بُرْءُ أيوب
وتجرُّ أيوبَ قدماه بجهدٍ، وإعياءٍ، شديدين، إلى ظاهر بيته، في البريَّةِ، يُسَرِّح نظره في الآفاق، وقد اكتست الطبيعة حلةً خضراء خضراء.. مرصَّعةً بالزهر من كلِّ لونٍ.. ويأخذ مجلسه على التراب النديِّ، فتباركَ الله أحسن الخالقين..
هناك: {نادى ربَّه أني مسّنيَ الضُّرُّ وأنتَ أرحمُ الراحمينَ}
وألقى في روعِ الملتلى الصابر: أن اضرب بقدمِكَ الأرض.. ففعل.. فانفجرت منها عين ماءٍ دافقة، وقيل: بل نبعت عينان:
فاغتسل في إحداهما، وشرب من الأخرى..
وتمطَّى قليلاً، وتثاءب.. وكأنّه فُكَّ من عِقال..
ونظر إلى جسده، فإذا به قد عوفي من كلِّ داءٍ وسقم..
وإلى فتوته.. فإذا هو بعزيمةِ إيّام الشباب!..أيتم
فأسرع إلى منزله، وهو يكبِّر الله، ويحمده، وارتدى ثياباً كان قد خلعها منذ سنوات..
ولما عادت زوجه إلى البيت، ارتاعت.. ففي البيت رجلٌ غريب..
وحدَّقت النَّظر فيه مليَّاً، فناداها، .. فعرفته من صوته.. إنه زوجها أيوب..
فصرخت فرحاً، وقد ملأت عليها المفاجأة المذهلةُ كلَّ وجدانها.. وأسرعت إلى زوجها تعانق خدَّيه الملتمعين بالعزم، ورواء العافية.. إنها لتكاد تطير فرحاً.. فسبحان من يحيي العظام وهي رميم!..
وغفر الله لها زلَّة لسانها، في موقف ضعفٍ، جزاءَ حسنِ تعهُّدها أمور زوجها في الشَّدائد المهلكات..
وأوحى الله تعالى إلى أيوب: أن أجمع حزمةً من شماريخ العشب، وقضبانه الهشَّةِ، تبلغ مئةً، واضرب بها زوجك ليا، ضربةً ليِّنةً واحدةً، تبرَّ يمينُكَ.. ففعل!..
وشاء الله تعالى إلاّ أن سكاف~ أيوب بمزيد من الحسنى، ويجزيه الجزاء الأوفى.. فأحيا له جميعَ من هلَك من ولده وخدمه، ومثلَهم معهم، ممن كانوا قبل البليَّة وخلالها وأعاد له جميع ما فقد من مالٍ، مضاعفاً، مباركاً.. تكرماً منه وتحنُّناً.. وتذكرةً وموعظةً لأولي الألباب!..
ويذكر الله الصابرين الذين يزيدهم من فضله، ويوفيهم أجورهم بأحسن ماعملوا، بأن لهم عقبى الدار..
ويذكر الناسُ الصّابرين، فيقولون: صبرٌ.. ولاصبرُ أيوبَ!..