إذا كان لكل واحد من أئمة أهل البيت عليهمالسلام دور ينسجم مع الحاجات البشرية ويتوافق مع طبيعة ظروف الحياة الاجتماعية والسياسية ، فيمكن القول : إن جهود أئمة أهل البيت عليهمالسلام كانت تدور كلّها حول محور واحد ، وهو محور الحفاظ على الإسلام من خطر الانحراف الذي بدأ يدبّ في جسم هذه الأُمّة منذ اليوم الأول للسقيفة المشؤومة التي كانت السبب المباشر لكل ما تلاها من عوامل وأسباب الانحراف الذي كلّف أهل البيت عليهمالسلام تضحيات جسيمة ، حيث تعاملوا مع مسبّبات الانحراف كل بحسب طبيعة المرحلة التي تكتنفه زماناً ومكاناً.
وفي حدود ما اتّصل بحياة الإمام الباقر عليهالسلام ونشاطه العلمي المبدع على جميع الاتجاهات نجد أبيه الإمام السجّاد عليهالسلام قد مهّد لولده الإمام الباقر عليهالسلام الدور الذي سيضطلع به ، حيث استطاع إمامنا زين العابدين عليهالسلام رغم سوء الظروف التي اكتنفت عصره أن يضع إصبعه على مواطن الانحراف ، وأن يجمع صفوف المؤمنين من أصحابه ، ويركّز على تربيتهم روحياً وعلمياً ، ليعيد الثقة إلى نفوسهم ، وكان أولئك الرجال من أهم أدوات مدرسة أهل البيت عليهمالسلام.
وبعد وفاة الإمام السجاد عليهالسلام بزغ نجم الباقر عليهالسلام في سماء المدينة ، فحاول أن ينأى بنفسه عن دوائر الصراع السياسي خلال فترة إمامته ، كي يمهّد السبيل لأداء مهمته الرسالية المتمثلة بالتأسيس العلمي لفقه أهل البيت عليهمالسلام ، وإقامة ركائز مدرستهم عليهمالسلام ، فأتيح له أن يبلور اتجاه أهل البيت عليهمالسلام إلى العلم والتعليم.
ورغم الإرهاب الفكري والسياسي الذي أشاعه الحكم الأموي المنحرف حينذاك ، كرس الإمام الباقر عليهالسلام خلال إمامته كل جهوده لاستقطاب المسلمين حول تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة ، وإرساء ركائز البناء العلمي والتربوي على قواعد الإسلام المتينة ومصادره وأصوله الرصينة ، في وقت بدأ الحكام بترويج فقه وعاظ السلاطين المداهنين للسلطة الظالمة ، واستطاع الإمام الباقر عليهالسلام إغناء الواقع الإسلامي بما فتح عليه من آفاق العلم والمعرفة ، وما حققه من انجازات علمية رائعة ، وبالتالي أسهم في حفظ الشريعة المقدسة من خطر الزوال والتحريف.
ولم يقتصر التدريس في مدرسة أهل البيت على أصول الاعتقاد والفقه وأصوله ، بل تعداه إلى تدريس الفلسفه والكلام والطب وغيرها من العلوم المتاحة آنذاك ، وامتدّ أثر تلك المدرسة بما تحمل من علوم على مساحة واسعة من الأرض ، بعد أن كانت محصورة في مساجد المدينة المنورة والكوفة والبصرة ، فكانت مدرسة مفتوحة على الواقع الإسلامي كلّه ، واستوعبت فطاحل العلماء في عصره من مختلف الميول والاتجاهات.
وحين لفظت الدولة الأموية أنفاسها الأخيرة ، لاح في الأفق شيء من الانفراج للنشاط الفكري ، الأمر الذي جعل مدرسة أهل البيت تكتمل على يد صادق أهل البيت جعفر بن محمد عليهماالسلام لتبلغ أوجها ، من حيث عدد طلابها وسعة العلوم التي تصدت لنشرها ، تلك العلوم المأخوذة عن النبي صلىاللهعليهوآله بواسطة وصيه وسبطيه ومن تلاهما من العترة الطاهرة عليهمالسلام ، فعميد المدرسة الصادق عليهالسلام هو القائل : حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، وحديث رسول اللّه قول اللّه عزوجل (1).
قال الشاعر :
أحيا دوارس الربوع الخاليه فأصبحت ذات قباب عاليه
أنار وجه الحق والحقيقه بأحسن البيان والطريقه
أحيا بما فيه من اللطائف لطيفة العارف والمكاشف
أحيا بعلمه معالم الهدى فأصبحت آمنة من الردى (2)
__________________
(1) الكافي ١ : ٥٣ / ١٤.
(2) الأنوار القدسية : ٧٣.
تأسيس مدرسة أهل البيت عليهمالسلام
- الزيارات: 497