السؤال: ما هو رأيكم حول حديث الضحضاح ، وهو ما نقله بعض كتب العامّة مستدلاً به على عدم إيمان أبي طالب ، وهو كالآتي : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أبي طالب : " وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح " أو : " لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة ، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه " (1) ؟
الجواب : هذا الحديث مردود وغير مقبول سنداً ودلالة لأمرين :
الأوّل : رواة هذا الحديث ضعفاء في غاية الضعف ، وهم سفيان بن سعيد الثوري ، وعبد الملك بن عمير ، وعبد العزيز بن محمّد الدراوردي ، وهم بين مدلّس ، وسيء الحفظ ، وضعيف ، وكثير الغلط ، ومخلّط و ... (2) .
إذاً ، هذا الحديث ساقط من حيث السند ، ولا يمكن الاستدلال به على المدّعى .
الثاني : مضمون هذا الحديث يصطدم مع دلالة عشرات الأحاديث والأخبار التي تصرّح وتشير إلى إيمان أبي طالب (عليه السلام) ، وبهذا تسقط دلالته عن الحجّية لأجل التعارض المذكور .
وبالجملة : فالحديث المذكور هو من وضع النواصب ، يظهرون به حقدهم للنيل من شخصية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فلو كان أبو طالب (عليه السلام) أباً لأحد خلفاء الجور لم تثار حوله هذه التهم والأكاذيب .
والذي نرويه في أبي طالب : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال على جنازته : " وصلت رحماً وجزيت خيراً يا عم، فلقد ربّيت، وكفلت صغيراً، ونصرت وأزرت كبيراً " (3) ، وتألّم كثيراً على موته .
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : " يا يونس ما يقول الناس في إيمان أبي طالب " ؟ قلت : جعلت فداك يقولون : هو في ضحضاح من نار يغلي منها أُمّ رأسه ، فقال : " كذب أعداء الله ، أنّ أبا طالب من رفقاء النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أُولئك رفيقا " (4) .
وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه كان جالساً في الرحبة ، والناس حوله ، فقام إليه رجل فقال له : يا أمير المؤمنين إنّك بالمكان الذي أنزلك الله ، وأبوك معذّب في النار ، فقال له : " مه ، فضَّ الله فاك ، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً ، لو شفع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله ، أبي معذّب في النار وابنه قسيم الجنّة والنار ، والذي بعث محمّداً بالحقّ إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلائق إلاّ خمسة أنوار ، نور محمّد ونور فاطمة ، ونور الحسن والحسين ، ونور ولده من الأئمّة ، إنّ نوره من نورنا ، خلقه الله من قبل خلق آدم بألفي عام " (5) .
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قيل له : إنّ الناس يزعمون أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار ، فقال : " كذبوا ، ما بهذا نزل جبرائيل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) "، قلت : وبما نزل ؟ قال : " أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه ، فقال : يا محمّد إنّ ربّك يقرؤك السلام ، ويقول لك : إنّ أصحاب الكهف اسرّوا الإيمان واظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين ، وإنّ أبي طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك ، فأتاه أجره مرّتين ، وما خرج من الدنيا حتّى أتته البشارة من الله تعالى بالجنّة " .
ثمّ قال (عليه السلام) : " كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرائيل ليلة مات أبو طالب : يا محمّد أخرج عن مكّة ، فما لك بها ناصر بعد أبي طالب " (6) .
فهل من الصحيح أن نصدّق هؤلاء الرواة الكذّابين والمدلّسين في روايتهم هذه ؟ ونكذّب أهل البيت (عليهم السلام) الذين طهّرهم الله تطهيراً ؟
____________
1- صحيح مسلم 1 / 135 ، المستدرك على الصحيحين 4 / 581 .
2- ميزان الاعتدال 2 / 169 و 660 و 633 .
3- شرح الأخبار 2 / 557 ، إعلام الورى 1 / 282 .
4- كنز الفوائد : 80 .
5- الأمالي للشيخ الطوسي : 305 و 702 .
6- بحار الأنوار 35 / 112 .
( ... السعودية ... ) كذب حديث الضحضاح
- الزيارات: 394