• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المبحث الأول تفسير القرآن بالقرآن

إن القرآن الكريم بنيان إلهي متكامل، و نص سماوي مترابط يتوقف بعضه على بعض و يفسر بعضه بعضا، و إن ثلة من آياته قد لا يتوصل إلى فهمها فهما خالصا إلا بعد الوقوف في موضع آخر من نفس السورة أو في سورة أخرى على معناها باعتباره كتابا مقدسا، و لقد جاء في القرآن الكريم ما يشير إلى هذه الحقيقة كما في قوله تعالى: وَ لَوْ كٰانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اَللّٰهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلاٰفاً كَثِيراً  ١ ، و قوله تعالى: اَللّٰهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ اَلْحَدِيثِ كِتٰاباً مُتَشٰابِهاً مَثٰانِيَ  ٢ .
لذلك قال الشاطبي: إن القرآن كالسورة الواحدة  ٣ ، و ورد عن ابن عباس (رضي اللّه عنه) إنه قال: القرآن يشبه بعضه بعضا و يرد بعضه على بعض  ۴ ، إذن ففيه المجمل و المبين لذلك المجمل و فيه العام و مخصصه و فيه المطلق و مقيده و فيه الخاص الذي هو قطعي الدلالة غالبا و ما كان منه ظنيا فبيانه بالسنة الشريفة، فعند النظر للقرآن الكريم و التدبر في معانيه نجد أن بعضه يفسر بعضا كما قال العلماء  ۵ ، فكان أول ما يجب أن ينتبه إليه المفسر للقرآن الكريم هو الرجوع إلى القرآن نفسه و التأسيس على آياته لكي يصل إلى المعنى المراد، و يكون قوله أقرب إلى مراد اللّه تعالى من كلامه فصار بذلك تفسير القرآن بالقرآن أصح الطرق و أنجحها، يقول الزمخشري: أسد المعاني ما دلّ عليه القرآن  ۶ ، و قال ابن تيمية: إن أصح طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن فما أجمل في مكان فإنه قد فسّر في موضع آخر و ما اختصر في مكان قد بسط في موضع آخر  7 ، فالآية القرآنية تزداد دلالتها وضوحا و تبيانا بالاستعانة بآية أخرى و تظهر دلالتها على المعنى المراد في ربطها بآية تشابهها، فالقرآن يكاد يكون سلسلة تامة يأخذ بعضه برقاب بعض 8 .
و هذا النوع من التفسير لا يجوز ردّه و يجب الأخذ به لأن اللّه تعالى أعلم بمراد نفسه من غيره و أصدق الحديث كتاب اللّه، و أن أول من نبّه على هذا النوع من التفسير هو الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) عند تفسيره لقوله تعالى: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمٰانَهُمْ بِظُلْمٍ 9 و قد سار على هذا المنهج جملة من الصحابة أمثال الإمام علي بن أبي طالب و أبي بن كعب و عبد اللّه بن مسعود رضوان اللّه عليهم و غيرهم.
و قد كان للإمام الباقر معالم واضحة و دلالات بينة في سلوك هذا المنهج التفسيري الراقي، و كان اعتماده عليه بارزا في تفسيره للقرآن الكريم، حتى غدا أهم سمة لمنهجه في التفسير، و هذه خصيصة لا تتهيأ إلا لمن كان متبحرا بمقاصد الآيات و معانيها، و متميزا بفطنة واسعة في فهمها و إدراك أسبابها، و كيف لا يتأتى ذلك للإمام الباقر و قد نشأ و درج في آل البيت و معدن الرسالة و مهبط الوحي و فيما يأتي تطبيقات لهذا العرض من تفسيره و التي بلغت وفق المنهج الاستقرائي الذي أجريناه ( ١٨۶  شاهدا) ، أذكر منها:
 ١ -روي بسند صحيح عن سدير الصيرفي قال: سمعت حمران بن أعين سأل أبا جعفر (عليه السّلام) عن قول اللّه (عزّ و جلّ) : . . . بَدِيعُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ  10 فقال أبو جعفر: إن اللّه (عزّ و جلّ) ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله، فابتدع السموات و الأرض و لم يكن قبلهن سماوات و أرضون، أما تسمع قولة تعالى: وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى اَلْمٰاءِ 11  12 .
