لسنا من المغالين إذا قلنا إن الإمام أبا جعفر الباقر (عليه السّلام) كان فريد عصره، لا يدانيه أحد فيما اختص به من مميزات تقدم ذكرها أهلته لأن يكون مرجعا للعلماء و مقصدا لطلاب العلم، فاحتل بذلك تلك المكانة المرموقة بين علماء عصره و العصور التي تلت، فقد أجمع رجال الفكر و العلم على عظيم منزلته و مكانته، و الاعتراف له بالفضل و التفوق العلمي، فاتفقت كلماتهم على أنه من أسمى الشخصيات العلمية التي عرفها العالم العربي و الإسلامي آنذاك، و إليك بعضا من كلماتهم تحمل في طياتها انطباعات أولئك العلماء الإجلاء عنه:
١ -قال محمد بن المنكدر (ت: ١٣٠ ه) : ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضله و غزارة علمه و حلمه حتى رأيت ابنه محمدا ١ .
٢ -قال الإمام أبو عبد اللّه الصادق (ت: ١۴٨ ه) : حدثني أبي و كان خير محمدي يومئذ على وجه الأرض ٢ .
٣ -قال سديف المكي (ت: ١۴۶ ه) : ما رأيت محمديا قط يعدله ٣ .
۴ -قال هشام بن عبد الملك (ت: ١٢۵ ه) : يا محمد لا تزال العرب و العجم تسودها قريش ما دام فيها مثلك ۴ .
۵ -قال عبد اللّه بن عطاء المكي: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي لتواضعهم له، و معرفتهم بحقه و علمه، و اقتباسهم منه، و لقد رأيت الحكم بن عتيبة على جلالته و سنه و هو بين يديه يتعلم منه، و يأخذ عنه، كالصبي بين يدي معلمه ۵ .
۶ -كان جابر بن يزيد الجعفي إذا حدث عن الإمام الباقر (عليه السّلام) يقول:
حدثني وصي الأوصياء، و وارث علم الأنبياء ۶ .
٧ -قال فيه عمر بن عبد العزيز (ت: ١٠١ ه) : إن أهل هذا البيت لا يخليهم اللّه من فضله ٧ .
٨ -قال ابن سعد: كان ثقة كثير العلم و الحديث ٨ .
٩ -قال أبو زرعة: إن أبا جعفر لمن أكبر العلماء 9 .
١٠ -قال أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالشيخ المفيد (ت:
۴١٣ ه) : كان الباقر (عليه السّلام) محمد بن علي بن الحسين من بين إخوته خليفة أبيه و وصيه. . . و برز على جماعتهم بالفضل في العلم و الزهد و السؤدد، و كان أنبههم ذكرا، و أجلّهم في العامة و الخاصة، و أعظمهم قدرا، و لم يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين من علم الدين و الآثار و السنة و علم القرآن و السيرة و فنون الآداب، ما ظهر عن أبي جعفر، و روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة، و وجوه التابعين، و رؤساء فقهاء المسلمين، و صار بالفضل به علما لأهله 10 .
١١ -قال الحافظ أحمد بن عبد اللّه المعروف بأبي نعيم الأصفهاني (ت:
۴٣٠ ه) : و منهم الحاضر الذاكر، الخاشع الصابر، أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السّلام) ، كان من سلالة النبوة، و ممن جمع حسب الدين و الأبوة، تكلم في العوارض و الخطرات، و سفح الدموع و العبرات، و نهى عن المراء و الخصومات 11 .
١٢ -قال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي-من علماء القرن السادس الهجري-: قد اشتهر الباقر (عليه السّلام) في العالم لتبرزه على الخلق في العلم و الزهد و الشرف ما لم يؤثر عن أحد من أولاد الرسول (صلى الله عليه و آله) من علوم القرآن و الآثار و السنن 12 .
١٣ -قال الشيخ العالم كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي (ت: ۶۵۴ ه) : هو باقر العلم و جامعه، و شاهر علمه و رافعه، و متوافق دره و راصعه، صفا قلبه، و زكا عمله، و طهرت نفسه، و شرفت أخلاقه، و عمرت بطاعة اللّه أوقاته، و رسخت في مقام التقوى قدمه، و ظهرت عليه سيماء الازدلاف، و طهارة الاجتباء 13 .
