• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نوايا يزيد

مات معاوية، و تولى يزيد الأمر من بعده، و أبى إلاّ أن يأخذ لنفسه بيعة الحسين. . . و قال الحسين كلمته الّتي لا يحول عنها، و لا يزول، مهما تكن العواقب: «و مثلي لا يبايع مثله»  ١ . . . و كانت المأساة الّتي لا يزال و لن يزال يجري دمها طريّا على وجه الأرض، كما قال السّيّد العبيدي. . . أنّ معاوية ليس بشيء من الإسلام، و لا من الإنسانيّة في حساب الحسين، فكيف بولده يزيد؟ ! . . . و إقرأ معي هذا التّأنيب و التّوبيخ الّذي وجّهه الحسين لمعاوية بصوت عال جريء.
الحسين و معاوية:
كتب مروان بن الحكم، و هو عامله على المدينة:
أمّا بعد، فإنّ عمرو بن عثمان ذكر أنّ رجالا من أهل العراق، و وجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن عليّ، و أنّه لا يؤمن و ثوبه، و قد بحثت عن ذلك، فبلغني أنّه يريد الخلاف يومه هذا، فاكتب إليّ برأيك.
فكتب معاوية إلى الحسين:
أمّا بعد: فقد انتهت إليّ أمور عنك إن كانت حقّا فقد أظنّك تركتها رغبة فدعها، و لعمر اللّه أنّ من أعطى اللّه عهده و ميثاقه لجدير بالوفاء، فإن كان الّذي بلغني باطلا فإنّك أنت أعزل النّاس لذلك، و عظ نفسك، فاذكر، و بعهد اللّه أوف فإنّك متى ما تنكرني أنكرك، و متى ما تكدني أكدك، فاتّق شقّ عصا هذه الأمّة و إن يردهم اللّه على يديك في فتنة، فقد عرفت النّاس و بلوتهم، فانظر لنفسك و لدينك و لأمّة محمّد، و لا يستخفنك السّفهاء و الّذين لا يعلمون.
يا لسخرية الأقدار. . . الشّجرة الملعونة في القرآن تقول لمن طهّره اللّه تطهيرا. . . انظر لدينك و لأمّة محمّد. . . عدوّ اللّه و الرّسول الّذي قال لأهل الكوفة:
«يا أهل الكوفة! أترون أنّي قاتلتكم على الصّلاة، و الزّكاة، و الحجّ، و قد علمت أنّكم تصلّون، و تزكون، و تحجون، و لكنّي قاتلتكم لأئتمر عليكم، و ألي رقابكم، و قد أتاني اللّه ذلك و أنتم كارهون. ألا إنّ كلّ دم أصيب في هذه مطلول، و كلّ شرط شرطته فتحت قدمي هاتين»  2 . يقول لربيب الوحي: أنظر لدينك و لأمّة محمّد؟ . . و لكنّ الحسين قد أبطل كيده، و هدم كهفه، و أرغم أنفه، حيث أجابه:
أمّا بعد: فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي أمور أنت عنها راغب و أنا بغيرها عندك جدير، فإنّ الحسنات لا يهدى لها و لا يسدّد إليها إلاّ اللّه تعالى.
و أمّا ما ذكرت أنّه رقيّ إليك عنّي، فإنّه إنّما رقاه إليك الملاقون المشّاؤون بالنّميمة، المفرّقون بين الجمع، و كذب الغاوون.
و ما أردت إليك حربا، و لا عليك خلافا، و إنّي لأخشى اللّه في ترك ذلك منك، و من الأعذار فيه إليك و إلى أوليائك القاسطين حزب الظّلمة و أولياء الشّياطين.
ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة و أصحابه المصلّين العابدين الّذين كانوا ينكرون الظّلم، و يستعظمون البدع، و يأمرون بالمعروف، و ينهون عن المنكر، و لا يخافون في اللّه لومة لائم، ثمّ قتلتهم ظلما و عدوّانا، من بعد ما أعطيتهم الأيمان المغلظة و المواثيق المؤكّدة، لا تأخذهم بحدث كان بينك و بينهم، جرأة منك على اللّه و استخفافا بعهده؟ . .
أ و لست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله العبد الصّالح الّذي أبلته العبادة، فنحل جسمه، و اصفرّ لونه، فقتلته بعد ما أمّنته، و أعطيته ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال؟ . .
أ و لست بمدّعي زياد بن سميّة المولود على فراش عبيد ثقيف، فزعمت أنّه ابن أبيك، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: «الولد للفراش، و للعاهر الحجر»  3 ، فتركت سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تعمدا، و تبعت هواك بغير هدى من اللّه، ثمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم، و يقطع أيديهم و أرجلهم، و يسمّل أعينهم، و يصلبهم على جذوع النّخل، كأنّك لست من هذه الأمّة و ليسوا منك؟ . .
أ و لست قاتل الحضرمي الّذي كتب فيه إليك زياد أنّه على دين عليّ كرّم اللّه وجهه، فكتب إليه أن أقتل كلّ من كان على دين عليّ، فقتلهم، و مثّل بهم بأمرك، و دين عليّ هو دين ابن عمّه صلّى اللّه عليه و اله الّذي أجلسك مجلسك الّذي أنت فيه، و لو لا ذلك لكان شرفك و شرف آبائك تجشم الرّحلتين رحلة الشّتاء و الصّيف؟ . .
و قلت فيما قلت: أنظر لنفسك و لدينك و لأمّة محمّد، و اتّق شقّ عصا هذه الأمّة و أن تردهم إلى فتنة. و إنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمّة من ولايتك عليها، و لا أزعلم نظرا لنفسي ولديني و لأمّة محمّد صلّى اللّه عليه و اله علينا أفضل من أن جاهدك، فإن أفعل فإنّه قربة إلى اللّه، و إن تركته فإنّي استغفر اللّه لديني، و أسأله توفيقه لإرشاد أمري. .
