• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حياة العلاّمة الشيخ القمّي رحمه‌ الله

الحمد لله ربّ العالمين ثمّ الصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين :
وبعد ، يقول العبد الفقير ياسين الموسوي غفر الله تعالى ذنبه وأحسن عاقبته وحشره مع أجداده الطاهرين انّه جرت العادة بين المحققين والمترجمين أن يكتبوا ترجمة عن المؤلّف وأحواله وقد اقتفينا أثرهم في ذلك ، فخرجت من قلمنا هذه الأوراق المتواضعة عن المرحوم المؤلّف ، وقد راعينا فيه الاختصار سائلين المولى عزّوجلّ أن يتقبّله منّا بقبول حسن وأن يديم لطفه علينا بمحمّد وآله وهو حسبي.

هويته الشخصية :
اسمه : الشيخ عباس بن محمّد رضا بن أبي القاسم القمّي (١).
اسرته : والده الحاجّ محمّد رضا كان من صلحاء أهل قم وزهادهم ، وله تعلّق بحضور مجالس الوعظ والارشاد ومجالس سيّد الشهداء عليه‌السلام ، وكان يرجع إليه بعض معارفه لمعرفة بعض الأحكام الشرعية ، مع انّه كان يمتهن الاشغال الحرة (٢).
وأما اُمّه : فقد كانت من النساء الصالحات وكان الشيخ القمّي دائماً يذكرها بالخير ويقول إن القسم المهم من التوفيق الذي حصل لي يعود الى امي فانّها كانت تمتنع عن ارضاعي بالمقدار اذا كانت غير طاهرة ، وكانت تسعى دائماً الى ارضاعي وهي على طهارة.
وكان يقول : إن امي من النساء المتّقيات وكانت تمتاز بعدم تفويتها الصلاة في وقتها (3).
وأما ولادته : فقال رحمه‌الله : ( ولادتي على الظاهر سنة ١٢٩٤ ) (4).
وقال العلاّمة الطهراني : ( ولد في قم في نيّف وتسعين ومائتين وألف ... ) (5).

نشأته العلمية :
ولد القمّي في وسط اجتماعي امتاز بالتديّن وحبّ العلم ، وكانت قم تمتلىء بمجالس الذكر والوعظ وقد انتشرت فيها مظاهر اقامة الشعائر الدينية ، وفتح القمّي عينيه في حضن الجو الروحي فتأثر به ، وقد نقل عنه انّه كان ضعيف البنية ولكنه كان قوي الروح وصاحب قلب مطمئن بالله عزّوجلّ ، وقد تشبعت نفسيته بحب البحث والمعرفة من طفولته.
ووصف في طفولته بانّه كان يتكلم ويتحدّث وكأنه رجل صاحب تجارب ومع أنه كان طفلاً ولكنّه لم تكن لديه عادات الأطفال من حب اللعب وغيره.
كما نقل انّه حينما كان يرغب اليه اترابه أن يشاركهم في لعبهم البريء ، كان الطفل عباس يرفض ذلك ، وحينما يصرون عليه يجيبهم بشرط أن يقصّ عليهم بعض القصص الدينية ، وبما أن طبع الأطفال يميل الى القصة فكانوا يحلقون حوله ويقص عليهم من قصص الصالحين ، ثمّ يذكرهم بانّهم يعيشون في مكان مقدّس فهو يحتضن مرقد السيّدة المطهرة المعصومة فاطمة بنت الامام موسى بن جعفر عليهم‌السلام ، كما انّه مدفن جماعة كثيرة من عظماء الدين وعلماء الشيعة. ثمّ يدعوهم لترك الألعاب غير اللائقة والأعمال اللا مرضية لئلاّ يهتكوا حرمة هذا المكان المقدّس ، ثمّ يعرجون بدعوة منه الى زيارة مرقد السيّدة الطاهرة سلام الله عليها (6).

عند الشيخ أرباب :
وبما انّه كان متعلقاً من نعومه أظفاره بطلب العلوم الاسلامية وتحصيل المعارف الدينية ، فقد نشأ على حب العلم وأهله ، فقرأ مقدمات العلوم ، وسطوح الفقه والاصول على عدد من علماء قم وفضلائها كالميرزا محمّد الأرباب وغيره (7).
وقد أثرت شخصية استاذه فيه ، ويعتبر المؤثر الأول في نشأته العلمية ، ولذلك لم يذكر لنا التاريخ اسماً من اساتذته الآخرين في تلك المرحلة غير الشيخ محمّد أرباب. علماً انّ قم لم تكن آنذاك قد افتخرت بالحوزة العلمية الكبيرة التي فارقتها منذ زمن طويل نسبيّاً وانتقلت الى مدينة ( سلطان آباد ).
( والشيخ محمّد الأرباب من تلاميذ الميرزا الشيرازي الكبير رحمه‌الله ، وقد حضر عنده عدة سنوات ، ثمّ أكمل دراسته في النجف الأشرف ، وبقي هناك سنوات عدة ، ثم رجع الى قم وكان بها من المروجين المحققين المصنفين ) (8).
ووصف أيضاً : بانّه كان من أعاظم علماء قم ، وأكابر فقهاء واُدباء الدهر ، فهو الخطيب الفحل والواعظ الشهير ، ونادرة العصر في فنّ الخطابة ، وكان له الدور البارز في تأسيس الجامعة العلمية مع المحروم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري ولكنه لم يعمّر في هذه الحوزة الفتية فقد توفي بعد سنة من تأسيسها ١٣٤١ هـ. ق (9).
وقد تأثّر المؤسس الحائري رحمه‌الله لوفاته كثيراً ، فخاطب عائلته ضمن تعزيته لهم بانّكم لستم وحدكم صرتم يتامى بل إنّي فقدت أخاً.
وقد تتلمذ على يدي الشيخ الارباب كثير من الفضلاء واساتذة قم من أمثال المرحوم آية الله الفيض.
وقد نقل عن كتاب ( تحفة الفاطميين ) ما ترجمته ملخصاً :
( ... المرحوم الحاجّ الميرزا محمّد صاحب كتاب الأربعين الحسينية من الآيات الالهية والبراهين القاطعة .. له من الفقاهة والاجتهاد مقام سامي ، ورتبة عالية ، وقد سافر في اوائل شبابه الى العتبات الشريفة. وحضر عند الميرزا الشيرازي ، واستفاد منه وكانت عمدة تلمّذه في الفقه والاصول على يد الحاجّ الميرزا حبيب الله الرشتي ، والملاّ كاظم الخراساني ، وبعدما اكمل دراسته للعلوم الدينية وحصل على القوة القدسية واجيز بالاجتهاد .. عاد الى وطنه ( قم ) ، وظهرت له الرئاسة العامّة والشهرة التامّة ، وذاعت شهرة فقاهته وفضيلته جميع الأصقاع ، وقرعت كل الأسماع .. ) (10).
وقال الشيخ عباس القمّي عن استاذه الارباب وقد عنونه تحت ( محمّد بن محمّد تقي القمّي : شيخنا العالم الفاضل الفقيه المحدّث الحكيم المتكلم الشاعر المنشي الأديب الأريب ، حسن المحاضرة ، جيد التقرير والتحرير ، جامع المعقول والمنقول أدام الله تعالى بقاءه ، صاحب الأربعين الحسينية ، وشرح قصيدة « لاُم عمرو » للسيد الحميري ، وشرح البيان للشيخ الشهيد ، ورسالة في الرد على البابية ، وتعليقات وحواشي كثيرة على العلوم ، وله أشعار لطيفة في مرثية مولانا أبي عبدالله عليه‌السلام.
وكان حفظه الله تعالى كمحمد بن أحمد بن عبدالله البصري الملقب بالمفجع المعروف بكثرة بكائه وتفجعه على أهل البيت : اسأل الله أن يمتعنا بطول بقائه ) (11).
وذكر اسمه مع السيّد حسن متولي حرم السيّدة المعصومة سلام الله عليها والشيخ محمّد تقي البافقي والميرزا محمود الروحاني الذين جاؤوا وطلبوا بإلحاح من آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري البقاء والسكنى في قم وتأسيس الحوزة العلمية المباركة فيها ، وبعد اصرارهم وما كان من استخارته وقد كانت الآية الشريفة ( وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) وافق على البقاء ، وتأسست بواسطة تلك المساعي الحميدة الحوزة العلمية في قم (12).

هجرته العلمية الى النجف الأشرف :
وكانت النجف عاصمة العلم الشيعي من يوم هجرة شيخ الطائفة ورئيسها الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ. الى هذه المدينة المقدّسة بعد حوادث سنة ٤٤٩ هـ. وذكر ابن الاثير في تاريخه في حوادث هذه السنة أن (فيها نهبت دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ ، وهو فقيه الامامية ، وأُخِذ ما فيها ، وكان قد فارقها الى المشهد الغربي) (13).
وقال ابن حجر العسقلاني نقلاً عن ابن النجار انّه ( احرقت كتبه ... واستتر هو ... مات بمشهد علي ... ) (14).
وذكر ابن كثير انّه ( احرقت داره بالكرخ وكتبه سنة ثمان وأربعين ... ) (15).
وعن بداية هذه الجامعة العلمية الكبرى تحدث المؤرخ الكبير المرحوم العلاّمة الشيخ اغا بزرك الطهراني فقال : ( ولما رأى الشيخ الخطر محدقاً به هاجر بنفسه الى النجف الأشرف ، لائذاً بجوار مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وصيّرها مركزاً للعلم ، واخذت تشدّ اليها الرحال ، وتعلق بها الآمال ، وأصبحت مهوى رجال العلم ، ومهوى افئدتهم ، وقام فيها صرح الاسلام ، وكان الفضل في ذلك لشيخ الطائفة ... ) (16).
نعم كانت النجف ( مأوى للعلماء ، ونادياً للمعارف قبل هجرة الشيخ إليها ، وكان هذا الموضع ملجأ للشيعة منذ انشأت فيه العمارة الاُولى على مرقد الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لكن حيث لم تأمن الشيعة على نفوسها من تحكمات الأمويّين والعباسيين ، ولم يستطيعوا بث علومهم ورواياتهم كان الفقهاء والمحدّثون لا يتجاهرون بشيء مما عندهم ، وكانوا متبددين حتّى عصر الشيخ الطوسي والى أيّامه. وبعد هجرته انتظم الوضع الدارسي ، وتشكلت الحلقات ... ) (١7).
( وقد تخرّج منها خلال هذه القرون المتطاولة آلاف مؤلفة من أساطين العلم وأعاظم الفقهاء ، وكبار الفلاسفة ، ونوابغ المتكمين ، وأفاضل المفسرين ، وأجلاء اللغويين ، وغيرهم ممن خبروا العلوم الاسلامية بأنواعها ، وبرعوا فيها ايّما براعة ، وليس أدل على ذلك من آثارهم المهمّة التي هي في طليعة التراث الاسلامي ، ولم تزل زاهية حتّى هذا اليوم ، يرتحل إليها رواد العلوم والمعارف من سائر الأقطار والقارات فيرتوون من مناهلها العذبة وعيونها الصافية ... ) (18).
وكان المنهاج الدراسي العلمي عند الامامية الى قبل الهجمة الاستعمارية الكافرة على النجف الأشرف التي شهدت غاية عنفها من سنة ١٩٦٩ م وما زالت المعركة حامية الوطيس ـ ان يبدأ الدراس للعلوم الاسلامية دراساته في احدى الحوزات العلمية المبثوثة في كثير من بلدان الشيعة حتّى اذا انتهى من مراحله الاُولى والمتوسطة فانّه يلزمه الهجرة الى النجف الأشرف ليكمل دراسته وتربيته العلمية ، لما جمعت من فحول علمائها وكبار مجتهدي الامامية ، والمدارس ودور السكن للطلاب والعلماء وغير ذلك من الوسائل اللازمة لعيش العلماء والطلاب (19).
فكان من الطبيعي ان يهاجر المرحوم الشيخ عباس القمّي الى النجف الأشرف بعد ان أكمل دراساته الاولية المسمّاة بالمقدمات والسطوح في مدينة قم المقدّسة على يد مجموعة من العلماء والأفاضل.
وفي سنة ١٣١٦ هاجر الى النجف الأشرف ، فأخذ يحضر حلقات دروس العلماء ، إلاّ انّه لازم خاتمة المحدّثين الشيخ حسين النوري رحمه‌الله وكان يقضي معه أكثر أوقاته في استنساخ مؤلفاته ومقابلة بعض كتاباته. وتحدث الطهراني ، زميل القمّي عن بداية نشوء هذه العلاقة العلمية بين العَلَمين ، حيث قال : ( وفي سنة ١٣١٦ هاجر الى النجف الأشرف ، فأخذ يحضر حلقات دروس العلماء ، إلاّ انّه لازم شخينا الحجة الميرزا حسين النوري. وكان يصرف معه أكثر وقته في استنساخ مؤلفاته ومقابلة كتاباته وكنت سبقته في الهجرة الى النجف بثلاث سنين ، وفي الصلة بالمحدّث النوري بسنتين حيث هاجر النوري الى النجف في سنة ١٣١٤ هـ ... ولا أزال أتذكر جيداً يوم تعرّف المترجم له على شيخنا النوري ، وأول زيارته له ، كما أتذكر ان واسطة التعارف كان العلاّمة الشيخ علي القمّي لأنه من أصحابه الأوائل ومساعديه الافاضل ... ).
ومع أن العمر قصر في حياة الاستاذ النوري رحمه‌الله فلم تدم العلاقة بينهما أكثر من أربع سنوات تقريباً (20) ومع ذلك فقد كان له تأثير كبير في شخصية القمّي وبنائها ، كما صرّح هو بذلك في كتاب ( الفوائد الرضوية ) وغيره.
وبعد وفاة الشيخ النوري رحمه‌الله فقد أتمّ دراسته بالحضور على المجتهدين الآخرين من اساتذة الحورة العلمية النجفية.
وبقي يتحرك بسيره العلمي ضمن البرنامج الذي اختطه في حياة استاذه النوري ، مواصلاً مع زملائه الآخرين طريقه ، يقول الطهراني : ( بقيت الصلة بيننا نحن تلاميذ النوري وملازميه ، فقد كانت حلقات دورس العلماء والمشاهير تجمعنا في الغالب الاّ ان صلتي بالمترجم له كانت أوثق من صلاتي بغيره ، حيث كنّا نسكن غرفة واحدة في بعض مدارس النجف ، ونعيش سوية ، ونتعاون على قضاء لوازمنا وحاجاتنا الضرورية حتّى تهيئة الطعام وبقينا على ذلك بعد وفاة شيخنا أيضاً ، ونحن نواصل القراءة على مشايخنا الاجلاّء الآخرين ) (21).
وقد تخلل وجوده في النجف الأشرف للتحصيل العلمي ، سفره الى حج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمة البقيع عليهم‌السلام ، في حياة استاذه النوري رحمه‌الله في سنة ١٣١٨ هـ. وعاد من هناك الى ايران عن طريق مدينة شيراز من دون أن يمرّ على النجف الأشرف ، فزار وطنه قم ، وجدد العهد بوالديه وذويه ، ثمّ رجع الى النجف وعاد الى ملازمة الشيخ النوري وحصل على الاجازة منه (2٢).
واستمرّ بعد وفاة الاستاذ يواصل دراسته العلمية عند أساطين العلم الآخرين الى سنة ١٣٢٢ هـ فعاد فيها الى ايران فهبط الى قم وبقي يمارس أعماله العلمية ، ولم يذكر المؤرخون لحياته انّه حضر ـ بعد رجوعه من النجف الأشرف ـ عند أحد من علماء قم المقدّسة وانما اكدوا أن بعد عودته من النجف الأشرف الى موطنه الأصلي انصرف الى البحث والتأليف (23) ويظهر مما سجّلوه عن حياته انّه وبعد عودته سنة ١٣٢٢ هـ بدأت حياته الفكرية بالانتاج.

