• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير البريّة المصطفى محمّد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.لقد سجَّل التاريخ في صفحات من نور أسماءً لرجال عظام ونساء عظيمات، فلم يخل عصر من العصور من النساء اللاتي وقفن الى جانب الرجال في المواقف العصيبة، وساهمن مساهمات فعَّالة في دعم الحركات الجهادية والفكرية، كما لم تخل الحركات السياسية على امتداد التاريخ من مواقف لنساء صعدن الى المشانق وهنَّ يزغردن من أجل نصرة الحقِّ والمبادئ.ولقد إمتازت بعض النساء دون غيرهنَّ بمميّزاتٍ خصَّهُنَّ بها الله سبحانه وتعالى، ومنحَهنَّ من الفضائل والخصائص والمواهب دون سائر البشر. حيث كانت تلك المواهب علامةً لهنَّ من الباري عزَّ وجلَّ، وآيةً منه على تفوّقهنَّ ورفعتهنَّ، على سواهنَّ من النَّاس.الحوراء زينب(عليها السلام)، هي إحدى تلك العظيمات في التاريخ، فقد بانت جوانب حياتها مشرقة بعد أن رضعت من ثدي الوحي، وترعرعت في أحضان النبوَّة، وخُصَّت بتلكم التربية الروحانيّة، ونشأت نشأةً قدسيّة، فتجلببت جلابيب الجلال والعظمة وتألّقت في سماء الإنسانية، فهيمنت على دنيا العقيدة والجهاد.ولقد سجَّل لها قلم الحياة صفحاتٍ غرّاء باهرة في جميع الآفاق، في: نسبها وشخصيّتها، وخصالها ومواقفها، ومكارمها وآثارها المباركة على الحياة الإسلاميّة إلى يومنا هذا، وإلى ما يشاء الله عزَّ شأنه.ولقد جسَّدت الحوراء زينب(عليها السلام) أروع مواقف الصمود، ورباطة الجأش وقوة الشكيمة وأعلى درجات الصبر والجلد في أكثر الظروف العصيبة، وأثبتت عن حقّ كيف يمكن أن تكون المرأة قائدة ً وراعيةً وكافلةً ومجاهدة ًبكل ما لكلمة الجهاد من مدلول ومعنى.فكل ما قامت به دروس وعبر يليق بالمرأة المسلمة أن تحتذي وتحتفي بها وتجعلها نبراساً ومنهاجاً لها في كل مناحي حياتها وتوجهاتها خصوصاً في أعمالها الإجتماعيّة وأنشطتها السياسيّة والفكرية.وبالرغم من أنَّ أرباب التاريخ قد كتبوا العديد من كتب السيرة وأخبار الرجال وتعرضُّوا أيضاً لأخبار النساء، ؛ فإنَّ التاريخ لم يغبن رمزاً كبيراً وإسماً ساطعاً في التاريخ العربي والإسلامي مثلما غبن الحوراء زينب(عليها السلام)، حيث ذكرها المؤرخين بأسطر قليلة أو بصفحات لا تفي بالغرض المطلوب، لولا التفاتة بعض العلماء الأعلام كالعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي والشيخ محمد جواد مغنية في كتابه >مع بطلة كربلاء<، والسيدة بنت الشاطئ >عائشة عبد الرحمن< في كتابها >بطلة كربلاء< الذي يعد من أجمل المراجع التاريخية وأكثرها ثراء ووصفاً لحياة الحوراء زينب(عليها السلام)، بالإضافة الى آخرون من الكتَّاب المعاصرون الذين ذكروا الحوراء(عليها السلام) هنا وهناك، مع أننا لم نزل نطمح لكتاب تاريخي شامل يؤرخ بحق جميع جوانب الحوراء زينب(عليها السلام).