و قلت فيما قلت: إنّي إن أنكرتك تنكرني و إن أكدك تكدني، فكدني ما بدا لك، فإنّي أرجو اللّه أن لا يضرني كيدك، و أن لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك، لأنّك قد ركبت جهلك، و تحرصّت على نقض عهدك. و لعمري ما وفيّت بشرط، و لقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النّفر الّذين قتلتهم بعد الصّلح و الأيمان و العهود و المواثيق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا و قتلوا. و لم تفعل ذلك بهم إلاّ لذكرهم فضلنا، و تعظيمهم حقّنا، فقتلتهم مخافة أمر لعلّك لو لم تقتلهم متّ قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص، و استيقن بالحساب، و اعلم أنّ للّه تعالى كتابا لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلاّ أحصاها، و ليس اللّه بناس لأخذك بالظّنة و قتلك أولياءه على التّهم، و نفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة. و أخذك للنّاس بيعة ابنك، غلام حدث، يشرب الشّراب، و يلعب بالكلاب، و ما أراك إلاّ قد خسرت نفسك، و بترت دينك، و غششت رعيتك و أخربت أمانتك، و سمعت مقالة السّفيه الجاهل، و أخفت الورع التّقي، و السّلام  4 .
و لمّا قرأ معاوية الكتاب أطلع عليه ولده يزيد، فقال له: أجبه جوابا يصغر إليه نفسه، و اذكر أباه عليّا بشر.
فقال معاوية: و ما أقول في عليّ، و مثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل؟ و متى ما عبت رجلا بما لا يعرفه النّاس كذّبوه، و ما عسيت أن أعيب حسينا؟ و و اللّه ما أرى للعيب فيه موضعا و قد رأيت أن أكتب إليه أتوعده أتهدده، ثمّ رأيت أن لا أفعل و لا أمحكه  5 . . .
الحسين يبايع يزيد و هو يقف من أبيه معاوية هذا الموقف، و يخاطبه بهذا الإحتقار و الإزدراء: ركبت جهلك، و نقضت عهدك، و خسرت دينك، و غششت الرّعية، و قتلت أولياء اللّه، و أخذت البيعة لغلام يشرب الشّراب، و يلعب بالكلاب؟ ! .
قرأ يزيد هذا السّجل الخالد في مثالبه، و مثالب من مهّد له، و بايعه بالخلافة، فحرّض أباه على أن ينال بالباطل من عليّ و الحسين، و لم يجد معاوية ما يقوله أللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا، فاجتر يزيد ضغينته و أحقاده، و انطوى على غيظه و غضبه ينتظر الفرصة المؤاتية.
فوران الحقد:
و بعد أن هلك معاوية، و تولّى يزيد الأمر من بعده صمّم أن يقتل الحسين على كلّ حال، و بأيّ ثمن، و مهما تكن النّتائج. . . و سواء أصحّ أنّ معاوية أوصاه خيرا بالحسين، أو لم يصحّ، فإنّ فوران الحقد، و اللّؤم، و البغض، و الغيظ من الحسين قد بلغ الغاية من نفسه، و أدّى به إلى حمق لا تجدي معه النّصيحة، و إلى داء لا يشفيه إلاّ الإنتقام، و لو كان به ذهابه و ذهاب ملكه، و من قبل قال عبد اللّه بن الزّبير: «اقتلوني و مالكا»  6 .
صمّم الحسين أن لا يبايع يزيد، قتل أو لم يقتل، لسبب واحد و هو «مثله لا يبايع مثل يزيد»  7 . . . و صمّم يزيد على قتل الحسين بايع أو لم يبايع لأسباب:
«منها» : العداء المبدئي الّذي أشار إليه الإمام الصّادق بقوله: «نحن و آل أبي سفيان تعادينا في اللّه، قلنا: صدق اللّه. و قالوا كذب اللّه»  8 .
و «منها» : العداء الشّخصي، فقد كان يزيد يعلم علم اليقين بأنّ الحسين يزدريه و يحتقره و أباه معاوية، و أيضا يعلم بأنّ الحسين ينظر إليه و إلى أبيه كما ينظر إلى المنافقين و المفترين، و لا شيء أشدّ وطأة على النّفس من الإحتقار و الإستخفاف.
و «منها» : الأخذ بثارت بدر. . . و لذا هتف بأشياخه حين وضع رأس الحسين بين يديه، و قال: «ليت أشياخي ببدر شهدوا» . و قد تجاهل هذه الحقيقة الّذين اضمروا العداء لعليّ و بنيه، و قالوا: أنّ الحسين ألقى بيده إلى التّهلكة، و كان عليه أن يسلّم ليزيد، ما دام عاجزا عن مقاومته. . .
قالوا هذا، و هم يعلمون أنّ الحسن صالح معاوية، و سلّم له الأمر، ثمّ غدر به، و أنّ معاوية أعطى العهود و المواثيق لأولياء اللّه كحجر بن عدي، و عمرو بن الحمق و غيره، ثمّ نقضها، و قتلهم دون أن يقاتلوه، و أنّ مسلم بن عقيل ألقى السّلاح بعد أن أخذ العهد و الأمان من أذناب الأمويّين، ثمّ قتلوه و مثّلوا به.
