعة لغرض ومصلحة، وإلا لكان عابثا، وقد قال: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين)(3)، وأنه أرسل الأنبياء لإرشاد العالم.
وأنه تعالى غير مرئي، ولا مدرك بشئ من الحواس، لقوله تعالى (لا تدركه الأبصار)(4)، وأنه(5) ليس في جهة.
وأن أمره ونهيه وإخباره حادث، لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخباره. وأن الأنبياء معصومون عن الخطاء والسهو والمعصية، صغيرها وكبيرها، من أول العمر إلى آخره(6)، وإلا يبق وثوق بما يبلغونه، فانتفت فائدة البعثة، ولزم التنفير عنهم، وأن الأئمة معصومون كالأنبياء في ذلك، لما تقدم.
و [ لأن الشيعة ] أخذوا أحكامهم الفروعية عن الأئمة المعصومين، الناقلين عن جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الأخذ ذلك من الله تعالى بوحي جبرئيل عليه السلام إليه، يتناقلون ذلك عن الثقات خلفا عن سلف، إلى أن تتصل الرواية بأحد المعصومين، ولم يلتفتوا إلى القول بالرأي والاجتهاد، وحرموا الأخذ بالقياس والاستحسان.
أما باقي المسلمين، فقد ذهبوا كل مذهب:
فقال بعضهم - وهم جماعة الأشاعرة - أن القدماء كثيرون مع الله تعالى، وهي المعاني التي يثبتونها موجودة في الخارج، كالقدرة والعلم وغيره ذلك، فجعلوه تعالى مفتقرا في كونه عالما إلى ثبوت معنى، هو العلم، وفي كونه قادر إلى ثبوت معنى هو القدرة، وغير ذلك، ولم يجعلوه قادرا لذاته، ولا عالما لذاته، ولا رحيما لذاته، ولا مدركا لذاته، بل لمعان قديمة يفتقر في هذه الصفات إليها، فجعلوه محتاجا، ناقصا في ذاته، كاملا بغيره، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
واعترض شيخهم فخر الدين الرازي عليهم بأن قال: إن النصارى كفروا لأنهم قالوا أن القدماء ثلاثة، والأشاعرة أثبتوا قدماء(7) تسعة، وقال جماعة الحشوية والمشبهة أن الله تعالى جسم له طول وعرض وعمق، وأنه يجوز عليه المصافحة، وأن المخلصين من المسلمين يعانقونه(8) في الدنيا(9).
وحكى الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوز رؤيته في الدنيا، وأن يزورهم ويزورونه(10).
وحكي عن داود الظاهري أنه قال: اعفوني عن اللحية والفرج، واسألوني عما رواه ذلك، وقال أن معبوده جسم ولحم ودم، وله جوارح وأعضاء وكبد ورجل ولسان وعينين(11) وأذنين، وحكي أنه قال: هو مجوف(12) من أعلاه إلى صدره، مصمت ما سوى ذلك، وله شعر قطط، (حتى قالوا: اشتكت)(13) عيناه فعادته الملائكة، وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، وأنه يفضل من العرش عنه من كل جانب أربع أصابع(14).
وذهب بعضهم إلى أنه تعالى ينزل في كل ليلة جمعة(15) على شكل أمرد حسن الوجه راكبا على حمار، حتى أن بعضهم ببغداد وضع على سطح داره معلقا، يضع كل ليلة جمعة فيه شعيرا وتبنا، لتجويز أن ينزل الله تعالى على حماره على ذلك السطح، فيشتغل الحمار بالأكل، ويشتغل الرب بالنداء " هل من تائب "، هل من مستغفر(16)؟ تعالى الله عن مثل هذه العقائد الردية(17) في حق الله تعالى.