في قم المقدّسة :
وقد رجع الى وطنه بسبب المرض الذي اعتراه ولازمه الى آخر عمره ، حيث اصيب بمرض (الربو) ، ولكنه لم يتمكن من منعه عن ممارسة ابحاثه ونشاطه العلمي ، بل استمر بعمله العلمي بقوة وحيوية.
وتعددت أوجه حركته بالتأليف والوعظ والارشاد والخطابة ، وبطبيعي الحال فإنه لم يكن مشهوراً في هذه الفترة من حياته ولكنه تمكن أن يفتتح أبواباً لحركته العلمية.
وفي سنة ١٣٢٩ هـ سافر الى الحج للمرّة الثانية من قم (24).

هجرته الى مشهد المقدّسة :
ولم يطل العهد بالقمّي ببقائه في قم المقدّسة فما لبث ان عزم على الهجرة الى مشهد المقدّسة سنة ١٣٣١ هـ (25) أو سنة ١٣٣٢ ، فهبط الامام عليه‌السلام في خراسان واتخذ منه مقراً دائماً له.
وقد ذكر انّه نزح من موطنه الأصلي بسبب بعض المشاكل التي أشار إليها في مقدمة كتابه الفوائد الرضوية حيث قال ما تعريبه ملخصاً : (حتّى كانت سنة ١٣٣٢ فخطر في ذهني أن التجأ الى إمام الاتقياء وزبدة الاصفياء ، معين الغرباء ، والشهيد بالسم أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه وعلى آبائه وابنائه ... وذلك لشدة البلايا والمحن وكثرة الهموم والغموم التي حلت بهذا الداعي وتفصيلها طويل .. ) (26) وقيل أن سبب بقائه في مشهد انّه كان بطلب من آية الله الحاجّ السيّد حسين القمّي ، فاستجاب العلاّمة المحدّث لهذا الطلب وعزم على البقاء الدائم في هذه الأرض الطيبة (27).
وانصرف في مشهد الى طبع بعض مؤلفاته ، وعكف على تصنيف غيرها (28).
ووفق الى حجّ بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمة البقيع عليهم‌السلام للمرّة الثالثة من مشهد (29).
وقد لمع اسم الشيخ القمّي في هذه المدينة المقدّسة وانتشر في بلدان العالم الشيعي خصوصاً بعد طبع كتابه مفاتيح الجنان.
كما أنّه كان لمجالس وعظه الأثر الكبير في اقبال المؤمنين وأهل المعرفة إليه وكان يرتقي المنبر في بيت آية الله السيد حسين القمّي في العشرة الاُولى من محرم الحرام للوعظ والارشاد وذكر الحسين عليه‌السلام.
ولم يمتهن الخطابة الحسينية ، وانّما اتخذها وسيلة لتبليغ رسالته الإلهية وقد نحج في ذلك بمقدار كبير.
كما أنه دعي الى إمامة صلاة الجماعة في أحد أروقة الحرم الرضوي على مشرفه آلاف التحية والسلام ، ولكنه انقطع ولم يستمر.
كما أنّه كان يدرس الأخلاق في ليالي الخميس والجمعة في مدرسة (ميرزا جعفر) العلمية في مشهد وكان يحضر تحت منبره حدود الألف مستمع (٣0).

رجوعه الى قم المقدّسة :
ومع أنه قد شدّ العزم على البقاء الدائمي في مشهد الامام الرضا عليه‌السلام ولكنه قد انثى عن عزمه الأول بعد قدوم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري الى قم المقدّسة سنة ١٣٤٠ هـ فهاجر الى قم المقدّسة وصمم على البقاء في هذه المدينة المقدّسة بطلب من علمائها وشخصياتها.
وبدأ الحائري يرتّب الحوزة العلمية ويمدّها بالعلماء الأبرار (فنظم من كان فيها من طلاب العلم تنظيماً عالياً ، وأعلن عن عزمه على جعلها مركزاً علمياً يكون له شأنه في خدمة الاسلام واشادة دعائمه ... فوضع العطاء على الطلاب والعلماء ، وبذل عليهم بسخاء ، وسنّ نظاماً للدارسة ، وقرر ترتيباً مقبولاً للاشراف على تعليم الطلاب واجراء الامتحان السنوي ... وغصت المدارس باهاليها ، وزاد عدد الطلاب والعلماء في أوائل هجرته إليها على الألف ، وقام بأعباء اعاشتهم ، وتنظيم أدوارهم بهدوء وحكمة ... ) (31).
وقد شارك العلماء الافذاذ مؤسسو الحوزة العلمية فهرعوا من كل صوبٍ ومكان لمآزرته ومساعدته واعانته على مشروعه الالهي الكبير خصوصاً بعد ما اشتدت المحن والبلايا بالضغوط الجائرة التي أوجدها رضا بهلوي بتطبيق علمنة البلاد الايرانية ومنع المظاهر الاسلامية بكل اشكالها حتّى انّه منع الحجاب ولبس الزي العلمائي وغيرها من الأعمال القبيحة.
وكلّما اشتدت المحنة كلما ازداد دعم العلماء للحوزة العلمية في قم ، ويبدو أن فكرة انتقال الشيخ القمّي الى قم المقدسة بعد ما كان قد عزم على البقاء في مشهد ، جاءت أثر تصاعد تلك المضايقات ، واشتداد المحن ، فان الشيخ القمّي قد كتب رسالة عن حياته وذكر فيها انه ما زال مستوطناً المشهد الرضوي المقدّس ، وكانت السنة هي سنة ١٣٤٦(32).
قال العلاّمة الطهراني : ( ولما حلّ العلاّمة المؤسس الشيخ عبد الكريم الحائري مدينة قم ، وطلب اليه علماؤها البقاء فيها لتشييد حوزة علمية ومركز ديني واجابهم الى ذلك كان المترجم له من أعوانه وانصاره ، فقد أسهم بقسط بالغ في ذلك ، وكان من أكبر المروجين للحائري ، والمؤيدين لفكرته ، والعاملين معه باليد واللسان ) (٣3).

وكتب العلاّمة الطهراني عن حركة الحائري :
« وقد برهن الحائري على بطولة ورجولة وشجاعة وصبر وجلد وثبات وعزيمة جبارة ، فقد لاقى في طريق العمل من الصعاب والمتاعب ما يكفي لتراجع أكبر الرجال قلباً ، وأقواهم شكيمة ، وأوسعهم صدراً ، حيث كان لانتهاء حكم القاجاريين وتولي البهلوي تأثير بارز في تقليص جهوده والحدّ من نشاطه اذ رافقت ذلك احداث ووقائع جسام. وكانت سيرة البهلوي واضحة في عزمه الأكيد وتصميمه على القضاء على الدّين ومحمو كل أثر لرجاله وشعائرة ورسومه ؛ فقد سجن العلماء الكبار ، ونفى عدداً منهم ، ودس السمّ لأخرين ، وفعل الأفاعيل من هذا القبيل.
وفي هذه الظروف كان الحائري يعمل على توسيع دائرة الحوزة العلمية في قم ونشر الدعوة ودعم هيكل الدين ، واشادة مجد الاسلام باعمال أحكامه وتطبيق نظامه.
في ذلك الوقت ، وفي تلك الظروف السود ، قاوم هذا العالم المخلص ديكتاتورية الملك واباحيته ، ووقف في وجهه مجنّداً كل امكانياته وقابلياته ، وموطناً نفسه للعظائم ، ومضحياً في سبيل دعوته بكل ما يملك ، ولم تفتّ في عضده ، أو توهن من عزيمته ، أو تسرب ألياس والقنوط الى نفسه كل تلك المحاولات اللئيمة والمساعي الخبيثة التي بذلها سماسرة السوء ، وزبانية الشر ، وأعداد الدين والخير والفضيلة.
وهكذا بقي يقاوم كل ما يعترض طريقه من عقبات وعراقيل حتّى كلّل سعيه بالنجاح وانتصر ، وباء خصومه بالصفقة الخاسرة ، وعادوا يجرون أذيال الفشل ( وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ ) (34) ... ».
ولكن الاسلام في ايران قد لاقى عدواً وحشياً تحت الحماية الغريبة والشرقية استطاع لفترة حكمه أن يحدّ من أي نشاط ديني في ايران بالارهاب وهتك الحرمات وقتل آلاف الشيعة في المشهد الرضوي في حادثة كوهر شاد ومنع الحجاب ومنع الزي العلمائي ومنع اقامة العزاء على سيد الشهداء عليه‌السلام وتدنيس حرمة الحوزات العلمية والمراقد المطهرة ونفي عشرات العلماء من كبار المجتهدين والخطباء. وأدت تلك الأعمال القبيحة للمدعو رضا بهلوي الى هجرة كبار علماء ايران الى النجف الأشرف ، وانزواء آية الله الحائري قابعاً في زاوية بيته ولكنه لم يرفع اليد عن الحوزة وشؤونها بل استمرّ بالتدريس والادارة ، فانّه قد تحمل كل شيء من أجل هذا البناء المقدّس المهم ، وبالفعل فقد تمكن الحائري أن ينتصر بمشروعه على كل مؤامرات الاستعمار وتمكنت هذه الحوزة المباركة ان تقود حركة الامة والتي كان نتاجها الجمهورية الاسلامية المباركة. ويبدو أن فاجعة كوهر شاد قد أثرت على حياة الشيخ الحائري فان وفاته كانت في ١٨ ـ ذي القعدة الحرام ـ من سنة ١٣٥٥ هـ. ق بينما كانت حادثة الهجوم على المرقد الرضوي الشريف في ١٢ ـ ربيع الثاني سنة ١٣٥٤ هـ. ق.
وأما شيخنا القمّي (أعلى الله مقامه) فانه كان في مدينة همدان وقد سمع بالفاجعة الكبرى بهتك حرمة الحرم الرضوي وقتل المؤمنين والعلماء ، واعتقال الآيات العظام حبسهم وتهجير بعضهم ، فعجل بالمجيء الى قم المقدّسة ليرى موقف العلماء الآخرين ، ولكنه فوجىء كالباقين بالأحداث العظام والضربات المتتاليات وقتل أو حبس أو تهجير كل انسان يقف أمام مشاريع البهلوي ، مهما كان عنوانه وبالفعل فقد نفى آية الله السيّد حسين القمي (35) الى العراق ، وجرّد آية الله الشيخ آقا زادة ـ نجل آية الله العظمى الشيخ محمّد كاظم الخراساني صاحب كتاب كفاية الاصول وقائد حركة المشروطة من الزي العلمائي ، ونفى آية الله السيّد يونس الاردبيلي وآية الله الشيخ محمّد تقي البافقي الى ري سنة ١٣٤٦ هـ. ق الى أن توفي هناك في ١٢ جمادى الاولى سنة ١٣٦٥ هـ. ق وغيرهم من الأعلام فلم يطل الشيخ القمّي المكث في قم فهاجر مرّة اُخرى الى النجف الأشرف منثنياً عن عزمه الأول بالبقاء في مشهد المقدّسة.
علماً انّه عندما كان في مشهد المقدّسة فانّه كان يقضي شتاء كل سنة في النجف الأشرف ويبقى هناك حوالي ستة أشهر ثمّ يرجع الى مشهد المقدّسة فيقيم الستة الأشهر الباقية ، ولكنه بعد حادثة كوهر شاد غيّر برنامجه السكني وبقى في النجف الأشرف الى آخر عمره ، وهجر موطنه الاصلي قم المقدّسة.

حياته العلمية :
بقراءة ما كتبه المؤرخون عن الشيخ القمّي رحمه‌الله تنطبع صورة تتلازم فيها شخصيته بالعلم تلازماً شديداً يكاد لا ينفك ، فترى القمّي من نعومة أظفاره الى ساعة وفاته لم يفارق البحث والتدريس والقلم والقرطاس ؛ وكانت لشخصية استاذه النوري رحمه‌الله الأثر الواضح في تعميق هذه الصورة الجميلة فيه ، وتتضح من خلال تتبع حياته العلمية ولو بشكل مختصر وسريع بالنقاط التالية :

أساتذته :
سبق وإن عرفت من كلام زميله العلاّمة الطهراني رحمه‌الله أن القمّي حضر في النجف الأشرف حلقات دروس العلماء في حياة استاذهم النوري ولكنه لازم الشيخ حسين النوري وكان يصرف معه أكثر وقته في المجالات العلمية (36) وأكد الطهراني انّه بقيت تلك الحلقات الدراسية للعلماء والمشاهير تجمعهم (37) يعني بقي العلاّمة القمّي ملازماً لدروس اولئك العلماء حيث صرح الطهراني بقوله : ( وبقينا على ذلك بعد وفاة شيخنا أيضاً ونحن نواصل القراءة على مشايخنا الأجلاء الآخرين ) (٣8).
ولكن المؤسف انّه لم يذكر أحد ممن ترجم القمّي أسماء اساتذته الآخرين واقتصروا على ذكر خاتمة المحدّثين النوري ، وصرحوا بانّه حضر عند الاساتذة الآخرين ، ومع احتمال أن مدة حضوره عندهم أكثر من فترة حضوره عند العلاّمة النوري رحمه‌الله من حيث الزمن ، ولكن بقي النوري مختصاً بتأثيره الواضح عليه كما صرح هو نفسه في أكثر من موضع كما سيأتي الاشارة إليه في محله.
ولكن يمكننا معرفة اولئك الاساتذة من خلال ما سجّله زميله من الدرس والتحصيل العلاّمة الطهراني فأنه قد صرح وبمواضع عدة انّهما كانا يشتركان بالحضور في الدرس والمباحثة عند العلماء المعروفين. وقد عدّ ضمن اساتذة الطهراني كلٌّ من :
١ ـ خاتمة المحدّثين الحاج ميرزا حسين النوري المتوفى سنة ١٣٢٠ هـ.
٢ ـ السيّد مرتضى الكشميري المتوفى سنة ١٣٢٣ هـ.
٣ ـ الشيخ محمّد طه نجف المتوفى سنة ١٣٢٣ هـ.
٤ ـ الحاج ميرزا حسين بن الحاج ميرزا خليل المتوفى سنة ١٣٢٦ هـ.
٥ ـ الشيخ محمّد كاظم الخراساني صاحب الكفاية المتوفى سنة ١٣٢٩ هـ.
٦ ـ السيّد محمّد كاظم اليزدي المتوفى سنة ١٣٣٧ هـ.
٧ ـ الميرزا محمّد تقي الشيرازي المتوفى سنة ١٣٣٨ هـ.
٨ ـ شيخ الشريعة الاصفهاني المتوفى سنة ١٣٣٩ هـ.
ونظراً لتأثير استاذه النوري وتأثره في شخصيته ومنهجه العلمي يلزمنا معرفة شيء من أحواله.

