السؤال: يعدّ البعض اللطم على الصدور في المآتم حرام ، ويستدلّ بعدّة أدلّة ، فما هي الأدلّة على مشروعية اللطم على الصدور ؟
الجواب : الاستدلال على مشروعية اللطم يتمّ على نقاط :
1-إنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، أي إنّ كُلّ شيء مباح حتّى يرد فيه حرمة ونهي ، لا كما يظهر من كلام من يعترض على اللطم : من أنّ الأصل في الأشياء الحرمة .
فإنّ أصالة الإباحة أصل في علم أُصول الفقه ، فيه بحوث علمية لا يعرفها أبناء المذهب المخالف يمكنك اطلاعهم عليها ، وعليه فإنّ مدّعي الحرمة والمنع يحتاج إلى دليل وليس العكس .
2-بل إنّ اللطم على الإمام الحسين (عليه السلام) مستحبّ ، لأنّه بعد الأصل يدخل في إحياء شعائر الله ، ومن المعلوم لدينا دخول الشعائر الحسينية في شعائر الله ، لأنّ يوم الحسين يوم من أيّام الله بلا جدال .
3-ولكن مع كُلّ هذا ، فإنّ للشيعة أدلّتهم من الروايات التي فيها إقرار اللطم على الإمام الحسين وبقية المعصومين (عليهم السلام) ، كما ورد في زيارة الناحية المقدّسة من فعل الفواطم : " برزن من الخدور ، ناشرات الشعور على الخدود ، لاطمات الوجوه " (1) ، إذ جاءت هذه الزيارة على لسان معصوم ، فضلاً عن سكوت الإمام زين العابدين (عليه السلام) زمن الحادثة الدالّ على تقريره .
وأيضاً ما رواه العلاّمة المجلسي : من أن دعبل الخزاعي لمّا انشد الإمام الرضا (عليه السلام) : إذاً لـلطمـت الخـدّ عنـده وأجريت دمع العين في الوجنات"(2)
لطمت النساء ، وعلا الصراخ من وراء الستار ، وبكى الإمام الرضا (عليه السلام) حتّى أُغمي عليه مرّتين ، وفيه من التقرير والرضا ما لا يخفى ، إذ لو كان فيه خلاف الشرع لأنكره (عليه السلام) .
ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : " وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام) ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب " (3) .
وقال في الجواهر : " وما يحكى من فعل الفاطميات كما في ذيل خبر ... بل ربما قيل إنّه متواتر " (4) .
وفي اللهوف : " ولمّا رجع نساء الحسين (عليه السلام) وعياله من الشام وبلغوا إلى العراق، قالوا للدليل : مرّ بنا على طريق كربلاء .
فوصلوا إلى موضع المصرع ، فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم ، ورجالاً من آل الرسول (صلى الله عليه وآله) ، قد وردوا لزيارة قبر الحسين (عليه السلام) ، فوافوا في وقت واحد ، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمعت إليهم نساء ذلك السواد ، وأقاموا على ذلك أيّاماً " (5) .
ومن المعلوم : إنّ الإمام السجّاد (عليه السلام) كان معهم .
وروي في أحاديث كثيرة استحباب الجزع على الإمام الحسين (عليه السلام) ، وفسّر الإمام الباقر (عليه السلام) الجزع بقوله : " أشدّ الجزع الصراخ بالويل والعويل ، ولطم الوجه والصدر ... " (6) .
وغيرها من الروايات ، أفبعد هذا يقال بالمنع من اللطم !! نعم إنّ ذلك مختصّ بالحسين (عليه السلام) كما ذكر الفقهاء .
ولكن المانعين المدّعين لحرمة اللطم حاولوا إيراد أدلّة تدلّ على حرمة اللطم بالعنوان الثانوي ، منها :
1-إنّه إلقاء في التهلكة : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } (7) ، مع أنّ الآية ناظرة إلى التهلكة في الآخرة ، ولو سلّمنا فإنّه ليس فيما يفعله اللاطم تهلكة في الدنيا .
وإن حدث في بعض الحالات النادرة ، فإنّ مات أحدهم مثلاً ، فإنّ ذلك لا يوجب التحريم أصلاً ، فهو كما يتّفق في كُلّ شيء مباح ، كركوب السيارة مثلاً .
2-إنّه إضرار بالنفس ، والإضرار حرام ، مع أنّه لم يثبت حرمة كُلّ إضرار بالنفس ، بل الثابت حرمة ما يؤدّي إلى هلاك النفس ، أو ما يؤدّي إلى ضرر بالغ ، والعقلاء يقدمون على الضرر القليل من أجل هدف أسمى وأكبر ، بل قد يقدمون على أُمور فيها هلاك النفس من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها .
3-من أنّ هذه الممارسات ومنها اللطم فيها توهين للمذهب ، وجوابه : إنّ ذلك يختلف باختلاف المواقف ، وأنّ تشخيص الموضوع يعود للمكلّف في صدق التوهين هنا أو لا .
ولو أردنا مجارات كُلّ من خالفنا وشنّع علينا بممارساتنا الدينية بمثل هذه الحجّة لما بقى لدينا شيء حتّى الحجّ والصلاة .
4-قد يعترض المخالف من أهل العامّة بأنّه بدعة ، ولكن تعريف البدعة هو : إدخال ما ليس في الدين فيه ، وهو قد يطلق على ما كان محرّماً ، وقد عرفت ممّا سبق الأدلّة على جوازه ، وأنّه من الدين .
____________
1- المزار الكبير : 504 .
2- بحار الأنوار 45 / 256 .
3- تهذيب الأحكام 8 / 325 .
4- جواهر الكلام 4 / 371 .
5- اللهوف في قتلى الطفوف : 114 .
6- الكافي 3 / 222 .
7- البقرة : 195 .
( ... ... ... ) أدلّة تحريم اللطم واهية
- الزيارات: 2640