١۴ -قال الحافظ أبو زكريا محي الدين بن شرف النووي (ت: ۶٧۶ ه) :
هو تابعي جليل، و إمام بارع، مجمع على جلالته، معدود في فقهاء المدينة و أئمتهم. . و عد من روى عنه فقال: و خلائق آخرون من التابعين و كبار الأئمة، و روى له البخاري و مسلم 14 .
١۵ -قال أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد المعروف بابن خلكان (ت: ۶٨١ ه) : كان الباقر عالما، سيدا كبيرا، و إنما قيل له الباقر لأنه تبقر في العلم: أي توسع 15 .
١۶ -قال أبو عبد اللّه شمس الدين الذهبي (ت: ٧۴٨ ه) : كان الباقر سيد بني هاشم في زمانه، اشتهر بالباقر من قولهم بقر العلم: يعني شقه فعلم أصله و خفيه 16 .
و قال أيضا: كان الباقر أحد من جمع بين العلم و العمل و السؤدد و الشرف و الثقة و الرزانة، و كان أهلا للخلافة 17 .
١٧ -قال تاج الدين بن محمد بن حمزة المعروف بنقيب حلب (ت: ٧۵٣ ه) : أبو جعفر، باقر العلم هو أول من اجتمعت له ولادة الحسن و الحسين، كان واسع العلم، وافر الحلم، روي عنه حديث كثير، و نقل عنه علم جم 18 .
١٨ -قال الإمام أبو محمد عبد اللّه بن أسعد بن علي اليافعي اليمني (ت: ٧۶٨ ه) : أبو جعفر الباقر محمد بن زيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضوان اللّه عليهم) ، أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الإمامية و هو والد جعفر الصادق، لقب بالباقر (عليه السّلام) لأنه بقر العلم أي شقه و توسع فيه 19 .
١٩ -قال الحافظ المفسر المؤرخ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (ت: ٧٧۴ ه) : هو تابعي جليل، كبير القدر، أحد أعلام هذه الأمة علما و عملا و سيادة و شرفا. . . سمي الباقر لبقره العلوم و استنباطه الحكم 20 .
٢٠ -قال الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي (ت: ٩٧۴ ه) : أبو جعفر محمد الباقر، سمي بذلك من بقر الأرض أي شقها و أثار مخبآتها و مكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، و حقائق الأحكام و الحكم و اللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية و السريرة 21 .
٢١ -قال جمال الدين أحمد بن علي بن عنبة الأصغر (ت: ٨٢٨ ه) :
كان محمد الباقر واسع العلم، وافر الحلم، و جلالة قدره أشهر من أن ينبه عليها 22 .
٢٢ -قال محمد بن محمد الجزري (ت: ٨٣٣ ه) : محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، لأنه بقر العلم أي شقه و عرف ظاهره و خفيه، و كان سيد بني هاشم علما و فضلا و سنة 23 .
٢٣ -و نقل شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:
٨۵٢ ه) أقوال العلماء فيه و منها: قال العجلي: مدني تابعي، ثقة. و قال ابن البرقي: كان فقيها فاضلا. و ذكره النسائي في فقهاء أهل المدينة من التابعين 24 .
٢۴ -قال الإمام علي بن محمد بن أحمد المالكي الشهير بابن الصباغ (ت:
٨۵۵ ه) : هو باقر العلم و جامعه و شاهره و رافعه و متفوق دره و راصعه، صفا قلبه، و زكا عمله، و طهرت نفسه، و شرفت أخلاقه 25 .
٢۵ -قال مؤرخ دمشق شمس الدين محمد بن طولون (ت: ٩۵٣ ه) : كان الباقر عالما، سيدا كبيرا، و إنما قيل له الباقر لأنه بقر العلم أي توسع فيه 26 .
٢۶ -قال العالم عبد الرءوف المناوي (ت: ١٠٢٢ ه) : محمد الباقر بن علي بن الحسين، سمي به لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله و خفيه، و له من الرسوخ في مقام العارفين ما تكل عنه ألسن الواصفين، و له كلمات كثيرة في السلوك و المعارف يعجز عن حكايتها الواصف 27 .