و جاء في البحار:
«أنّ يزيد أنفذ عمرو بن سعيد إلى مكّة، و ولاّه الموسم و أمره بقتل الحسين على أي حال اتّفق، و أنّه دسّ مع الحاج ثلاثين رجلا، ليغتالوا الحسين، و لمّا علم الحسين بذلك خرج من مكّة، و قبل خروجه قال لأخيه محمّد بن الحنفيّة:
و اللّه يا أخي لو كنت في حجر هامّة من هوام الأرض لإستخرجوني منه، حتّى يقتلوني  9 . . . و في هذا دلالة ظاهرة أنّه مقتول، حتّى و لو سالم و بايع، و كانوا يعرضون عليه البيعة صورة، لعلمهم بأنه لا يبايع، ألا ترى كيف أشار مروان بن الحكم بقتل الحسين على والي المدينة؟ . . . و كيف كتب ابن زياد لابن سعد:
أعرض على الحسين: أن ينزل على حكم بني عمّك-يقول: «لا و اللّه، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذّليل، و لا أقرّ إقرار العبيد. عباد اللّه: إنّي عذت بربّي و ربكم أن ترجمون. أعوذ بربّي و ربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب، ألا و إنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين: بين السّلة و الذّلّة، و هيهات منّا الذّلّة، يأبى اللّه لنا ذلك، و رسوله، و المؤمنون، و جدود طابت، و حجور طهرت، و أنوف حميّة، و نفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللّئام على مصارع الكرام»  10.
و من عرف حقيقة يزيد، و عوامله النّفسيّة، و تربيته لا يشك في شيء من ذلك. . . أنّ يزيد ينزع للإنتقام بطبيعته و فطرته، و بنسبه و تربيته، و لا يشبع نزعته هذه، البيعة و غير البيعة، لا يشبعها إلاّ الدّم، حتّى الدّم لم يشف غليل جدّته هند. . . فلاكت كبد الحمزة، و اتّخذت من أطرافه قلادة تتزين بها لجدّه أبي سفيان  11 . . .
الخروج بالنّساء:
قد يقول قائل: ما دام الحسين يعلم بأنّه مقتول لا محالة، كما صرّح بذلك لأخيه محمّد بن الحنفيّة و حين علم بمقتل ابن عمّه مسلم، و في مناسبات شتى، فلماذا صحب معه النّساء و الأطفال، حتّى جرى عليها ما جرى؟ . .
الجواب:
أجل: أنّ الحسين و الأصحاب و التّابعين كانوا يعلمون بمقتل الحسين قبل وقوعه، فقد اشتهر و تواتر من طريق السّنّة و الشّيعة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و اله أخبر بذلك أكثر من مرّة. . . قال صاحب «العقد الفريد» :
«قالت أمّ سلمة: «كان جبرائيل عليه السّلام عند النّبيّ و الحسين معي فغفلت عنه فذهب إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و اله و جعله على فخذه
فقال له جبرائيل أ تحبّه يا محمّد؟
فقال صلّى اللّه عليه و اله: نعم
فقال: إنّ أمّتك ستقتله، و إن شئت أريتك تربة الأرض الّتي يقتل بها، ثمّ فبسط جناحه إلى الأرض و أراه أرضا يقال لها كربلاء. تربة حمراء بطفّ العراق، فبكى النّبيّ صلّى اللّه عليه و اله»  12 .
و قال صاحب ذخائر العقبى:
«قال رسول اللّه: «أنّ ابني هذا يعني الحسين يقتل بأرض من العراق فمن أدركه منكم فلينصره»  13 .
ثمّ قال صاحب الذّخائر: و هذا الحديث خرّجه البغوي في معجمه، و أبو حاتم في صحيحه، و أحمد في مسنده  14 .
و بهذا يتبيّن معنى أنّ الّذين نهوا الحسين عن الخروج من الأصحاب و التّابعين، و أعلموه بأنّه مقتول قد اعتمدوا على أحاديث النّبيّ، و تجاهلوا قوله «فمن أدركه منكم فلينصره» إيثارا للعاجلة على الآجلة. . . حين سمع ابن عمر بخروج الحسين أسرع خلفه حتّى أدركه في بعض المنازل، فقال له: «إلى أين يا رسول اللّه؟ . قال: إلى العراق.
قال: اكشف لي عن الموضوع الّذي كان رسول اللّه يقبّله منك. فكشف له عن سرّته، فقبّلها ابن عمر ثلاثا، و بكى، و قال: استودعك اللّه يا ابن رسول اللّه، فإنّك مقتول في وجهك هذا  15 .
و إذا كان الحسين مقتولا لا محالة فليكن ثمن قتله و استشهاده ذهاب دولة الباطل من الوجود، و خلاص المسلمين منها و من الجور و البغي. . . و لا طريق للخلاص إلاّ بإنفجار الثّورة على الأمويّين و سلطانهم. . . و كان ذبح الأطفال و سبي النّساء، و التّطواف بهنّ من بلد إلى بلد من أجدى الوسائل لإنفجار الثّورة الّتي هزّت دولة البغي من الأركان.
لقد صحب الحسين النّساء معه عن قصد و تصميم ليطوف بهنّ الأمويون في البلدان، و يراهن كلّ إنسان، و يقلن بلسان الحال و المقال: «أيّها المسلمون، انظروا ما فعلت اميّة الّتي تدّعي الإسلام بآل نبيّكم. . . و كان النّاس يستقبلون جيش يزيد الّذي يطوف بالسّبايا، يستقبلونه بالمظاهرات، و الرّشق بالأحجار، و الهتافات المعادية للأمويّين و حزبهم، و يصرخون: في وجوههم يا فجرة. . . يا قتلة أولاد الأنبياء. . .
لقد رأى المسلمون في السّبايا من الفجيعة أكثر ممّا رأوا من قتل الحسين، و لولاهنّ لم يتحقّق الهدف من قتل الحسين، و هو إنهيار دولة الظّلم و الطّغيان. . .
و لنفترض أنّ السّيّدة زينب بقيت في المدينة، و قتل أخوها الحسين في كربلاء، فماذا تصنع؟ . . . و أي شيء تستطيع القيام به غير البكاء و إقامة العزاء؟ . . .