اُستاذه النوري :
لقد كان أهم تحصيله العلمي والذي أثر في مستقبل حياته عند الشيخ النوري رحمه‌الله كما تقدمت الاشارة به ، وقد سجل هذه الملاحظة جميع المؤرخين له ، قال المدرس ما ترجمته مختصراً : ( ولازم الحاج الميرزا حسين النوري واستفاد منه كثيراً ، وفي نفس الوقت قام بمساعدات كثيرة لاستاذه المعظم في بعض تأليفاته ... ) (39).
ومهما تكن نوعية تلك المشاركة والمساعدات لاستاذه فلا ينقص من حظ استاذه شيء ، وانّما تعكس اهتمام الاستاذ به وتشخيصه لجوانب الميول العلمية في نفس التلميذ ، كما انّها تعكس طريقة الاستاذ في تربية تلاميذه التربية العلمية بايجاد حالة تحسيسهم بمواقع القوة العلمية في نفوسهم وتقويتها والاشراف بنفسه على عملية النمو العملي ، كما تظهر تلك المشاركة ان هذا التلميذ كان محط اهتمام وعناية استاذه ... وتثبت انّه كانت للتلميذ ملكات وقدرات هائلة استحق بها هذا الاهتمام.
وبالفعل فإن جهود الاستاذ لم تذهب سدىً ، وانّما جاءت على أحسن ما يرام فصنعت من القمّي مؤلفاً ناجحاً وخطيباً بارعاً ، ولم يئس القمّي ذلك لاستاذه وانّما أظهر فضل الاستاذ عليه في كل مناسبة وفرت له أن يصرح بذلك .. فقد قال وهو يصف قربه إليه وتعلقه به ، وانّه لم يفارقه حتّى وقت ارتحاله من هذه الدنيا ما ترجمته :
( .. وكنت وقت ارتحاله في خدمته ... وكنت عنده بمنزله أولاده ، وكم كانت المصيبة مرّة ومازلت أحس بمرارتها في فمي ، ومازلت أتجرع الغصص لفقدانه ... ) (40).
ويقول أيضاً : ( ويحق لي أن أقول : ولقد عشت بعد الشيخ عيشة الحوت في البر ، وبقيت في الدهر ولكن بقاء الثلج في الحرّ ، فلقد كانت له عليّ من الحقوق الواجب شكرها ما يكل شبا براعتي ويراعي عن ذكرها.
وهو شيخي الذي أخذت عنه في بدء حالي ، وانضويت الى موائد فؤائده يعملات رحالي ، فوهبني من فضله ما لا يضيع ، وحنّ عليّ حنو الظئر على الرضيع.
ففرش لي حجر علومه ، وألقمني ثَدي معلومه ، فعادت علي تركات انفاسه ، واستضأت من ضياء نبراسه ، فما يسفح به قلمي انّما هو من فيض بحاره ، وما يفنح به كلمي انّما هو نسيم أسحاره ، وأنا أتوسل الى ربّ الثواب والجزاء أن يجعل نصيبه من رضوانه أوفى الانصباء ، وكم له رحمه‌الله من الله تعالى ألطاف خفيه ، ومواهب غيبية ونِعَم جليلة .. ) (41).
وقال أيضاً : ( لازمت خدمته برهة من الدّهر في السفر والحضر ، والليل والنهار ، وكنت استفيد من جنابه في البين الى أن نعب بيننا غراب البين فطوى الدهر ما نشر ، والدهر ليس بمأمون على بشر .. ) (42).
وأما شيخه النوري فهو : الحسين بن محمّد تقي بن علي محمّد النوري الطبرسي ولد في ١٨ شوال سنة ١٢٥٤ في قرية نور احدى كور طبرستان وهي ( مازندران ).
وكان والده من العلماء الأجلاء درس في اصفهان على المحقّق المولى علي النوري وفي كربلاء عند السيّد محمّد المجاهد نجل صاحب الرياض ، ثمّ هاجر الى النجف الأشرف وحضر عند علمائها ثمّ عاد الى بلاده حائزاً على درجة الاجتهاد وأسس حوزة علمية في منطقته وصار مرجعاً للتقليد فيها.
وقد توفي أبوه في ربيع الأول سنة ١٢٦٣ هـ. وكان للنوري من العمر ثمان سنوات (43) وأثر اليتم فيه فلم ينسه الى آخر حياته حيث كتب في ترجمة حياته : ( وتوفي والدي العلاّمة أعلا الله تعالى مقامه ... وأنا ابن ثمان سنين ، فبقيت سنين لا أحد يربيني ) (44).
فنشأ رحمه‌الله تعالى عصامياً معتمداً على نفسه ، وقد وضحت عصاميته جلية في مستقبل حياته ، وهو تفسر صبره وتحمله المشاق واصراره ومثابرته (45).
وكان له شغف خاص بالعلم وتحصيله فحين بلغ أوان حلمه لازم العالم الجليل الفقيه النبيه الزاهد الورع النبيل المولى محمّد علي المحلاتي.
ثمّ هاجر الى النجف الأشرف فحضر عن الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الانصاري المتوفى سنة ١٢٨١ هـ ، ولازم الآية الكبرى الشيخ عبد الحسين الطهراني الشهير بشيخ العراقيين ، كما انّه لازم درس السيّد المجدد الشيرازي حتّى وفاته سنة ١٣١٢ هـ.
وعدّ من شيوخه الشيخ فتح علي السلطان آبادي والحاجّ الملا علي كني ومن مشايخ اجارته السيّد مهدي القزويني كما أنّه تتلمذ على الفقيه الكبير الشيخ علي الخليلي.
وخرّجت مدرسته العلمية مجموعة من الفضلاء والعلماء الاجلاء أشهرهم الشيخ عباس القمّي ، والشيخ اغا بزرك الطهراني (46) والشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء (47) والسيد عبد الحسين شرف الدين (48).
وكانت لشخصية الاستاذ القوية ومنهجهُ الايماني القويم وجاذبيته الشخصية والمدرسية جذبت اولئك التلاميذ الافذاذ وخرّجت علماءأً يبقى الزمن يفتخر بهم ويبقى اتباع مذهب الحقّ يتباهون بوجود أمثالهم كالشيخ القمّي والشيخ الطهراني صاحب موسوعة الذريعة وغيرها.
وعرف عنه شغفه بجمع الكتب لا سيّما القديمة منها والاصول وقد جمع مكتبة من نفائس الكتب والمخطوطات ندرت أن تجتمع عند غيره وقد حصل على بعض الاصول التي لم يحصل عليها غيره حتّى الشيخ المجلسي قدس‌سرهم والحر العاملي قدس‌سرهم(49).
وله في تحصيل الكتب النادرة حالات أبهرت معاصريه وكان يبذل الكثير من أجلها وقد نقلت عنه عدة حكايات غريبة تعكس ذلك ؛ منها ما نقله تلميذه الطهراني حيث قال : ( مرّ ذات يوم في السوق فرأى أصلاً من الاصول الاربعمائة في يد امرأة عرضته للبيع ، ولم يكن معه شيء من المال ، فباع بعض ما عليه من الألبسة واشترى الكتاب ... ) (50).
وله مؤلفات كثيرة تدل على تتبعه واحاطته بالأخبار مما يندر في أحد غيره بعد المجلسي رحمه‌الله من أشهرها مستدرك الوسائل ، والنجم الثاقب ، ودار السلام وجنّة المأوى والصحيفة السجادية الرابعة والصحيفة العلوية الثانية والفيض القدسي في أحوال المجلسي ، وكشف الأستار عن وجه الغائب عن الأنصار والكلمة الطيبة ونفس الرحمان في فضائل سيدنا سلمان وغيرها.
وقد وهب حبّ طلابه له حبّاً كبيراً قلّما نجده بين الاستاذ وتلاميذه ، وبمراجعة سريعة الى ما كتبه الشيخ القمّي عن استاذه تجد مصداق ذلك ، وهكذا فيما كتبه تلميذه الآخر الشيخ الطهراني عندما أراد أن يكتب ترجمة لاستاذه : ( ارتعش القلم بيدي عندما كتبت هذا الاسم ، واستوقفني الفكر عندما رأيت نفسي عازماً على ترجمة استاذي النوري ، وتمثل لي بهيئته المعهودة بعد ان مضى على فراقة خمسة وخمسون سنة فخشعت اجلالاً لمقامه ، ودهشت هيبة له ، ولا غرابة فلو كان المترجم له غيره لهان الأمر ، ولكن كيف بي وهو من اولئك الأبطال غير المحدودة حياتهم واعمالهم فمن الصعب جداً أن يتحمل المؤرخ الأمين وزر الحديث عنها ، ولا أرى مبرراً في موقفي هذا سوى الاعتراف بالقصور عن تأدية حقّه ... ) (51) وإن تأثّر هؤلاء الافذاذ به وبهذا المقدار الكبير من التأثّر لم يكن عن عاطفة جوفاء وصداقة عابرة ، بل لهم الحقّ في ذلك ، لأنه اعطاهم كل وقته ، ولم يترك شيئاً لنفسه دونهم بل فضلهم على نفسه وقدمهم على شخصه مع مقامه العلمي ووجاهته الاجتماعية.
وتميز بمنهج علمي سوف نستعرضه عند الحديث عن المنهج العلمي عند القمّي إن شاء الله تعالى.
توفي في ليلة الاربعاء لثلاث بقين من جمادي الثانية سنة ١٣٢٠ هـ. ودفن في الصحن العلوي الشريف وكان لجثمانه كرامة منقولة في المصادر التي ترجمت له.

حبّه للعلم :
امتازت مدرسة النوري (الاستاذ وتلاميذه كالشيخ القمّي والشيخ الطهراني بحب العلم وزقه الى درجة الثمالة ، وقد نقلت عن كل واحد منهم قصص تثير الاعجاب والتقدير.
وقد انصرف القمّي ـ كباقي أفراد هذه المدرسة المحترمة ـ الى العلم والتأليف والتصنيف والترجمة والبحث والدرس والمقابلة وما الى ذلك ، قال زميله الطهراني : (وكان دائم الاشتغال ، شديد الولع في الكتابة والتدوين والبحث والتنقيب لا يصرفه عن ذلك شيء ، ولا يحول بينه وبين رغبته فيه واتجاهه اليه حائل ... ) (52).
وقال نجله الشيخ علي محدّث زاده ما تعريبه : ( ... وكان والدي دائم الاشتغال بالكتابة ، وحتّى في حال مرضه فانّه كان يشتغل بالقراءة والكتابة في اليوم والليلة سبعة عشرة ساعة على الأقل ) (53).
ونقل عنه أيضاً انّه قال : ما تعريبه : (وكنت من أيّام طفولتي مع المرحوم الوالد وكنّا اذا خرجنا خارج المدينة فانّه يستمرّ بالكتابة والمطالعة من أول الصبح الى العشاء ) (54).
ونقل عنه أيضاً انّه كان له ولع شديد بالقراءة والكتابة لا يملّ منهما ولا يتعب حتّى انّه اذا ذهب مع بعض أصحابه الى بستان للاستجمام مثلاً فانّه وبمجرد أن ينتهي من الطعام مع أصحابه ينعزل بمكان هادىء جنب جدول ماء أو تحت شجرة ويبدأ بالقراءة والكتابة.
ونقل عن بعض اصحابه انّه كان يجلس معهم للطعام فاذا انتهوا وأرادو أن يتحدثوا قام عنهم مع قلمه وقرطاسه ويبدأ بالكتابة والمطالعة فحينما كانوا يطلبون منه البقاء معهم ليتحدثوا معه ويستفيدوا منه فكان يجبيهم : انّنا جميعاً نذهب ولكن هذه الاشياء تبقى.
ونقل عن كتاب ( پندهائي از رفتار علماء اسلام ) : أن المرحوم الحاج الشيخ عباس القمّي صاحب كتاب مفاتيح الجنان سافر مع جماعة من التجار الى سورية وقد تحدث اولئك وقالوا : انّنا كلّما ذهبنا للنزهة فانّه يبقى مشغولاً بالقراءة والتأليف ، وكلما اصررنا عليه أن يأتي معنا فكان يمتنع شديداً ، وكنّا ننام في الليل ويبقى هو يقرأ ويؤلف ... ) (55).
ومع أن الشيخ القمّي رحمه‌الله كان قد ابتلى بمرض الربو ( ضيق التنفس ) وكان يصعب عليه المقام والقعود أحياناً ولا يقدر أن يرفع الكتاب من الارض .. ولكن كان يشتغل ليلاً ونهاراً ولا يدع للتعب مجالاً أن يدخل الى نفسه ، وكان يبقى في أكثر الليالي يقظاً وقليلة تلك الليالي التي ينام فيها ، وكانت من عادته أن لا يضع شيئاً تحت رأسه وانما يضع يده تحت رأسه وينام. وكانت قراءته من أجل الكتابة والتأليف. وكان جيد الكتابة وسريعها ، وقد كتب كثيراً حتّى ثفنت أطراف أصابعه التي يمسك بها القلم ، ومن النادر أن لا يمسك القلم في ليلة ونهارها.
وقد حصل حبّه وعلاقته بالكتاب بحيث انّه بمجرد أن يحصل على ما مال قليل يسرع بصرفه في شراء كتاب ، وقد نقل عن الشيخ عباس القمّي انّه قال : ( في الزمان الذي كنت ادرس في قم كنت في ضائقة مالية شديدة حتّى كنت اجمع القران (56) مع القران الى ان تصير ثلاثة تومانات مثلاً فحينها اذهب من قم الى طهران مشياً على الأقدام (57) واشتري بتلك التومانات كتاباً ثمّ ارجع الى قم ماشياً أيضاً واستمرّ في دراستي ) (58) وكان المحدّث القمّي يعشق الكتاب بشكل عام ويطرب له ويرمق إليه بأريحية ومحبة ، ولكنه كان ينظر الى كتب الشيعة وبالخصوص كتب الحديث نظرة قداسة كما سوف يأتي ذلك بمحله من هذه الرسالة.