٢٧ -قال المؤرخ الأديب أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت: ١٠٨٩ ه) : أبو جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كان من فقهاء أهل المدينة، و قيل له الباقر لأنه بقر العلم أي شقه و عرف أصله و توسع فيه، و هو أحد الأئمة الاثني العشر على اعتقاد الإمامية، قال عبد اللّه بن عطاء: ما رأيت العلماء أصغر منهم علما عنده، و له كلام نافع في الحكم و المواعظ 28 .
٢٨ -قال الشيخ محمد باقر المجلسي (ت: ١١١١ ه) : لم يظهر عن أحد من ولد الحسن و الحسين من العلوم ما ظهر منه في التفسير و الكلام و الفتيا و الحلال و الحرام. . . و قد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة و وجوه التابعين و رؤساء فقهاء المسلمين، فمن الصحابة: جابر بن عبد اللّه الأنصاري، و من التابعين نحو: جابر بن يزيد الجعفي و كيسان السختياني صاحب الصوفية، و من الفقهاء نحو: ابن المبارك، و الزهري، و الأوزاعي، و أبو حنيفة. . . و من المصنفين نحو: الطبري، و البلاذري، و الخطيب في تواريخهم، و في الموطأ و شرف المصطفى و حلية الأولياء، و سنن أبي داود، و مسند أبي حنيفة، و ترغيب الأصفهاني، و بسيط الواحدي و تفسير العياشي، و الزمخشري، و معرفة أصول السمعاني و كانوا يقولون: محمد بن علي، و ربما قالوا: محمد الباقر 29 .
٢٩ -قال الحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت: ١٢٩۴ ه) :
أظهر مكنونات كنوز المعارف و حقائق الأحكام و اللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية و السريرة، و هو باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه بصفاء قلبه و ذكاء نفسه و طهر نسبه و شرف خلقه 30 .
٣٠ -قال صلاح الدين بن خليل بن أيبك الصفدي: كان أحد من جمع العلم و الفقه و الديانة و الثقة و السؤدد، و كان يصلح للخلافة، و هو أحد الأئمة الاثني عشر 31 .
٣١ -قال محمد بن حبان البستي: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والد جعفر بن محمد الصادق، من أفاضل أهل البيت و قرائهم 32 .
٣٢ -قال عبد القادر الشيخاني: محمد الباقر كان أشهر أهل زمانه، و أكملهم فضلا، و أعظمهم نبلا، و لم يظهر في زمنه عند أحد من علم الدين و السنن و علم القرآن و التفسير و فنون الآداب مثل ما ظهر منه 33 .
٣٣ -قال التلمساني: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، و هو والد جعفر الصادق يقال له الباقر، سمي باقرا، لتبحره في العلم، و هو الشق و التوسعة، تابعي، عدل، ثقة، و إمام مشهور 34 .
٣۴ -قال الأستاذ محمد فريد و جدي: كان الباقر عالما نبيلا، و سيدا جليلا، و سمي الباقر لأنه بقر العلم أي توسع فيه 35 .
٣۵ -قال الأستاذ خير الدين الزركلي: أبو جعفر الباقر خامس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، كان ناسكا عابدا، له في العلم و التفسير آراء و أقوال، ولد بالمدينة و توفي بالحميمة 36 .
٣۶ -قال الشيخ محمد أبو زهرة: و كان محمد ابنه-أي ابن زين العابدين- وريثه في إمامة العلم، و نبل الهداية، و لذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية و ما زار أحد المدينة إلا عرج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه 37 .
٣٧ -قال الشيخ أحمد فهمي: الإمام الباقر، هو خامس الأئمة عند الإمامية و كان (رضي اللّه عنه) أصدق الناس، و أحسنهم بهجة، و أبدعهم لهجة 38 .
اكتفينا بذكر هذه الأقوال لما فيها من كفاية في توضيح مكانة الإمام الباقر (عليه السّلام) ، و ما قال العلماء في حقه، فهم سجلوا إكبارهم و تقديرهم لشخصيته الفذة بما كشفوه من بعض الجوانب المضيئة من حياته، و يمكن أن نستخلص مما تقدم ما يلي:
أولا: كان من الرواد الأوائل للحركة العلمية في عصره.
ثانيا: كان على درجة عالية من الورع و الحرج في الدين، و من العارفين، مما جعله إمام المتقين و المنيبين 39 .
