• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المبحث الأول قيمة تفسيره و مكانته

تبين من خلال ما تقدم من فصول بهذه الرسالة أن للإمام الباقر (عليه السّلام) آثارا و أقوالا لا يستهان بها بل شكلت ثروة تفسيرية قيمة، و لم يكن هذا القول اعتباطا أو تخمينا، و إنما استطعنا البرهنة عليه من خلال عرضنا للروايات التفسيرية المنقولة عنه من جهة و من حيث ما اجتمع في تفسيره من الخصائص ما يؤهله لأن يصبح مرجعا في تفسير كتاب اللّه، و من الصفات ما يجعل لآرائه و أقواله من قيمة بين أقوال غيره من العلماء من جهة أخرى، و سنعرض فيما يأتي لأهم تلك الخصائص و الصفات التي يمكن أن تكون عوامل مهمة جدا في جعل تفسيره تفسيرا معتمدا عليه بين المفسرين.
أولا: عنايته بكتاب اللّه و تشدده في تفسيره
كان الإمام الباقر (عليه السّلام) أحد المقرئين لكتاب اللّه و أجاد في قراءته فأصبح يعلمه الناس، بل شارك في وضع بعض الضوابط لقراءة القرآن الكريم، فكان يوصي بتلاوته بالصوت الحسن لأنه ينفذ إلى أعماق القلب و الوجدان، و كان هو من أحسن الناس صوتا بقراءته  ١ .
و من تلك الضوابط الفنية التي شارك الإمام الباقر (عليه السّلام) في وضعها لتلاوة القرآن الكريم هو الترجيع بقراءته فقد روى أبو بصير قال: قلت لأبي جعفر إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال: إنما ترائي بهذا أهلك و الناس، فقال الإمام: يا أبا محمد اقرأ قراءة بين القراءتين، تسمع أهلك، و رجّع بالقرآن صوتك فإن اللّه يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعا  ٢ 
و كان الإمام ملما بأسباب النزول، محيطا بأقوال المتقدمين من الصحابة و التابعين في معرفة الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه، متحريا لما نقل عنهم في تفسير القرآن الكريم، فالإحاطة بهذه الأمور تكشف للمفسر معاني القرآن الكريم و مقاصده، و توصله إلى المعنى المراد لأن معرفة ضوابط التفسير و تطبيقها هي مما يجعل النص التفسيري مقبولا لدى المفسرين.
و قد تشدد الإمام الباقر (عليه السّلام) في تفسير القرآن الكريم حيث اعتبر التفسير المعتمد على الرأي و الاستحسانات العقلية تفسيرا بعيدا عن المعنى المراد و قد يؤدي بصاحبه إلى الهلكة، فلذلك نهى عنه فقد دخل عليه قتادة بن دعامة فقال له الإمام: أنت فقيه أهل البصرة؟ قال قتادة: هكذا يزعمون. قال الإمام: بلغني أنك تفسر القرآن، قال قتادة نعم.
فأنكر عليه الإمام ذلك قائلا: يا قتادة إن كنت قد فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت و أهلكت، و إن كنت قد فسرته من الرجال فقد هلكت و أهلكت، يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به  3 .
و عند تحليل هذا النص يتبين أن الإمام الباقر (عليه السّلام) قد حصر معرفة تفسير القرآن الكريم بالآخذ ممن خوطب به القرآن و هم: النبي (صلى الله عليه و آله) و الصحابة رضوان اللّه عليهم الذين شهدوا التنزيل، فهم يعرفون المحكم و المتشابه، و الناسخ و المنسوخ و ليس عند غيرهم معرفة بذلك.
ثانيا: اهتمامه بالاستعمالات المجازية في القرآن و معرفة معانيه
كان الاستعمال المجازي شائعا في كلام العرب، ذائعا في كثير من جوانب الاستعمال كالإسناد المجازي و المجاز في اللفظة و العبارة، و منه أيضا الكنايات التي قيل إنها ابلغ من التصريح و يعتبر ذلك من لطائف هذه اللغة و محاسنها.
و جاء في القرآن الكريم الكثير من الآيات المتضمنة للاستعمال المجازي، و قد شارك الإمام الباقر (عليه السّلام) في إيضاحه و بيانه، فمما ورد في القرآن الكريم قوله
تعالى: يٰا إِبْلِيسُ مٰا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ  4 ، فإنّ المعروف من اليد هو العضو المخصوص، و يستحيل ذلك على اللّه تعالى لاستلزامه التجسيم و هو مما يمتنع عقلا على اللّه تعالى، فقد سأل محمد بن مسلم الإمام أبا جعفر الباقر (عليه السّلام) فأجابه: اليد في كلام العرب القوة و النعمة، قال تعالى: وَ اُذْكُرْ عَبْدَنٰا دٰاوُدَ ذَا اَلْأَيْدِ  5 و قال تعالى: وَ اَلسَّمٰاءَ بَنَيْنٰاهٰا بِأَيْدٍ. . .  6 أي بقوة، و قال تعالى: وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ 7 ، و يقال لفلان عندي أيادي كثيرة أي: فواضل و إحسان، و له عندي يد بيضاء أي نعمة  8 .
و معنى هذا أن اليد لم تستعمل هنا في معناها المعروف المخصوص و إنما استعملت في غيره أما مجازا أو حقيقة بناء على إنها مشتركة اشتراكا لفظيا في هذه المعاني التي وضحها الإمام.