مشاركته في تأسيس الحوزة العلمية في قم المقدّسة :
تقدمت الاشارة عن رحلة آية الله العظمى المرحوم الحاجّ الشيخ عبد الكريم الحائري الى قم المقدّسة وعزمه على تأسيس الحوزة العلمية في قم المقدّسة واعادة مجدها ، ودعا العلماء الى هذه المدينة ليشاركوه مشروعه الالهي الكبير وقد أجابه مجموعة من العلماء الأعلام من مختلف الأقطار ، وقد وجه الدعوة الى الشيخ عباس القمّي فما كان أسرع من أن يجيبه على دعوته مع أنه كان قد شدّ العزم وصمم على سكنى المشهد الرضوي الى آخر عمره ولكنه فضّل تحمل المشاق ونكران الذات من أجل خدمة الاسلام العظيم فانّه عندما جدّ الجد ، وعلم أن واجبه الشرعي يحتم عليه الانتقال الى مدينة قم المقدّسة للمشاركة مع آية الله الحائري الحائري الغى عزمه الأول وجاء يبذل الجهد والوسع للقيام بالواجب المقدّس.
وقد قال زميله الطهراني عن تصميم القمّي الجديد : ( ولما حلّ العلاّمة المؤسس الشيخ عبد الكريم الحائري مدينة قم وطلب اليه علماؤها البقاء فيها لتشييد حوزة علمية ومركز ديني واجابهم الى ذلك كان المترجم له من أعوانه وأنصاره ، فقد أسهم بقسط بالغ في ذلك وكان من أكبر المروجين للحائري والمؤيدين لفكرته والعاملين معه باليد واللسان ... ) (59).
ومهما يكن دور القمّي في بناء تلك الحوزة فانّ استجابته في تلك الأيّام الصعبة والحرجة تنم عن غيرته على الدين الحنيف وجهاده ، فهو يشارك في مشروع جديد لا يعلم مصير بقائه في المستقبل ، ولم يحتوي على مغريات الدنيا من الجاه والمال شيئاً وانّما الدافع الوحيد لدعمه ومؤازرته لصاحب المشروع هو الحرص الأكيد لبذل كل شيء من أجل العقيدة المقدسة وتأسيس الحوزة التي تحفظ الشرع المبين وتدافع عنه ، ومجابهة الانحراف والكفر.
ولم يذكر المؤرخون سنة هجرة القمّي الى قم بعد تأسيس الحورة العلمية ، ولكنه ذكر في رسالة له حول ترجمة نفسه بانّه هاجر الى مشهد مولانا الامام المعصوم أبي الحسن الرضا عليه‌السلام وبقي هناك الى تلك السنة وهي سنة ١٣٤٦ هـ (60) ولعل هجرته الى قم كانت بعد هذا التاريخ ، وأما مساندة الحائري في مشروعه فلعله كان يدعمه وهو في مشهد المقدّسة ، أو يكرر سفره الى قم خصوصاً انّه ذكر في رسالته تلك بانّه قد تكرر منه السفر الى العتبات العاليات في العراق (61) ، فلعل طريفه كان يمرّ من قم ، ولعله كان يطيل المكث في موطنه الاصلي ويقوم بواجبه بمساندة المؤسس.
وكيف ما كان فقد ذكر انّه كان لسفر القمّي الى قم أثر كبير في هجرة كثير من الطلاب من المدن الاُخرى الى قم خصوصاً من مشهد والنجف الأشرف (62).

منهجه العلمي :
سبق ونبهنا انّنا باستتباع كلمات تلاميذ الشيخ النوري ، ومؤلفاتهم وسيرتهم العملية وجدناهم يشكلون منهجاً واحداً ، وإن كان الفضل الأكبر يعود الى استاذهم خاتمة المحدّثين.
وقد ذكرنا في بحث سابق (63) منهج الشيخ النوري العلمي بشكل مفصل ، ولا فائدة من تكرار الموضوع ، ولكننا نعجل العناوين المهمة لاعطاء صورة عامّة عن منهج القمّي العلمي الذي يشكل حلقة من حلقات هذه المدرسة العلمية المهمّة التي كان لها دور كبير وما زال.
١ ـ انصرافه الكلي للعلم والتأليف والتصنيف والترجمة والبحث والدرس والمقابلة وما الى ذلك كما تقدم في العنوان السابق. وقد كان يشتغل سبعة عشرة ساعة في اليوم مع ما ابتلي به من مرض ، وقد أخذ هذه الصفة من سيرة استاذه الذي نقلت عنه حكايات غريبة باهتمامه العلمي واقتنائه للكتب. وانتقل ذلك العشق والحب الى التلاميذ ، فاي عشق ذلك للعلم والمعرفة توفر عند هؤلاء العظماء الذين حفظوا المذهب من الضياع والانحراف ، وأي معاناة لا قوها في سبيل العلم والمعرفة.
وعلى الدهر ـ اذا أراد ان يكون منصفاً ، وانّى له ذلك ـ أن يخلدهم على صفحات أيّامه في أعلى مراتب الفخر والاعتزاز.
تجد اولئك العظماء يواصلون سيرهم في التعلم والتعليم لرفد الانسانية بالعلوم الحقة المستقاة من آل محمّد صلى الله عليهم أجمعين ، الى آخر ساعات حياتهم في هذه الدنيا فيموت أحدهم وبيده القلم ويجاهد به ويناضل دونه ، يقول العلاّمة القمّي في ( فوائده الرضوية ) عند عدّ مؤلفات استاذه : ( ... تحية الزائر وبلغة المجاور ، وهي آخر مؤلفاته رضوان الله عليه ، ولم يمهله الأجل حتّى يتمها ، ومنّ الله تعالى عليّ باتمامها .. ) (64).
فما وقع القلم من يدي النوري الى آخر ساعة من حياته في هذه الدنيا ، فإذا جاءت سكرة الموت بالحقّ ، ولحق بالرفيق الأعلى ، وكان في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، أخذ القلم تلميذه الفذّ الوفي المجاهد ليتم المسير ، ويواصل المشوار الذي بدأه استاذه ، فيتم أعمال استاذه العلمية.
٢ ـ حفظ تراث أهل البيت عليهم‌السلام. أ ـ فانّ لتفادم الزمن ، وبُعْد التاريخ عن مصادر الشريعة المقدسة سبّب اختفاء وضياع كثير من تلك الآثار الشريفة خصوصاً ما لحق اتباع هذه المدرسة الهادية من المحن والخطوب والمصائب الكثيرة التي سجّلها المؤرخون لتك الفترات الحرجة والمظلمة التي مرّ بها شيعة أهل البيت عليهم‌السلام.
وقد بذل المتأخّرون وسعهم لجمع ذلك التراث العظيم الذي يعدّ الثقل الثاني كالعلاّمة المجلسي والفيض الكاشاني والسيّد عبدالله شبر والحر العاملي والسيّد هاشم البحراني وغيرهم من العظاء.
وقد جاء دور النوري ومدرسته ليتمموا الحركة التي خطها اولئك الصالحون ، فخرجت تلك المؤلفات العظيمة كالمستدرك للاستاذ النوري وسفينة البحار للقمّي والذريعة ، وطبقات أعلام الشيعة للطهراني.
ب ـ وقد تبنت هذه المدرسة الطريقة الاُولى في أخذ الحديث بالتأكيد على ضرورة الاجازة فيه بالطرق المتعارفة حتّى للكتب المتواترة كالكتب الأربعة ، بينما تحول مبنى الفقهاء المتأخّرين الى عدم الاهتمام العلمي بهذه الطريقة ولا يرون وجود ضرورة علمية للاستجازة من أصحاب الاجازات لتواتر تلك الكتب فلا حاجة واقعية لأخذ الاجازة ، ولا أثر للاجازة في جواز العمل بتلك الكتب ، واعتبروا الاجازة أمراً تشريفياً للبركة لا أثر له في النقل والرواية.
بينما اصرّ مؤسس هذه المدرسة على ضرورتها (65).
ولسنا هنا بصدد بيان الحقّ مع ايّ الرأيين ، وانّما نذكر هذا الاختلاف لنتبين منهج العلاّمة القمّي ورأيه في ذلك ليس إلا ، ويعدّ رحمه‌الله تعالى من أعمدة المدرسة الثانية ، يقول ولده المرحوم الشيخ علي محدث زاده : ( كانت ولادة المرحوم ثقة المحدّثين المحدّث القمّي في قم ... وقد قضى طفولته وشبابه في قم ، وقد أكمل دراسته في العلوم الأدبية هناك طبق المتعارف عليه في ذلك الزمان الى ان سافر الى النجف الأشرف في سن الثامنة عشرة من عمره ، وهناك كانت علاقته بشكل أكثر بالأحاديث المروية التي هي العلم الموروث عن أهل بيت العصمة والطهارة.
وكان من المتعارف عليه عند العلماء والمفكرين الأوائل أن يسافروا في طلب علم الحديث والاستفادة من مشايخه واساتذته ويتحملون في سبيل ذلك المشاق والمصاعب.
ولذلك فقد اختار الحضور عند خاتمة المحدّثين وثقة الاسلام والمسلمين الحاجّ الميرزا حسين النوري رحمه‌الله ، وبقي مدة عند هذا العالم الكبير لكسب العلم والاستفادة منه ... ) (66).
فهو من بداية تحصيله العلمي اختار طريق الحديث والرواية ولهذا لازم النوري الى أن لاقى النوري ربّه.
وبدراسة دقيقة لمجموع ما تركه القمّي من مؤلفات قيّمة تظهر هذه الحقيقة ، وليس معنى ذلك انّ المنهج العلمي للقمّي هو المسلك الاخباري بالمعنى الاصطلاحي المقابل للمنهج العلمي الاصولي ، وانّما الصحيح العكس فانّ مؤسس المدرسة كان من شيوخ واساتذة وكبار مجهتدي المنهج العلمي الاصولي ولكنه اهتمّ بتراث أهل البيت عليهم‌السلام وبالحديث والرواية ولا تعارض بينهما.
وكذلك القمّي فانّه تبع استاذه بمنهجه الاصولي المهتم بالأخبار والحديث والروايات ، ولشدة تعلقه واهتمامه بالحديث صار اطلاق لقب ( المحدّث ) و ( العلاّمة المحدّث ) منصرفاً إليه.
قال المدرس عند وصفه للقمّي ما ترجمته : ( .. من أفاضل علماء عصرنا الحاضر ، وكان عالماً فاضلاً كاملاً محدثاً متتبعاً ماهراً ، وهو المقصود بعبارة المؤلّف في هذا الكتاب بـ ( الفاضل المحدّث المعاصر ) (67).

مؤلّفاته :
عندما ندرس آثاره التي تركها من المؤلّفات القيمة والكتب المعتبرة الجليلة نجدها تتميز بعدة أشياء :

١ ـ كثرة التأليف :
كما ستجد صدق هذه الدعوى من خلال هذا الفهرس الذي سنوافيك به عن قريب إن شاء الله تعالى.

٢ ـ جودة ومتانة وعمق التأليف.
فقد نقرأ في فهارس المؤلّفين أن هناك من أكثر في التصنيف والكتابة ، ولكن بعد الاطلاع على ما كتبوه تذهب الفرحة سدى حيث نجد أن تلك المكتوبات لم تتجاوز النقل ـ بمعنى النسخ ـ عن كتب الآخرين ، وقد جمعت في كثير من الأحيان بشكل غير علمي ومنهج غير سليم ، بل تعكس جهل صاحبها وحبه بانّ يذكر اسمه مع المؤلفين ليس إلاّ.

فالاكثار وحده غير كاشف عن علوّ شأن صاحب التأليفات وإنما لابدّ مع ذلك أن يلازم الاكثار العمق والمتانة والجدّة والافادة والتحقيق والتدقيق.

وهذا بالفعل ما نجده فيما كتبه العلاّمة القمّي رضي الله تعالى عنه ، ولذا صارت مؤلفاته محط أنظار العلماء ، ومرجعاً علميّاً للمؤلفين والمصنفين.

قال العلاّمة حرز الدين : ( .. صاحب المؤلّفات المفيدة .. وقد حظي الشيخ بمؤلّفاته حيث نالت كل اعجاب وتقدير ) (68) ، وقد وفقه الله تعالى توفيقاً منقطع النظير في كتابه (مفاتيح الجنان) فقلما نجد بيتاً من بيوت الشيعة في العالم يخلو من كتابه النفيس (مفاتيح الجنان). وهذا توفيق الهي حظي به هذا العالم الجليل.