وحكي عن بعض المنقطعين التاركين (الدنيا)(18) من شيوخ الحشوية، أنه اجتاز عليه في بعض الأيام نفاط ومعه أمرد حسن الصورة، قطط الشعر - على الصفات التي يصفون ربهم بها - فألح الشيخ في النظر إليه وكرره، وأكثر تصويبه إليه، فتوهم فيه النفاط، فجاء إليه ليلا، وقال: أيها الشيخ، رأيتك تلح بالنظر إلى هذا الغلام، وقد أتيت به إليك، فإن كان لك فيه نية(19) فأنت الحاكم، فحرد(20) عليه، وقال: إنما كررت النظر إليه لأن مذهبي أن الله تعالى ينزل الله على صورة هذا الغلام، فتوهمت أنه الله، فقال له النفاط: ما أنا عليه من النفاطة أجود مما أنت عليه من الزهد مع هذه المقالة.
وقالت الكرامية: أن الله تعالى في جهة فوق، ولم يعلموا أن كل ما هو في جهة فهو محدث، ومحتاج إلى تلك الجهة(21).
وذهب آخرون إلى أن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد، وآخرون إلى أنه لا يقدر على عين مقدور العبد، وذهب الأكثر منهم إلى أن الله تعالى يفعل القبائح: وأن جميع أنواع المعاصي والكفر وأنواع الفساد واقعة بقضاء الله تعالى وقدره، وأن العبد لا تأثير له في ذلك، وأنه لا غرض لله تعالى في أفعاله، ولا يفعل لمصلحة العباد شيئا، وأنه تعالى يريد المعاصي من الكافر ولا يريد منه الطاعة، وهذا يستلزم أشياء شنيعة:
منها: أن يكون الله تعالى أظلم من كل ظالم: لأنه يعاقب الكافر على كفره، وهو قدره عليه، ولم يخلق فيه قدرة على الإيمان، فكما أنه يلزم الظلم لو عذبه على لونه وطوله وقصره - لأنه لا قدرة له فيها - كذا يكون ظالما لو عذبه على المعصية التي فعلها فيه.
ومنها: إفحام الأنبياء وانقطاع حجتهم، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قال للكافر: " آمن بي وصدقني "، يقول له: " قل للذي بعثك يخلق في الإيمان أو القدرة المؤثرة فيه، حتى أتمكن من الإيمان فأومن، وإلا فكيف تكلفني الإيمان ولا قدرة لي عليه، بل خلق في الكفر، وأنا لا أتمكن من مقاهرة الله تعالى "، فينقطع النبي ولا يتمكن من جوابه، ومنها: تجويز أن يعذب الله تعالى سيد المرسلين على طاعته، ويثيب إبليس على معصية، لأنه يفعل (الأشياء)(22) لا لغرض، فيكون فاعل الطاعة سفيها: لأنه يتعجل من الاجتهاد في العبادة، وإخراج ماله في عمارة المساجد والربط والصدقات من غير نفع يحصل له: لأنه قد يعاقبه على ذلك، لأنه، ولو فعل - عوض ذلك - ما يلتذ به ويشتهيه من أنواع المعاصي قد يثيبه، فاختيار الأول يكون سفها عند كل عاقل، والمصير إلى هذا المذهب يؤدي إلى خراب العالم واضطراب أمر الشريعة المحمدية(23).
ومنها: أنه يلزم أن لا يتمكن أحد من تصديق أحد من الأنبياء عليهم السلام: لأن التوصل إلى ذلك والدليل عليه إنما يتم بمقدمتين: إحداهما: أن الله تعالى فعل المعجز على يد النبي لأجل التصديق. والثانية: أن كل ما صدقه الله تعالى فهو صادق، وكلتا المقدمتين لا تتم على قولهم، لأنه إذا استحال أن يفعل لغرض، استحال أن يظهر المعجز لأجل التصديق، وإذا كان فاعلا للقبيح، ولأنواع الإضلال والمعاصي والكذب وغير ذلك، جاز أن يصدق الكذاب فلا يصح الاستدلال على صدق أحد من الأنبياء، ولا التدين بشئ من الشرائع والأديان.
