على مدى التاريخ البشري لم يكن القهر والجبر لينفع مع الناس حتّى يطيعوا ما هو معاكس لقناعاتهم ولعقائدهم ولقد عرف بنو العباس ذلك ووعوه جيّداً فأرادوا أن يأتوا الناس من باب العلم ويكونوا هم الذين يعلّمون الناس ويُخرّجون العلماء، وهكذا بدؤوا ينشئون المدارس بدل المساجد، ويربطون إدارة هذه المدارس والإشراف عليها بهم ليصبح التعليم خاضعاً للدولة بعد أن كان حرّاً، وما ذلك إلّا واحد من أساليب سلب الحرّية، حرّية العلم والتعليم والعلماء، أسلوبٌ يدمّر ركائز الإسلام الصحيحة ويغلق باب الاجتهاد الذي ينسجم مع حريّة الرأي وحتّى القرآن الكريم أصبح طوعاً لأهوائهم في التفسير وحتّى السنّة الشريفة جعلوها خادمةً لحكمهم، ولن ننسى أن نذكر أنّه حتّى أهل الجرح والتعديل الذين كتبوا الصحاح فإنّهم كانوا على درجة كبيرة من التعصّب لمذهبهم، وكانوا يستهزئون بكلّ من يخالف مذهبهم ويدعون مكارم وفضائل غير صحيحة لمن لا يستحقها، وكيف لا وفوق رؤوسهم السيف وتحتها النطع ليرغمهم على تدوين كلّ ما تريده السلطة الحاكمة.
زمن العباسيين
- الزيارات: 334