فقد استطاع الإمام الباقر أن يوصل سائله إلى قناعة بأن اللّه سبحانه و تعالى قد خلق السموات و الأرض بدون مثال سبق مستدلا بآية أخرى من مكان آخر في القرآن الكريم.
 ٢ -روى محمد بن مسعود العياشي بسنده عن محمد بن مسلم الطائفي عن الإمام أبي جعفر الباقر في قوله تعالى: مٰا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهٰا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهٰا أَوْ مِثْلِهٰا  13 قال (عليه السّلام) : ما حول و ما نسيها مثل الغيب الذي لم يكن بعد كقوله تعالى: يَمْحُوا اَللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ اَلْكِتٰابِ  14 ، و قال (عليه السّلام) :
و يفعل اللّه ما يشاء و يحول ما يشاء، مثل قوم يونس إذ بدا له فرحمهم، و مثل قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمٰا أَنْتَ بِمَلُومٍ  15 ، قال: فادركتهم رحمته  16 .
 ٣ -روى الطبرسي في تفسير قوله تعالى: إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا اَلْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا  17 ، أن الإمام الباقر قال: إن أداء الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج من الأمانة، و يكون من جملتها الأمر لولاة الأمر بقسم الصدقات و الغنائم و غير ذلك مما يتعلق به حق الرعية، و قد عظم اللّه سبحانه أمر الأمانة بقوله: يَعْلَمُ خٰائِنَةَ اَلْأَعْيُنِ  18 ، و قوله: لاٰ تَخُونُوا اَللّٰهَ وَ اَلرَّسُولَ 19 ، و قوله: وَ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتٰابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطٰارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ 20  21 .
حيث فسّر الإمام الباقر أداء الأمانة بتعظيم جرم الخيانة و تهويله و ذكر لتوضيح ذلك آيتين من آيات الذكر الحكيم، و بين صفة حميدة من صفات بعض أهل الكتاب و هي أداء الأمانة، و عدّها فضيلة وثّق اللّه سبحانه و تعالى ذكرها في القرآن الكريم و تسجيلها لأصحابها في آية ثالثة.
 ۴ -روى محمد بن مسعود العياشي في تفسير قوله تعالى: . . . فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلاٰةِ  22 بسنده عن حريز قال: قال زرارة و محمد بن مسلم:
قلنا لأبي جعفر (عليه السّلام) : ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي: قال: إن اللّه يقول:
وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي اَلْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلاٰةِ فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر. قالا: قلنا: إنما قال: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ و لم يقل افعلوا فكيف أوجب اللّه ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ قال: أو ليس قد قال في الصفا و المروة: فَمَنْ حَجَّ اَلْبَيْتَ أَوِ اِعْتَمَرَ فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا  23 ، أ لا ترى أن الطواف واجب مفروض لأن اللّه ذكرهما في كتابه و صنعهما نبيه (صلى الله عليه و آله) و كذلك التقصير في السفر شيء صنعه النبي (صلى الله عليه و آله) و ذكره اللّه في الكتاب 24 .
سنتكلم على هذا الشاهد في مكان آخر من هذه الدراسة، و خاصة عند الحديث عن تفسير الإمام لبعض الآيات المتعلقة بفقه القرآن، غير أننا لا نعدم هنا أن نذكر أن الإمام الباقر قد وفق أشد التوفيق في تقريب الصورة من أذهان السائلين من أن هذه الآية مفسرة بآية أخرى تتعلق بوجوب الطواف بين الصفا و المروة فاستنبط هو وجوب التقصير بالسفر من خلال عرض أية التقصير على آية الطواف.
