• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام الصّادق عليه السّلام

في هذه السّنّة ( ١٣٨٠  ه‍) ظهر في الرّياض عاصمة المملكة السّعوديّة مجلّة تحمل اسم «راية الإسلام» ، و صاحب الإمتياز اسمه الشّيخ عبد اللّطيف بن إبراهيم آل الشّيخ. و رئيس التّحرير الشّيخ صالح بن محمّد بن لحيدان، و المدير الشّيخ عليّ بن حمد الصّالحي  ١ . «ثلاثة ليس ليس لهم شبيه» باعوا أنفسهم للشّيطان، و قبضوا الثّمن كاملا، فجرى منهم مجرى الدّم في العروق، و ما خالفوا له قولا، و لا عصوا له أمرا حتّى أصاب منهم كل ما يبتغي، و حتّى أصبحوا له نصيبا مفروضا، و أطوع له من بنانه، يديره كيف شاء، و متى أراد، فإذا تكلموا فبلسانه، و إذا كتبوا فبقلمه، و إذا فكّروا فبوحي منه يفكرون، و إذا فعلوا فبأمره يعملون.
و في ربيع الآخر سنة ( ١٣٨٠  ه‍) صدرت الأوامر لهؤلاء «الثّلاثة» من سيّدهم «أبي مرّة» أن يكتبوا في مجلّته «راية الشّيطان» مقالا وضع لهم تصاميمه، و رسم معالمه، ثمّ أوحى إليهم أن يقيموا عليها أركانه و بنيانه، فنشروا مقالا في العدد الخامس بعنوان «خطاب موجّه لشيخ الجامع الأزهر» ، وقّعوه
باسم «إبراهيم الجبهان» . و هذي هي الأسّس الّتي أوحى بها إبليس إلى شيوخه، و احتواها مقال آله و رجاله.
 ١ -التّهجم على شيخ الأزهر بألفاظ السّفاهة و الجهالة؛ لأنّه ناصر دعوة التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة، و هذه الدّعوة ترضي اللّه الّذي قال:
وَ لاٰ تَنٰازَعُوا فَتَفْشَلُوا  2  ، و تغضب سيّدهم إبليس الّذي يفرّق بين المرء و زوّجه، و يبث التّعصب، و الشّقاق بين العباد.
 ٢ -نعت الإمام الصّادق عليه السّلام بما يهتزّ له العرش، و يقوم له الكون بما فيه، افتروا على عظمته لا لشيء إلاّ لأنّه إمام العلم و الدّين، و قائد الخير و الحقّ، و حرب على الشّرك و المشركين، و عزّ للإسلام و المسلمين، و إلاّ، لأنّه مهجة الرّسول النّاطق بلسانه، و الحافظ لشريعته و تعاليمه.
 ٣ -تكفير الشّيعة بعامّة، و الإماميّة منهم بخاصّة، و التّحريض على قتلهم و إبادتهم، لأنّهم يعبدون اللّه مخلصين له الدّين، لا يوالون فاجرا، و لا يهادنون جائرا، و لا يساومون مستعمرا.
