• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الاختلافات الهامشية المتعة

روى مسلم في صحيحه عن أبي نضره قال: >كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فذكر ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يديّ دار الحديث، تمتعنا مع رسول الله صلى لله عليه وسلم فلمّا قام عمر، قال: إنّ الله يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء فأتمّوا الحجّ والعمرة أمركم الله، فأبِتُّوا واتقوا نكاح هذه النساء فلئن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلّا رجمته بالحجارة<(1).
روي مسلم عن ابن الزبير قال: >سمعت جابر بن عبد الله يقول كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله وعهد أبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث<(2).
وسئل عبد الله بن عمر عن متعة النساء فقال: >والله ما كنّا على عهد رسول الله’ زانين ولا مسافحين<(3).
وقال القوشجي في كتابه شرح التجريد أن عمر بن الخطاب قال وهو على المنبر: (أيها الناس ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهُنّ وأحرمهُنّ وأعاقب عليهنّ، متعة النساء ومتعة الحج وحيّ على خير العمل) (4) شرف الدين مسائل فقهية ٨٣.
وفي صحيح مسلم باب نكاح المتعة عن عبد الله بن مسعود أنّه قال: (كنّا نغزو مع رسول الله وليس لنا نساء فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل معيّن) (5).
وذكر الرازي في تفسيره أنّ عمر بن الخطاب (رض) وهو على المنبر قال: (متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله’ وأنا أنهى عنهما متعة الحجّ ومتعة النكاح) (6).
فإذا كان أكثر الصحابة وأعظمهم شأناً يُقرّون المتعة ويقرّون بقاء حلّيتها ويقولون: إنّ عمر هو الذي منعها، فكيف بنا نحرّم ما أحلّ الله وسمح به الرسول من أجل خاطر عمر أو غيره من العباد؟!
وهل يُحلّ الله ورسوله أمراً إلّا وفيه منفعةٌ وعلاجٌ للمجتمع؟
والله سبحانه أعلم بظروف عباده وقد وفرّ بحكمته الأجواء الحرّة والمسارات الطليقة للشهوة الجنسية، ولكن ضمن الحدود والضوابط والروابط الشرعية للزواج، وذلك لتخفيف حالات الكبت الجنسي وتلافي نتائجه ومضاعفاته المهلكة؟
في عصرنا الحاضر يعيش الطلاّب الجامعيون في شتّى أنحاء البلاد سنوات دراساتهم حتى يصلوا إلى سنّ الخامس والعشرين، وبعدها يحتاجون إلى زمن طويل آخر ليتمكنّوا من تأسيس بيت أو تهيئة وضع مناسب للزواج، وهذه المدّة الطويلة من العمر والتي تمرّ بها فترة النضج الجنسي ونمو الرغبة الجنسية الجامحة مع الصعوبة في مقاومة شتّى المغريات أو ليس من الواجب أن ينظر في حالة هؤلاء الشباب؟
وهل من المعقول أو من الصحيح أن تترك الشريعة هذا الوضع قائماً دون علاج؟
إنّ الإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلّا وجد لها علاجها ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ (7).
ولو أهملنا علاج هذه الحالة وتركناه إذاً لزرعنا بذور الفساد ولسمحنا بشيوع الفساد والعبث والفوضى بالأعراض والنسل وتماسك الأسرة ومجتمع الإسلام.
إنّني لا أعلم لماذا يحارب زواج المتعة المنصوص عليه في شريعة الله حرباً شعواء بغير دليل وتحليل؟!
مع أنّ لهذا الزواج أحكامه وشروطه وهو لا يختلف عن الزواج العادي الدائم إلّا بالمدّة والإرث ؛ لأنّه منقطع، وهو تحصين وحماية وملاذ لكلّ من الرجل والمرأة، يقيهم شرور الانزلاق في موبقات الزنا الذي يهين كرامة الإنسان وبخاصّة المرأة، فهو - أي الزنا - يسقط عنها عفتها ويحولّها إلى سلعةٍ رخيصةٍ مبتذلة.
وحتّى على صعيد غير المسلمين يقول بعض كبار الأساتذة في الجامعات الغربية (البروفسورات): الآن عرفنا ما جاء في القرآن الكريم من الزواج المؤقّت فلولا أنّنا سمحنا لكلّ شاب جامعي أن يتزوّج من زميلةٍ شابة خلال الفترة الدراسية بشرط الإنجاب أو عدمه لما وقعنا بأعظم المشاكل التي نعاني منها الآن، وهي مشكلة الإجهاض التي أثقلت بأعبائها الكثيرة على المشافي والشوارع والبيوت والجامعات حتى ليزيد عدد حالات الإجهاض عن عدد حالات الولادة الشرعية.
يقول الله سبحانه: ﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ (8).
