السؤال : أودّ أن أبدأ بحوار مع صديق لي ، وهو من معتنقي مذهب الأباضية ، أُريد معرفة عن هذا المذهب ؟ وكيف نشأ وتأسّس ؟ وبطرق علميّة منطقية يقبلها العقل ، لكي أبدأ حواري مع أخي من هذا المذهب ، وأرجو أن يوفّقني الله لإنارة الطريق له ولغيره .
إذا أمكن أدلّة متسلسلة ورائعة من القرآن والسنّة النبويّة المحمّدية .
الجواب : إنّ الأباضية مذهب تشعّب تاريخيّاً وعقائديّاً من مذهب الخوارج ـ الذي هو معروف لدى الجميع ـ ومع أنّ الأباضية في زماننا تنكر نسبتها إلى الخوارج منشأً ومعتقداً ، ولكن نظرة يسيرة في المصادر الموجودة ، تعطينا اليقين بأنّ هذه الطريقة قد انبثقت من بطون الخوارج في التاريخ ، طبعاً مع اختلاف طفيف في الأفكار والعقائد ، أغلب الظنّ أنّه من ثمرة الضغوط الواردة عليها ، وللفرار من العزلة السياسيّة والاجتماعيّة التي سادت أوساطها .
وتختلف المصادر الموجودة في تعيين القائد الأوّل لهذه الحركة ، فبينما تؤكّد بعضها بأنّه هو عبد الله بن أباض التميميّ (1) ـ الذي توفّي في أواخر أيّام عبد الملك ابن مروان ـ تنفي الأُخرى هذا الادعاء ، وتنسبه إلى أقوال الأُمويّين آنذاك ، وتدّعي أنّ رئيس هذا المذهب أبو الشعثاء جابر بن يزيد الأزديّ ، المتوفّى 96 هـ (1) .
فعلى كلا القولين فإنّ إمام هذه الحركة لم يشهد الرسول (صلى الله عليه وآله) ، ولم يأخذ منه شيئاً ، وعليه لابدّ من إثبات مذهبه بأدلّة كافية وشافية تحقّق مدّعاه ؛ والموجود فعلاً من تراثهم العقائديّ هو فكرة الخوارج في مضمونه السياسيّ ـ إلاّ في حكمهم على المذاهب الأُخرى بالتكفير ، وشهرهم السلاح في وجه من خالفهم ـ مع شيءٍ يسير من عقائد المعتزلة ، وأحكام فقهيّة من مذاهب إسلامية شتّى .
وعلى سبيل المثال : أنّهم يرون مخالفة عثمان بعد مضي ستّ سنوات من خلافته ، والإمام علي (عليه السلام) بعد معركة صفّين ، كانت على حقّ ، ويخالفون التحكيم ، شأنهم في ذلك شأن الخوارج ، إلى غير ذلك من موارد الشبه بين حركة الأصل الخوارج ، والفرع الأباضية .
ولا يخفى على المتأمّل في سيرتهم ، أنّهم تخلّوا عن سلبيّات الخوارج في العهود القريبة ، تحفّظاً على كيانهم الاجتماعيّ ، وهذا أمر جيّد وفي محلّه ، لو كان التزاماً عملياً بالابتعاد عن منهج الخوارج وأساليبهم ، خصوصاً إذا كان فيه إشارة واضحة لاتباع سبيل الحقّ أينما دلّ الدليل .
___________
1- أصدق المناهج في تمييز الأباضية من الخوارج : 20 .
( الموالي لسفينة النجاة . قطر . ... ) تاريخ الأباضية
- الزيارات: 332