ثالثا: لم يكن هناك من يضاهيه في الفضل و العلم لتقدمه على علماء عصره، و أنه كان يفوق إخوته في الفضل و العلم و أبناء عمومته و سائر المنتمين إلى الشجرة العلوية، كما ورد في الفقرة العاشرة من الشهادات السالفة.
رابعا: سعة علوم الإمام و معارفه في الفقه و الكلام و التفسير و التاريخ و الحكم و الآداب، لهذا قال ما قال عنه عمر بن عبد العزيز في الفقرة السابعة من الشهادات السالفة.
_________
١ ) فرق الشيعة، النوبختي، ۶۶ +معرفة الرجال، الكشي، ٢٢۵ .
2 ) تهذيب التهذيب، العسقلاني، ٩ / ٣۵٢ +الإرشاد، الشيخ المفيد، ٢٩٢ .
3 ) البداية و النهاية، ابن كثير الدمشقي، ٩ / ٣٠٩ .
4) الأمالي، الشيخ الصدوق، ٢٩٧ .
5 ) مخطوطة الدر النظيم، ابن حاتم، الورقة ١٨۵ .
6 ) حلية الأولياء، الأصفهاني، ٣ / ١٨۶ +مخطوطة تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج ۵١ /الورقة ۴٣ +مرآة الجنان، اليافعي، ١ / ٢۴٨ .
7 ) مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ۴ / ١٨٠ .
8 ) مخطوطة تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج ۵١ /الورقة ۴۶ +تاريخ اليعقوبي، ٢ / ٣٠۵ .
9 ) الطبقات الكبرى، ابن سعد، ۵ / ١٣٨ .
10 ) أعيان الشيعة، محسن الأمين، ق ١ / ۴ / ۴٨۵ .
11 ) الإرشاد، الشيخ المفيد، ٢٩٣ .
12 ) حلية الأولياء، الأصفهاني، ٣ / ١٨٢ .
13 ) أعلام الورى، الطبرسي، ٢۶٨ .
14 ) مطالب السئول، ابن طلحة الشافعي، ٢ / ۵٠ .
15 ) تهذيب الأسماء و اللغات، النووي، ١ / ٨٧ .
16 ) وفيات الأعيان، ابن خلكان، ٣ / ٣١۴ .
17 ) تذكرة الحفاظ، الذهبي، ١ / ١٢۴ .
18 ) سير أعلام النبلاء، الذهبي، ۴ / ۴٠٢ .
19 ) غاية الاختصار: ابن حمزة، ١٠۴ .
20 ) مرآة الجنان، اليافعي، ١ / ٢۴٧ .
21 ) البداية و النهاية، ابن كثير الدمشقي، ٩ / ٣٠٩ .
22 ) الصواعق المحرقة، الهيثمي، ١٢٠ .
23 ) عمدة الطالب، ابن عنبة الأصغر، ١٨۴ .
24 ) غاية النهاية، ابن الجزري، ٢ / ٢٠٢ .
25 ) تهذيب التهذيب، العسقلاني، ٩ / ٣۵٠ - ٣۵١ .
26 ) الفصول المهمة، ابن الصباغ المالكي، ١٩٢ .
27 ) الشذرات الذهبية، ابن طولون، ٨١ .
28 ) الكواكب الدرية، المناوي، ١ / ١۶۴ .
29 ) شذرات الذهب، ابن العماد الحنبلي، ١ / ١۴٩ .
30 ) بحار الأنوار، المجلسي، ١١ / ٨۴ .
31 ) ينابيع المودة، القندوزي الحنفي، ۴٣٣ .
32 ) الوافي بالوفيات، الصفدي، ۴ / ١٠٢ .
33 ) مشاهير علماء الأمصار، البستي، ۶٢ .
34 ) الصراط السوي، الشيخاني، ١٩۴ .
35 ) شرح الشفا، الخفاجي، ١ / ٢٩٢ .
36 ) دائرة معارف القرن العشرين، محمد فريد و جدي، ٣ / ۵۶٣ .
37 ) الأعلام، الزركلي، ٣ / ٩٣٢ .
38 ) الإمام الصادق، محمد أبو زهرة، ٢٢ .
39) الإمام زين العابدين، أحمد فهمي أبو سنة، ١٨ .
40 ) حياة الإمام الباقر، باقر شريف القرشي، ١ / ١١٢ .
المبحث الرابع مكانته و أقوال العلماء فيه
- الزيارات: 394