النبي يونس (ع) ذو النون
يونس يدعو قومه:
قامت دولةُ الأشوريِّين في بلاد "مابين النَّهرين"، وكانت عاصمتُها "نينوى" بأرضِ الموصلِ.
وكانوا يهتمُّونَ بزراعةِ الأرضِ، اهتمامَهم بالعزوِ والتوسُّعِ، شأنهم في ذلك شأنُ جميعِ شعوب تلك الحقبةِ من التَّاريخ.
وإلى جانب ذلك، فقد كانوا وثنيِّيين، يعبدونَ الأصنامَ. وارتفعت الأصنامُ في بيوتِ عبادّتِهم، وفي مدينة نينوى بشكلٍ خاصٍّ وتقرّبوا إليها بالعبادة والطّاعة، متّخذين منها آلهةً من دون الله تعالى.
وأباحوا لأنفسهم كلَّ حرامِ.. فكانوا لايتورعون عن ارتكاب المعاصي والموبقات، ولايتناهون عن كبائر الفواحش، والآثام!.
فأرسل الله تعالى إليهم نبيَّهم "يونس" يدعوهم إلى عبادةِ الله وحدِهِ:
- ياقومُ!.. ماهذه الأصنامُ التي أنتم عليها عاكفون؟..
إنَّ ربَّكم الله خالقُ كلِّ شئٍ، فتوبوا إليه، واعبدوهُ، يمتِّعكم متاعاً حسَناً..
- ماهذا الهذرُ يايونس، وما هذا البهتانُ الذي تأتينا به؟
أنعبدُ إلهاً لانعرفُه، ولانراهُ، ونذرُ آلهتنا التي نشأنا على عبادتها نحنُ وآباؤنا الأقدمون؟
فمن ينجِّينا إذاً من سخط "أشور"، عظيم آلهتنا، إن آمنّا بك واتّبعناك؟
- إنني ياقومُ إليكم بشيرٌ ونذيرٌ.. أرسلني الله إليكم كي أدعوكم إلى ما أوحيَ إليَّ به من الله العزيز الحكيم، أن اعبدوه وحده لاشريك له، ولاتُعرضوا عن هذا الدّين الّذي أتيتكم به.
فإن آمنتم وصدَّقتم برسالةِ ربكم كنتم من الفائزين.. وإلاّ، فانتظروا سخط الله عليكم، وعذابه، فلا تُقبلُ عندئذٍ توبةُ التَّائبين، ولاينفعُ ندمُ النّادمين. إنّ أجلَ الله لآتٍ لو كنتم تعلمون!..
- مانراك يايونس على شئٍ مما تدعوننا إليه، ولسنا لدعوتك بمستجيبين، {فائتنا بما تعدنا غن كنت من الصّادقين}.
ويكرّر يونس دعوته قومه إلى دين الحقِّ، فلعلَّهم يؤمنون.. فلا يزدادون إلاّ غيّا، وإصراراً على ما هم سادرون فيه من ضلال.. فيضيق بهم ذرعاً.. إنهم قومٌ عمون!..
وأخيراً، يُنذرُهم: إنّكم مُنظرون (أي: مُمهَلون) ثلاثة أيّامٍ كي تتوبوا، وتُقلعوا عمَّا أنتم عليه من الكفر، وتعودوا إلى الله؛ ربَّكم، وإن لم تفعلوا، فائذنوا بالعذاب الأليم!..
وينصرف يونسُ عن محاجَّتهم ومحاولة إقناعهم...
ونيظر قومُ يونسُ، بعضُهم إلى بعضٍ، متسائلين:
- أحقاً ماينذرُنا به يونس؟
ويُردفُ أحدّهم:
- أو عهدتم عليه، قبلَ ذلك، كذباً؟...
- لا، إنه بيننا الصَّدوقُ الأمينُ!..
- الرأيُ أن تأخذوا قوله على أنه الصدق، ولمزيدٍ من التأكيد، علينا أن نراقب مبيته، فإن بات فليس بشئٍ، وإن لم يبت، فاعلموا أنَّ العذابَ مُصبِحُكم..
فلمّا كان في جوف الليل خرجَ يونسُ من بين أظهرهم، وانطلق في أرض الله... مرتحلاً عن قومِهِ، مغاضباً، يائساً من هؤلاء القوم الفاسقين..
وهكذا لم تكن لنبيِّ الله يونسُ أناةُ نوحٍ، ولاصبرُ أيوبَ، ولاعزمُ موسى وإبراهيم!