ومنها: أنه لا يصح أن يوصف الله تعالى بأنه غفور رحيم حليم عفو(24) لأن الوصف بهذه إنما يثبت لو كان الله تعالى مسقطا(25) للعقاب في حق الفساق، بحيث إذا أسقطه عنهم كان غفورا عفوا رحيما(26)، وإنما يستحق العقاب لو كان العصيان من العبد لا من الله تعالى.
ومنها: أنه يلزم منه(27) تكليف ما لا يطاق: لأنه يكلف الكافر بالإيمان (ولا قدرة له عليه، وهو قبيح عقلا، والسمع قد منع منه، فقال)(28): (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)(29) ومنها: أنه يلزم منه أن يكون أفعالنا الاختيارية الواقعة بحسب قصودنا ودواعينا، مثل حركتنا يمنة ويسرة، وحركة البطش باليد والرجل في الصنائع المطلوبة لنا، كالأفعال الاضطرارية، مثل حركة النبض وحركة الواقع من شاهق بإيقاع غيره، لكن الضرورة قاضية بالفرق بينهما، أن كل عاقل يحكم بأنا قادرون على الحركات الاختيارية، وغير قادرين على الحركة إلى السماء.
قال أبو الهذيل العلاف(30): " حمار بشر أعقل من بشر، لأن حمار بشر لو أتيت به إلى جدول صغير وضربته للعبور فإنه يطفره، ولو أتيت به(31) إلى جدول كبير لم يطفره، لأنه فرق بين ما يقدر على طفره، وما لا يقدر عليه(32) وبشر لا يفرق بين المقدور له وغير المقدور ".
ومنها: أنه يلزم أن لا يبقى عندنا فرق بين من أحسن إلينا غاية الإحسان طول عمره، وبين من أساء إلينا غاية الإساءة طول عمره، ولم يحسن منا شكر الأول وذم الثاني، لأن الفعلين صادران من الله تعالى عندهم.
ومنها: التقسيم الذي ذكره مولانا وسيدنا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام وقد سأله أبو حنيفة وهو صبي فقال: المعصية ممن؟ فقال الكاظم عليه السلام:
(المعصية إما من العبد أو من ربه أو منهما، فإن كان من الله تعالى فهو أعدل(33) وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت المعصية منهما فهو شريكه(34)، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت المعصية من العبد وحده فعليه وقع الأمر، وإليه توجه المدح والذم، وهو أحق بالثواب والعقاب، وجبت(35) له الجنة أو النار. فقال أبو حنيفة (ذرة بعضها من بعض)(36) ومنها: أنه يلزم أن يكون الكافر مطيعا بكفره، لأنه قد فعل ما هو مراد الله تعالى، لأنه أراد منه الكفر. وقد فعله، ولم يفعل الإيمان الذي كرهه الله تعالى منه، فيكون قد أطاعه لأنه فعل مراده ولم يفعل ما كرهه(37).
ومنها: أنه يلزم نسبة السفه(38) إلى الله تعالى، لأنه أمر الكافر بالإيمان ولا يريده منه، وينهاه عن المعصية وقد أرادها(39)، وكل عاقل ينسب من يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد إلى السفه، تعالى الله عن ذلك.
ومنها: أنه يلزم عدم الرضا بقضاء الله تعالى وقدره: لأن الرضا بالكفر حرام بالإجماع، والرضا بقضاء الله تعالى وقدره واجب، فلو كان الكفر بقضاء الله تعالى وقدره، وجب علينا الرضا به، لكن لا يجوز الرضا بالكفر.
ومنها: أنه يلزم أن نستعيذ بإبليس من الله تعالى، ولا يحسن قوله تعالى (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم)(40)، لأنهم نزهوا إبليس والكافر من المعاصي، وأضافوها إلى الله تعالى، فيكون على المكلفين شرا من إبليس عليهم، تعالى الله عن ذلك.