ولقد أحببت أن أسلط الضوء في كتابي هذا على بعض الجوانب المهمَّة من حياة هذه المرأة الشجاعة، التي نذرت نفسها لإحياء النهضة الحسينية بكلّ ما أوتيت من قوة ورباطة جأش، وبكلّ ما تمتلك من بلاغة وبيان، لتأسس أرقى مدرسة فكرية وسياسية وتبليغية في تاريخ الإنسانية؛ ولهذا فقد جعلت هذا الكتاب خلاصة لدورها البطولي والجهادي ونهضتها الفكرية والتبليغية في واقعة الطف الأليمة مع تسليط الضوء على جوانب من حياتها الشخصية، وضمَّنته فصولاً أربعة:
الفصل الأول: الحياة الشخصية..
الفصل الثاني: الخصائص المعنوية..
الفصل الثالث: المواقف البطولية والجهادية..
الفصل الرابع: الحركة الإعلامية الزينبية..
أسأل الباري تعالى أن يوفقني لخدمة أهل البيت (عليهم السلام) وإحياء تراثهم الثري، من خلال إبراز أدوارهم التاريخية العظيمة، الغنية بجميع درجات الكمال، والمتضمنَّة لكلّ معاني التضحية والفداء، كما سنلاحظ ذلك من خلال تسليط هذه الأضواء المشرقة على حياة بطلة كربلاء الخالدة عقيلة الطالبيين الحوراء زينب(عليها السلام).آملاً أن ينتفع القارئ الكريم مما جاء في طيات هذا الكتاب، وأن يكون هذا العمل المتواضع ذخراً لي في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ...?وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ?الفصل الأولالحياة الشخصية?الولادة والنشوء ?الحياة الزوجية ?وفاتها ومرقدهاالولادة والنشوءالحوراء زينب هي نور تجلَّى من علي وفاطمة، وهي غصن من غصون شجرة النَّبي المباركة، أبوها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وأمُّها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وأخوتها الحسن والحسين من أمها فاطمة(عليها السلام).فالحوراء زينب(عليها السلام) هي وريثة هذا البيت الطاهر، كما جاء في إحدى زياراتها: >السلام على المولودة في معقل العصمة والتقى، ومهبط الوحي والهدى، والموروثة عظيم الفضل والندى، سلام على المرأة الصالحة، والمجاهدة الناصحة، والحرة الأبية، واللبوة الطالبية، والمعجزة المحمدية، والذخيرة الحيدرية، والوديعة الفاطمية ولدت الحوراء زينب الكبرى(عليها السلام) في جمادى الأولى سنة خمسة للهجرة، على ما حققه الشيخ جعفر النقدي، وقيل في أوائل شهر شعبان المعظم في السنة السادسة من الهجرة النبوية الشريفة.حينما علم النَّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه المولودة المباركة سارع إلى بيت بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) فأخذها، غير أنَّ دموعه تتبلور على ثنايا وجهه الكريم، فضمَّها إلى صدره، وجعل يوسعها تقبيلاً.وحينما علم سلمان المحمَّدي بولادة هذه الوليدة المباركة أقبل على أمير المؤمنين(عليه السلام) يهنئه، فألفاه حزيناً واجماً، فتحدَّث له ما ستعانيه ابنته من المآسي والخطوب.سألت فاطمة(عليها السلام) علياً أن يسمي وليدته المباركة، فقال ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعرض الأمير على النَّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسميها، فقال: ما كنت لأسبق ربِّي، فجاءه النداء من السماء: سمِّ هذا المولود زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم.وزينب في اللغة: هو اسم لشجرٍ حسَنِ المنظر طيِّب الرائحة، وبه سُمِّيت المرأة. فإذا كان الأصل في إسم زينب الكبرى(عليها السلام)، فهو يناسبها؛ لأنَّ في الكنايات اللغويّة والاستعارات الأدبيّة قد تعارف إطلاق اسم الشجرة على ذوي الشخصيّات الكبيرة، بل وإطلاقه على كلّ شيءٍ نفيس وذي خيرٍ كثير. وحيث أن زينب(عليها السلام) مِن ذوي الشخصيّات والبيوت الشريفة، وأولي الأيدي والخير الكثير، لذا سًمّيت «زينباً» اسماً على مُسمّى.ولكن هنالك رأي آخر، ذلك هو أنَّ اسم «زينب» مأخوذ من: زَينُ أب، يعني زينةُ أبيها، وبهذا الاعتبار عبَّر البعض بأنَّها زينُ أبيها كما كانت أمُّها الزهراء(عليها السلام) مِن قبل «أمَّ أبيها»، كذلك كنَّاها أبوها المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو تقابلٌ حسَنٌ بين الأمِّ والبنت صلوات الله عليهما.وعليه.. فلو كان اسم زينب من: زين أب، بعد تخفيفه وكثرة استعماله فصار زينباً، فهو يناسب العقيلة زينباً(عليها السلام)؛ إذ كانت ـ بحقِّ ـ زينَ أبيها أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)، بإيمانَّها وتقواها، وعلمها وفضلها، فهي مفخرته(عليه السلام) حقّاً، بل ومفخرة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.. وكيف لا، وقد دافعت عن أهدافهم، وحمت حريمهم، وضحَّت بنفسها من أجلهم، حتَّى أبقت ذِكْر أخيها الإمام الحسين(عليه السلام)، وأحيت نهضته العظمى رغم تعاقب الدهور، وبذلك أبقت ذِكْرَ جدِّها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأحيت به الإسلام وتعاليمه الكبرى.وكانت(عليها السلام) تكنَّى بأم كلثوم، وقيل بأم الحسن، ولُقّبت بألقاب سامية تنم عن صفاتها الكريمة، ونزعاتها الشريفة، فقد لقبت بـ‍ >عقيلة بني هاشم<، ومعنى العقيلة: المرأة الكريمة على قومها، والعزيزة في بيتها، والعالمة وعابدة آل علي، والكاملة والفاضلة، كما اشتهرت بأمِّ المصائب، لهول ما لاقته في مسيرة حياتها.
ترعرت زينب الكبرى(عليها السلام) تحت قبّة العطف والحنان، وفي ظلال القدس والوحي، فعاشت بين الفضائل والمكرمات.. إذِ المبدأ فيّاض وهو الله تبارك وتعالى، والمحلّ قابل ومستعدّ وهو شخص العقيلة بنت عليٍّ أمير المؤمنين(عليها السلام).. ومَن هو الإمام عليّ؟! هو سيّد الوصيّين، وإمام المتّقين، وابنُ عمّ المصطفى الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأخوه ووزيره ووصيُّه مِن بعده.وتُعد زينب(عليها السلام) من عظيمات النساء قدراً ومنزلةً وجلالاً ومكانة وعبادةً وفضلاً وعلماً، فقد نشأت(عليها السلام) في أحضان النبوَّة وتغذت من لبان الوحي، وتربت في ظلِّ الإمامة ورعايتها.الحوراء زينب(عليها السلام) عريقةٌ في الشرف والنسب والمجد ويكفي دلالة على ذلك ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلُ بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلاّ ولد فاطمة فأنا أبوهم وعصبتهم وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: >إنَّ الله جعل ذرية كل نبي من صلبه، وإنَّ الله جعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب وكانت لها مكانة جليلة ومنزلة رفيعة وفضل كبير بين أخوتها وبني هاشم ولقد ورد في بعض الأخبار، أنَّ الحسين(عليه السلام) كان إذا زارته زينب يقوم لها إجلالاً، وكان يجلسها في مكانه، ومما يؤكد عظيم مكانتها ورفيع قدرها أن الحسين(عليه السلام) كان قد عهد إليها في حفظ العيال والأطفال والقيام بشؤونهم بعد قتله.