و ممّا قلته في كتاب المجالس الحسينيّة:
«هل ترضى لنفسها، أو يرضى لها مسلم أن تركب جملا مكشوفة الوجه تنتقل من بلد إلى بلد تؤلّب النّاس على يزيد، و ابن زياد؟ ! و هل كان يتسنى لها الدّخول على ابن زياد في قصر الإمارة، و تقول له في حشد من النّاس:
«الحمد للّه الّذي أكرمنا بنّبيه محمّد، و طهرنا من الرّجس تطهيرا، إنّما يفتضح الفاسق، و يكذّب الفاجر، و هو غيرنا و الحمد للّه»  16 ؟ ! و هل كان بإمكانها أن تدخل على يزيد في مجلسه و سلطانه، و تلقي تلك الخطب الّتي أعلنت بها فسقه، و فجوره، و لعن آبائه، و أجداده على رؤوس الأشهاد؟ ! .
أنّ السّيّدة زينب لا تخرج من بيتها مختارة، و لا يرضى المسلمون لها بالخروج مهما كان السّبب، حتّى و لو قطّع النّاس يزيد بأسنانهم، و لكن الأمويّين هم الّذين أخرجوها، و هم الّذين ساروا بها، و هم الّذين أدخلوها في مجالسهم، و مهدوا لها طريق سبّهم و لعنهم، و الدّعاية ضدّهم و ضدّ سلطانهم.
و مرّة ثانية نقول: هذه هي المصلحة في خروج الحسين بنسائه و أطفاله إلى كربلاء، و ما كان لأحد أن يدركها في بدء الأمر إلاّ الحسين و أخته زينب، عهد إلى الحسين من أبيه عليّ عن جدّه محمّد عن جبريل عن ربّ العالمين. سرّ لا يعلمه إلاّ اللّه، و من ارتضاه لعلمه و رسالته.
و كلّ ما فعله الأمويون في كربلاء عاد عليهم بالوبال و الخسران. . . قال الألماني ماريين: «بعد وقعة كربلاء انكشفت سرائر الأمويّين، و ظهرت قبائح أعمالهم، و انتشر الخلاف على يزيد و بني أميّة. و ما كان يجرؤ إنسان قبل كربلاء أن يجهر بتقدّيس عليّ و الحسين، و بعدها لم يكن للنّاس من حديث إلاّ في فضل العلويّين و محنهم، حتّى في مجلس يزيد كان يذكر الحسين و أباه بالتّقدير و التّعظيم»  17 .
____________
 ١ ) تقدّمت تخريجاته.
 2 ) انظر، البداية و النّهاية: ۶ / ٢۴۶ ، تأريخ دمشق: ۵٢ / ٣٨٠ ، تأريخ ابن كثير: ٨ / ١٢١ ، الكامل في التّأريخ: ۶ / ٢٢٠ ، مقاتل الطّالبيين: ٧٠ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد: ۴ / ١۶  و: ١۶ / ١۵ ، المعرفة و الرّجال للبسوي: ٣ / ٣١٨ ، شرح الأخبار: ٢ / ١۵٧ ، مناقب آل أبي طالب: ٣ / ١٩۶ ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي: ٧ / ٣۵١  ح  ٢٣ ، تأريخ دمشق: ۵٢ / ٣٨٠  و: ۵٩ / ١۵٠ ، البداية و النّهاية: ٨ / ١۴٠ .
 3 ) انظر، مسند الإمام الشّافعي: ١٨٨ ، مسند أحمد: ٢ / ٣٨۶ ، سنن الدّارمي: ٢ / ١۵٢ ، صحيح البخاريّ: ٣ / ٣٩ ، صحيح مسلم: ۴ / ١٧١ ، سنن ابن ماجه: ١ / ۶۴۶ ، سنن التّرمذي: ٣ / ٢٩٣ ، مصباح الزّجاجة: ٢ / ١٢٢ ، مسند الشّهاب: ١ / ١٩٠ ، البيان و التّعريف: ٢ / ١٣٠  و  ٢۶٧ ، الّتمهيد لابن عبد البر: ٨ / ١٩١ ، كشف الخفاء: ٢ / ۴۵١ ، شرح النّووي على صحيح مسلم: ١٠ / ٣٧ .
 4 ) انظر، أعيان الشّيعة: ۴ / ١۴٢  طبعة سنة ( ١٩۴٨  م) نقلا عن كتاب «الإمامة و السّياسة» لابن قتيبة. و ذكر هذا الكتاب أيضا صاحب البحار: ١٠ / ١۴٩ . (منه قدّس سرّه) .
 5 ) انظر، معدن الحكمة: ١ / ۵٨٢ ، الإحتجاج للطّوسي: ٢٧٩ ، معجم رجال الحديث: ١٩ / ٢١۵ ، العوالم: ١٧ / ٩٣  ح  ۶ ، إختيار معرفة الرّجال: ١ / ٢۵٩ .
 6 ) انظر، الفتوح لابن أعثم: ١ / ۴٨۵  و ما بعدها، و قارن بين قوله و قول المؤرّخ في تأريخ الطّبري:  ١ / ٣١٩٩ - ٣٢٠٠ ، و: ۵ / ٢٠۴  و  ٢١٠  و  ٢١١ ، و الواقدي برواية شرح النّهج لابن أبي الحديد:  ١ / ٨٧  في شرح الخطبة «كنتم جند المرأة» ، الكامل في التّأريخ: ٣ / ٩٩ ، العقد الفريد: ۴ / ٣٢۶  طبعة لجنة التّأليف، الإمامة و السّياسة: ١ / ٩۶ ، الهامش رقم ( ١  و  ٢ ) في نفس الصّفحة.
 7 ) تقدّمت تخريجاته.
 8 ) تقدّمت تخريجاته.