فهرس مؤلّفاته :
وإليك ثبتاً بفهرس مؤلّفاته :
١ ـ الأنوار البهية في تاريخ النبي وآله عليهم‌السلام. مجلد واحد باللغة العربية ، طبع عدّة مرّات.
٢ ـ الآيات البينات في أخبار أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الملاحم والغائبات (69).
٣ ـ بيت الأحزان في مصائب سيدة النسوان. عربي ، طبع مرّتين.
٤ ـ الباقيات الصالحات. في الأعمال والأدعية والأذكار والأوراد. طبع في حاشية كتابه (المفاتيح) وطبع أخيراً مستقلاً بطبعتين في بيروت.
٥ ـ تحفة طوسية ونفحة قدسية (70). أو ( رسالة مشهد نامة ) فارسي مطبوع ، وهو مختصر في شرح بناء الحرم الرضوي على صاحبه السلام وذكر أبنية الأماكن المتعلقة به مع عدّة زيارات مهمّة ومعتبرة (71).
٦ ـ تتمة المنتهى في تاريخ الخلفاء ، وهو المجلد الثالث من كتابه ( منتهى الآمال ) بالفارسية ، طبع عدّة مرّات بتصحيح نجله المرحوم الشيخ علي محدث زادة.
٧ ـ تحفة الأحباب في نوادر الأصحاب ، في أحوال صحابة الرسول وأصحاب أئمة الهدى صلوات الله عليهم بترتيب الحروف الهجائي ، مطبوع.
٨ ـ ترجمة مصباح المتهجد للشيخ الطوسي الى اللغة الفارسية ، طبع في حاشية المصباح.
٩ ـ ترجمة جمال الاسبوع للسيّد ابن طاووس الى اللغة الفارسية ، طبع في حاشيته.
١٠ ـ ترجمة المسلك الثاني من كتاب ( الملهوف في قتلى الطفوف ) للسيد ابن طاووس ـ في حاشيته ـ طبع بخط المؤلّف.
١١ ـ ترجمة ( زاد المعاد ) للعلاّمة المجلسي الى اللغة العربية وذكره المؤلّف في كتبه الناقصة التي لم يتمّها حين كتابة ترجمته لنفسه في كتاب الفوائد الرضوية (72).
١٢ ـ ترجمة تحفة الزائد للعلاّمة المجلسي الى اللغة العربية وهو كصاحبه المتقدم حيث لا ندري هل أن المؤلّف اتمّ ترجمة هذين الكتابين أم لا؟
١٣ ـ تتميم تحية الزائر لاستاذه النوري وقد تقدم الحديث عنه.
١٤ ـ تتميم بداية الهداية وأصل الكتاب للشيخ الاجل المحدّث الشيخ الحر العاملي صاحب كتاب الوسائل.
١٥ ـ جهل حديث : بالفارسية. طبع عدّة مرّات.
١٦ ـ حكمة بالغة ومائة كلمة جامعة. شرح مائة كلمة من كلمات أمير لشرح النصّاب للفاضل اليزدي. مطبوع.
١٧ ـ الدرّة اليتيمة في تتمات الدرة الثمينة. شرح نصّاب الصبيان ، وهو تتميم لشرح النصّاب للفاضل اليزدي. مطبوع.
١٨ ـ الدرّ النظيم في لغات القرآن العظيم مطبوع.
١٩ ـ دوازده ادعية مأثورة. مطبوع بالفارسية.
٢٠ ـ ذخيرة العقبى في مثالب أعداء الزهراء عليه‌السلام. عده المؤلّف في كتبه الناقصة (73).
٢١ ـ دستور العمل. مطبوع.
٢٢ ـ ذخيرة الأبرار في منتخب أنيس التجار مطبوع.
٢٣ ـ سبيل الرشاد في اصول الدين. مطبوع.
٢٤ ـ سفينة البحار ومدينة الحِكم والآثار. وهو فهرس لكتاب بحار الأنوار لما يقصد منه على ترتيب حروف المعجم ، وذكر في كل مادة الحديث الوارد في تلك المادة اذا كان مختصراً وأشار الى مضمونه وموضع الحاجة منه اذا لم يكن مختصراً. ويذكره اذا كان فيه تحقيق لنفاسته ، ويذكره أيضاً اذا كان فيه مطلباً مهمّاً مقتصراً على لبّه وخلاصته. وكتب مختصراً من تراجم مشاهير أصحاب النبي وأئمة الدين صلوات الله عليهم أجمعين ونبذاً من أحوال المعروفين من علماء الفريقين وبعض الشعراء والادباء المعروفين عند ذكر اساميهم وانسابهم وألقابهم. وهو من أعظم مؤلّفاته وقد ( قضى في تأليفه السنين الطوال ) (74).
٢٥ ـ شرح وجيزة الشيخ البهائي رحمه‌الله. وهو في الدراية.
٢٦ ـ شرح الكلمات القصار لأمير المؤمنين عليه‌السلام المذكورة في آخر نهج البلاغة. ذكره في الكتب التامّة ولم تطبع.
٢٧ ـ شرح الصحيفة السجادية. ذكره المؤلّف في كتبه الناقصة.
٢٨ ـ شرح الأربعين حديث. ذكره المؤلّف في كتبه الناقصة. وذكر أن نسخته موجودة (75).
٢٩ ـ صحائف النور في عمل الأيّام والسنة والشهور. ذكره المؤلّف في كتبه الناقصة.
٣٠ ـ ضيافة الاخوان. ذكره المؤلّف في كتبه الناقصة.
٣١ ـ طبقات الرجال (76). عنونه المؤلّف بـ ( كتاب الطبقات ) (77).
٣٢ ـ طبقات الخلفاء وأصحاب الأئمة والعلماء والشعراء. وهو مطبوع مع كتاب تتمة المنتهى. وهو باللغة الفارسية. واحتمل بعضهم أن الكتاب المتقدم ، تحت عنوان ( طبقات الرجال ) (78) لكن العلاّمة الطهراني عدّ كتاب ( طبقات العلماء ، قرناً قرناً لم يتم ) (79) ، لما يحتمل أن المقصود من الأول كتاب ( طبقات العلماء ) وهو غير هذا الكتاب لاختلاف موضوعهما كما هو ظاهر.
٣٣ ـ علم اليقين وهو مختصر كتاب حقّ اليقين للعلاّمة المجلسي. وهو باللغة الفارسية.
٣٤ ـ الغاية القصوى في ترجمة العروة الوثقى للسيّد اليزدي من أول كتاب الطهارة الى أحكام الاموات ومن كتاب الصلاة الى مبحث الستر والساتر.
وقد ترجمه من اللغة العربية الى اللغة الفارسية.
٣٥ ـ الفوائد الرجبية فيما يتعلق بالشهور العربية ، مشتمل على وقائع الأيّام وفيه جملة من اعمال الشهور ، وذكر المؤلّف رحمه‌الله أن هذا الكتاب أول تصانيفه ، وقد طبع بخط يده الشريفة (80).
٣٦ ـ الفصول العلية في المناقب المرتضية.
٣٧ ـ الفوائد الرضوية في أحوال علماء المذهب الجعفرية. مطبوع عدّة طبعات.
٣٨ ـ فيض العلاّم في وقائع الشهور وعمل الأيّام. هكذا عنونه في كتاب ( الفوائد الرضوية ) (81) ، وقد عنونه في مقدمة نفس الكتاب المطبوع بعنوان ( فيض العلاّم في عمل الشهور ووقائع الأيّام ) (8٢).
٣٩ ـ فيض القدير فيما يتعلق بحديث الغدير. وهو مختصر لمجلدي غدير عبقات الأنوار للسيّد المحدّث العالم المتكلم المحقّق المدقق المؤيد المسدد محيي السنّة ، وسيف الامه ، فخر الشيعة ، وحامي الشريعة سيّدنا الأجل ، مولانا المير حامد حسين الهندي اسكنه الله بحبوحة جناته وحشرنا تحت لوائه (83).
٤٠ ـ الفوائد الطوسية. وهو ( مجموعة شبيهة بالكشكول ) (84). وعدّه في كتبه التي لم يتمها (85).
٤١ ـ قره الباصرة في تاريخ الحجج الطاهرة.
٤٢ ـ الكنى والألقاب. وهو تراجم من عرف بالكنية أو اللقب باللغة العربية وقد طبع مراراً في ثلاث مجلّدات.
وقال العلاّمة المرحوم الشيخ محمّد حرز الدين : ( .. وكتاب الكنى والألقاب في التراجم ترجم فيه علماء الفريقين بثلاثة أجزاء طبع في صيدا سنة ١٣٥٨ وهو كتاب متين جداً يعتمد عليه وهو أحسن مؤلّفاته ) (86).
٤٤ ـ كلمات لطيفة.
٤٥ ـ كحل البصر في سيرة سيّد البشر. باللغة العربية. مطبوع مراراً.
٤٦ ـ الكشكول. وهذا غير الكشكول المتقدم بعنوان ( الفوائد الطوسية ) وقد ذكرهما المؤلّف بعنوانين الأول في كتبه التي لم يتمّها والثاني بكتبه التي اتمّها.
٤٧ ـ رسالة في ( كناهان كبيرة وصغيره ) مطبوع باللغة الفارسية وهو في تعداد الذنوب الكبيرة والذنوب الصغيرة.
٤٨ ـ اللآلىء المنثورة في الاحراز والأذكار المأثورة. مطبوع.
٤٩ ـ مختصر الأبواب في السنن والآداب ، وهو مختصر حلية المتقين للعلاّمة المجلس بالفارسية. مطبوع.
٥٠ ـ مفاتيح الجنان في الأعية والأوراد والأذكار والزيارات وأعمال الأيّام والشهور.
وقد ترجم الى عدّة لغات وطبع عشرات المرّات.
٥١ ـ منازل الآخرة والمطالب الفاخرة ، وهو هذا الكتاب.
٥٢ ـ المقامات العليّة. وهو مختصر ( معراج السعادة ) للمحقّق الأوحد المولى الشيخ أحمد النراقي بالفارسية وقد كتبه على نسق كتابة والده المولى الشيخ محمّد مهدي النراقي المسمّى بـ ( جامع السعادات ) بالعربية المطبوع مراراً.
٥٣ ـ منتهى الآمال في ذكر مصائب النبي والآل عليهم‌السلام وهو باللغة الفارسية طبع مراراً.
٥٤ ـ مقاليد الفلاح في عمل اليوم والليلة.
٥٥ ـ مقلاد النجاح وهو مختصر للكتاب المتقدّم.
٥٦ ـ مختصر المجلّد الحادي عشر من كتاب بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي. والمجلد الحادي عشر في الطبعة الحجرية يقابل المجلد ( ٤٦ ـ ٤٧ ـ ٤٨ ) في أحوال ( الامام السجاد ، والامام الباقر ، والامام الصادق ، والامام الكاظم ) : جميعاً.
٥٧ ـ مختصر (الشمائل) للترمذي (87).
٥٨ ـ مسلّي الفؤاد بفقد الاخوة والأحباب. ذكره في قسم كتبه غير التامّة.
٥٩ ـ غاية المرام في تلخيص دار السلام ، وهو مختصر دار السلام فيما يتعلّق بالرؤيا والمنام لاستاذه الشيخ النوري أعلى الله مقامه.
٦٠ ـ نفس المهموم في مصيبة سيّدنا الحسين المظلوم عليه‌السلام.
٦١ ـ نفثة المصدور فيما يتجدد به حزن العاشور.
قال المؤلف رحمه‌الله في مقدمته :
( بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد : فهذه وجيزة كتبناها لتلحق بكتابنا نفس المهموم في مقتل الحسين المظلوم صلوات الله عليه ، مشتملة على فصول وخاتمة سميتها « نفثة المصدور فيما يتجدد به حزن يوم العاشور » ومن الله تعالى الاستعانة ، وعليه التوكل في كل الامور ).
وقد عنونه البعض « نَفَس المهموم ونفثة المصدور » ويبدو انّهما كتابان من حيث التصنيف وانّ ألحق الثاني بالأول.
وهما باللغة العربية ، وقد ترجما الى اللغة الفارسية.
٦٢ ـ نزهة النواظر في ترجمة معدن الجواهر ، وهو تأليف الشيخ العالم الجليل والثقة الفقيه أبو الفتوح محمّد بن علي الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد والسيّد المرتضى رضوان الله عليهم أجمعين. وطبع عدّة مرّات.
٦٣ ـ نقد الوسائل لباب وسائل (88).
٦٤ ـ هدية الزائرين وبهجة الناظرين. وقد احتوى على زيارات الحجج الطاهرين عليهم‌السلام والمقامات الشريفة وقبور العلماء التي في المشاهد المقدّسة وأعمال الشهور وأعمال الاسبوع وأعمال اليوم والليلة. مطبوع (89).
٦٥ ـ هدية الأحباب في المعروفين بالكنى والألقاب والانساب. بالفارسية مطبوع عدّة مرّات.
٦٦ ـ غاية المنى في المعروفين بالألقاب والكنى. هكذا عنونه المؤلّف رحمه‌الله في مقدمة كتابه (هدية الأحباب) وعدّه تحت الرقم (٥) من كتبه غير المطبوعة ، ولعله الكتاب المتقدّم تحت عنوان ( الكنى والألقاب ـ مختصر صغير ) والله تعالى أعلم. وقد عنونه العلاّمة الطهراني ( غاية المنى في ترجمة المعروفين بالألقاب والكنى من أبناء العامّة ) (90).
٦٧ ـ هداية الانام الى وقائع الأيّام ، مختصر كتاب ( فيض العلاّم ) الذي تقدّم ذكره في مؤلّفاته.
٦٨ ـ ترجمة اعتقادات العلاّمة المجلسي. وقد طبع أخيراً في العدد الخامس من مجلة ( كيهان انديشة ) (91).
وذكره المؤلّف في كتابه الفوائد الرضوية أن له ( غير ذلك من الرسائل والمؤلّفات المختصرة ) (92).
وقال ولده في مقدّمة فيض العلاّم : ( ... وقد بقيت منه آثار مفيدة جداً ونفيسة وهي تصل الى ما يقارب الاربعة والسبعين مجلد وأكثرها قد طبعت ) (93).

ملامح شخصيته :
جوانب القدوة كثيرة في شخصية القمّي وقد استشهد لها بقصص وقضايا متعددة ، ولا يضرها انّها أحاديث وقائع جزئية ، فالحدث الجزئي تكمن وراءه الدوافع الحقيقة المحركة له والتي تعبر عن الملكة الجمالية المنعكسة بالصورة الجميلة لتلك الحركة أو ذلك الموقف.
ولابدّ من التأكيد انّ التاريخ لم ينصف العظماء في أغلب الأحيان ، ولعل عدم وجود متابعة لحركاتهم ومواقفهم تتبعنا يعد أحد الأسباب التي ساهمت في ذلك الاجحاف ، ولذلك فانّنا ومهما تتبعنا في معرفة جوانب العظمة في اولئك فسوف لا نحصل إلاّ على النزر القليل منها. وهذا ما حصل مع الشيخ القمّي كما حصل مع غيره من اولئك الاجلاء.
ولانّنا نريد أن نعرف القدوة وجوانب العظمة في حياة القمّي فانّنا سوف نتابع ما انتبه إليه الآخرون وذكره المؤرخون في كتبهم ، ونقرّ بانّه فات أولئك وفاتنا الشيء الكثير من تلك الصور الجمالية في حياته (94).

نكران الذات :
ومن تلك القضايا نقل ولده عن المرحوم سلطان الواعظين الشيرازي ـ مؤلف كتاب ( شبهاي بيشاور ) ـ انّه قال : في بداية انتشار كتاب مفاتيح الجنان ، كنت في سرداب الغيبة في سامراء وكان بيدي الكتاب ازور به فرأيت شيخاً جالساً مشتغلاً بالذكر وكان يلبس قباءاً من الكرباس وعلى رأسه عمامة صغيرة ، فسالني الشيخ : لمن هذا الكتاب؟
فاجبته : للمحدّث القمّي سماحة الشيخ عباس ، ثمّ أخذت بمدحه.
فقال الشيخ : انّه لا يستحق ذلك ، فلا تتعب نفسك بمدحه.
فقلت : قم يا شيخ واخرج من هنا ، ولا تتكلم بعد ذلك بمثل هذا الكلام.
وكان بجنبه أحد الأشخاص فغمزني بيده في خاصرتي وقال : تأدب ، فانّ هذا هو نفسه الشيخ القمّي.
فقمت من مكاني وقبلته من وجهه واعتذرت منه واصررت أن اقبل يده ، ولكنه امتنع وأخذ يدي بقوة وقبّلها وقال : أنت سيّد (95).
وعندما كان مقيماً في المهشد الرضوي فانّه كان يرتقي المنبر في شهر رمضان المبارك في مسجد كوهر شاد ، فجاء الشيخ عباس التربتي وهو من العلماء الأبرار والروحانيين الاتقياء من مدينته التي كان مقيماً فيها وهي ( تربة حيدرية ) الى المشهد الرضوي ليستفيد في شهر رمضان المبارك من مواعظ الشيخ عباس القمّي التي يلقيها من على منبره ذلك ، وكانت تربطه بالشيخ القمّي علاقة صداقة قديمة ، فصادف في أحد الأيّام ان وقع نظر الشيخ القمّي وهو على المنبر فرأى الشيخ عباس التربتي جالساً في زاوية من المجلس الذي كان مكتظاً بالناس وهو يستمع إليه فقال عند ذلك : أيها الناس لقد شرف مجلسنا الحاجّ الاستاذ فاستفيدوا منه ، ومع اكتظاظ الناس ليستمعوا إليه فانّه نزل من المنبر وطلب من الاخوند الشيخ عباس التربتي أن يرتقي المنبر في ذلك المجلس الضخم الى آخر شهر رمضان المبارك وبعد ذلك لم يصعد الشيخ القمّي المنبر في ذلك الشهر الشريف (96).

عبادته :
كان متعلقاً بصلاة الليل والتهجد وتلاوة القرآن وقراءة الأدعية والأوراد والأذكار المأثورة عن الائمة المعصومين عليهم‌السلام ، فكان ملتزماً ببرنامجه العبادي طول السنة حيث يقوم من النوم بساعة قبل طلوع الفجر فيبدأ بالعبادة والصلاة ، وكان مواظباً على قيام الليل والتهجد استمرّ عليه الى آخر عمره وكان يعتقد أن أفضل عمل مستحبّ هو قيام الليل والتهجد.
ونقل عنه ابنه الكبير انّه قال : انّي اتذكر بانّه لم يفته القيام في آخر الليل حتّى في أسفاره (97).
وقال أحد أبنائه : انّه وفي احدى ليالي الجمعة في النجف الأشرف وبعد صلاة الليل أخذ بقراءة سورة ( يس ) فعندما وصل الى قوله تعالى : ( هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) كررها مراراً وتغيرت أحواله وهو يقول مكرراً ( اعوذ بالله من النار ) بحيث لم يمكنه أن يتمّ قراءة بقية السورة ، وبقي على ذلك الحال الى أذان الصبح (98).
وقد وصف بانّه كان في الحقيقة يعتقد ويعمل بكل ما كتبه في كتابه مفاتيح الجنان من الأوراد والأذكار والأدعية والزيارات والأعمال وغيرها.