وكذلك أوحى لها في الظاهر في إبلاغ الأحكام والعلوم والمعارف والأجوبة على المسائل وما ذاك إلا محافظةً على الإمام زين العابدين(عليه السلام) وستراً عليه من كيد الأعداء وطغيان بني أميَّة الذين تمادوا في ظلم أهل البيت (عليهم السلام).تربَّت الحوراء زينب(عليها السلام) في بيت النبوَّة، ومركز العلم والفضل، ومنبع الكمال، فجدَّها المصطفى خيرُ من على وجه الأَرض، وأبوها سيد الأوصياء، وإمام المتقين، وأمُّها سيدة نساء العالمين، وأخوتها الحسن والحسين الإمامان إن قاما أم قعدا، وجدتها من أمها السيدة خديجة (رضوان الله عليها) وجدتها من أبيها السيدة فاطمة بنت أسد(رضوان الله عليها) فهي إذاً من من شجرة النبوَّة ومهبط الوحي ومن أطيب أصل وأكمل فرع.الحوراء زينب(عليها السلام) هي سيدة جليلة، ذات عقل راجح ورأي وفصاحة وبلاغة، نشأت في حضن النبوَّة، ودرجت في بيت الرسالة، ورضعت لبان الوحي من ثدي العصمة، فنشأت نشأة قدسية روحانية، ورثت من جدها دعوته ورسالته، ومن أبيها بلاغته وشجاعته، ومن أمها عبادتها وجلالتها، فكانت بحق مصداقاً فريداً للبيت النبوي.ولقد فقدت الحوراء زينب جدها النَّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعاصرت محنة علي وفاطمة، وعايشت جميع مصائب أمها الزهراء، وشاهدت عن كثب آلامها وأوجاعها بقلب حزين، ومهما تخيلنا فلا نصل إلى واقع مصابها عندما فقدت أمها ولم تزل في ربيع الصبا، في الوقت الذي أحوج ما كانت تحتاجه إلى أمها، وكم أظلم البيت عليها في تلك الليالي التي كانت تمر عليها، ولا ترى لأمها فيه شخصاً، ولا تسمع لها حسيساً.لكن رغم كل الصعاب كانت تقف مع أخوتها إلى جانب أبيها أمير المؤمنين(عليه السلام)، مجسدة أفعال أمها، وارثة عنها حنانها المتدفق الذي أفرغته لسائر أفراد أسرتها، ولئن وفَّق الله النَّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بابنته الزهراء التي كانت مصداقاً حقيقياً لخديجة في وفرة حنانها على النَّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والوقوف إلى جانبه، حتَّى قال فيها النَّبي: فاطمة أم أبيها. فكذلك كانت زينب(عليها السلام) أمَّاً حنوناً ليست لعلي فحسب بل لسائر أفراد أسرتها.الحياة الزوجيةلمَّا بلغت الحوراء زينب(عليها السلام) مبلغ النساء هبَّ لخطبتها الأشراف، حيث جاء في بعض كتب التاريخ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: >أنَّ الأشعث بن قيس الكندي ـ الذي كان هو أحد زعماء كندة ورؤسائها ـ خطب الحوراء زينب بنت علي(عليه السلام) من أبيها أمير المؤمنين(عليه السلام)وقد كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يرد الطالبين بزواجها، قال ابن أبي الحديد: روى أهل السيرة أنَّ الأشعث خطب إلى علي(عليه السلام) ابنته، فزبره، وقال: يا بن الحائك، أغرَّك ابن أبي قحافة! إلاّ أنَّه عندما تقدَّم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهو الكفؤ لعقيلة بني هاشم الذي لُقب بـ >بحر الجود<، والذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشبهت خُلقي وخلقي.