 9 ) انظر، بحار الأنوار: ١٠ / ١١۶ . و ما رأيت أجهل ممّن قال: كيف اطمأنّ الحسين لأهل الكوفة، و قد غدروا بأخيه ر، و أبيه من قبل؟ . . . فهل كان الحسين يجهل ذلك؟ . ألم يصرح أكثر من مرّة بأنّ اللّه شاء أن يراني قتيلا، و يرى نسوتي سبايا؟ . . . (منه قدّس سرّه) . انظر، تأريخ الطّبري: ٣ / ٢٩۵ ، الكامل في التّأريخ: ٢ / ۵۴۶ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر: (ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام) : ٢١٢  ح  ۶۶۴ ، وقعة الطّفّ: ١۵٢ ، مقتل الحسين للخوارزمي: ١ / ٢١٨  مقتل الحسين لأبي مخنف: ۶٧ ، مقاييس اللّغة لابن فارس: ۴ / ۴٩۶ ، الفتوح لابن أعثم: ٣ / ٧۴  البداية و النّهاية: ۶ / ١۶٣  ح  ١۶۶٠٨ ، ينابيع المودّة: ٣ / ۶٠ ، الطّبقات لابن سعد: ح  ٢٧٨ .
 10 ) انظر، تأريخ الطّبري: ۵ / ۴٢۵ - ۴٢۶  طبعة سنة  ١٩۶۴  م، الكامل في التّأريخ: ٣ / ٢٨٧ - ٢٨٨ .
 11 ) قتل حمزة و الّتمثيل به: حمزة بن عبد المطّلب يكنى أبا عمارة، و أبا يعلى، و هو أسد اللّه و أسد رسوله صلّى اللّه عليه و اله عمّ النّبيّ قتله غلام يقال له وحشي مولى مطعم بن جبير، و قد بعثه مولاه مع قريش و قال له: إن قتلت حمزة بعمّي طعيمة بن عديّ فأنت عتيق، و جعلت هند بنت عتبة لوحشي جعلا على أن يقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أو عليّا أو حمزة. فقال: أمّا محمّد فلا حيلة فيه، لأنّ أصحابه يطوفون به. و أمّا عليّ فإنّه إذا قاتل كان أحذر من الذّئب. و أمّا حمزة فأطمع فيه، لأنّه إذا غضب لا يبصر ما بين يديه، فقتله وحشي، و جاءت هند فأمرت بشقّ بطنه و قطع كبده و التّمثيل به، فجدعوا أنفه و اذنيه. و هي الّتي اتخذت من آذان الرّجال و آنافهم و أصابع أيديهم و أرجلهم و مذاكيرهم قلائد و معاضد، و اعطت وحشي معاضدها و قلائدها جزاء قتله حمزة فلاكة كبده فلم تسفه فلفظته. (انظر، الكامل في التّأريخ: ٢ / ١١١ ، الدّرجات الرّفيعة: ۶۶ - ۶٩ ، السّيرة النّبويّة لابن هشام: ٣ / ٩۶ ، السّيرة الحلبية: ٢ / ٢۴۶ ، كشف اليقين لابن  ٢ ) -المطهّر الحلّي: ١٢٨ ) . و ذكر أهل السّير و الأخبار كابن جرير، و ابن الأثير، و ابن كثير، و صاحب العقد الفريد و غيرهم ما قد أخرجه أحمد بن حنبل: ٢ / ۴٠  عن ابن عمر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لما رجع من أحد جعلت نساء قريش يبكين على من قتل من أزواجهن. قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: و لكن حمزة لا بواكي له، قال: ثمّ نام فانتبه و هنّ يبكين، قال فهنّ اليوم إذا يبكين يندبن حمزة. و في ترجمة حمزة من الإستيعاب نقلا عن الواقدي بهامش الإصابة: ١ / ٢٧۵  قال: لم تبك امرأة من الأنصار على ميّت-بعد قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لكن حمزة لا بواكي له-إلى اليوم إلاّ بدأنّ بالبكاء على حمزة. (انظر للمزيد اسد الغابة، و الطّبقات الكبرى: ٢ / ۴۴ ، و: ٣ / ١١  و  ١٧ - ١٩ ، ذخائر العقبى:  ١٨٣ ، و السّيرة النّبويّة لابن هشام: ٣ / ١٠۴ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد: ١۵ / ۴٢ ، الكامل في التّأريخ: ٢ / ١١٣ ، مجمع الزّوائد: ۶ / ١٢٠ . كان حمزة، يحمل على القوم، فإذا رأوه انهزموا و لم يثبت له أحد، لكن غدر وحشي و حقد هند هما اللّذان مكنّا حربة وحشي فأصابته في أربيته، و انشغال المسلمون بهزيمتهم هي الّتي مكّنت هند من شقّ بطنه و قطع كبده و التّمثيل به، و لذا قال الشّاعر كما في كشف الغمّة: ١ / ٢۵٨ . و لا عار للأشراف إن ظفرت بها كلاب الأعادي من فصيح و أعجم فحربة وحشي سقت حمزة الرّدى و حتف عليّ من حسام ابن ملجم و حين رآه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال: لو لا أن تحزن صفيّة أو تكون سنّة بعدي تركته حتّى يكون في أجواف السّباع و حواصل الطّير، و لئن أظهرني اللّه على قريش لأمثّلنّ بثلاثين رجلا منهم. كما ذكر ابن الأثير في الكامل: ٢ / ١۶١ . و قال المسلمون: لنمثّلنّ بهم مثلة لم يمثّلها أحد من العرب، فأنزل اللّه في ذلك: وَ إِنْ عٰاقَبْتُمْ فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ النّحل: ١٢۶ . و لذا ورد في السّيرة الحلبية عن ابن مسعود: ٢ / ٢۴۶  قال: ما رأينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله باكيا أشدّ من بكائه على حمزة عليه السّلام و وضعه في القبلة، ثمّ وقف على جنازته و انتحب حتّى نشق-أي شهق-حتّى بلغ به الغش، يقول صلّى اللّه عليه و اله: يا عمّ رسول اللّه، و أسد اللّه، و أسد رسول اللّه، يا حمزة فاعل الخيرات، يا حمزة يا كاشف الكربات، يا حمزة يا ذابّ عن وجه رسول اللّه. و قال صلّى اللّه عليه و اله: جاءني جبريل عليه السّلام و أخبرني بأنّ حمزة مكتوب في أهل السّماوات السّبع: حمزة بن عبد المطّلب أسد اللّه و أسد رسوله. و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله الزّبير أن يرجع أمّه صفيّة اخت حمزة؛ عن رؤيته، فقال لها: يا امّه، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله  يأمرك أن ترجعي، فدفعت في صدره و قالت: لم و قد بلغني أنّه مثّل بأخي، و ذلك في اللّه قليل فما أرضاني بما كان في اللّه من ذلك، لأحتسبنّ و لأصبرنّ إن شاء اللّه تعالى، فجاء الزّبير فأخبره صلّى اللّه عليه و اله بذلك؟ فقال صلّى اللّه عليه و اله: خلّ سبيلها، فجاءت و استرجعت و استغفرت له. و في رواية: كفّن حمزة بنمرة كانوا إذا مدّوها على رأسه انكشفت رجلاه، و إن مدّوها على رجليه انكشف رأسه، فمدّوها على رأسه و جعلوا على رجليه الأذخر، و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله به فدفن. ذكر ذلك صاحب السّيرة الحلبية: ٢ / ٢۴٧ ، و ابن الأثير في الكامل: ٢ / ١۶٢ . و ذكر الواقدي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و اله كان يومئذ إذا بكت صفيّة يبكي و إذا نشجت ينشج. قال: و جعلت فاطمة تبكي فلمّا بكت بكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله. و روى ابن مسعود قال: ما رأينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله باكيا قطّ أشدّ من بكائه على حمزة بن أبي طالب لما قتل-إلى أن قال: -و وضعه في القبر ثمّ وقف صلّى اللّه عليه و اله على جنازته و انتحب حتّى نشغ من البكاء. ذكر ذلك صاحب الاستيعاب بهامش الإصابة: ١ / ٢٧۵  الطّبعة الأولى، و الإمتاع للمقريزي: ١۵۴ ، و الكامل في التّأريخ: ٢ / ١٧٠ ، و مجمع الزّوائد: ۶ / ١٢٠ ، و الصّحيح من سيرة النّبيّ الأعظم: ۴ / ٣٠٧  و  ٣١٠ ، و ذخائر العقبى: ١٨٠ ، و سيرة ابن هشام: ٣ / ١٠۵ ، و السّيرة الحلبية: ٢ / ٢۴۶ ، و شرح النّهج: ١۵ / ٣٨٧  و  ١٧ . و لسنا بصدد بيان جواز أو حرمة البكاء على الميت و لكن نترك للقارئ الكريم مجال التّفكير عند مراجعة المصادر التّالية على سبيل المثال لا الحصر منذ بكاء آدم عليه السّلام على ابنه هابيل إلى اليوم لأنّ البكاء سنّة طبيعية. انظر، العرائس للثّعالبي: ۶۴  طبعة بمبي و  ١٣٠  و  ١۵۵ ، الطّبقات الكبرى لابن سعد: ١ / ١٢٣ ، و:  ٢ / ۶٠  الطّبعة الثّانية طبعة بيروت، فرائد السّمطين: ١ / ١۵٢  ح  ١١۴ ، و: ٢ / ٣۴  ح  ٢٧١ ، و المصنّف لابن أبي شيبة: ۶  و  ١٢ ، كنز العمّال: ١٣ / ١١٢  الطّبعة الثّانية، و: ١۵ / ١۴۶ ، و: ۶ / ٢٢٣  الطّبعة الأولى، تأريخ دمشق: ٢ / ٢٢٩  ح  ٣۶٧  و  ٣٢٧  ح  ٨٣١ ، مجمع الزّوائد: ٩ / ١١٨  و  ١٧٩  و  ١٨٩  الفضائل لأحمد بن حنبل: ح  ٢٣١ ، المستدرك للحاكم: ٣ / ١٣٩ ، و: ۴ / ۴۶۴ ، تأريخ بغداد:  ١٢ / ٣٩٨ ، و: ٧ / ٢٧٩ ، المناقب للخوارزمي: ٢۶ ، ينابيع المودّة: ۵٣  و  ١٣۵ . سنن البيهقيّ: ۴ / ٧٠ ، سنن ابن ماجه: ٢ / ۵١٨ ، ذخائر العقبى: ١١٩  و  ١۴٧  و  ١۴٨ ، دلائل النّبوّة للبيهقي في ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام من تأريخ دمشق: ح  ۶٢٢  و  ۶١٢ - ۶١۴  و  ۶٢۶ - ۶٣٠ ، المعجم  ٢ ) -الكبير للطّبراني حياة الإمام الحسين عليه السّلام: ١٢٢  ح  ۴۵  و  ۴٨  و  ٩۵ ، كفاية الطّالب: ٢٧٩ ، أعلام النّبوّة للماوردي: ٨٣  باب  ١٢ ، نظم درر السّمطين: ٢١۵ ، البداية و النّهاية لابن كثير: ۶ / ٢٣٠ ، و: ٨ / ١٩٩ ، الرّوض النّضير: ١ / ٨٩  و  ٩٢  و  ٩٣ ، و: ٣ / ٢۴ ، مروج الذّهب: ٢ / ٢٩٨ ، اسد الغابة:  ١ / ٢٠٨ ، حلية الأولياء: ٣ / ١٣۵ ، الرّياض النّضرة: ٢ / ۵۴  الطّبعة الأولى. و استشهد من المهاجرين يوم أحد مع حمزة أسد اللّه و أسد رسوله: عبد اللّه بن جحش، و مصعب بن عمير، و شماس بن عثمان بن الشّريد، و استشهد من الأنصار واحد و ستون رجلا. (انظر، المعارف لابن قتيبة: ١۶٠ ) . و روى ابن مسعود: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و اله صلّى على حمزة و بكى و قال كما أسلفنا سابقا: يا حمزة يا عمّي، . . . يا حمزة يا أسد اللّه و أسد رسوطه، يا حمزة يا فاعل الخيرات، يا حمزة يا كاشف الكربات، يا حمزة يا ذابّ عن وجه رسول اللّه. . . قال: و طال بكاؤه، قال: و دعا برجل رجل حتّى صلّى على سبعين رجلا سبعين صلاة و حمزة موضوع بين يديه. ذكر ذلك صاحب ذخائر العقبى: ١٨١ . أمّا الرّواية الّتي نقلها صاحب الينابيع عن عبد اللّه بن مسعود فقد جاء فيها: لمّا قتل حمزة و قتل إلى جنبه رجل من الأنصار يقال له سهيل، قال: فجيء بحمزة و قد مثّل به. فجاءت صفيّة بنت عبد المطّلب بثوبين لكفنه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله: دونك المرأة فردّها، فأتاها الزّبير بن العوّام-كما ذكرنا سابقا- فدفعت الثّوبين و انصرفت. فأقرع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بينه-حمزة-و بين سهيل