هذي هي الأسّس الّتي رسمها الشّيطان لشيوخه، و بنوا عليها بنيانه في مجلّته، فتصدى لهم علماء جبل عامل في لبنان الّذين كانوا و ما زالوا الرّكن الرّكين للإسلام، و الحصن للتّشيّع و مباديء أهل البيت الكرام، فاحتجوا لدى المسؤلين في السّعوديّة، و في سفارتها ببيروت، و نشروا الرّدود في المجلاّت و الجرائد، كما قام أهل القطيف، و البحرين بواجبهم في هذه السّبيل، و هدموا ما بناه شيوخ مجلّة الشّيطان و نقضوا ما دبروا، و عليه تآمروا، حتّى اضطروهم مرغمين إلى أن يكتبوا في العدد السّابع من هذه المجلّة مقالا ضافيا عن الإمام الصّادق و عظمته عند اللّه و النّاس، فاقرّوا بالحقّ بعد أن جحدوا، و أكذبوا أنفسهم بأنفسهم. و ممّا جاء في المقال المذكور:
«نحن الآن بصدد علم من أعلام الإسلام، و سيّد من سادات المسلمين، لم يكن أميرا و لا ملكا، و لم يكن قائدا و لا خليفة، و لكنّه أسمى من ذلك و أجل، أنّه عالم من خيار علماء المسلمين، و خيرة بني هاشم، أنّه من سلالة آل بيت الرّسول الّذي نكن لهم كلّ حبّ و احترام، و الّذين لا يحصل إيمان أحد إلاّ و قلبه عامر بحبّ رسول اللّه و آله، فآل البيت عند أهل السّنّة مكرمون محترمون معترف لهم فضلهم و قربهم من الرّسول، و حبّهم دين و صلاح، و التّرضي عنهم مبدأ يسير المسلمون عليه، و صاحبنا من أفضل أهل البيت، و لم يأت بعده أفضل و لا أتقى منه، فهو الإمام الّذي اتّفق المسلمون على اختلاف طوائفهم و تعدد مذاهبهم على إمامته و ورعه و تقواه، و أثنوا عليه و مدحوه، لفضله و زهده، و علمه، و قرابته من رسول اللّه. . . و نشر العلم، و أخذ عنه خلق كثير، و روى عنه سادة الأمّة و خيارها أمثال سفيان الثّوري، و ابن عيّنية، و سلمان بن بلال، و الدّراوردي، و ابن حازم، و أبو حنيفة، و مالك. . . و قال أبو حاتم: «لا يسأل عن مثله»  3 . و قال عمر بن المقداد: «كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنّه من سلالة النّبيّين»  4 ، و أثنى عليه شيخ الإسلام ابن تيميّة 5 في منهاج السّنّة، و قال عنه: «أنّه من خيار أهل الفضل و الدّين»  6 ، و أشاد بفضله. و قال السّخاوي: «كان من سادات أهل البيت فقها، و علما، و فضلا، و جودا، يصلح للخلافة بسؤدده، و فضله، و علمه، و شرفه. .»  7 .
و قال عنه أبو حنيفة: «ما رأيت أفقه منه»  8 .
و قال عنه مالك: «اختلفت إليه زمانا، فما كنت أراه إلاّ مصلّيا أو صائما، و ما رأيته يحدّث إلاّ على طهارة»  9 .
هذا ما قالته المجلّة في عددها السّابع بعد أن نشرت ما نشرته في العدد الخامس، و هكذا أنكر أبو سفيان نبوّة محمّد، و قاد الجيوش لحربه في بدر، و احد، و الخندق، ثمّ آمن به حين جاء نصر اللّه و الفتح! . . .
كتبت ردّا على مجلّة الشّيوخ الثّلاثة نشرته العرفان في عدد تشرين الثّاني سنة ( ١٩۶٠  م) ، ثمّ نشر في كراسة مستقلة.
و رغب إليّ بعض الإخوان الأفاضل أن أكتب كلمة حول كتاب جديد، اسمه «الإمام الصّادق» لفضيلة الأستاذ العالم الشّيخ محمّد «أبو زهرة» ، و في نفس الوقت طلب منّي الأستاذ نزار أن أكتب للعرفان مقالا مستقلا عن الإمام الصّادق عليه السّلام، لا أتعرض فيه لكتاب أبي زهرة، لا تأيّيدا و لا تفنيدا، و حجّته في تبرير هذا الشّرط أن يعرف أصحاب مجلّة الشّيطان على آيّة عظمة تجرأوا، و من أيّة قداسة نالوا، فيأتي المقال ردّا ضمنيّا بعد الرّد الصّريح.
و ما دامت هذي هي الغاية الأولى و الأخيرة من هذا المقال  10 ، فإنّي أنقل للقرّاء ما ذكره الشّيخ أبو زهرة من النّعوت و الأوصاف الّتي وصف بها الإمام الصّادق في كتابه المذكور، هذا مع العلم بأنّ صاحب الكتاب أزهري، بل من شيوخ الأزهر الكبّار، و المؤلّفين المكثرين، و الباحثين المعروفين، و قد بلغت صفحات الكتاب ( ۵۶٨ ) بالقطع الكبير، و كلّها أو جلّها أرقام و شواهد على إمامة الصّادق في الدّين و العلوم، و علو منزلته في الفضائل و مكارم الأخلاق كاملة دون استثناء.
