إبليس وزوج أيوب
وفي الصباح الباكر، يظهر إبليسُ لزوج أيُّوبَ، ليا، بصورة طبيب..
ويسألها عن زوجِها..
فتجيب: لاهو حيٌّ فيُرجَى، ولاميِّتٌ فيُعزَّى به..
وتدعوه لمداواة أيوب..
فيجيبها: أداويه، ضامناً شفاءه ممَّا يكابدُ من داءٍ وسقمٍ، ولكن بشرط، لاأريد جزاءً سواه..
قالت: وماهو؟
قال: أداويه.. على أنه إذا برئ، يقول لي: أنتَ شَفيتَني!..
قالت: نعم!..
وأسرعت ليا إلى أيوب، قائلةً له، وكأنها تستَرحِمُه:
- ياأيوب.. لقد طال مرضُك، وامتدَّت معاناتك،.. وهذا طبيب يزعم أنه يشفيك من كلِّ ماتعاني منه، من أوصابٍ وأسقام!..
- عليَّ به، ياليا..
- ولكنه أخذ عليَّ عهداً، واشترطَ شرطاً..
- مايقول؟..
- يقول: إنه يداويك، فإذا برئت تقول له: أنتَ شفيتني.. لايريد جزاءً سواه..
ويحتقن وجهُ أيوب، فبدا رهيباً،.. ويصرخ بوجهها كالملسوعِ:
- أغربي عن وجهي.. قبَّحَ الله ماترين..
أولم تسمعي قول جدِّك إبراهيم خليل الرَّحمن:
{الّذي خلقني فهو يهدين. والّذي هو يُطعمني ويسقين. وإذا مرضتُ فهو يشفين. والّذي يُميتني ثمَّ يُحيينِ.}..
ويتابع قوله لها بصوتٍ هدَّار، وهو يتوعدها بأليم العِقاب:
- والله، إن منَّ الله عليَّ بالسّلامة ممّا ابتلاني به، لأجلدنَّك مائة جلدةٍ جزاء ما نفث الشيطانُ على لسانك، وما وسوس لك به إبليسُ، مزيِّناً لك الكفرَ بالله، والشِّرك بعبادته..
وتنصرف ليا من أمام وجه زوجها الذي اشتعل غضباً..
وترى الطبيب، وكأنه كان يسمعُ تحاوُرَهما،.. فما أن رآها عائدة، مكسوفةً، حتى نكَصَ على عقبيهِ، وتولَّى عنها، مدمدماً، غضِباً..
وماهي إلاّ ساعة، حتى تعود ليا لما فُطِرَت عليه من إيمان، فتستغفر الله، وتعتذرُ إلى زوجِها، وقد رقَّ قلبُها له، فهي لاتبغي من وراء ذلك كلِّه إلا شفاءه..
وتتودَّد إليه، وتتلطَّف، وتتعطَّف، فيُقبل عليها بوجهه،..
وتنظر إليه باهتمام عطوف، وحدبٍ حانٍ، وقد ترقرقت في عينيها جمعة، وتقول له، برقَّةٍ، وكأنَّها تهمسُ في أذنه:
- ماعهدتُك، ياأيوبُ، إلاّ صبوراً على الشَّدائدِ، جلداً على الأحداث والمِحَن.. وقد اصطفاك الله، من بين قومِك، نبياً،..
فهلاَّ سألتَ الله أن يمسَحَ ضُرَّكَ، ويكشفَ عنك هذا البلاءَ، ويُنقِذكَ من لُجَج هذه الأسقام؟
إني لأراه، إن فعلتَ، استجابَ!..
- وكم مضى عليَّ في مرضي ياليا؟..
- سبعُ سنين..
- وكم مضى عليَّ، قبلَ ذلك، من عمري الذي عشته معكِ، في نعمة عيشٍ وارفٍ، ودعةِ بحبوحةٍ، ورغد..؟..
- ثمانون..
- إني لأستحيي من الله، أن أسألَه كشفَ مابي من البأساء، ولم أصبر، بعدُ، على معشارَ ما حباني به من النَّعماء..
وتنصرف ليا شاردة النظرات..
وينطل أيوب سمجِّد الله، ويسبِّحه، ويقدِّسه، ويشكره، كثيراً..