فأصاب سهيلا أكبر الثّوبين -إلى أن قال: -فدعا برجل رجل حتّى صلّى عليه سبعين صلاة و حمزة على حالته. فقد أخرجها أحمد، و البغوي، و صاحب الصّفوة، و المحاملي، و ابن شاذان. أمّا مقتل مصعب بن عمير: فإنّه لمّا علم صلّى اللّه عليه و اله أنّ لواء المشركين مع طلحة من بني عبد الدّار أخذ اللّواء من عليّ عليه السّلام و دفعه إلى مصعب بن عمير لأنّه أيضا من بني عبد الدّار و قال: نحن أحقّ بالوفاء منهم. ورد ذلك في الكامل في التّأريخ: ٢ / ١۵٠ . و قال الطّبريّ: ٢ / ٢١٩٩ ، و ابن الأثير أيضا: ٢ / ١۵۵ ، قاتل مصعب بن عمير دون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و معه لواؤه حتّى قتل، و كان الّذي أصابه و قتله ابن قميئة اللّيثي و هو يظنّ أنّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فرجع إلى قريش فقال: قتلت محمّدا، فجعل النّاس يقولون قتل محمّد، قتل محمّد، فلمّا قتل مصعب بن عمير أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله اللّواء عليّ بن أبي طالب. و تفرّق أكثر أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قصده المشركون و جعلوا يحملون عليه يريدون قتله، و ثبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يرمي عن قوسه حتّى تكسّرت و قاتل قتالا شديدا و رمى بالنّبل حتّى فني نبله  ٢ ) -و انكسرت سية قوسه و انقطع و تره. (انظر الكامل في التّأريخ لابن الأثير: ٢ / ١۵۴ ) . و هنا انخلعت القلوب و أوغلوا في الهروب كما قال تعالى: إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لاٰ تَلْوُونَ عَلىٰ أَحَدٍ وَ اَلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرٰاكُمْ فَأَثٰابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ آل عمران: ١۵٣  و الرّسول صلّى اللّه عليه و اله يدعوهم فيقول: إليّ عباد اللّه، إليّ عباد اللّه، أنا رسول اللّه من كرّ فله الجنّة. و لذا قال ابن جرير: ٢ / ٢٠٣  و ابن الأثير في الكامل: ٢ / ١١٠ : و انتهت الهزيمة بجماعة المسلمين و فيهم عثمان بن عفّان و غيره إلى الأعوص فأقاموا بها ثلاثا، ثمّ أتو النّبيّ صلّى اللّه عليه و اله فقال لهم حين رآهم: لقد ذهبتم فيها عريضة. ذكر هذا الحديث تأريخ الطّبريّ: ٢ / ٢٠٣ ، الكامل لابن الأثير: ٢ / ١١٠ ، السّيرة الحلبية: ٢ / ٢٢٧ ، البداية و النّهاية:  ۴ / ٢٨ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير: ٣ / ۵۵ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد: ١۵ / ٢١ ، الدّر المنثور:  ٢ / ٨٩ ، تفسير الفخر الرّازي: ٩ / ۵٠  للآية المذكورة. و لسنا بصدد بيان من فرّ و رجع، و ماذا قال و قيل له، كأنس بن النّضر عمّ أنس بن مالك حين قال لبعض المهاجرين حين ألقوا ما بأيديهم: ما يحبسكم قالوا: قتل النّبيّ، قال: فما تصنعون بالحياة بعده؟ موتوا على ما مات عليه النّبيّ. ثمّ استقبل القوم فقاتل حتّى قتل رضى اللّه عنه فوجد به سبعون ضربة و طعنه و ما عرفته إلاّ أخته من حسن بنانه: و قيل: لقد سمع أنس بن النّضر جماعة يقولون لمّا سمعوا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و اله قتل: ليت لنا من يأتي عبد اللّه بن أبي بن سلول ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان قبل أن يقتلونا، فقال لهم أنس: يا قوم إن كان محمّد قد قتل فإنّ ربّ محمّد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمّد، أللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقول هؤلآء و أبرأ إليك ممّا جاء به هؤلآء. ثمّ قاتل حتّى استشهد رضى اللّه عنه. علما بأنّ ابن جرير الطّبريّ، و ابن الأثير الجزري، و ابن هشام في السّيرة الحلبية و غيرهم قد ذكروا أسماء الّذين فرّوا يوم أحد، و نحن نحيل القارئ الكريم على المصادر التّالية المتيسره لدينا على سبيل المثال لا الحصر: الكامل في التّأريخ لابن الأثير: ٢ / ١٠٨  و  ١۴٨ ، السّيرة الحلبية: ٢ / ٢٢٧ ، تأريخ الطّبريّ:  ٢ / ٢٠٣ ، الدّر المنثور: ٢ / ٨٠  و  ٨٨  و  ٨٩ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد: ١۵ / ٢٠  و  ٢٢  و  ٢۴  و  ٢۵ ، و: ١٣ / ٢٩٣ ، و: ١۴ / ٢٧۶ ، البداية و النّهاية لابن كثير: ۴ / ٢٨  و  ٢٩ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير:  ٣ / ۵۵  و  ۵٨ ، السّيرة النّبويّة لابن هشام: ۴ / ٨۵ ، لباب الآداب: ١٧٩ ، حياة محمّد صلّى اللّه عليه و اله لهيكل: ٢۶۵ . انظر، تفسير الرّازي: ٩ / ۵٠  و  ۶٧ ، كنز العمّال: ٢ / ٢۴٢ ، و: ١٠ / ٢۶٨  و  ٢۶٩ ، حياة الصّحابة: ١ / ٢٧٢ ، و: ٣ / ۴٩٧ ، المغازي للواقدي: ٢ / ۶٠٩  و  ٩٩٠ ، منحة المعبود في تهذيب مسند الطّيّالسي: ٢ / ٩٩ ، طبقات ابن سعد: ٣ / ١۵۵ ، و: ٢ / ۴۶  و  ۴٧  الطّبعة الأولى، تأريخ الخميس: ١ / ۴١٣ .    