و قد اقتبست من مجموع صفحات الكتاب و سطوره كلمتي التالية مشيرا في آخرها إلى بعض الملاحظات. و سلفا أقول: أنّها لم تف بالغاية من عظمة الإمام الصّادق الّتي صورها الشّيخ في كتابه، فلقد أبرز من شخصيّة الإمام ما لا يفي به إلاّ كتاب ضخم في حجم كتابه الحافل، و ليس من شكّ أنّ إيمانه بقوى شخصيّة  الإمام و غزارتها قد اسعفاه و أمدّاه بتلك الصّحفات الطّوال، و عكسا في نفسه و عقله سطورها و كلماتها.
استمع إلى المؤلّف، و هو يقول في أوّل صفحة من مقدّمة الكتاب: كتبنا عن سبعة من الأئمّة الكرام، و تأخرنا في الكتابة عن الإمام الصّادق تهيّبا لمقامه.
ثمّ أنّ الشّيخ الفاضل يوافق الإماميّة الإثني عشريّة عن علم و إيمان بكلّ ما يعتقدونه بالإمام الصّادق، و لا يخالفهم إلاّ في أمرين: الأوّل في وجوب العصمة له، و الثّاني في أنّه إمام سياسي، كما أنّه إمام ديني بالنّص من إمام عن إمام إلى أن ينتهي النّص إلى الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله. أنّ الشّيخ أبا زهرة يعتقد بإمامة الصّادق في الدّين و العلوم، و أنّه الفصل و الفارق بين الحقّ و الباطل، كما جاء في: ١٨۴ ، و لكنّه يختلف عن الإماميّة بالإتّجاه، و قد بين ذلك صراحة في: ٧۴  حيث قال ما نصّه بالحرف الواحد:
«ندرس الإمام الصّادق بنظرنا و تفكيرنا و باتّجاهنا، و لسنا بصدد تقرير ما يراه الّذين حملوا اسم الجعفريّة فقط، و لا ضير في أن يختلف نظرنا إلى الإمام عن نظرهم ما دامت النّتيجة هي بيان شأن الإمام، و بيان علو قدره، و قد اعلوه بنظرهم، و نعليه بنظرنا، و الغاية واحدة، و حسبه شرفا أنّه يصل إلى أعلى مراتب الرّفعة باتّجاهنا و اتّجاههم، و نظرنا و نظرهم» .
و الآن، و بعد هذا التّمهيد تعالوا معي لنرى إلى هذه الشّرارة من القبس الّذي آتانا به فضيلة المؤلّف من نور الإمام الصّادق و هديه:
نسبه:
ينتهي نسبه إلى سيف اللّه المسلول، و فارس الإسلام عليّ بن أبي طالب، و قد نال فوق هذا كلّه أكبر شرف في الإسلام بعد العمل الصّالح، و هو من عترة النّبيّ الطّاهرة  11 .
وصفه الجسمي:
كان ربعة ليس بالطّويل و لا بالقصير، أبيض الوجه أزهر، له لمعان كأنّه سراج، أسود الشّعر أجعده، أشم الأنف، و قد انحسر الشّعر عن جبينه فبدا مزهرا، على خدّه خال أسود، و لمّا تقدّم في السّن زاده الشّيب بهاء و وقارا و جلالا و هيبة  12 .
تسميّته بالصّادق:
قال ابن خلّكان في كتاب وفيّات الأعيان: «لقّب بالصّادق لصدق مقالته» 13 . و قال أبو زهرة: «و من يكون أصدق قولا ممّن لقّبه الخصوم  و الأولياء، و التأريخ كلّه بالصّادق، و هو الإمام أبو عبد اللّه رضي اللّه عنه  14 و عن آبائه الأكرمين الأبرار الأطهار . و من الأئمّة من اختلف فيه النّاس بين موال غالي في ولايته، و خصم غالى في خصومته، و الإمام الصّادق أجمع العلماء على فضله، و إذا غالى كثيرون في محبّته، فإنّه لم يكن العكس بالنّسبة إلى الإمام الصّادق، حيث لم يغال في عداوته أحد، بل لم يعاده أحد  15 .
صفاته النّفسيّة:
أمّا صفاته النّفسيّة و العقليّة فقد علا بها على أهل الأرض، و أنّى لأهل الأرض أن يسامتوا أهل السّماء؟ ! سمو في الغاية، تجرد في الحقّ، و رياضة للنّفس، و انصراف إلى العلم، و العبادة، و ابتعاد عن الدّنيا و مآربها، و بصيرة تبدّد الظّلمات، و إخلاص لا يفوته إخلاص، لأنّه من معدنه، من شجرة النّبوّة، و إذا لم يكن الإخلاص في عترة النّبيّ، و أحفاد عليّ ففيمن يكون؟ ! فلقد توارث أحفاد عليّ الإخلاص خلفا عن سلف، و فرعا من أصل، فكانوا يحبّون للّه، و يبغضون للّه و يعتبرون ذلك من أصول الإيمان و ظواهر اليقين.