و لم يكن الإمام ليكتفي بهذا كله دون معرفة ما يعنيه القرآن الكريم و يقصده، بل كان ولوعا بفهمه و معرفة معانيه، و لهذا كان يحذر من الذين يرددون ألفاظه بدون فهم و معرفة لمعانيه، فيكتب في رسالته إلى بعض أصحابه معرضا و ذاما للذين يؤولون آياته حسب أهوائهم قال فيها: و كان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه، و حرفوا حدوده، فهم يروونه و لا يرعونه، و الجهال يعجبهم حفظهم للرواية، و العلماء يحزنهم تركهم للرعاية  9 .
و الرعاية هنا هي معرفة ما يقتضيه الخطاب و يستدعيه البيان، فلا أثر عنده لكثرة قراءة القرآن الكريم و تلاوته دون التدبر في معانيه و معرفة مراميه، و مما يؤكد اهتمامه بمعرفة المعاني القرآنية هو ورود ذلك الكم الهائل من الروايات التفسيرية المنقولة عنه.
ثالثا: قدرته و قابليته على استنباط المعاني للآيات
وهب اللّه سبحانه و تعالى الإمام الباقر (عليه السّلام) قدرة فائقة و قابلية واسعة في فهم كتاب اللّه، و هذا مما لا ييسره سبحانه و تعالى لكل أحد بل هي موهبة منه، و بها يبرز من يبرز من الرجال، و يكون له مقام بين العلماء، و قد اتضح ذلك من خلال ما قدمنا عنه في معرض الحديث عن مصادره في التفسير و بينا كيف يستنبط المعاني و يربط بين الآيات و يجمع الآيات التي تخص موضوعا بعينه بما يمثل تفسيرا موضوعيا للقرآن الكريم، و يجيب سائليه على ما أشكل فيها، و أحيانا يرفع التعارض الذي قد يحصل فيما بينها موضحا لهم لما اجمل منها، موجها لأنظار المسلمين للتدبر فيها، متخذا لبعض منها موعظة أخلاقية و إرشادا تربويا حتى فيما يتعلق بالقصص القرآني منها، و ما كان ذلك إلاّ حصيلة الفهم الثاقب و الرأي السديد من جهة، و أخذه للعلم و تفسير القرآن الكريم عن آبائه الكرام من جهة أخرى مما فتح أمامه آفاق العلم فأشرقت في روحه أنواره و تجلت في قلبه صوره، ساعد ذلك كله ذهن متوقد و ذكاء بارع.
هذه أهم الأسباب التي أضفت مكانة مرموقة لأقواله و آرائه عند العلماء، و قد زاد تفسيره قيمة أمر آخر هو:
-ترجيح المفسرين لآرائه أحيانا و اعتمادهم عليها.
فقد كانت آراؤه و أقواله أحيانا مرجحة عند المفسرين، و أحيانا أخرى يقدمونها على آراء غيره، و هذا الترجيح لا يكون اعتباطا إنما هو ناتج من سير الإمام الباقر (عليه السّلام) على وفق القواعد و الضوابط العامة التي اتفق المفسرون على الاعتماد عليها في تفسير القرآن الكريم و بالتالي ترجيح أو اعتماد آراء و أقوال من يسير عليها، و سنذكر بعض الأمثلة عند التكلم على أقواله و آرائه المعارضة لغيره و التي انفرد بها.
و من الجدير بالذكر إنني وجدت من خلال تتبعي لآرائه و أقواله في التفسير أن هناك بعض من المفسرين ينقلون أقواله بدون أن ينسبوها إليه، و في بعض الأحيان ينسبوها إلى ال‍(قيل) دون التصريح باسمه، و اغلب الظن أن تلك الآراء و الأقوال كانت تصل إليهم بدون نسبة إليه فيرجحون بعضها و يميلون إليها، أو إنها تصل إليهم و في طريقها بعض الرجال الضعفاء فيربئون بتصانيفهم عن تسجيل هذا السند الضعيف مما يجبرهم على عدم نسبته إلى الإمام أو ينسبونها إلى ال‍(قيل) ، و قد كان ذلك واضحا من خلال ما عرضناه من آراء و أقوال في كثير من المواضع في هذه الرسالة لأقوال الصحابة و التابعين مقارنة مع آراء الإمام و أقواله.
_________
 ١ ) البيان في تفسير القرآن، الخوئي، ٢۵ +أصول الكافي، الكليني، ٢ / ٣۶ .
 ٢ ) المصدر نفسه، ٢١٠ +الوافي، الفيض الكاشاني، ٣ / ٢٧۴ .
 3 ) أعيان الشيعة، محسن الأمين، ق  ٢ / ۴ / ١٠ - ١١ +سيرة الأئمة، هاشم معروف الحسني،  ٢١٢ - ٢١٣ .
 4 ) ص/ ٧۵ .
 5 ) ص/ ١٧ .
6 ) الذاريات/ ۴٧ .
 7 ) المجادلة/ ٢٢ .
 8 ) التوحيد، الشيخ الصدوق، ٣٢ +ناسخ التواريخ، محمد تقي الكاشاني، ١ / ۴٣۴ .
 9 ) الوافي، الفيض الكاشاني، ٣ / ٢٧۵ .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page