إنّ النهضة العمرانية تتبع قوّة السلطة المركزية واستقرارها ، غير أنها كانت على حساب حاجة الأكثرية الساحقة من أبناء المجتمع التي كانت تعاني تحت وطأة الضرائب ، مع وجود الأقلية المستأثرة بالمال العام من حواشي السلطان وأطرافه ممن انشغلوا ببناء القصور الفارهة التي لا تعود إلى الصالح العام.
ولعل أهم مظاهر العمران في هذا العصر هو بناء مدينة بغداد وسورها ، إذ أمر المنصور بتخطيطها سنة ( ١٤٥ ه ) وجعلها دار ملكه بدلاً من الهاشمية التي بناها السفاح ، وبناء الرافقة بالرقة سنة ( ١٥٥ ه ) على منوال بناء بغداد ، وبناء المصيصة ، وبناء سور وحفر خندق حول الكوفة ، وذكر المؤرخون أن المنصور أخذ ما غرم على ذلك من أموال أهلها من كل إنسان من أهل اليسار أربعين درهماً ، وقد فرضها أولاً خمسة دراهم خمسة دراهم ، ثم جباها أربعين أربعين !! فقال في ذلك بعضهم :
يا لقومي ما رأينا
من أمير المؤمنينا
قسم الخمسة فينا
وجبانا أربعينا
وحين بنى المنصور مدينة المصيصة أخذ أموال الناس حتى ما ترك عند أحد فضلاً ، وكان مبلغ ما أخذ ثمانمائة ألف ألف درهم.
وفي سنة ( ١٥٧ ه ) بنى المنصور قصره المسمى بالخلد في بغداد ، فاكتمل سنة ( ١٥٨ ه ) وسكنه أياماً يسيرة ثم مات وتركه وخرب القصر من بعده.
وفي سنة ( ١٥٩ ه ) بنى المهدي الرصافة وخندقها ، وفي سنة ( ١٦٦ ه ) ذهب المهدي إلى قصره المسمى بعيساباذ الذي بناه بالآجر ، وبنى الهادي قصراً سماه الأبيض بعيساباذ من الجانب الشرقي من بغداد (١) ، وأمر الرشيد ببناء طرسوس في سنة ( ١٧١ ه ) فأحكم بناءها ، وجعل لها خمسة أبواب وحولها سبعة وثمانين برجاً ، ولها نهر عظيم يشق وسطها عليه القناطر المعقودة (٢).
__________
(١) البداية والنهاية ١٠ : ١٧٠.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٨٧ و ٤١٠ ، البداية والنهاية ١٠ : ١٢١ و ١٢٣ و ١٢٨ و ١٣٠ و ١٣٤ و ١٣٧ و ١٥٨ و ١٥٩.
٢ ـ توسع العمران :
- الزيارات: 618