 12 ) انظر، العقد الفريد: ۵ / ١٢۴  طبعة ( ١٩۵٣  م) . (منه قدّس سرّه) . انظر، مسند أحمد: ٣ / ٢۴٢ ، و: ۶ / ٢٩۴ ، ذخائر العقبى: ١۴۶ ، كنز العمّال: ٧ / ١٠۶  و  ١٠۵  و  ١١٠ ، و: ۶ / ٢٢٢  و  ٢٢٣ ، مجمع الزّوائد: ٩ / ١٨٧ - ١٨٩ ، الصّواعق المحرقة: ١١۵  و  ١٩٢  ح  ٢٨ . المستدرك على الصّحيحين: ٣ / ١٧۶  و  ٢١٧٩ ، الطّبقات الكبرى: ٨ / ٢٠۴ ، الإصابة: ١ / ۶٨  و:  ٨ / ٢۶٧ ، و: ۵ / ٢٣١ ، اسد الغابة: ٣ / ٣۴٢ ، و: ٢ / ١٠ ، مسند أحمد: ۶ / ٣٩٩ ، صحيح ابن ماجه  ٢٨٩ ، تأريخ دمشق: ١٣ / ۶٢  ح  ۶٣١ ، مجمع الزّوائد للهيثمي: ٩ / ١٧٩  و  ١٨٧ ، الصّواعق المحرقة:  ١٩٢  ح  ٢٨  و  ٢٩ ، المناقب لأحمد: ٢ / ٧٧٠  ح  ١٣۵٧ ، ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي: ٣ / ٧  و  ٨  طبعة اسوة، مقتل الحسين للخوارزمي: ١ / ١۵٩ ، تذكرة خواصّ الأمّة: ١٣٣ ، تأريخ ابن كثير: ۶  / ٢٣٠ ، ٨ / ١٩٩ ، أمالي الشّجري: ١٨٨ ، الرّوض النّضير: ١ / ٨٩ ، كنز العمّال: ۶ / ٢٢٣ ، الخصائص الكبرى: ٢ / ١٢۵ .
 13 ) انظر، ذخائر العقبى: ١۴۶  طبعة ( ١٣۵۶  ه‍) . (منه قدّس سرّه) . اسد الغابة: ١ / ١۴۶ ، البداية و النّهاية: ٨ /  ١٩٩ ، و أنس-راوي الحديث-هو أنس بن الحارث.
 14 ) انظر، المستدرك على الصّحيحين: ۴ / ۴۴٠  ح  ٨٢٠٢ ، مسند أحمد: ۶ / ٢٩۴ ، الإصابة: ١ / ١٢١  رقم « ٢۶۶ » ، الآحاد و المثاني: ١ / ٣١٠  ح  ۴٢٩ ، المعجم الكبير: ٣ / ١٠٩  ح  ٢٨٢١  و: ٢٣ / ٣٠٨  ح  ۶٩٧ ، سير أعلام النّبلاء: ٣ / ٢٨٩ ، الثّقات لابن حبّان: ۴ / ۴٩ ، تأريخ دمشق: ١۴ / ٢٢۴ ، معرفة الثّقات للعجلي: ١ / ١٧ ، الرّوض النّضير: ١ / ٩٣ ، تهذيب الكمال: ۶ / ۴١٠ ، تأريخ ابن الوردي:  ١ / ١٧٣ ، سبل الهدى و الرّشاد: ١١ / ٧۵ ، ينابيع المودّة: ٣ / ٨ ، تهذيب ابن عساكر: ۴ / ٣٣٨ ، أسد الغابة: ١ / ١٣٢ ، الجرح و التّعديل للرّازي: ١ / ٢٨٧ ، تأريخ البخاري الكبير: ١ / ٣٠  رقم « ١۵٨٣ » .
15 ) انظر، أمالي الشّيخ الصّدوق: ٢١٧ ، العوالم: ١٧ / ١۶٣ ، لواعج الأشجان: ٧۴ .
 16) انظر، الإرشاد: ٢ / ١١۵ ، إعلام الورى بأعلام الهدى: ١ / ۴٧١ ، ينابيع المودّة لذوي القربى: ٣ / ٨٧ .
17 ) انظر، تأريخ الدّولة العربيّة و سقوطها لهاوزن: ١٢٩  طبعة  ١٩۵٨  م. (منه قدّس سرّه) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page