ومنها: أنه لا يبقى وثوق بوعد الله تعالى ووعيده، لأنهم إذا جوزوا استناد(41) الكذب في العالم إليه جاز أن يكذب في إخباراته كلها، فتنتفي فائدة بعثة الأنبياء، بل وجاز منه إرسال
الكذابين، فلا يبقى لنا طريق إلى تميز الصادق من الأنبياء والكاذب(42).
ومنها: أنه يلزم منه تعطيل الحدود والزواجر عن المعاصي، فإن الزنا إذا كان واقعا بإرادة الله تعالى، والسرقة(43) إذا صدرت من الله تعالى، وإرادته هي المؤثرة، لم يجز للسلطان المؤاخذة عليها، لأنه يصد السارق عن مراد الله تعالى ويبعثه على ما يكرهه الله تعالى، ولو صد الواحد منا غيره عن مراده، وحمله على ما يكرهه، استحق منه اللوم.
ويلزم أن يكون الله مريدا للنقيضين، لأن المعصية مرادة(44) الله تعالى، والزجر عنها مراد له أيضا.
ومنها: أنه يلزم منه مخالفة المعقول والمنقول، أما المعقول، فلما تقدم من العلم الضروري بإسناد(45) أفعالنا الاختيارية إلينا، وقوعها بحسب إرادتنا، فإذا أردنا الحركة يمنة لم يقع يسرة، وبالعكس، والشك في ذلك عين السفسطة.
وأما المنقول، فالقرآن مملوء من إسناد(546) أفعال البشر إليهم، كقوله تعالى (وإبراهيم الذي وفي)(47) (فويل للذين كفروا)(48)، (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون)(49) (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت(50) (اليوم تجزون ما كنتم تعملون)(51) (لتجزى كل نفس بما تسعى)(52) (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون)(43) (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها)(54) (ليوفيهم أجورهم)(55) (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)(56) (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات)(57) (كل امرئ بما كسب رهين)(58) (من يعمل سوءا يجز به)(59) (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي(60) (إن الله لا يظلم مثقال ذرة)(61) (وما ربك بظلام للعبيد)(62) (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)(63) (ولا يظلمون فتيلا)(64) (وما الله يريد ظلما للعباد)(65) وأي ظلم أعظم من تعذيب الغير على فعل لم يصدر منه، بل ممن يعذبه؟
قال الخصم: القادر يمتنع أن يرجح مقدوره من غير مرجح ومع المرجح يجب الفعل، فلا قدرة، ولأنه يلزم أن يكون الإنسان شريكا لله تعالى، ولقوله تعالى (والله خلقكم وما تعملون)(66).
والجواب عن الأول: المعارضة بالله تعالى، فإنه تعالى قادر، فإن افتقرت القدرة إلى والجواب عن الأول: المعارضة بالله تعالى، فإنه تعالى قادر، فإن افتقرت القدرة إلى المرجح - وكان المرجح موجبا للأثر - لزم أن يكون الله تعالى موجبا لا مختارا، فيلزم الكفر.
وعن الثاني: أي شركة هنا؟! والله تعالى هو القادر على قهر العبد وإعدامه، ومثال هذا أن السلطان إذا ولى شخصا بعض البلاد، فنهب وظلم وقهر، فإن السلطان يتمكن من قتله والانتقام منه واستعادة ما أخذه، وليس يكون شريكا للسلطان.
وعن الثالث: أنه إشارة إلى الأصنام التي كانوا ينحتونها ويعبدونها، فأنكر عليهم وقال (أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعلمون)(67).
وذهبت الأشاعرة إلى أن الله تعالى مرئي بالعين، مع أنه مجرد عن الجهات، وقد قال تعالى (لا تدركه الأبصار)(68)، وخالفوا الضرورة في(69) أن المدرك بالعين يكون مقابلا أو في حكمه، وخالفوا جميع العقلاء في ذلك وذهبوا إلى تجويز أن يكون بين أيدينا جبال شاهقة من الأرض إلى السماء، مختلفة الألوان لا نشاهدها، وأصوات هائلة لا نسمعها، وعساكر مختلفة متحاربة بأنواع الأسلحة، بحيث يماس أجسامنا أجسامهم(70)، لا نشاهد صورهم ولا حركاتهم، ولا نسمع أصواتهم الهائلة، وأن نشاهد جسما أصغر الأجسام، كالذرة في المشرق ونحن في المغرب مع كثرة الحائل بيننا وبينها، وهذا عين السفسطة(71).