و الصّادق مصداق لقوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا اَلْكِتٰابَ اَلَّذِينَ اِصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا  16 ، و هو من أولياء اللّه الّذين قال فيهم: أَلاٰ إِنَّ أَوْلِيٰاءَ اَللّٰهِ لاٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ  وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ  17  ، و هو من الّذين عناهم جدّه الرّسول بقوله: «أنّ اللّه يحبّ ذا البصر النّافذ عند ورود الشّبهات، و يحب ذا العقل الكامل عند حلول المشكلات»  18 . و من غير الصّادق يبدد الشّبهات بعقله النّير، و بصيرته الهادية المرشدة؟ ! .
و كان عليّ بي أبي طالب من أسخى الصّحابة، بل من أسخى العرب، و قد كان أحفاده كذلك من بعده، فزين العابدين كان يحمل الطّعام ليلا ليوزعه على بيوت ما عرفت خصاصتها إلاّ من بعده  19 ، فلم يكن غريبا أن يكون الإمام الصّادق النّابت في ذلك البيت الكريم سخيّا جوادا، فقد يعطي حتّى لا يبقي لعياله شيئا.
و كان حليما لا يقابل الإساءة بمثلها، بل يقابلها بالّتي هي أحسن عملا بقوله تعالى: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  20 .
أمّا الشّجاعة فقد كانت ملازمة لذرّيّة عليّ، و هي فيهم كالجبلّة، لا يهابون الموت، و بخاصّة من يكونون في مثل حال أبي عبد اللّه الصّادق الّذي عمر الإيمان قلبه، و انصرف عن الأهواء و الشّهوات، و استولى عليه خوف اللّه تعالى وحده، و من عمر قلبه بالإيمان لا يخاف أحدا إلاّ اللّه.
و كان ذا فراسة قوّية جعلته ذا إحساس قوي يدرك به مغبة الأمور، و الفراسة من أخلاق المؤمنين، كما أنّ اللّه سبحانه قد أضفى عليه جلالا و نورا من نوره،  و ذلك لكثرة عبادته و صمته عن اللّغو، و قد راع أبا حنيفة منظر الإمام الصّادق، و اعتراه من الهيبة له ما لم يعتره من الهيبة للمنصور صاحب الطّول و الحول و القوّة، و التقى به ابن أبي العوجاء، و هو من دعاة الزّنادقة فارتاع، و لم يحر جوابا، فتعجب الصّادق من أمره، و قال له: مالك؟ ! . . . فقال: ما ينطق لساني بين يديك، فإنّي شاهدت العلماء، و ناظرت المتكلمين، فما داخلني قطّ مثل ما داخلني من هيبتك  21! . .
هذه بعض صفاته النّفسيّة، و ببعضها يعلو على الرّجال، و يرتفع إلى أعلى المراتب، فكيف و قد تحلّى بهذه الصّفات و غيرها  22 ؟ ! . .
علومه:
انصرف الإمام الصّادق بكلّه إلى العلم، فلم يشغل نفسه بشيء سواه، و كان مخلصا للّه في إحياء العلم و نشره، يرشد الضّال، و يهدي إلى الحقّ، و يردّ الشّبهات، و يدفع الزّيغ، و يعمل على تنقية عقائد المسلمين ممّا اعترى بعضها من الإنحراف، و يبث روح التّسامح، و يمنع الطّائفيّة، فكان بذلك الإمام الصّادق حقّا، و حفيد الإمام عليّ، و سيّد العترة الطّاهرة.