 ۵ -روى جلال الدين السيوطي في تفسيره، في تفسير قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بٰالِغَ اَلْكَعْبَةِ  25 اخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر محمد بن علي: أن رجلا سأل عليا عن الهدي ما هو؟ قال:
من الثمانية الأزواج، فكأن الرجل شكّ، فقال علي: تقرأ القرآن؟ فقال الرجل:
نعم، قال: فسمعت اللّه يقول: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ اَلْأَنْعٰامِ  26 ، قال: نعم، فقال علي: سمعته يقول: وَ يَذْكُرُوا اِسْمَ اَللّٰهِ
فِي أَيّٰامٍ مَعْلُومٰاتٍ عَلىٰ مٰا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ اَلْأَنْعٰامِ  27  و وَ مِنَ اَلْأَنْعٰامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً  28 و . . . مِنْ بَهِيمَةِ اَلْأَنْعٰامِ فَكُلُوا مِنْهٰا  29 قال: نعم، قال الإمام:
فسمعته يقول: مِنَ اَلضَّأْنِ اِثْنَيْنِ وَ مِنَ اَلْمَعْزِ اِثْنَيْنِ  30 و وَ مِنَ اَلْإِبِلِ اِثْنَيْنِ وَ مِنَ اَلْبَقَرِ اِثْنَيْنِ  31 ، قال: نعم، قال: فسمعته يقول: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بٰالِغَ اَلْكَعْبَةِ قال الرجل: نعم، فقال: إن قتلت ظبيا فما عليّ؟ قال علي: هديا بالغ الكعبة، قال الرجل: نعم، فقال علي: قد سماه اللّه بالغ الكعبة كما تسمع 32 .
 ۶ -روى العياشي بسنده في تفسير قوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ شَهِدْنٰا  33 ، عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر الباقر، قال، قلت له: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ شَهِدْنٰا قال (عليه السّلام) : اخرج اللّه من ظهر أدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا و هم كالذر، فعرفهم نفسه، و أراهم نفسه، و لو لا ذلك ما عرف أحد ربه و ذلك قوله تعالى: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اَللّٰهُ  ٨  ٩ ) .
بين الإمام الباقر في تفسيره لهذه الآية أن اللّه سبحانه و تعالى قد أخذ ميثاقا من بني آدم بعبادته و عدم الاشراك به و هم ذر في الظهور-أي منذ الخلق الأول- بآية أخرى من القرآن الكريم و استطاع بذلك أن يفسر الآيتين الواحدة بالاخرى.
 ٧ -روى علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ  34 عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن قوله تعالى:
يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّمٰاوٰاتُ وَ بَرَزُوا لِلّٰهِ اَلْوٰاحِدِ اَلْقَهّٰارِ قال الإمام: تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغوا من الحساب، قال اللّه:
وَ مٰا جَعَلْنٰاهُمْ جَسَداً لاٰ يَأْكُلُونَ اَلطَّعٰامَ  35   36  .
حيث أقنع الإمام الباقر سائله عن تفسير هذه الآية بالآية الثانية، من أن الناس يوم الحساب تحتاج أجسادهم إلى الغذاء و لا يمنعهم من ذلك هول ذلك اليوم و رهبته.
و يؤيد هذا التفسير مناظرة جرت بين الإمام الباقر و الأبرش الكلبي أبي مجاشع بن الوليد من أنه قال للإمام: بلغني أنك قلت في تفسير قوله تعالى:
يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ أنها تبدّل خبزة، فقال أبو جعفر (عليه السّلام) :
صدقوا، تبدّل الأرض خبزة نقية في الموقف يأكلون منها فضحك الأبرش و قال:
أما لهم شغل بما هم فيه عن أكل الخبز؟ فقال (عليه السّلام) : ويحك، أي المنزلتين هم أشد شغلا و أسوأ حالا إذ هم في الموقف أو في النار يعذبون؟ فقال: لا، في النار، فقال الإمام الباقر: ويحك، إن اللّه يقول: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ* فَمٰالِؤُنَ مِنْهَا اَلْبُطُونَ* فَشٰارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ اَلْحَمِيمِ* فَشٰارِبُونَ شُرْبَ اَلْهِيمِ  37 ، قال: فسكت  38 .
 ٨ -و نجد الإمام الباقر يقرن الآيات التي تتناول موضوعا واحدا مما يعد منهجا للتفسير الموضوعي للقرآن الكريم، روى العياشي باسناده عن ليث بن سليم عن
أبي جعفر (عليه السّلام) عند ما ذكرت قصة موسى عنده فقال: شكى موسى إلى ربه الجوع في ثلاثة مواضع، في قوله تعالى: آتِنٰا غَدٰاءَنٰا لَقَدْ لَقِينٰا مِنْ سَفَرِنٰا هٰذٰا نَصَباً  39 ، و في قوله تعالى: لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً  40 ، و في قوله تعالى: رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ  41  42 .