وذهبوا إلى أنه تعالى آمر وناه(72) في الأزل، ولا مخلوق عنده(73)، قائلا (يا أيها النبي اتق الله)(74) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله)(75) (يا أيها الناس اتقوا ربكم)(76). ولو جلس شخص في منزله ولا غلام عنده، فقال: يا سالم قم، يا غانم كل، يا نجاح ادخل، قيل(77): لمن تنادي؟ فيقول(78): لعبيد أشتريهم بعد عشرين سنة، نسبه كل عاقل إلى السفه والحمق، فكيف يحسن منهم أن ينسبوا الله تعالى إليه في الأزل.
وذهب جميع من عدا الإمامية والإسماعيلية إلى أن الأنبياء والأئمة غير معصومين، فجوزوا بعثه من يجوز عليه الكذب والسهو والخطاء والسرقة، فأي وثوق يبقى للعامة في أقاويلهم؟ وكيف يحصل الانقياد إليهم؟ وكيف يجب اتباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون به خطأ؟ ولم يجعلوا الأئمة محصورين في عدد معين، بل كل من تابع(79) قرشيا انعقدت إمامته عندهم، ووجبت طاعته على جميع الخلق إذا كان مستور الحال، وإن كان على غاية من الفسوق(80) والكفر والنفاق.
وذهب الجميع منهم إلى القول بالقياس والأخذ بالرأي، فأدخلوا في دين الله ما ليس منه، وحرفوا أحكام الشريعة، وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا(81) في زمن صحابته، وأهملوا أقاويل الصحابة، مع أنهم نصوا على ترك القياس، وقالوا: أول من قاس إبليس.
وذهبوا بسبب ذلك إلى أمور شنيعة، كإباحة البنت المخلوقة من الزنا، وسقوط الحد عمن نكح أمه وأخته وبنته، مع علمه بالتحريم والنسب، بواسطة عقد يعقده وهو يعلم بطلانه، وعمن لف على ذكره خرقة وزنا بأمه أو بنته(82) وعن اللائط مع أنه أفحش من الزنا وأقبح.
وإلحاق نسب المشرقية بالمغربي(83)، فإذا زوج الرجل ابنته(84) وفي في المشرق، برجل هو وإياه في المغرب، ولم(85) يفترقا ليلا ونهارا، حتى مضت مدة ستة أشهر، فولدت البنت في المشرق، التحق نسب الولد بالرجل، وهو وأبوها في المغرب(86) مع أنه لا يمكنه الوصول إليها إلا بعد سنين متعددة، بل لو حبسه السلطان من حين العقد وقيده، وجعل عليه حفظة مدة خمسين سنة، ثم وصل إلى بلد المرأة، فرأى جماعة كثيرة من أولادها وأولاد أولادهم(87) إلى عدة بطون، التحقوا كلهم بالرجل الذي لم يقرب هذه المرأة ولا غيرها البتة.
وإباحة النبيذ مع مشاركته للخمر في الإسكار، والوضوء(88) والصلاة في جلد الكلب، وعلى العذرة اليابسة.
وحكى بعض الفقهاء لبعض الملوك - وعنده بعض فقهاء الحنفية - صفة صلاة الحنفي، فدخل دارا مغصوبة، وتوضأ بالنبيذ، وكبر(89) بالفارسية من غير نية(90) وقرأ (مدهامتان)(91) لا غير بالفارسية، ثم طأطأ رأسه من غير طمأنينة، وسجد كذلك، ورفع رأسه بقدر حد السيف، ثم سجد وقام ففعل كذلك ثانية، ثم أحدث، فتبرأ الملك - وكان حنيفا - من هذا المذهب.