و كان يدرس علم الكون، و ما اشتمل عليه، و من تلاميذه الكيمائي الشّهير جابر بن حيّان  23 ، تلقى عنده علم الكيمياء، و وضع فيه رسائل، طبع منها  خمسمئة رسالة في ألمانيا قبل ثلاثمئة سنة، و هي موجودة في مكتبة الدّولة ببرلين، و في مكتبة باريس؛ و ممّا قاله الأستاذ أبو زهرة:
«أنّ الإمام جعفرا كان قوّة فكريّة في هذا العصر، فلم يكتف بالدّراسات الإسلاميّة، و علوم القرآن، و السّنّة، و العقيدة، بل اتّجه إلى دراسة الكون و أسراره، ثمّ حلّق بعقله الجبّار في سماء الأفلاك، و مدارات الشّمس، و القمر، و النّجوم، و بذلك علم مقدار نعمة اللّه على عبيده. . . و قد عني عناية كبرى بدراسة   ٢٠٢ النّفس الإنسانيّة، و إذا كان التّأريخ يقرّر أنّ سقراط قد أنزل الفلسفة من السّماء إلى الإنسان، فإنّ الإمام الصّادق قد درس السّماء، و الأرض، و الإنسان، و شرائع الأديان»  24 .
و كان في علم الإسلام كلّه الإمام الّذي يرجع إليه، و له في الفقه القدح المعلّى، فهو أعلم النّاس بإختلاف الفقهاء، يعلم الفقه العراقي و مناهجه، و فقه المدينة و ارتباطه بأدلّته و آثاره، و اعتبره أبو حنيفة أستاذه في الفقه، فقد سئل أبو حنيفة: من أين جاء لك هذا الفقه؟
فقال: «كنت في معدن العلم، و لزمت شيخا من شيوخه»  25 ، و هو يقصد بمعدن العلم الإمام الصّادق.
و هيأ له أبو حنيفة أربعين مسألة بطلب من المنصور، فأجاب عنها الإمام بما عند العراقيّين، و ما عند الحجازيّين، و ما ارتآه الإمام؛ فقال أبو حنيفة: أعلم النّاس أعلمهم بإختلاف النّاس» 26 . و أخذ عنه مالك، و يحيى، ابن سعيد الأنصاري، و سفيان الثّوري، و غيرهم كثير  27 .
و روى عنه أصحاب السّنن: أبو داود، و التّرمذي، و النّسائي، و ابن ماجه، و الدّار قطني، و مسلم، و كثيرون غير هؤلاء من جمهور السّنّة. و قال الشّيخ أبو زهرة: «أنّ العلوم الّتي أخذها عليّ عن النّبيّ أودعها ذرّيّته، و هم أذاعوها على النّاس حين اتيحت لهم الفرصة. و هذا عين ما تقوله الإماميّة في علوم أهل البيت دون زيادة، و قد كرّروه و أكدوه في كتب العقائد و الحديث، و الفقه و التّفسير، و نظمه أحد شعرائهم 28 :
إذا شئت أن تبغي لنفسك مذهبا ينجيك يوم البعث من لهب النّار
فدع عنك قول الشّافعي و مالك و أحمد و المروي عن كعب أحبار
و وال أناسا نقلهم و حديثهم روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري
و بهذا يتبيّن معنا أنّ قول الشّيخ: «أنّ الإماميّة يقولون: أنّ علم الإمام جعفر إلهامي و ليس بكسبي»  29 ، من سهو القلم، و نسبة بلا مصدر، و إذا كان الإماميّة لا ينسبون علم النّبيّ إلى الإلهام بل إلى جبريل عن اللّه جلّ شأنه؛ فكيف ينسبون علم أبنائه إلى الإلهام؟ و هناك ملاحظات أخرى على الكتاب:
«منها» : «أنّ المؤلّف لا يستطيع أن يقبل روايات الكليني صاحب الكافي، لأنّ بعض رواياته لا يقول بصحتها كبّار علماء الإثنى عشريّة، كالمرتضى و الطّوسي»  30 .
و نجيب فضيلة الشّيخ: بأنّ التّشكيك في بعض روايات الكافي لا يستدعي طرح رواياته كلّها. و قد شكّك كثير من الحفّاظ ببعض الرّواة الّذين اعتمد عليهم البخاري في صحيحه، و مع ذلك لم يطرح أهل السّنّة كل ما في البخاري.
نقل صاحب كتاب «أضواء على السّنّة المحمّديّة» : أنّ الحفّاظ ضعّفوا من رجال البخاري ثمانين رجلا، و من رجال مسلم مئة و ستين، و بالرّغم من هذا فهما من الصّحاح عند السّنّة، و إذا جاز لنا أن نطرح جميع روايات الكليني لحديث واحد، أو أحاديث في موضوع من الموضوعات يجوز لنا، و الحال هذه، أن نطرح جميع روايات البخاري، و مسلم»  31.