إنّ هذه المسألة الشرعية التي نحن بصددها هي حديث الساعة الشائع بين المسلمين، وقد اتخذه ضعاف العقول سلاحاً وحجّةً لغلبة الآخرين والتشنيع عليهم والقدح فيهم بدون معرفةٍ أو اطلاع وبدون وجه حقّ وإنّنا إذ نقدّم بعض العذر لهؤلاء الناس نقول لهم:
إنّ الإنسان عدو ما يجهل وإنّ معرفتهم بهذا الموضوع (المتعة) إنّما هي معرفة ضعيفة واهية أتتهم عن طريق النقل والدعاية وليس عن طريق البحث والتمحيص.
إنّ كثيرين في بلادنا يستنكرون هذا الحكم الإلهي استنكاراً لا حدود له بينما تجد كلّهم أو معظمهم يسير مع زوجته أو أخته أو ابنته في الشوارع وهُنّ حاسرات الرؤوس وكاشفات السوق وفاتحات الصدور فلا تأخذه الغيرة والحمية الدينية عليهنّ ولو سألناه تبريراً لتصرفه هذا لقال:
إنّما الإيمان بالقلب وأنّ عمله هذا يتماشى مع العصر ويجاري أهله، عجباً يقولها بلا حياء وهو فخور بها أما لو أنّك ذكرت له المتعة وحكمها الشرعي الذي أوجده الله لظروف يحتاجها المجتمع إذن لأخذته العزة بالخطأ والإثم، وتظاهر بالغيرة على الدين والشرف، ولقذف بتهمة الكفر إلى كلّ من يذكر المتعة أو يأتي بها.
إنّنا وقبل أن نأتي بالأدلّة من كتب مختلف الفرق الإسلامية حول حلالها أو حرامها نريد أن نقول: إنّ هذا الزواج ليس له إلّا وجوداً نادراً بين المسلمين، والنادر كالمعدوم، ولكنه يبقى مسألة اختلافية بين المسلمين فمنهم من يقول كانت في عهد الرسول’ ثمّ حرّمها في عدّة مواقع تحريماً أبدياً، ومنهم من يقول إنّها كانت على عهد رسول الله’، وفيها حكمٌ من الله، وبقيت خلال خلافة أبي بكر، وحتّى منتصف خلافة عمر (رض) فحرمها عمر أو منعها وهم يقولون إنّ ما أحلّه الرسول’ إنّما هو حلال إلى يوم القيامة وأنّ تحريم عمر لها لا ينهيها بشكل تام بل بقي قسم كبير يقول بها مستندين إلى أدلةٍ من الكتاب والسنّة.
نقل الرازي في تفسيره أثناء بحثه حول آية المتعة عن عمران بن حصين أنّه قال: >نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها آية تنسخها، أمرنا بها رسول الله’ وتمتّعنا بها ثمّ مات ولم ينهنا عنها ثمّ قال رجل برأيه ما قال<(9) (يقصد عمر).
وعن ابن عباس قال: >يرحم الله عمر بن الخطاب، ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمّة محمّد ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي<(10).
لقد ثبت أن دين الإسلام بكتابه الكريم هو أنجع وأنجح وأصح وأكمل مشروعٍ وقانون لبناء الحياة البشرية بناءً متكاملاً سليماً من السقوط والانهيار فكيف ولِمَ نطعن نحن المسلمين بعضنا ببعض ثم يُكَفّر بعضنا البعض الآخر من أجل مسألة أقرها الله ورسوله ثمّ نحرم ما أحل الله لعباده.
إنّ زواج المتعة ليس كما يتصوّره (أهل الغيرة والكرامة) على أعراضهم، إنّ المجتمع الذي يؤمن بحليّتها، وهم الشيعة، هم أكثر الناس حفاظاً على الشرف والكرامة، وأحرص الناس على الامتثال لنواهي الدين وأوامره، وهم الذين يطبّقون بشكل عادي اللباس الشرعي فلا يوجد مجتمع آخر يتقيّد بهذا ويحافظ على لباس المرأة أكثر من الشيعة، وإنّ قضية المتعة لم توجد في أجوائهم، وإذا وجدت فهي الندرة النادرة جدّاً وتحت ظروف قاهرة.
إنّهم ليسوا مثل غيرهم من الذين تمتلئ بهم وتغصّ الشوارع والبيوت والساحات، لكن قلبهم في وادٍ والإسلام في وادٍ آخر، ثمّ يجهرون بالمعصية ويساعدون على ما يندى له الجبين من الفساد حتّى إذا عرضت عليهم مسألة شرعية أحلّها الله ثاروا وغضبوا وتظاهروا بالتمسّك بالشرف والغيرة على الدين.

____________
1- صحيح مسلم ٤: ٣٨.
2- المصدر السابق: ٣١.
3- مسند أحمد بن حنبل ٢: ٩٥.
4- شرح تجريد العقائد: ٣٧٤.
5- صحيح مسلم ٤: ١٣٠.
6- تفسير الرازي ٥: ١٦٧.
7- الأنعام ٦: ٣٨.
8- النساء ٤: ٢٤.
9- التفسير الكبير١٠: ٤٩ - ٥٠، وانظر: صحيح البخاري ٥: ١٥٨.
10- مسند أحمد ٤: ٤٣٦.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page