وأباحوا المغصوب لو غير الغاصب الصفة، فقالوا: لو أن سارقا دخل بدار شخص له فيه دواب ورحى وطعام، فطحن السارق طعام صاحب الدار بدوابه وأرحيته ملك الطحين بذلك، فلو جاء المالك ونازعه، كان المالك ظالما والسارق مظلوما، فلو تقاتلا، فإن قتل المالك، كان ظالما(92)، وإن(93) قتل السارق كان شهيدا.
وأوجبوا الحد على الزاني إذا كذب الشهود، (وأسقطوه إذا صدقهم)(94) فأسقط الحد مع اجتماع الإقرار والبينة، وهذا ذريعة إلى إسقاط حدود الله تعالى، فإن كل من شهد عليه بالزنا يصدق الشهود ويسقط عنه الحد.
وإباحة الكلب(95)، وإباحة الملاهي، كالشطرنج والغناء وغير ذلك من المسائل التي لا يحتملها هذا المختصر.


____________
(1) سقط من " ش 1 ".
(2) الأنبياء: 16.
(3) الأنعام: 103.
(4) في " ش ": لأنه.
(5) أنظر كتاب " تنزيه الأنبياء " للسيد المرتضى " قده "، وقد فاضل الشيخ المفيد " قده " في كتاب " أوائل المقالات " بين الأنبياء والملائكة، فقال: اتفقت الإمامية على أن أنبياء الله تعالى ورسله من البشر أفضل من الملائكة، ووافقهم في ذلك أصحاب الحديث، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك. أوائل المقالات: 55.
(6) في " ر ": أن القدماء.
(7) في " ر ": يعاينونه.
(8) الملل والنحل 2: 148.
(9) الملل والنحل 1: 136، قال: " ومن مذهب الأشعري أن كل موجود يصح أن يرى، فإن المصح للرؤية إنما هو الوجود، والباري تعالى موجود، فيصح أن يرى ".
(10) في " ش 1 " و " ش 2 ": وعين.
(11) في " ر ": أجوف.
(12) ما بين القوسين ساقط من " ش 1 ".
(13) الملل والنحل 1: 149.
(14) في " ش 1 " و " ش 2 ": الجمعة.
(15) الملل والنحل 1: 153 - 154.
(16) في " ش 1 ": الدنية.
(17) وردت في " ش 1 " فقط.
(18) في " ش 2 ": حاجة أونية.
(19) أي غضب.
(20) الملل والنحل 1: 159.
وانظر دلائل الصدق 1: 135. والكرامية هم أصحاب أبي عبد الله محمد بن كرام.
(21) في " ش 2 " يفعل أشياء.
(22) في " ش 2 ": غفور حليم.
(23) في " ش 2 ": غفور حليم.
(24) في " ش 1 ": مستحقا، وهو تصحيف.
(25) في " ش 1 ": غفورا رحيما.
(26) ليس في " ش 2 ".
(27) في " ش 1 ": ولم يخلق قدرة الإيمان عليه، فكيف يؤمن عليه تعالى، وذلك أمر بلا طاقة قبيح عقلا وشرعا، مع أنه تعالى قال:
(28) البقرة: 286.
(29) محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول البصري شيخ البصريين في الاعتزال ومن أكبر علمائهم، وصاحب المقالات في مذهبهم، كان معاصرا لأبي الحسن الميثمي المتكلم الإمامي. حكي أنه سأل أبو الحسن أبا الهذيل فقال: ألست تعلم أن إبليس ينهى عن الخير كله ويأمر بالشر كله؟
قال: بلى.
قال: فيجوز أن يأمر بالشر كله وهو لا يعرفه، وينهى عن الخير كله وهو لا يعرفه؟
قال: لا.
فقال له أبو الحسن: قد ثبت أن إبليس يعلم الشر كله والخير كله. قال أبو الهذيل: أجل.