هذا، و قد رجّح البخاري صدق راو، و رجّح مسلم كذبه، كعكرمة مولى ابن عبّاس 32 و مع ذلك يعتبر أهل السّنّة كلا من كتاب البخاري و مسلم صحيحا، و بديهة أنّ الشّيء الواحد لا يتّصف بصفة و نقيضها في آن واحد.
«و منها» : «أنّ النّبيّ كان يجتهد، و كان في إجتهاده عرضة للخطأ. . . بل ثبت أنّه قد أخطأ و علّمه ربّه الصّواب»  33 .
إنّ خطأ الأنبياء في الأحكام محال بحكم العقل؛ لأنّ وقوع الخطأ منهم مناف لحكمة البعثة المقصود منها إرشاد الخلق إلى الحقّ، أنّ قول النّبيّ دليل قاطع لرفع الخطأ، فإذا أخطأ انتفت عنه صفة الدّلالة، و بالتالي تنتفي عنه صفة النّبوّة و الرّسالة  34.
_____________
 ١ ) كان من نتيجة الرّدود و الإحتجاجات الّتي قام بها علماء جبل عامل، و أهل القطيف، و البحرين أن طرد المسؤولون في السّعوديّة الشّيخ الصّالحي من إدارة المجلّة. (منه قدّس سرّه) .
2 ) الأنفال: ۴۶ .
 3 ) انظر، الجرح و التّعديل: ٢ / ۴٨٧  رقم « ١٩٨٧ » ، ميزان الإعتدال في نقد الرّجال: ٢ / ١۴۴  رقم « ١۵٢١ » ، تهذيب التّهذيب: ٢ / ٨٨  رقم « ١۵۶ » ، تهذيب الكمال: ۵ / ٧٨ .
 4 ) انظر، تهذيب التّهذيب: ٢ / ١٠۴ ، حلية الأولياء: ٣ / ١٩٣ ، تذكرة الخواصّ: ٣۴٢ ، ينابيع المودّة:  ٣ / ١۶٠ ، مناقب آل أبي طالب: ٣ / ٣٧٣ .
5 ) ابن تيميّة الحجّة الكبرى و القدوة العظمى عند الوهابيّين. (منه قدّس سرّه) .
6 ) انظر، منهاج السّنّة: ۴ / ٢٠٩ .
7 ) انظر، القول البديع في الصّلاة على الحبيب الشّفيع، للحافظ السّخاوي: ١١٣ ، رجال مسلم:  ١ / ١٢٠  رقم « ٢٢١ » ، سير أعلام النّبلاء: ١٣ / ١٢٠ ، شرح الأخبار: ٣ / ٢٩١ ، مناقب آل أبي طالب: ٣ / ٣٧٢ .
8 ) انظر، تهذيب الكمال: ۵ / ٧٩ ، الكامل في التّأريخ: ٢ / ١٣٢ ، جامع مسانيد أبي حنيفة: ١ / ٢٢٢ ، مناقب آل أبي طالب: ٣ / ٣٧٨ ، سير أعلام النّبلاء: ۶ / ٢۵٧ .
9 ) انظر، تهذيب الكمال: ۵ / ٧٨ ، تذكرة الحفّاظ: ١ / ١۶۶ ، سير أعلام النّبلاء: ۶ / ٢۵٧ ، الكامل في التّأريخ: ٢ / ١٣٣ .
 10 ) لم يكن من قصدي إدراج هذا المقال هنا، بل كان العزم على نشره في العرفان، و كفى، و لكن رغب إليّ أكثر من واحد أن أنشره في كراسة على حدة، و جاءتني رسائل بذلك من بعش الإخوان في البحرين بعد أن علموا به، فرأيت أن أنشره هنا و في العرفان، لأنّ رسالتي أن تعم مناقب الآل الكرام كلّ مكان و زمان، و أن تتردّد على كلّ لسان، و في كلّ صحيفة و كتاب، هذا بالإضافة إلى أنّي عرّفت كتابي هذا في المقدّمة «بأنّ فيه ذكرا لآل الرّسول، و لا شيء أكثر من ذلك» . (منه قدّس سرّه) .