مراقبته لنفسه :
كان شديد المراقبة لحركاته وسكناته ويجهد أن لا يعمل عملاً إلاّ طبق رواية أو حديث شريف ورد عن المصومين عليهم‌السلام.
وكان يراقب نيته التي لا يطّلع عليها أحد إلاّ الله عزّوجلّ ويحاول جاهداً أن يكون اخلاصه للحقّ تعالى في أعلى مراتب الاخلاص والانقطاع عن أحد غيره.
* وقد نقلت حادثة غريبة تصور حالة مراقبته لنفسه ونيته بشكل دقيق فقد طلب منه جماعة من المؤمنين في مشهد المقدّسة أن يصلي بهم صلاة الجماعة في مسجد كوهر شاد ، فبعد الالحاح لبى الطلب وابتدأ امامه الجماعة في احدى أواوين المسجد المتروكة ، ثمّ أخذت الجماعة بالازدياد شيئاً فشيئاً ، ولم تمض عشرة أيّام من اقامته الجماعة الى أن كان في يوم من الأيّام وبعد أن اتمّ صلاة الظهر طلب من أحد الحاضرين أن يصلي صلاة العصر ، ثمّ ذهب ولم يعد الى امامة صلاة الجماعة وعندما سئل عن السبب في انقطاعه قال : في الحقيقة انّي كنت في ركوع الركعة الرابعة فسمعت صوت أحد المصلين خلفي ينادي (يا الله يا الله ، أن الله مع الصابرين) وكان يجيء ذلك الصوت من مكان بعيد فجاء في ذهني كبر الجماعة وضخامتها فصار في نفسي نوع ارتياح غير ارادي ، وعليه فقد علمت بأنّي لست أهلاً لصلاة الجماعة .. (99).
* ونقل أيضاً : طلب بعض الخيّرين في أحد السنين من الشيخ القمّي أن يتحمل مصرف مجلس وعظ الشيخ وتعهد أن يدفع له مبلغاً مقداره (٥٠) ديناراً عراقياً وكان مصرف الشيخ آنذاك ثلاثة دنانير للشهر الواحد.
فقال الشيخ القمّي : انّي ارتقي المنبر لأجل الامام الحسين عليه‌السلام وليس لشيء آخر.
ولذلك فانّه لم يقبل منه شيئاً .. (100).
* ونقل عنه ابنه انه قال له مرّة عندما الفت وطبعت منازل الأخرة في قم فقد وقع الكتاب بيد الشيخ عبد الرزاق مسألة كو وكان كل يوم يشرح مسألة من المسائل الشرعية قبل صلاة الظهر في الحرم المطهر للسيّدة المعصومة سلام الله عليها.
وكان والدي المرحوم الكربلائي (101) محمّد رضا من المتأثّرين به ، وكان الشيخ بعد الرزاق يأخذ كتاب منازل الآخرة في النهار ويقرأ فيه لمستمعيه.
وفي أحد الأيّام جاء والدي الى البيت وقال : يا شيخ عباس ليتك تصير مثل الشيخ (مسألة گو) ويمكنك أن ترتقي المنبر وتقرأ في هذا الكتاب الذي قرأ لنا منه.
فأردت ولعدّة مرّات أن أقول له ان هذا الكتاب من مؤلفاتي ، ولكني امتنعت كل مرّة ولم اتكلم بشيء ، إلاّ انّي قلت له : ادعو الله تعالى أن يوفقني (102).

تقديسه لكتب الأخبار :
ذكر طيّب الله رمسه في كتابه الفوائد الرضوية عندما تحدث عن أحوال السيّد نعمة الله الجزائري قال : ( انّه لكثرة مطالعته وكتابته أصاب عينه ضعف واستشفى بتربة قبر سيد الشهداء عليه‌السلام وتراب مراقد أئمة العراق عليهم‌السلام ، وكان يكتحل بذلك التراب فعوفي ببركة ذلك التراب الطيب : .. ) ودفعاً للاستغراب ذكر قضية الحية واستشفائها ببعض النباتات البرية ، فلا عجب أن يجعل الله تعالى الشفاء من جميع الأمراض في تربة ابن نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ نقل تجربته ، فقال ما تعريبه : ( واذا أصاب عيني ضعف نتيجة كثرة الكتابة فانّي أتبرك بتراب مراقد الأئمة عليهم‌السلام وأحياناً أتبرك بمس كتابة الأحاديث والأخبار ولذلك فعيني سليمة بذلك ولله الحمد ورجائي أن تكون عيني سليمة في الدنيا والآخرة ببركاتهم ان شاء الله تعالى (103).

ونقل عن ولده الشيخ محدث زاده انه قال :
( لا انسى عندما كنا في النجف الأشرف انه استيقظ من نومه صباح أحد الأيّام ـ في حدود سنة ١٣٥٧ هـ يعني بسنتين قبل وفاته ـ وقال : إن عيني تؤلمني في هذا اليوم كثيراً ، ولا أقدر على المطالعة والكتابة.
وكان متألماً جداً ولسان حاله يقول : لعلّ أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد طردوني من بابهم. وكان من عادته أن يقول ذلك أحياناً بتأثر ويبكي ).

وأضاف الشيخ محدث زاده :
( وكنت في ذلك الوقت مشغولاً بالدراسة ، فذهبت الى المدرسة وعندما رجعت في الظهر الى البيت رأيته مشغولاً بالكتابة ، فقلت له : هل تحسنت عينك؟
فقال : قد ذهب الوجع كله.
فسألته : وكيف عالجتها؟
فأجاب : توضأت وجلست قبال القبلة وأخذت كتاب الكافي وفتحته على عيني ، فزال الوجع من عيني؟
وبعد ذلك فانّ عينه لم تؤلمه الى آخر عمره ).
* وكان كتاب الكافي هذا الذي نشره على عينه مخطوطاً بخط الفقيه المشهور الملاّ عبدالله التوني صاحب كتاب ( الوافية ) وكان المحدّث القمّي معتزاً به كثيراً.
* وعندما كان مقيماً في المشهد الرضوي مرض ولده الصغير فأحصر له دواءاً شعبياً وضع فيه قليلاً من السكر وجيء به ليشربه وحينئذٍ وضع المحدّث القمّي اصبعاً من يده اليمنى في ذلك الشراب وحركة في داخل الاناء. فقالت له زوجته : انتظر حتّى اتيك بملعقة.
فأجابها الشيخ : كان قصدي من ذلك الاستشفاء ، لأنّي بهذه اليد كتبت آلافاً من أحاديث الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام (١04).
ونقل عنه : انّه كان لا يأخذ كتب الحديث ولا يمسها إلاّ على طهارة ووضوء ، وإذا أراد أن يقرأ في كتب الأحاديث فانّه يجلس على ركبتيه متأدباً ويتوجّه الى القبلة ثمّ يبدأ بالمطالعة.

احتياطه بالرواية :
كان غالباً يأخذ الكتاب معه عندما يرتقي المنبر ليقرأ منه على المستمعين الحديث الذي يريد أن ينقله لهم ، أو يقرأ التعزية (١05).
وقد نقل عن بعض علماء طهران انّه قال : حضرت تحت منبر الشيخ عباس في بعض أيّام شهر رمضان بمشهد فقال ذات يوم خلال حديثه : انّي رأيت في المنام كأني آتي بالمفطر في شهر رمضان وفسرته بانّي قد اشتبه في نقل الحديث فازيد وانقص غفلة ، ولذلك اصطحبت الكتاب معي في هذا اليوم لاقرأ فيه (106).
فمع اطلاعه الواسع ومعرفته بتاريخ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة المعصومين عليهم‌السلام لكنه ولشدة احتايطه يقرأ الأحاديث والتعزية في الكتاب.

احترامه لأسماء المعصومين عليهم‌السلام :
وقيل انّه كان لا يذكر اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد المعصومين عليهم‌السلام إلاّ وهو على طهر ووضوء ويعتبر أن ذكر اسمائهم بغير طهارة ووضوء من سوء الأدب ، ويعتبر الاكتفاء بوضع علامة (ص) بعد اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو (ع) بعد اسم أحد المعصومين عليهم‌السلام نوع حرمان من السعادة الالهية.
قال في منتهى الأمال عند ذكره أحوال الامام الصادق عليه‌السلام ، فنقل عن الشيخ الصدوق عن مالك بن انس ـ مؤسس المذهب المالكي أحد المذاهب الأربعة ـ في وصفه للامام الصادق عليه‌السلام انّه قال : ( فاذا قال ـ أي الامام الصادق عليه‌السلام ـ قال رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله اخضرّ مرّة واصفّر اُخرى حتّى ينكره من يعرفه ... ) وعقب الشيخ القمّي على الخبر بما تعريبه : (تأمّل جيداً في حال الامام الصادق عليه‌السلام وتعظيمه واجلاله لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف يتغير حاله عند نقله الحديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله وذكره اسمه الشريف صلى‌الله‌عليه‌وآله مع انّه ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقطعة من بدنه : فتعلم ذلك واذكر اسم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بغاية التجليل والاحترام وصلّي عليه بعد ذكر اسمه المبارك ، وإذا كتبت اسمه الشريف في مكان فاكتب الصلوات بشكلها الحروفي ولا تكتفي بالرمز والاشارة فتكون كبعض المحرومين من الرحمة الذين يكتفون برمز (ص) أو ( صلعم ) ونحو ذلك. بل لا تذكر اسمه المبارك صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا تكتبه اذا لم تكن على وضوء وطهارة ، ومع ذلك كله طلب العذر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنك قصرت باداء حقّه صلى‌الله‌عليه‌وآله (107).

حبّه لأهل البيت عليهم‌السلام :
والحب لهم صلوات الله عليهم أجمعين علامة الايمان وطهارة المولد ، وكان القمّي كباقي الصالحين من عشاقهم : وممن يحيي أمرهم ، ويعتبر التوسل بهم الوسيلة التي تقربه الى الله عزّوجلّ وبهم تقضى له حاجاته.
ونقل عن القمّي انّه كان كثير البكاء في مجالس مصائبهم عليهم‌السلام وتجد ذلك واضحاً فيما ألّفه من الكتب النفيسة التي تعكس علاقته وتعلقه بهم عليهم‌السلام.

احترامه للذرية الطاهرة :
كان يعظم السادة من ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحترمهم أشد الاحترام ، فقد نقل عنه انّه كان يتأدب أمام أي سيّد من السادة ويقدّمه على نفسه حتّى لو كان طفلاً بحيث لم ير المحدّث القمّي يوماً قد بسط رجليه أمام سيّد سواءاً كان جالساً في غرفة أو بيت أو ساحة (108).
والقصة المتقدّمة عن سلطان الواعظين الشيرازي تؤيد هذه الحقيقة (109).
* وذكر أيضاً : قبل وفاته بساعات جيء له بعصير تفاح ليشرب ، وكانت في منزله طفلة علوية من السادة ، فقال المحدّث : اعطوا العصير للطفلة العلوية لتشرب أولاً وبعد ذلك آتوني بالباقي.
وقد فعل من حوله ذلك فاعطوه للطفلة العلوية فشربت منه مقدراً ثمّ جاؤوا بالباقي فشربه المحدّث ، وقال انّي قصدت من وراء ذلك الاستشفاء (110).
وقد جاءت في الرويات الكثيرة عن أهل بيت العصمة والطهارة لزوم احترام الذرية الطاهرة ، منها :
روى الصدوق باسناده عن دعبل الخزاعي عن الامام الرضا عليه‌السلام عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذريتي من بعدي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في امورهم عند اضطرارهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه » (111).
وروى الطوسي بأماليه بإسناده عن الامام موسى بن جعفر عن أبائه عليهم‌السلام عن فاطمة عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ايّما رجل صنع الى رجل من ولدي صنيعة فلم يكافئه عليها فأنا المكافيء له عليها » (112).
وفي صحيفة الامام الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : « قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام من اصطنع صنيعة الى واحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها في الدنيا ، فأنا اجازيه غداً اذا لقيني يوم القيامة » (113).
وروى الشيخ المفيد في أماليه بإسناده عن محمّد بن الحنفية قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقر كبيرنا ، ويعرف حقّنا » (114).

خطابته ووعظه :
الوعظ والخطابة والارشاد من المهمات الكبيرة التي قام بها الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين ، ولكن لظروف لم تعرف اصولها ، تقلصت هذه المهمّات من مساحة التبليغ واعتبرت ضمن أعراف حوزوية معينة بانّها مهنة اُناس يحترفونها ، ولابدّ للاجلاّء من العلماء أن يتنزهوا عنها لانّها لا تليق وشأنهم ، وقد أخذت هذه الأفكار غير الصائبة تنزوي وتزول خصوصاً بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة حينما تصدى للخطابة والوعظ كبار العلماء والمجتهدين وعلى راسهم إمام الاُمّة ( قدس الله روحه الطاهرة ).
ونجد إيمان القمّي وتقواه وحبّه لهداية المؤمنين قد تصدى لهذه المهمّة الكبيرة من موقع الوظيفة الشرعية بدون أن يحترفها (115) ، وقد سار أثر خطى استاذه النوري رحمه‌الله.
وكانت لمواعظه أثرها الكبير في النفوس لأنه كان يتحدّث بما يعتقد به وبما عمل به قبل أن يتحدّث عنه (116).
وقد روى الطوسي في أماليه بالإسناد عن الامام الصادق عليه‌السلام انّه قال : ( من تعلّم لله عزّوجلّ وعمل لله وعلّم لله ، دعي في ملكوت السماوات عظيماً ، وقيل تعلم لله ، وعلم لله ) (117).
وروى البرقي بإسناده عن الامام الباقر عليه‌السلام قال : في ضمن رواية : « أشدّ الناس حسرة يوم القيامة الذين وصفوا العدل ثمّ خالفوه » (118).
وقد نقل عن بعض حضّار مجلسه انّه قال : لقد كان كلام الشيخ القمّي يجعل الانسان بعيداً وممتنعاً عن السيئات والأعمال والذنوب لمدة اسبوع على الأقل ويكون متوجّهاً الى الله تعالى والى العبادة (119).
* ونقل عن بعض علماء النجف : كانت طريقة الشيخ عباس عندما يرتقي المنبر ويبدأ حديثه ينقل في البداية الخبر ثمّ يذكر سند الحديث ورجال السند ثمّ يتحدّث عن حياتهم وحالهم في الوثاقة وغيره ، فإذا وصل به الحديث الى المعصوم عليه‌السلام فانّه يتغير ويتخيل السامع انّه يرى المعصوم عليه‌السلام رأي العين.
* ونقل عن أحد كبار علماء مشهد في وقته اغا بزرك الحكيم انّه كان يجب اثنين من العلماء أكثر من غيرهم أحدهما آية الله السيّد حسين القمّي والآخر الشيخ عباس القمّي وكان يقول : من يريد أن يستنير بكلام أهل البيت عليه‌السلام فليحضر منبر الشيخ عباس.
* ونقل عن أحد العلماء انّه كان للمرحوم ( بلور فروش ) القمّي مجلس عزاء سنوي في أيّام الفاطمية الاُولى في البيت الذي سكنه آية الله البروجردي ١٦ سنة ، وكان لا يدعو للخطابة غير الشيخ عباس القمّي ، وكان المجلس يعدّ أحسن مجلس في قم المقدّسة يحضره جميع الطبقات وبالخصوص العلماء ، وكان الناس ينتظرون أيّام الفاطمية ليحظو بمجلس الشيخ القمّي.
* وقد أدخل المؤسس آية الله الشيخ الحائري رحمه‌الله في ايران احياء مصائب سيّدة نساء العالمين عليه‌السلام في الفاطمية الثانية وكان يحضر للمنبر الشيخ عباس القمّي وكان المجلس يكتظ بالعلماء والفضلاء وطلبة العلوم الدينية وسائر الناس.
وكان المرحوم الهسته اي الاصفهاني يخطب أولاً فإذا اتمّ مجلسه ارتقى المنبر الشيخ القمّي بعده ولشدة تعلّق الناس بالشيخ القمّي دون أن يتفرقوا.
* وكان يرتقي المنبر في النجف الأشرف في ( مسجد الهندي ) المعروف صباح كل يوم من العشرة الأولى لمحرم ، وكان مجلسه يزدحم بالناس أكثر من جميع مجالس النجف مع انّه كان يتحدّث لمدة لا تقل عن ساعتين.
وكان في يوم العاشر لا يقرأ إلاّ المقتل ولا يتحدّث عن مصيبة سيّد الشهداء عليه‌السلام ومظلوميته. وكان يضج المجلس بالبكاء ويبكي العلماء والفضلاء بكاءاً شديداً.
* ووصف نجله الشيخ محدث زاده مجلسه ووعظه ما تعريبه ملخصاً : وكان الناس في أوقات فراغه ، وبالخصوص في أيّام اقامة العزاء يستفيدون منه بمواعظه الطيبة ، وخطبه النافعة. والحقّ فانّ لخطاباته آثاراً خاصّة وذات جذابية تكسب إليها كل القلوب (120) فقد كان واعظاً متّعظاً يرقى المنبر ، ويلقي على سامعيه الأحاديث المنقولة عن الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام مع تحفظ على ضبطها ودقة في قراءة ألفاظها.
ويعظ الناس ودموعه منهمرة تسيل على لحيته الكريمة ، وربما منعته من الاستمرار في حديثه ، وخاصّة عند ذكر مصائب المعصومين عليهم‌السلام ، وما ورد عليهم من الآلام والفجائع على أيدي اعدائهم وغاصبي حقوقهم ) (121).