وافق أمير المؤمنين(عليه السلام)على زواج عبد الله منها، فأبوه جعفر بن أبي طالب ذي الجناحين وأمُّه أسماء بنت عميس الخثعمية من المهاجرات المؤمنات المعروفة بالتقى والصلاح والتي عبَّر عنها الإمام الصادق(عليه السلام) بالنَّجيبة.نعم لقد اختار علياً(عليه السلام) ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار، الذي ربَّاه بعد شهادة أبيه، وكانت أمه أسماء بنت عميس وثيقة الصلة والعلاقة بالسيدة الزهراء، وقد أصدقها الإمام 480 درهماً من خالص ماله، كصداق أمها الزهراء(عليها السلام).وكان عبد الله ممن صحب النَّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمع حديثه، وحفظ عنه، ولازم عمَّه أمير المؤمنين(عليه السلام)، وابني عمِّه الحسن والحسين (عليهما السلام)، وأخذ العلم عنهم. وكان أغنى بني هاشم وأيسرهم، وكانت له ضياع كثيرة، ومتاجرة واسعة، وكان أسخى رجل في الإسلام، وله حكايات في جوده وسخاءه وكرمه كثيرة وعجيبة.وزينب عقيلة بني هاشم رغم أنَّها تزوجت وانتقلت إلى بيت ابن جعفر إلاّ أنَّها لم تتخلَّ عن المسئولية لتدير بيت أبيها وتهتم بشئون أخويها وتصبح المسؤولة بهم أولاً وآخراً، فقد انتقلت من المدينة إلى الكوفة تبعاً لانتقال مركز الخلافة وكان بمعيَّتها زوجها وأولادها لتعيش على مقربة من الإمام بصفتها الإبنة الكبرى لعلي(عليه السلام) بعد وفاة أمِّها فاطمة(عليها السلام).وزينب بحكم مركزها في البيت العلوي تختلف عن باقي النساء، فصور مأساة فقدِ جدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وأمِّها الزهراء(عليها السلام) ما زالت عالقةً في ذهنها، وقد شاركت بذلك الأحداث ومشاكل الحركات التي ثارت في وجه أبيها التي كان آخرها رؤيتها له صريعاً في محرابه بسيف الشقي بن ملجم، كما قد سمعت وصية أبيها أمير المؤمنين(عليه السلام) بأنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمره أن يوصي إلى ابنه الإمام الحسن(عليه السلام) بالإمامة وولاية الأمر، ويأمره أن يدفعها لأخيه الحسين(عليه السلام) من بعده ثمَّ لابنه علي بن الحسين(عليه السلام) ثمَّ لابنه محمد(عليه السلام)، فلم تكن زينب(عليها السلام) بمعزل عن هذه الوصية ووعتها جيداً.عاشت زينب(عليها السلام) مع ابن عمِّها في حياة يسودها الإيمان والطمأنينة والرحمة، وكان نتاج هذا الزواج المبارك أربعة أولاد: عون ـ الذي استشهد مع خاله في كربلاءـ وعلي المعروف بالزينبي، وإليه يرجع نسل عبد الله من زينب، فقد كان في نسله الكثرة بحيث يُعدّ الزينبيون بطن من ولد علي الزينبي بن عبد الله بن جعفر، وعباس الذي ذكر المؤرخون اسمه دون الإشارة الى شيء من حياته وسيرته، وأمّ كلثوم البنت الوحيدة لزينب، والتي خطبها مروان بأمر من معاوية ليزيد، فجاء مروان وخطبها من أبيها عبد الله بن جعفر، فقال له: إنَّ أمرها ليس إليَّ، إنَّما هو لخالها الحسين، فلما أخبر الحسين بذلك وجرى بينه وبين مروان حوار، زوَّجها من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر الطيار، وكان صداقها كصداق أمها وجدتها >480 درهماً وذكر بعض المؤرخين أنَّ لها(عليها السلام) ولد آخر واسمه >محمد<، وقد استشهد مع الحسين(عليه السلام) في كربلاء ولكنَّه خطأ، لأنَّ محمد هذا هو ابن عبد الله بن جعفر من الخوصاء من بني بكر بن وائل، فاشتبه البعض فظن أنَّ نسبته إلى عبد الله يعني ابن زينب.
وفاتها ومرقدهااختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاة العقيلة زينب(عليها السلام) ومكان دفنها، وإن كان الأرجح عند كثير من الباحثين أنَّها توفيت في يوم الخامس عشر من شهر رجب المرجَّب سنة 62 هـ، إلاّ أنَّه ذهب آخرون الى أنَّ وفاتها سنة 65هـ .ولقد كان اختلاف الباحثون في مكان وفاة الحوراء زينب(عليها السلام) ومحل قبرها، سبباً لإثبات مشيئة الله تعالى في إظهار عظمتها وإبراز شأنَّها ومجدها.ومن إشراقات عظمة الحوراء زينب(عليها السلام) أن تتنافس البقاع والبلدان على ادعاء شرف احتضان مرقدها ومثواها، ففي أكثر من بلد تقام الأضرحة وتشمخ القباب والمنائر باسم الحوراء زينب(عليها السلام).ولكن تشير بعض الروايات الى أنَّ عبد الله بن جعفر رحل من المدينة، وانتقل مع الحوراء زينب(عليها السلام) الى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية يقال لها >راوية< وقد توفيت الحوراء زينب(عليها السلام) في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف باسمها.