11 ) انظر، كشف الغمّة: ٢ / ١۵۵  و  ١۶١  و  ١٨٧ ، عمدة الطّالب: ١٩۵ ، مطالب السّؤول: ٨١ ، وفيات الأعيان: ١ / ٢٩١ ، صفوة الصّفوة: ٢ / ۶١ ، الإرشاد للشّيخ المفيد: ٣٠۴ ، و: ٢ / ١٧٩  طبعة آخر، الكافي: ١ / ۴٧٢ ، البحار: ۴٧ / ١  ح  ١ ، و  ۴  ح  ١٢ ، و  ۶  ح  ١٧ ، دلائل الإمامة: ١١١ ، تذكرة الحفّاظ:  ١ / ١۶۶ ، كفاية الطّالب: ۴۵۵ ، الفصول المهمّة: ٢ / ٢٣٧ ، بتحقّيقنا.
 12 ) انظر، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي: ٢ / ٢٣٨ ، بتحقيقنا) ، المناقب لابن شهر آشوب: ٣ / ۴٠٠ ، نور الأبصار للشّبلنجي: ٢ / ٨٨ ، بتحقّيقنا.
 13 ) انظر، الجامع الصّغير: ١ / ٢٣٨  ح  ٣٩٨ ، التّمهيد لابن عبد البر: ٢ / ۶۶ ، تحفة الأحوذي: ١ / ١١۵ ، فيض القدير: ٣ / ٢٢٩ ، لسان الميزان: ٧ / ١٩٠  رقم « ٢۵٢۶ » ، تقريب التّهذيب: ١ / ١۴١  رقم « ٩۵٠ » .
 14 ) انظر، تأريخ الخشّاب: ١٨٨ ، مقصد الرّاغب: ١۵۶ ، تأريخ أهل البيت عليهم السّلام: ١٣٨ ، الهداية الكبرى:  ٢۴٧ ، دلائل الإمامة: ١١٢ ، المعارف: ٢١۵ ، كفاية الطّالب: ۴۵۵ .
 15 ) انظر، الإمام الصّادق، أبو زهرة: ٣۶ ، الهداية الكبرى: ٢۴٧ .
 16 ) فاطر: ٣٢ .
17 ) يونس: ۶٢ .
18 ) انظر، البداية و النّهاية: ١ / ٣۶٢ ، مسند الشّهاب: ٢ / ١۵٢  ح  ١٠٨٠ .
19 ) انظر، تأريخ دمشق: ٣۶ / ١۵١ ، تأريخ اليعقوبي: ٣ / ۴۵ ، البداية و النّهاية: ٩ / ١٠۵ ، مختصر تأريخ دمشق: ١٧ / ٢٣٨ ، حلية الأولياء: ٣ / ١٣۶ .
20 ) المؤمنون: ٩۶ .
 21) انظر، بحار الأنوار: ٣ / ۴۶ .
 22 ) انظر، الإمام الصّادق، الشّيخ أبو زهرة: ٣۶ .
 23 ) جابر بن حيّان بن عبد اللّه الكوفي، أبو موسى: فيلسوف كيميائي، كان يعرف بالصّوفي. من أهل  ٣ ) -الكوفة، و أصله من خراسان. اتّصل بالبرامكة، و انقطع إلى أحدهم جعفر بن يحيى. و توفّي بطوس. له تصانيف كثيرة قيل: عددها ( ٢٣٢ ) كتابا، و قيل: بلغت خمسمئة. ضاع أكثرها، و ترجم بعض ما بقي منها إلى اللاّتينيّة. و ممّا بين أيدينا من كتبه-أو الكتب المنسوبة إليه-(مجموع رسائل) نحو ألف صفحة، و (أسرار الكيمياء) و (علم الهيئة) و (أصول الكيمياء) و (المكتسب) مع شرح بالفارسيّة للجلدكي، و كتاب في (السّموم) و (تصحيحات كتب أفلاطون) و (الخمائر) و (الرّحمة) و كتاب (الخواصّ) الكبير المعروف بالمقالات الكبرى و الرّسائل السّبعين، و (الرّياض) و (صندوق الحكمة) و (العهد) في الكيمياء. و أكثر هذه المخطوطات رسائل. و لجابر شهرة كبيرة عند الإفرنج بما نقلوه، من كتبه، في بدء يقظتهم العلميّة. قال برتلو (لجابر في الكيمياء ما لأرسطو طاليس قبله في المنطق، و هو أوّل من استخرج حامض الكبريتيك و سمّاه زيت الزّاج، و أوّل من اكتشف الصّودا