تقواه و زهده و تواضعه :
قال زميله الطهراني : ( كنا نسكن غرفة واحدة في بعض مدارس النجف ونعيش سوية ، ونتعاون على قضاء لوازمنا وحاجاتنا الضرورية حتّى تهيئة الطعام وبقينا على ذلك بعد وفاة شيخنا ... وقد عرفته خلال ذلك جيداً ، فرأيته مثال الانسان الكامل ومصداق رجل العلم الفاضل.
وكان يتحلى بصفات تحببه الى عارفيه ، فهو حسن الأخلاق جمّ التواضع ، سليم الذات ، شريف النفس ، يضمّ الى غزارة الفضل تقىً شديداً ، والى الورع زهداً بالغاً ، وقد أنسب بصحبته مدة وامتزجت روحي بروحه زمناً .. ) (122).
وقال الشيخ حرز الدين رحمه‌الله في وصفه : ( ... عالم كامل ثقة عدل متتبع ، بحاثة عصره ، أمين ، مهذب ، زاهد ، عابد ، صاحب المؤلّفات المفيدة .. ) (123).
وقال نجله الشيخ محدث زاده : ( وكان باخلاقه وزهده وتقواه وطهارته وبدون مبالغة ـ مرشداً وداعياً للمجتمع ، بل يمكن أن يقال انّه كان نموذجاً للصالحين والعظماء في عصره .. ) (124).
* وقد تحدّث الكثير عن زهده فقالوا : انه كان يلبس ملابساً بسيطة فكانت ملابسه عبارة عن قباء كرباس نظيف جداً ومطيّب ، ومرّ عليه الشتاء والصيف عدة مرّات وهو لابس ذلك القباء الكرباسي ، فلم يكن ابداً يفكر في الملابس والكماليات.
* وكان فراش بيته من البسط العاديّة التي تمسى بـ ( گليم ).
* وكان لا يصرف على نفسه من (سهم الامام عليه‌السلام) ، وكان يقول انّي لا استحقه.
* وكان محتاطاً في طعامه أيضاً ، فمع انّه كان مبتلى بمرض الربو (ضيق التنفس) ، ولم يكن ينسجم مع صحّته أي طعام وانّما لابدّ وأن لا يكون فيه ضرر على صحّته ، ومع ذلك كله فانّه كان لا يهتم الى نوع الغذاء وكميته ، وكان يأكل أي طعام قدم له ، وبأي مقدار ممكن.
* وفي مرّة من المرّات عندما كان الشيخ في النجف الأشرف قدمت له امرأتان كانتا تسكنان في مدينة ( بمبي ) ومن أقرباء ( آقا كوچك ) من وجهاء النجف الأشرف ، والتمستا منه أن يتقبل منهما في كل شهر (٧٥) روبية ليدفعه مقداراً في معيشته. وكان مصرف عائلته شهرياً لا يتجاوز (٥٠) روبية.
ولكن الشيخ امتنع عن قبول هذا المبلغ ، فاصر الميرزا محسن محدّث زاده ـ ولده الصغير ـ أن يقبل ذلك المبلغ ، ولكنه لم يستجب الى أن يئست المرأتان وخرجتا ، فحينما ذهبتا قال الولد للوالد : انّني سوف لا اقترض من السوق شيئاً لمصرف البيت فيما بعد.
فقال الحاج الشيخ عباس : اسكت. فانّي لا ادري بماذا اجيب الله تعالى وصاحب الزمان ( سلام الله عليه ) يوم القيامة عن هذا المقدار الذي اصرفه فكيف تريدني أن أثقل حملي أكثر من هذا؟
* وكان أحد الأشخاص من تجار طهران يقدم له مبلغاً متواضعاً من المال الى آخر عمره ، وكان هو يقتصد جداً بمعيشته. وقد جاءه في أواخر عمره شخص من همدان الى النجف الأشرف والتقى به في بيته ، وفي أثناء الحديث سأله عن وضعه الداخلي ، فأجابه الشيخ بكل ما هو موجود : فحينما أراد ذلك الشخص أن يخرج قدّم له مبلغاً من المال ، ولكن المحدّث القمّي لم يتقبله ، ومع شدة اصراره فانّه لم يقبله منه.
فعندما ذهب سأله ابنه الكبير : يا أبتي ، لماذا لم تقبله؟
فأجاب : أن رقبتي رقيقة وبدني ضعيف ، فلا طاقة لي يوم القيامة على الجواب ، ثمّ نقل لهم قصدة أمير المؤمين عليه‌السلام في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان وبكى ثمّ أخذ بوعظ أهل بيته.

تواضعه :
فكان كثير التواضع للآخرين كباراً وصغاراً في البيت أو في المدرسة ، وكان يظهر الاحترام والأدب لكلّ من يلاقيه في الطريق سواء كان من العلماء أو من غيرهم خصوصاً إذا كان من حملة الحديث وأخبار أهل البيت عليهم‌السلام ، وكان يعدّ نفسه صغيراً أمامهم. وكان إذا دخل مجلساً لا يجلس في صدر المجلس أبداً ، ولا يقدّم نفسه على الآخرين. وكان يحذر جداً من الزهو والاعتداد بالنفس ، أو ياخذه الغرور.

حلاوة معشره :
ولا يتوقع من القضايا السابقة التي نقلت عنه رحمه‌الله انّه كان فظّاً مع الآخرين ضعيف العاطفة ، بل بالعكس فانّ أولئك الذين صاحبوه ونقلوا عنه تلك القضايا الجميلة لم ينسوا ذكر فضيلته الاُخرى بعلاقته مع الآخرين فقد وصفوه بانّه كان حلو اللسان طيب الحديث ، لم يمنعه أنسه بالكتاب من أن يظهر المحبة للآخرين ، بل كان حتّى في سفره منشرح الوجه مبتسم الثغر مع رفقائه مع قليل من المزاح واللطافة. بل كان يهتم في سفره برفقاء طريقه ويتلطف معهم أكثر من المعتاد.
فكان أصحابه يحبونه كثيراً لحسن خلقه وسلوكه وتعامله اضافة الى تقواه وزهده وغير ذلك من الصفات الجميلة التي اجتمعت في شخصيته (١25).
قالوا فيه :
* قال السيّد الأمين : ( عالم فاضل صالح محدّث واعظ عابد زاهد ) (1٢6).
* وقال العلاّمة الطهراني : ( وقد عرفته خلال ذلك جيداً فرأيته مثال الانسان الكامل ، ومصداق رجل العلم الفاضل ، وكان يتحلى بصفات تحببه الى عارفيه فهو حسن الأخلاق ، جم التواضع ، سليم الذات ، شريف النفس ، يضمّ الى غزارة الفضل تقى شديداً ، والى الورع زهداً بالغاً ...
وكان دائم الاشتغال ، شديد الولع في الكتابة والتدوين والبحث والتنقيب لا يصرفه عن ذلك شيء ولا يحول بينه وبين رغبته فيه واتجاهه إليه حائل ... ) (127).
* وقال خير الدين الزرگلي : ( باحث إمامي ، من العلماء بالتراجم والتاريخ ، مولده ووفاته بالنجف عاش مدة طويلة في طهران ... ) (128). * وقال المدرس : ( من أفاضل علماء عصرنا الحاضر ، عالم فاضل كامل ، محدث ، متتبع ، ماهر ، وهو مقصود المؤلّف من (الفاضل المحدّث المعاصر) في هذا الكتاب ) (129).
* وقال الأميني : ( وهو من نوابغ الحديث والتأليف في القرن الحاضر ، وأياديه المشكورة على الامة لا تخفى ) (130).