 ٩ -روى محمد بن يعقوب الكليني باسناده عن زرارة و حمران ابني أعين في حديث للإمام الباقر يجمع فيه الآيات القرآنية ليصل إلى المعنى المراد منها، من ذلك قوله (عليه السّلام) : و نزل بالمدينة وَ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنٰاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمٰانِينَ جَلْدَةً وَ لاٰ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ  43 ، قال: فبرأه اللّه مما كان مقيما على الفرية من أن يسمى بالايمان، قال اللّه (عزّ و جلّ) : أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ  44 ، و جعله منافقا فقال اللّه إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ  45 ، و جعله اللّه من أولياء ابليس فقال: إِلاّٰ إِبْلِيسَ كٰانَ مِنَ اَلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ  46 و جعله ملعونا فقال: إِنَّ اَلَّذِينَ يَرْمُونَ اَلْمُحْصَنٰاتِ اَلْغٰافِلاٰتِ اَلْمُؤْمِنٰاتِ لُعِنُوا فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ  47 ، و ليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب، فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال اللّه (عزّ و جلّ) : فَمَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولٰئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتٰابَهُمْ وَ لاٰ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً  48  49 .
إن الإمام الباقر استنادا إلى آية ثم نظائرها اشتق و انتزع صفات من يرمي المحصنات، مكتشفا أنه ليس مؤمنا بآية و هو فاسق بآية أخرى و هو من أولياء ابليس بثالثة و هو ملعون بآية رابعة، و بذلك يتبين أن الإمام قد أسهم في إرساء أصول تفسير القرآن بالقرآن بجمع النظائر إلى بعضها للوصول إلى إكمال التصور القرآني الشامل حول موضوع واحد.
 ١٠ -روى علي بن إبراهيم القمي بسنده عن زرارة و حمران أن الإمام الباقر قال في تفسير قوله تعالى: وَ لَذِكْرُ اَللّٰهِ أَكْبَرُ  50 ، قال:
ذكر اللّه لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه، أ لا ترى أنه يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ  51  52 .
من هذه الشواهد المجتزئة مما أحصيناه يتبين أنّ الإمام الباقر قد وكد القوانين التفسيرية الآتية:
أ-إن الأصل الأول في تفسير القرآن بالقرآن يعتمد في الرجوع إلى آياته ذاتها.
ب-يجب جمع الآيات القرآنية إلى نظائرها و ضم بعضها إلى بعض حتى يتوصل إلى فهم دقيق للمراد القرآني.
ج-إذا أردنا الحصول على تصور قرآني شامل لموضوع معين يجب مراعاة التصور القرآني أولا و بعدها ضم المعاني القرآنية المشتملة على افراد الموضوع الواحد بعضها إلى بعض.
د-السير وفق هذا المنهج لهو أعلى يقينية من الموارد الاخرى.
و بذلك يكون الإمام الباقر قد شارك في وضع مجموعة من القواعد و التي كونت مع غيرها من الموارد أصولا للتفسير، سار عليها المتأخرون بعده ممن فسروا القرآن الكريم في الرجوع إلى القرآن ذاته.
___________
 ١ ) النساء/ ٨٢ .
 ٢ ) الزمر/ ٢٣ .
 ٣ ) الموافقات، الشاطبي، ٣ / ٢۵۴ .
 ۴ ) جامع البيان، الطبري، ٣ / ٢١٠ +تفسير القرآن العظيم، ابن كثير الدمشقي، ۴ / ٧۶ .
 ۵ ) ظ: الكشاف، الزمخشري، ٢ / ۴٣٠ +مقدمة في أصول التفسير، ابن تيمية، ٩٣ .
 ۶ ) الكشاف، الزمخشري، ٢ / ١٩٣ .
 7 ) مقدمة في أصول التفسير، ابن تيمية، ٩٣ +التفسير الكبير، الرازي، ٢ / ٢٣١ .
 8 ) ظ: القرآن المجيد، محمد عزت دروزة، ٢٠٩ - ٢١٠ .
 9 ) الأنعام/ ٨٢ .
 10 ) البقرة/ ١١٧ .
 11 ) هود/ ٧ .