الكاوية، و أوّل من استحضر ماء الذّهب، و ينسب إليه استحضار مركبات أخرى مثل كربونات البوتاسيوم و كربونات الصوديوم. و قد درس خصائص مركبات الزّئبق و استحضرها) و قال لوبون (تتألّف من كتب جابر موسوعة علمية تحتوي على خلاصة ما وصل إليه علم الكيمياء عند العرب في عصره) . و قد اشتملت كتبه على بيان مركبات كيماويّة كانت مجهولة قبله. و هو أوّل من وصف أعمال التّقطير و التّبلور و التّذويب و التّحويل. . . إلخ. انظر، فهرست ابن النّديم: ١ / ٣۵۴ ، أخبار الحكماء: ١١١ ، المقتطف: ١ / ١٢٣ ، معجم المطبوعات:  ۶۶۴ ، الفهرس التّمهيدي: ۵١٢ - ۵٢٠ ، اكتفاء القنوع: ٢١٣  و  ٢١۴ . كان في جملة البرامكة و منقطعا إلى جعفر ابن يحيى. و في الذّريعة: ٢ / ۵۵  نصّا جديدا، له قيمته، و هو رواية أبي الرّبيع سليمان بن موسى بن أبي هشام عن أبيه موسى، في صدر كتاب (الرّحمة) لجابر، قال: (لمّا توفّي جابر بطوس سنة المئتين من الهجرة وجد هذا الكتاب تحت رأسه) .
24 ) انظر، الإمام الصّادق، الشّيخ أبو زهرة: ١٠١ . (منه قدّس سرّه) .
25 ) انظر، تهذيب الكمال: ۵ / ٧٩ ، الكامل في التّأريخ: ٢ / ١٣٢ ، جامع مسانيد أبي حنيفة: ١ / ٢٢٢ ، مناقب آل أبي طالب: ٣ / ٣٧٨ ، سير أعلام النّبلاء: ۶ / ٢۵٧ .
 26 ) انظر، مناقب أبي حنيفة (للموفق) : ١ / ١٧٢ ، جامع أسانيد أبي حنيفة: ١ / ٢٢٢ ، تذكرة الحفّاظ:  ١ / ١۵٧ .
 27 ) انظر، تهذيب الكمال: ۵ / ٧٨ ، تذكرة الحفّاظ: ١ / ١۶۶ ، سير أعلام النّبلاء: ۶ / ٢۵٧ ، الكامل في التّأريخ: ٢ / ١٣٣ ، الإمام الصّادق، أبو زهرة: ٢٢  طبعة اولى، انظر، ترجمة هؤلاء في سير أعلام النّبلاء: ۶ / ١۵ ، تذكرة الحفّاظ للذّهبي: ١ / ١٣٧ ، الجرح و التّعديل: ٩ / ١۴٧ ، لسان الميزان:  ۴ / ٣٨٠ ، شذرات الذّهب: ١ / ٢١٢ ، الثّقات: ۵ / ۵٢١ .
 28 ) انظر، عولي اللّئالي: ١ / ٣٠١ ، الصّراط المستقيم: ٣ / ٢٠٧ .
 29 ) انظر، الإمام الصّادق، الشّيخ أبو زهرة: ٧٠ .
 30 ) انظر، الإمام الصّادق، الشّيخ أبو زهرة: ٣۶ .
 31 ) انظر، أضواء على السّنّة المحمّديّة: ٢٧۵  طبعة دار التّأليف سنة ( ١٩۵٨  م) . (منه قدّس سرّه) .
 32 ) جاء في كتب السّنّة أنّ عكرمة هذا الّذي صدّقه البخاري و عمل بحديثه قد ملأ الدّنيا كذبا، و أنّه كان يرى رأي الخوارج، و يقبل جوائز الأمراء، و جاء في كتب السّنّة أيضا أنّ أبا هريرة كذّبه عليّ، و عمر، و عائشة، و مع ذلك روى عنه البخاري، و مسلم. (منه قدّس سرّه) .
33 ) انظر، الإمام الصّادق، الشّيخ أبو زهرة: ٧٣ .
34 ) انظر، كتابنا «الإجتهاد و التّقليد بداية و تطوّرا، محاولة لفهم جديد، على الصّعيد الأصوليّ المقارن» .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page