روي أن معاوية كان يبعث لها بالهدايا والثياب وأشياء توضع في أسطوانها، وبعث لها مرة بمائة ألف دفعة واحدة (1).
كما بعث بها مرة أخرى وهي بمكة طوقا قيمته مائة ألف، كما قضى معاوية كل ديون عائشة التي بلغت ثمانية عشر ألف دينار وكل ما كانت تعطيه للناس (2).
كما أن الولاة والأمراء من بني أمية كانوا يصلونها ويبعثون لها بالهدايا والأموال أيضا (3).
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الأدب بأن الهجرة وقول رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث، أن عائشة حدثت أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته: والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها، فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم! قالت: هو لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: لا والله لا أشفع فيه أبدا ولا أتحنث إلى نذري، فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخزمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة، وقال لهما: أنشدكما بالله لما أخذتماني على عائشة فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي.
فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير.
فلما دخلوا، دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانهما إلا ما كلمته وقبلت منه، ويقولان أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عما قد عملت من الهجرة، فإنه لا يحل لمسلم أن يهجره أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول: إني نذرت والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها.
وبالرغم من أن قسم عائشة لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وآله حرم أن يهجر المسلم أخاه أكثر من ثلاثة أيام، ولكنها أبت إلا أن تكفر عن يمينها بتحرير أربعين رقبة، وهذا أيضا دلالة أخرى على أنها كانت دولة بمفردها، وإلا كيف تملك عائشة أربعين رقبة أو ثمنها، فليس ذلك بالشئ اليسير، ولم يسجل التاريخ أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعتق هذا العدد الهائل طيلة حياته.
وجاء في العقد الفريد (ج 1 / ص 85) باب جائزة عائشة لمن يبشرها بنجاة ابن الزبير، قال أبو بكر بن أبي شيبة أعطت عائشة الذي بشرها بحياة ابن الزبير إذا التقى مع الأشتر عشرة آلاف.
عن محمد بن المنكدر عن أم درة وكانت تغشى عائشة قال: بعث إليها ابن الزبير بمال في غرارتين (الغرارة: الجوالق ما يحمل على ظهر البعير) قالت: أراه ثمانين ومائة ألف. أخرجه في الصفوة وأبو معاوية، والإصابة، والترغيب، والطبقات.
وعن عطاء قال: بعث معاوية إلى عائشة بطبق من ذهب فيه جوهر قيمته مائة ألف.
وعن عروة قال: لقد رأيت عائشة تقسم (تتصدق) سبعين ألفا وهي ترفع درعها، أخرجه صاحب الصفوة، وأخرجه ابن السدي، والطبقات.
قال سعيد بن عبد العزيز الدمشقي: قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار.
وغير هذا الكثير الكثير من الأخبار عن ثروتها، التي اكتسبتها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله الذي لم يورث شيئا، حتى أن السيدة فاطمة عليها السلام عندما جاءت أبا بكر تطالبه بحقها بالميراث بفدك ردها وقال لها: إن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا نورث، ما تركنا صدقة) ثم كذبته فاطمة الزهراء عليها السلام، وعارضت روايته بنص القرآن الذي يقول: { وورث سليمان داود } فإن فدك لا يشملها هذا الحديث المزعوم لأنها نحلة وليست هي من الإرث في شئ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فغضبت فاطمة على أبي بكر وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت.
عن أبي بكر بن حفص بن عمر قال: جاءت عائشة إلى أبي بكر وهو يعالج ما يعالج الميت ونفسه في صدره فتمثلت هذا البيت:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فنظر إليها كالغضبان وقال: ليس كذاك يا أم المؤمنين ولكن قولي:
(وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) إني قد كنت نحلتك حائطا، وإن في نفسي منه شيئا، فرديه إلى الميراث.
قالت: نعم، فردته، فقال: أما أنا منذ وليت أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما، ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فئ المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير الناضج، وجرد هذه القطيعة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر وابرئي منهن، ففعلت.
إذن عائشة كونت ثروتها الطائلة تلك بعد وفاة أبيها وزوجها، وإلا فمن أين لها هذا؟.
__________
(1) تاريخ ابن كثير وابن عبد البر في الإستيعاب ترجمة حجر بن عدي.
(2) تاريخ ابن كثير: ج 7 / ص 136 - ومستدرك الحاكم: ج 4 / ص 13.
(3) مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج 6 / ص 77.
من أين لك هذا يا عائشة
- الزيارات: 471