 12 ) الشافي في شرح أصول الكافي الشيخ عبد الحسين المظفر، ٧ / ٢٢٧ +تفسير القرآن، علي بن إبراهيم القمي، ١ / ۵۴۵ +مجمع البيان الطبرسي، ۴ / ۴۴٣ +تفسير نور الثقلين، العروسي الحويزي، ١ / ١٠٠ .
 13 ) البقرة/ ١٠۶ .
 14 ) الرعد/ ٣٩ .
 15 ) الذاريات/ ۵۴ .
 16 ) تفسير العياشي، محمد بن مسعود، ١ / ۵۵ .
 17 ) النساء/ ۵٨ .
 18 ) غافر/ ١٩ .
 19 ) الانفال/ ٣٧ .
 20 ) آل عمران/ ٧۵ .
 21 ) مجمع البيان، الطبرسي، ٣ / ۶٣ +قلائد الدرر، الشيخ أحمد الجزائري، ٢ / ٣٠٨ .
 22 ) النساء/ ١٠١ .
 23 ) البقرة/ ١۵٨ .
 24 ) تفسير العياشي، محمد بن مسعود، ١ / ٧١ +تفسير القرآن، علي بن إبراهيم القمي، ١ / ۴١٠ +الصافي في تفسير القرآن، الفيض الكاشاني، ١ / ٣٨٩ +بحار الانوار، محمد باقر المجلسي، ١٨ / ۶٩۴ .
 25 ) المائدة/ ٩۵ .
 26 ) المائدة/ ١ .
 27 ) الحج/ ٢٨ .
 28 ) الانعام/ ١۴٢ .
 29 ) الحج/ ٢٨ .
 30 ) الانعام/ ١۴٣ .
 31 ) الانعام/ ١۴۴ .
 32 ) الدر المنثور، السيوطي، ٢ / ٣٣٠ .
 33 ) الاعراف/ ١٧٢ .
 34 ) لقمان/ ٢۵ .
 35 ) تفسير العياشي، محمد بن مسعود، ٢ / ۴٠ +تفسير القرآن علي بن إبراهيم القمي، ٢ / ۵٠ + بحار الانوار، محمد باقر المجلسي، ٣ / ٧١ .
 36 ) إبراهيم/ ۴٨ .
 37 ) الانبياء/ ٨ .
 38 ) تفسير القرآن، علي بن إبراهيم القمي، ٢ / ٢٢٣ +الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٩ / ٣٨٢ +تفسير العياشي، محمد بن مسعود، ٢ / ٢٣٧ +بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ٣ / ٢٢١ .
39 ) الواقعة/ ۵٢ - ۵۵ .
40 ) مجمع البيان، الطبرسي، ۶ / ٣٢۴ +البرهان في تفسير القرآن، علي بن إبراهيم القمي،  ٢ / ٣٢٣ +بحار الانوار، محمد باقر المجلسي، ٣ / ٢٢١ . و قد ذكرنا في مكان آخر أنه جرت مناظرة تشبهها مع هشام بن عبد الملك استدل الإمام فيها بآيات غيرها.
 41 ) الكهف/ ۶٢ .
 42 ) الكهف/ ٧٧ .
 43 ) القصص/ ٢۴ .
 44 ) تفسير العياشي، محمد بن مسعود، ٢ / ٣٣٠ +تفسير القرآن، القمي، ٢ / ۴٧۶ +بحار الأنوار، المجلسي، / ٢٩۶ .
 45 ) النور/ ۴ .
 46 ) السجدة/ ١٨ .
 47 ) التوبة/ ۶٧ .
 48 ) الكهف/ ۵٠ .
 49 ) النور  ٢٣ - ٢۴ .
 50 ) الاسراء/ ٧١ .
 51 ) الشافي في شرح أصول الكافي، الشيخ عبد الحسين المظفر، ۶ / ١٢٢ +الصافي في تفسير القرآن، الفيض الكاشاني، ٢ / ١۵۵ .
 52 ) العنكبوت/ ۴۵ .
 53 ) البقرة/ ١۵٢ .
 54 ) تفسير القرآن، القمي  ٢ / ١۴٧ +الصافي في تفسير القرآن، الفيض الكاشاني  ٢ / ٢٨٩ . .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page