إنجيل برنابا
كان برنابا واحداً من أفضل حواريّي السيد المسيح (ع) قدراً . ومحلّ
اعتماده (ع) ومخزن أسرار ذلك الرجل السماوي . وإنجيله أحد أفضل الأناجيل منذ عصر نبوة السيد المسيح (ع) إلى الآن من ناحية التعليمات الأخلاقية والمعارف الإلهية وصحّة واتّقان المطالب والبراهين، ولانظير لـه من بين الأناجيل ، وميزته الكبرى هي :
1 - إنّ قارئ هذا الإنجيل يستطيع أن يطمئنّ بعد تأمُّل من أنّ كلماته صادرة من الوحي ، والقدرة البشرية عاجزة عن نظمه وبيانه .
2- برّأ الساحة المقدّسة للسيد المسيح من الشوائب والنقص والإثم والانحراف ، وفضح تعليمات بعض أئمة المسيحية القبيحة ، مثل بولس الذي أضاع جهود نبيّين إلهيّين عظيمين ، موسى وعيسى ‘ .
3- إنّ البشارات التي تتعلَّق بنبي الإسلام العظيم والتي تعرّضت للمحو والتبديل والإبهام ، مذكورة في هذا الإنجيل بشكل مكرّر وواضح.
وكما جاء في الآيتين الأولى والثانية من الفصل (221) من هذا الإنجيل، فإنّ برنابا كتب هذا الإنجيل بأمر المسيح (ع) . وفي الآية الثالثة من الفصل (222) تصريح بانحراف وعدم إيمان بولس ، وجاء في كتاب أعمال الرسل، فصل (24) الآيات ( 9-11 ) : - ((إنّ بولس عدوٌّ عنيد للدين المسيحي ، وبعد صعود السيد المسيح (ع) إلى السماء إعتنق الدين المسيحي)) .
يتبين ممّا قيل أنّ بولس كان رجلاً غير مؤمن ويخالف الدين المسيحي ويعادي برنابا ، ولهذا ترك إنجيل برنابا ، وحتى أنّ بعض أتباعه مثل البابا جلاسيوس الأول نهى عن مطالعة إنجيل برنابا نهياً مؤكَّداً .
وفي الواقع أنّ الإنجيل المنسوب إلى برنابا كان موجوداً في القرون الأولى للمسيحية وقبل الإسلام بعدة قرون ، وكان متداولاً بين النصارى .
وخير شاهد على هذا المدّعى تصريحات العلماء والمؤرخين المسيحيّين أنفسهم، إليك بعضها :
1- أمر البابا جلاسيوس الأول([1]) بالنهي عن مطالعة إنجيل برنابا ، وتداوس([2]) ، وجيمس ، وبرثلماوس([3]) ، وأندراوس([4]) .
2- صاحب إكسيهومو ( من علماء البروتستانت ) ذكر أنّ إنجيل برنابا هو من ضمن الأناجيل المنقولة عن علماء المسيحية القدماء .
3 - دوّن بطرس البستاني المسيحي في كتابه ( دائرة المعارف ) معلومات كثيـرة عن إنجيـل برنابـا ، منهـا : أنّ الإسـم الأصلـي لبرنابـا هـو ((جوسي)) أو ((جوزف)) و ((برنابا)) كلمـة سريانيـة تعنـي ((ابن النبوّة)) أو ((ابن الإنذار)) أو ((ابن التعزية)) . وكان برنابا أول شخص من بين الحواريّين إلتحق بالسيد المسيح (ع) وترك الدين اليهودي . ويقال إنّ رسالة برنابا كاتبها هو القدّيس برنابا وقد عرفت في أوائل الكنيسة المسيحية، واقتبس منها مراراً إكليمنس الاسكندري وأوريجانس ، وذكرها أوسابيوس وأيرونيموس ، وبقيت عدّة قرون منسيّة حتى كشفها ((سرمند)) اليوناني في القرن السابع عشر الميلادي في آخر نسخة خطيّة لرسالة من رسائل بوليكربوس . وفي الوقت نفسه كشف ( هوغومينردوس ) نسخة لاتينية منها في ( دير كورفي ) وطبعت في باريس سنة (1645 م) . وفي سنة (1694م) حصل رئيس الأساقفة (أوشر) على نسخة منها فأضافها إلى رسائل (أغناطيوس) . ولكن حصل حريق في أكسفورد فأتلفها إلاّ بعض أوجه منها . وهذه الرسالة طُبعت مراراً باليونانية واللاتينية ، وترجمها إلى الانجليزية (ويك) وتُرجمت مراراً إلى الألمانية . وكلّ هذه الترجمات هي مأخوذة عن نسخة (سرمند) اليونانية التي كانت ناقصة الفصول الأربعة الأولى وقسماً من الفصل الخامس . ولكن في سنة (1859) أحضر (تيشندروف) من جبل سينا نسخة يونانية كاملة قد قُسّمت إلى (21) فصل ، وأحسن نسخة لهذه الرسالة هي نسخة (هلجنفلد) مع النسخة اللاتينية القديمة وحواش وتفسير . وقد طبعت في ليبسيك سنة (1865 م) .