قال: فأخبرني عن إمامك الذي تأتم به بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل يعلم الخير كله والشر كله؟
قال: لا.
قال له: فإبليس أعلم من إمامك إذا.
فانقطع أبو الهذيل.
عن " الكنى والألقاب " للمحدث القمي 1: 170.
(30) في " ش 1 ": ولو بلغ.
(31) في " ش 2 ": ما يقدر عليه وما لا يقدر.
(32) العبارة بين القوسين ساقطة من " ش 1 ".
(33) في " ش 2 ": فهو شريكه فقط.
(34) في " ش 2 ": فوجبت.
(35) آل عمران: 34. وانظر هذه المحادثة في الاحتجاج للطبرسي 2: 387 - 388، وبحار الأنوار 48: 106.
(36) في " ش 2 ": بزيادة: ويكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاصيا، لأنه يأمره بالأيمان الذي لا يريده الله تعالى منه، وينهاه عن الكفر الذي يريده منه.
(37) في " ش 1 ": السفه والحمق.
(38) في " ش 2 ": وقد أرادها منه.
(39) النحل: 98.
(40) في " ش 1 ": إسناد.
(41) في " ش 1 ": المذهب. وهو تصحيف.
(42) في " ش 2 ": من الكاذب.
(43) في " ش 1 ": والكذب والسرقة.
(44) في " ش 1 ": مراد.
(45) في " ش 1 " و " ش 2 ": باستناد.
(46) في " ش 2 " بإسناد.
(47) النجم: 37.
(48) مريم: 37، ص 27، الذاريات: 60.
(49) النحل: 32.
(50) غافر: 17.
(51) الجاثية: 28.
(52) طه: 15.
(53) النحل: 90.
(54) الأنعام: 160.
(55) فاطر: 30.
(56) البقرة: 286.
(57) النساء: 160.
(58) الطور: 21.
(59) النساء 123. وفي " ش 2 " بزيادة. (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها)، (ذلك بما قدمت يداك) ، (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وهي الآيات: فصلت: 46، الحج: 10، الشورى: 30 على التولي.
(60) إبراهيم: 22. وفي " ش 1 " بزيادة: (فلا تلوموني ولوموا أنفسكم).
(61) النساء: 40.
(62) فصلت: 46.
(63) النحل: 118.
(64) الإسراء: 71، النساء: 49.
(65): غافر: 31.
(66) الصافات: 96.
(67) الصافات: 95 و 96.
(68) الأنعام: 103.
(69) في " ش 2 ": من.
(70) في " ش 2 ": أجسامنا وأجسامهم.
(71) أنظر " دلائل الصدق " 1: 89 - 92.
(72) في " ش 2 ": أمرنا ونهانا.
(73) الملل والنحل 1: 129.
(74) الأحزاب: 1.
(75) البقرة 278، المائدة: 35، التوبة: 119، الأحزاب: 70، الحديد: 28، الحشر: 18.
(76) النساء: 1، الحج: 1، لقمان: 33.
(77) في " ش 1 ": فقيل.
(78) في " ش 2 ": يقول.
(79) في " ش 1 " و " ش 2 ": بايع.
(80) في " ش 1 " و " ش 2 ": الفسق.
(81) ساقطة من " ش 1 ".
(82) في " ش 1 " و " ش 2 ": و.
(83) في " ش 1 ": بالمغربي مثلا.
(84) في " ش 1 ": بنته.
(85) في " ش 2 ": فلم.
(86) في " ش 1 ": بالرجل الذي في المغرب.
(87) في " ش 2 ": أولادها وأولادهم.
(88) في " ش 1 ": والوضوء به.
(89) في " ش 2 " وقرأ.
(90) في " ش 2 ": عربية.
(91) الرحمن / 64.
(92) في " ش 1 ": هدرا.
(93): في " ش 2 ": ولو.
(94) ما بين القوسين ساقط من " ش 1 ".
(95) في " ش 1 ": وإباحة أكل الكلب واللواط بالعبيد.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page