السؤال: إذا كان الله في كُلّ مكان ، كما قال الإمام علي (عليه السلام) ، فهذا يعني أنّه موجود في دورات المياه ، والعياذ بالله !
الجواب : لا يخفى أنّ الموجود إمّا مادّي ، وإمّا غير مادّي .
والموجود المادّي : هو الموجود الذي له مادّة وجسم أي ذو أبعاد ثلاثة ، طول وعرض وعمق والجسم يستدعي كونه في مكان خاصّ ، وجهة خاصّة ، ولا يمكن للجسم أن يكون في مكانين ، أو جهتين أو أكثر ، وإلاّ لصار جسمين ، أو أكثر ، لا جسم واحد .
والموجود غير المادّي : هو الموجود الذي ليس له مادّة وجسم ، فهو ليس له مكان خاصّ ، ولا جهة خاصّة ، بل يمكن أن يكون في أماكن وجهات مختلفة ومتعدّدة كالهواء مثلاً .
بعد هذه المقدّمة نقول : إنّ وجود الله تعالى وجود غير مادّي ، فهو موجود في كُلّ مكان ، وفي كُلّ جهة ، قال تعالى : { وللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (1) .
أي إنّ الله تعالى يملك ما بين المشرق والمغرب ، فله تعالى السلطة والقدرة على ما بينهما ، فأينما توجّهوا وجوهكم ، فهنالك وجه الله ، أي لا يخلو منه تعالى مكان ولا جهة ، وقد وسع ذاتاً وعلماً وقدرة ورحمة ، وتوسعة على عباده ، وعليم بمصالح الكُلّ ، وما يصدر عن الكُلّ في كُلّ مكان وجهة ، ولا يخفى عليه خافية .
وقال تعالى : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } (2) .
وجاء في " الاحتجاج " في ذيل هذه الآية : ( فقال ابن أبي العوجا : ذكرت الله فأحلت على الغائب .
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : " ويلك ! كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ، ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم " ؟!
فقال ابن أبي العوجا : فهو في كلّ مكان ، أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض ؟ وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : " إنّما وصفت المخلوق ، الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان ، وخلا منه مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأمّا الله العظيم الشأن الملك الديّان فلا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان " ) (3) .
وبعد هذا البيان يتّضح الجواب على سؤالكم ، فالموجودية ليست موجودية مادّية ، بل هي موجودية غير مادّية ، فهو تعالى مطّلع عليها ، ولا يخفى عليه منها شيء ، وله السلطة والقدرة عليها ، وإلاّ يلزم جهله بها .
__________
1- البقرة : 115 .
2- ق : 16 .
3- الاحتجاج 2 / 75 .
( أحمد ... ... ) الله تعالى موجود في كلّ مكان
- الزيارات: 273