4- كتب السيد (هاكس) الأمريكي في القاموس المقدّس : ((إن بعضهم ينسب إلى برنابا رسالة ( إنجيل برنابا ) لكن كاتبها ليس معلوماً. ومن المتيقّن أنّ برنابا لم يكتبها ، من المحتمل أنّ هذه الرسالة كتبت في أوائل سنة (70 م) )).
إنّ السيد هاكس رغم ستار العصبية الذي غطّى عينيه ، حكم بدون أيّ دليل بأنّ إنجيل برنابا لم يكتبه برنابا حتماً ، لكنّه لم يستطع إنكار وجود هكذا إنجيل ، وقال بوجوده بعد سنة سبعين للميلاد .
ممّا قيل يتبيّن بوضوح لكل عاقل ومتأمّل لم يحجب غبار التعصّب عقله السليم ، أنّ القول بأنّ إنجيل برنابا من تأليف أحد المسلمين ليس مقبولاً ، بل هو أبعد حتى من التوهّم والاحتمال و بالخصوص أنّه لم يذكر إسم لـ (إنجيل برنابا) بين الكتب الاسلامية المصنّفة ، حتى تلك التي كُتبت في إثبات الإسلام وردّ النصارى ، ولكان إنجيل برنابا أفضل سلاح في مقابل النصارى ، وحتى بين الفهارس القديمة والجديدة العربية منها والفارسية الموجودة في أكبر المكتبات العالمية ، فلا أثر لـ (إنجيل برنابا) وحتى المستشرقين الذين يذكرون في فهارسهم أندر وأبسط الكتب العربية والفارسية ، لم يذكروا هذا الإنجيل !.
فهل يعقل أنّ مجموعة تقوم بتأليف كتاب وهم أنفسهم لا يعلمون عنه شيئاً؟! ولا يُذكر لهذا الكتاب إسم في كتبهم ومكتباتهم ؟! وبعد أربعة عشر قرناً يظهر هذا الكتاب بلغة قوم آخرين وفي مكتباتهم ؟!
إنّ جريمة (إنجيل برنابا) التي جعلته متروكاً بين المسيحيّين قبل الإسلام هو مخالفته الشديدة لتعاليم بولس ، ولهذا السبب نُهي عن قراءته، لأنّ هذا الإنجيل بخلاف سائر الأناجيل ؛ ينكر بشدّة مسألة صلب السيد المسيح (ع). ويعتبره أقبح شيء ينسب إلى السيد المسيح (ع) ، وكذلك رفض بدعة التثليث وأثبت التوحيد الحقيقي .
وخلافاً لبولس ـ (الّذي نسخ شريعة العمل وجعل نجاة الأمة رهناً بمحبّة
المسيح (ع) وأظهر الاعتقاد بالتثليث وباسم الدين العيسوي أطلق العنان لكلّ الأعمال القبيحة، وبهذا وجد أتباعاً كثيرين في مدّة قليلة) ـ جعل النجاة رهناً بالعقيدة والعمل الصالحين فقط . وبعد الإسلام اُضيفت إليه جريمة اُخرى ، وهي البشارات الصريحة والمكرّرة في مختلف فصوله ، في خصوص طلوع النور القدسي المحمّدي (ص) ([5]) .
--------------------------------------------------------------------------------
1 الباب جلاسيوس الأول: تولّى البابوية في الكنيسة المسيحية في أواخر القرن الخامس للميلاد.
[2] تداوس: من تلاميذ وحواريّي المسيح(ع)، عاش في القرن الأول الميلادي.
[3] برثلماوس: قدّيس عاش في القرن الأول للميلاد وهو أحد رسل المسيح(ع) .
[4] اندراوس: من تلاميذ وحواريّي المسيح(ع) ، عاش في القرن الأول الميلادي.
[5] بشارات عهدين : ص 12- 19 .