وقد ذكر بعض المحققين: أنَّ الأمويين نفوا الحوراء زينب(عليها السلام) من المدينة المنورة الى قرية من قرى الشام، حتَّى توفيت هناك ودفنت حيث مرقدها الآن، ومن المحتمل: أنَّ أعداء أهل البيت (عليهم السلام) من بني أمية قد دسوا السم الى عقيلة بني هاشم زينب(عليها السلام) فقضت نحبها مسمومة شهيدة، وذلك لما كانوا يرونه في حياتها من الخطر على عروشهم.ويقع مقام الحوراء زينب(عليها السلام) في الجهة الشرقية الجنوبية على بعد سبعة كيلومترات من دمشق، وقد أصبحت المنطقة تعرف كلها باسم الحوراء زينب(عليها السلام) وهي تزدهر بنورها وترى اليوم في مقامها المقدس كثرة الزوار من مختلف بلاد العالم يتبركون بها وبمرقدها، والمقام يشتمل على ضريح فضِّي وقبة مذهَّبة و مئذنتين شامختين وأروقة مزخرفة بالزخارف الإسلامية والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، هذا بالإضافة الى الحوزات العلمية التي تأسست في جوارها ببركة هذه السيدة العظيمة وقد وضع آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي + حجر الأساس لأول حوزة علمية في منطقة الحوراء زينب(عليها السلام)، فأسس >الحوزة العلمية الزينبية< المباركة في سنة 1395هـ 1975م وهي تقوم بتربية العلماء والفضلاء لخدمة الدين الإسلامي.
وإلى يومنا هذا.. نرى مشاهدة مرقدها وضريحها يهيج في المؤمن خواطرَ عاشوراء، فيبعث الحزن ويذكّر بمصاب الإمام الحسين(عليه السلام)، كما يعيد إلى الأذهان ذكريات السبي وكفالة زينب(عليها السلام) للأرامل والأيتام في تلك الرحلة المريرة من كربلاء إلى الكوفة ثمَّ إلى الشام.أسفارهاأجمع المؤرخون على أنَّ الحوراء زينب(عليها السلام) سافرت أولاً مع أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) من المدينة إلى عاصمة حكمه الكوفة.ورجعت إلى مسقط رأسها المدينة المنورة مع أخيها الحسن(عليه السلام) سيد شباب أهل الجنَّة وأوَّل السبطين. وفي عام ستين للهجرة سافرت مع أخيها الحسين(عليها السلام) ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى كربلاء للمرة الثانية. وأخذت من العراق بعد واقعة الطف إلى الكوفة أسيرة مع السجاد زين العابدين(عليه السلام) وعيالات الحسين ومن معهم من نساء الهاشميين والأنصار، ومنها صيرت إلى الشام، ومكثت بالشام أسيرة، وبعدها رجعت إلى العراق مع السجاد زين العابدين(عليه السلام) إلى كربلاء لتجديد العهد بزيارة أخيها الحسين والشهداء معه من آل رسول الله، ورجعت منها إلى المدينة في حالة مشجية.والسفرة الأخيرة، كانت مع زوجها عبد الله بن جعفر(رحمه الله) حين جاء بها إلى قرية قرب دمشق ليتعاهد أمور ملكه وفي هذه السفرة توفيت ودفنت في هذه القرية. والتي تبعد عنها من الجهة الشرقية الجنوبية ما يقرب من سبعة كيلومترات، وتعرف اليوم بقرية >قبر الست<، ولم يحدثنا التاريخ عن غير هذه السفرات للسيدة زينب(عليها السلام).
ونحن نذكر هنا إسفارها واحداً واحداً بالتفصيل إتماماً للفائدة:


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page