دوره في محاربة مؤامرة رفض الدين :
سبق وأن أشرنا الى انّ العصر الذي عاش فيه الشيخ القمّي من أشدّ العصور الحرجة التي مرّت بها امتنا الاسلامية ، فقد اتّحد الشرق والغرب العلماني والمسيحي على قلع الجذور الدينية الاسلامية من بلاد المسلمين بعدها ظهر الضعف في الأنظمة التي حكمت البلاد الاسلامية وبالخصوص الدولة العثمانية والدولة القاجارية.
ولا يسع المقام في هذا المقال شرح كل خيوط المؤامرة الاستكبارية وسبب انحطاط المسلمين وانهيار قوتهم وظهور العجز الكبير في وجودهم السياسي وغيره.
ولكننا لابدّ وأن نثبت هنا حقيقة مهمّة وهي أن الاستعمار الشرقي والغربي استطاع أن يصرف الكثير من المسلمين عن الأسباب الحقيقية للانهيار ، وخداعهم بأنّ السبب الرئيسي هو نفس الدين يعتنقونه.
وقد مؤّهوا عليهم بأنّ أوربا لم تستطع أن تحصل على النهضة السياسية والاقتصادية والفكرية إلاّ بعد التخلص من هيمنة الكنيسة وعزل الدين عن السياسة ، وابعاد (رجال الدين) عن مقدرات الامة وتضييق دائرة حركتهم السياسية والاجتماعية. ولذلك فعلى الامّة الاسلامية اذا أرادت أن تتخلص من الانهيار الحضاري الذي اعتراها بالعصر الحاضر فعليها أن تخطو نفس الخطوات التي سلكتها الدول الصناعية الكبرى برفض الدين والتحجير على رجاله وتضييق دائرة حركتهم واطلاق الحريات للجميع يمارسونها كيفما يشاؤوا.
وبالواقع فانّ اولئك الذين خططوا للقضاء على الامة الاسلامية كانوا يعون ما يقولون ويتحركون ضمن خطط دقيقة مسبقة ، وكانوا يحسون أن نقطة الخطر أمام الاستعمار تكمن في شخصية الانسان المسلم ، وما لم يتمكن الغرب والشرق من مسخ شخصية الانسان المسلم وابدالها بشخصية غريبة عن تاريخ الامة وتقاليدها ، فانّهم لا يستطيعون أن ينفذوا شئياً من خيوط المؤامرة ، وخصوصاً فانّهم يريدون منها أن تكون قاضية وتستمرّ الى آخر الدنيا بدون امل لنهضة العالم الاسلامي مرّة اُخرى ، فانّهم يحسبونه المارد الذي حطم كبرياءهم في يوم سابق من أيّام التاريخ.
وكانت بداية التجربة في تركيا واستطاعوا أن ينجّحوا المؤامرة هناك لأسباب متعددة لسنا الآن بصدد بيانها.
والمحطة الثانية للمخطط كانت ايران ، وأمّلوا من قزمهم المدعوا بـ ( رضا بهلوي ) أن يقوم نيابة عنهم بتنفيذ المخطط التآمري.
وكان شديداً جداً بالتنفيذ وعنيفاً بما لا يتصور ، خصوصاً انّه قد عُلِّمَ بأنّ العائق أمام نجاح أعماله يتمثل بقوتين أولاهما النظرية والاُخرى التطبيق ، فأما التطبيق فقوة العلماء الشيعة والحوزات العلمية ، فعليه اذا أراد أن ينتصر بمعركته ، فعليه أن يكسر عدة أبراج مهمّة في واقع الامة ، أولها الموقع القيادي للعلماء وهيبتهم في نفوس الامة وطاعة الناس لهم ، وقد قسموا هذا الوجود الى قسمين : أولهما بما يتعلق بهيئة العلماء فانّه نفذ المؤامرة في خلال الاعتداء شخصياً على العلماء بمحاربة الحوزات العلمية ومنع لبس الزي العلمائي ومنع النشاط العلمائي كإقامة مجالس العزاء والوعظ والارشاد الديني ، اضافة الى عدم احترامهم والتجاسر على المجتهدين وقتل بعضهم ونفي البعض الآخر وما الى ذلك من الأعمال الاجرامية.
وأما القسم الثاني فيتم بابعاد الناس عن الدين والتدين وقد نفذ المؤامرة بعدّة أنشطة اجرامية أحدها منع الحجاب والسفور الالزمي ، والمدارس المختلطة ، ونشر أماكن الدعارة والخمور والتشجيع على الفحشاء ، ونشر مؤضة اللادينية بكل ابعادها ، وهو المخطط الثاني المتعلق بالخطة النظرية للقضاء على الدين.
وأهم اسلوب انحرافي استخدمه الاستعمار من خلال عملائه المرتطبين بالشرق والغرب (131) اعتبار الدين لا ينسجم مع تطورات العصر ورقيّه وانّما كان له قوة الحركة والتحريك في العصور الماضية ، ولذلك فانّه ضعف في نفوس معتنقيه ولم يقدر يقاوم لأجل البقاء كلما تطورت المجتمعات وظهرت الثورات الصناعية والزراعية وغيرهما.
وقد سعى اولئك جاهدين أن يدخلوا بعض المفاهيم التي انتشرت في أوربا تحت عنوان ( الحريات ) و ( الثورة الفرنسية ) وقوانين السياسة والقوانين المدنية والفكر الماركسي وما الى ذلك.
وابتغوا من ذلك ملء الفراغ الذي سوف يولده انسحاب الفكر الديني من نفوس اتباعه المسلمين.
وفي البداية سعوا لابدال الدين بالدين ، أي المسيحية بالاسلام ، فلم يتمكنوا لأسباب موضوعية تعود الى عمق الارتباط الديني والاسلامي أولاً ، والى نشوء تناقض بين ما يطرحون من فكر ( تقدمي ) وبين الدين ( الذي يمثل العائق للتطور كما يزعمون ).
وبذلك رجعوا الى طرحهم السابق برفض الدين وابعاده عن الدولة والمجتمع والانسان.
وحملت تلك الهجمة عناوين ( التحديث ) والتقدم والتحرر والوطنية والمفاهيم الاُخرى المستوردة.
١ ـ ومع أن تلك المفاهيم نشأت تحت ظروف خاصّة عاشتها اُوربا في عصورها الوسطى وما بعدها.
٢ ـ وأن المفاهيم التي تتولد نتيجة ظروف وملابسات معينة لا يمكن نقلها الى أماكن اُخرى لم تظهر فيها مثل تلك الظروف.
٣ ـ فانّهم أرادوا بالحيلة مرّة وبقوة السلاح والنار مرّة اُخرى أن يرغموا الامة الاسلامية على قبول هذا الاستيراد الغريب بكل معنى الكلمة.
وكانت المعركة بأشدها في البداية ، وهو أمر طبيعي ، ولذلك عانى اولئك الذين عاشوا بداية المعركة أشد المصائب والمحن ، ولاقوا الامرّين ، وكان جهادهم يعادل جهاد جميع الذين جاؤوا من بعدهم. وكان من اولئك الشيخ القمّي رحمه‌الله.
أما كيف عالجوا مشكلة التحديث التي اطلقت على ذلك المخطط الجهنمي وبشكل مختصر مجتنبين التفصيل محيلينه الى محل آخر. وهناك عدّة أساليب حاولت أن تقاوم المؤامرة وقد فشلت بعضها ولم تستطع المقاومة بينما حظيت أساليب اُخرى بالنجاح.
ولا نقصد بذلك القواعد الشعبية والجمهور والتاريخ الذي صنعه المؤمنون الأبطال في مقاومة الكفر بثوبه الجديد.
وانّما نقصد الفكر الذي قاوم ( الموضة اللادينية ) والفكر العلماني والاتهامات الاستعمارية للاسلام ، والهالة الكاذبة التي اعطيت للفكر المستورد.
١ ـ فهناك من تأثّر بالطروحات الجديدة ، ولكنه حاول أن يغير شيئاً بالشعارات واللافتات ، فعزل الدي عن السياسة ، واعطى السياسة وحق العمل السياسي لأولئك الذين ابتعدوا عن الدين ورجاله.
٢ ـ وهناك من ناقش في التراث الديني ودعى الى تطويره بما يتلائم مع متطلبات العصر.
٣ ـ والأخطر من اولئك جميعاً دعاة التحديث الذين يحسبونهم على رجال الدين ومن هم على شاكلتهم والذين اطلقوا على انفهسم عناوين مختلفة مثل المتنورين وغيرهم فانّهم ادعوا بأنّ الأبحاث العقائدية والفقهية والأخلاقية مسائل أكل الدهر عليها وشرب وانّها انقضت ولابدّ من الاهتمام بالمسائل الاقتصادية والسياسية العصرية.
وقد وجد اتجاه معاكس وكأنما نشأ من ردود الفعل فانّه رفض التحديث بشكل كلي واصرّ على القديم تحت شعار ( عليك بالقديم لا بالمحدثات ) ، وقد رام هؤلاء أن يدافعوا عن اصولهم الدينية ولكنهم اخطأوا المرمى ، بل بالعكس فانّهم وقفوا حجر عثرة في بعض الحالات امام المجاهدين.
كما اخطأ اولئك بفكرة التحديث فانّ الدين نزل من الحقّ تعالى وانّ حلال محمّد حلال الى يوم القيامة وحرام محمّد حرام الى يوم القيامة. وانّ الفكر الديني هو الوحيد الذي يملك القدرة على رقي الانسان وبناء الحضارات السليمة والانسان الصالح.
كما أن القوانين الدينية الثابتة غير قابلة للمساومة والتبديل ، نعم انّ الأساليب في التبليع والارشاد وطريقة الطرح في بعض المسائل المرتبطة بالعرض امور موكولة الى أهل الدين عليهم أن يستفيدوا من الطرق التي تلائم كل مجتمع وكل انسان وتدخل تحت عنوان ( ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ).
وليس معنى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ، يقولوا ما يشاؤوا وما تبدعه اذهانهم من آراء ونسبتها الى الدين والاسلام.
فانّ هذا انحراف خطير ، فانّ الانسان ـ وأي انسان ـ لا يمكنه أن ينسب شيئاً الى الدين إلاّ اذا كان أهلاً لفهم الاصول الدينية ومصادر العقيدة والتشريع ، يعني واصلاً الى قدرة الاستنباط للمسألة الشرعية سواء كانت كلية أو فرعية.
وانّ ذلك الانحراف هو الذي أوقع اصحابه في دعوى عدم وجود حاجة الى الفقه والأبحاث الأخلاقية والأبحاث الدينية الاُخرى. بل على العكس انّ الانسان في العصر المادي والمعركة المادية أحوج ما يكون الى المدد الروحي والى الروحانية الدينية ليقاوم بها الفكر المادي بكل اشكاله وحتّى ذلك الفكر المادي الذي حسب نفسه على الدين ، اعوذ بالله تعالى.
ومن هذه النتيجة نعرف سرّ نجاح الشيخ القمّي بحركته الأخلاقية فية عصرعنفوان المعركة ضد الدين والروحانية. فانّه تمكن من عرض الدين بجانبه الروحاني باسلوب ليّن محبب الى الجمهور لأنه كان يحس بالمعركة ويعرفها ويواجهها بقوة ولكن بطريقته الخاصّة وكان يعرف انّ العدو عندما يريد أن يقضي على روحانية الدولة والمجتمع والانسان المسلم فلابدّ من التأكيد على عودة الروحانية الى الدولة والمجتمع والانسان المسلم.
والحق فانّ حركة الشيخ القمّي لا يمكن لأحد أن يفصلها عن حركة آية الله السيّد حسين القمّي ، كما انّها لا يمكنها أن تفصل عن حركة آية الله الحائري كما أن جميع هذه الحركات متمّمة لحركة آية الله السيّد حسن المدرس ... وهكذا جميع اولئك الذين تصدوا للعدوان.
وجميع أوجه النشاط الديني الذي قام به سلفنا الصالح يعبر عن حقيقة واحدة هي المقاومة للعدوان المادي الذي أراد أن يقلع الدين من الدولة والمجتمع والانسان.

القدوة في حياة القمّي :
لا اظنني احتاج الى تفصيل القدورة في حياة شيخنا القمّي وانّما يمكن أن نرجع الى كل تلك العناوين المتقدّمة فانّها تصلح أن تكون محفزاً للآخرين للاقتداء بالرجل الصالح في مختلف المواقف.
وانّي على يقين أن أيّ قارىء لتلك القضايا التي نقلت عن المحدّث القمّي سوف يجد فيها شاهداً روحانياً في طريق تكامله الانساني ؛ وإن كان القلم ـ وللأسف الشديد ـ لم يستطع أن يحفظها بجمالها المعنوي في اطار الجمال اللفظي فانّي أقرّ بأنّ القصور الأدبي في التعبير قد اخفى كثيراً من صور الجمال لتلك الوقائع ولكن عن غير قصد ، فالقاصر معذور على كل حال.

وفاته ومدفنه :
لقد سبق وانّ بيّنا بأنّ الشيخ القمّي رحمه‌الله كان قد ابتلى بمرض الربو ( ضيق النفس ) ويشتد عليه بصيف كل سنة ، ولذلك فهو يسافر الى الأماكن التي تخف فيها الحرارة كمشهد المقدّسة ، ولكنه وبسبب الأوضاع الصعبة فانّه لم يعزم على السفر الى مشهد المقدّسة ، وكان قد اعتاد بعد رحلته الأخيرة الى النجف الأشرف أن يقضي الصيف في سورية ولبنان ، ولكنه بسبب الخلاف السياسي بين العراق وسورية آنذاك لم يستطع السفر الى سورية وبقي في النجف الأشرف يصارع مرضه الذي لم يكتف بثقله الجاثم على الشيخ المريض وانّما استعان عليه بمرض آخر فابتلي الشيخ بمرض الاستسقاء ولمدة ثلاثة أشهر. وقد أخذ منه كثيراً من قوته البدنية بحيث لم يستطع الصلاة من قيام وانّما كان يؤديها من جلوس حتّى توفي في النجف الأشرف بعد النصف من ليلة الثلاثاء ، الثالث والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من سنة ١٣٥٩ هـ وقد عم البلاد الحزن والألم والتفجع على هذه الخسارة الكبرى بموت هذا العالم الجليل ، ففي الخبر « اذا مات العالم ثلم في الاسلام ثلمة ».
وحمل على الأكتاف الى الصحن العلوي الشريف وقد صلى عليه المرحوم آية الله العظمى السيّد أبو الحسن الاصفهاني ودفن عند رجلي الشيخ النوري في الايوان الثالث على يمين الداخل من الباب القبلي الى الصحن الغروي (132) وكان ذلك بوصية منه على ما قيل.
*********************
(١) الفوائد الرضوية للقمّي : ص ٢٢٠.
(٢) حاج شيخ عباس قمّي مرد تقوى وفضليت (فارسي) للشيخ علي الدواني : ص ٣٥.
(3) محدث قمّي حديث اخلاص تأليف عبدالله زاده : ص ١٥.
(4) الفوائد الرضوية للقمي : ص ٢٢٠.
(5) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ٩٩٨.
(6) محدث قمّي حديث اخلاص : ص ٢٤ ـ ٢٥ باختصار.
(7) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ٩٩٨.
(8) هدية الرازي : ص ١٤٧ ـ ١٤٨.
(9) محدث قمّي : ص ٢٨.
(10) آثار الحجة للشيخ محمّد الرازي : ج ١ ، ص ٢٢٠.
(11) المصدر السابق : ١ ، ص ٢٢١ ـ ٢٢٢.
(12) تاريخ قم لناصر الشريعة : في الحاشية للشيخ علي الدواني : ص ٢٧٦.
(13) الكامل في التاريخ : ج ٦ ، ص ١٩٨ تحقيق علي شيري.
(14) لسان الميزان : ج ٥ ، ص ١٥٣ ، الرقم العام ٧٢٣٧ ، والرقم الخاص ٤٥٢.
(15) البداية والنهاية : ج ١٢ ، ص ١٠٤ ، في حوادث سنة ستين وأربعمائة.
(16) حياة الشيخ الطوسي / الطهراني : ص (ز) في مقدمة تفسير التبيان ، للشيخ الطوسي : ج ١.
(17) المصدر السابق.
(18) المصدر السابق : ص (و) ـ (ز).
(19) لقد كانت مهبط الشيعة وعاصمة العلم ، ومقرّ كبار العلماء ، كما كانت النجف تضم أكبر حورزة علمية اسلامية في العالم الاسلامي ، ولكنّ الكفّار سعوا الى تفتيت تلك العاصمة الطاهرة ، فضربوها بشتى الوسائل ، وكادوا ينجحوا اخيراً ويصلوا الى اُمنيتهم الشيطانية على يد المجرم صدام التكريتي عندما ضرب هذه العاصمة المقدسة بأقوى ضربات الكفار بما عمله من المصائب التي تقطع الاحشاء والقلوب مع آية الله العظمى المرحوم الامام السيد محسن الحكيم الى ان ذهب الى ربّه شاكياً ما لاقاه من محن وخطوب.
وباخراج المرجع الديني الأعلى للشيعة في العالم آية الله العظمى ، ومجدد المذهب الامام الخميني رحمه‌الله ، وتضييق الخناق عليه ، وشدّ الحصار على داره. وقتل المرجع الديني آية الله العظمى الامام الشهيد السيّد محمد باقر الصدر. وتهجير الآلاف من المجتهدين ، وكبار العلماء. والفضلاء والمؤلفين ، والمحققين ، والمحصلين ، والاساتذة ، والطلاب ، وقتل المئات منهم ، وحبس وتشريد مئات آخرين. نسأل الله تعالى بحق محمّد وآل محمّد أن يردّ كيده الى نحره ، ويعجل هلاكه ، ويعجل النصر للاسلام والمسلمين ، وأن يعيد عزّ وجلّ الى النجف الأشرف حياتها ونضارتها ، فترجع كما كانت دائماً حيّةً معطاءةً.
(20) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ٩٩. فقد قرأت قبل قليل أن بداية نشوء العلاقة بينهما كانت بعد هجرة القمّي الى النجف الأشرف سنة ١٣١٦ هـ ، وكانت وفاة استاذه النوري في سنة ١٣٢٠ هـ.
(21) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ٩٩٩.
(22 و 23) المصدر السابق.
(24) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ٩٩٩.
(25) المصدر السابق : وفي رسالة له باللغة الفارسية الى مؤلف كتاب آثار الحجّة : ج ٢ ، ص ١٣٤ ، قال ما تعريبه ملخصاً : وقد هاجرت الى قم (دار الايمان) وبقيت فيها الى سنة ١٣٢٩ ثمّ تشرفت بالحج مرّة ثانية ، ورجعت الى قم وبقيت هناك حوالي السنتين ثمّ هاجرت الى مولانا الامام المعصوم أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ومازلنا حتّى هذه السنة وهي سنة ١٣٤٦ في هذا المكان الشريف ....
(26) الفوائد الرضوية : ص ٢.
(27) راجع كتاب : ( حاج شيخ عباس قمّي مرد تقوى وفضليت ).
(28) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ٩٩٩.
(29) آثار الحجّة : ج ٢ ، ص ١٣٤.
(30) راجع محدث قمّي حديث اخلاص : ص ٣٨.
(3١) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ١١٥٩ ـ ١١٦٠.
(32) آثار الحجة : ج ٢ ، ص ١٣٤.
(٣3) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ١٠٠٠.
(34) سورة فصّلت : الآية ١٦.
(35) السيّد حسين ابن السيّد محمود القمّي ، ولد في قم المقدّسة في ١٢٨٢ هـ. ق ودرس فيها مقدّمات العلوم ثمّ هاجر الى العراق فحضر أبحاث كبار علمائه ومنهم السيّد المجدد الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي والمولى علي النهاوندي والشيخ محمّد كاظم الخراساني والسيّد محمّد كاظم اليزدي ، والشيخ محمّد تقي الشيرازي وحاز على درجة سامية من العلم وكان معروفاً بالصلاح والتقى والنسك والزهد وكثرة العبادة ، أما في الفقه والاصول فقد كان فاضلاً للغاية وخبيراً جداً له تسلط عليهما واستحضار وتضلع وبراعة ، وفي سنة ١٣٣١ هبط المشهد الرضوي عليه‌السلام فصار من أكبر مراجع التقليد في ايران ، وعندما أعلن المقبور المدعو رضا بهلوي الإسفار الالزامي ومنع الحجاب تحرك السيّد القمّي الى طهران للوقوف أمام أعماله القبيحة ، ولكنه اعتقل ونفاه الى العتبات المقدّسة في العراق فسكن كربلاء والتف العلماء حوله وصار مهوى قلوب الشيعة ومن كبار مراجع التقليد في البلد ولما توفي السيّد أبو الحسن في ١٣٦٥ هـ. ق رشح السيّد القمّي للزعامة العامّة إلاّ أن الأجل لم يمهله حيث كانت وفاته يوم الاربعاء ١٤ ربيع الأول ١٣٦٦ هـ. ق ونقل الى النجف الأشرف ودفن في الصحن وكان السيّد القمّي هو الذي زوج الشيخ عباس القمّي ـ المترجم ـ بابنة أخيه السيّد أحمد وطلب منه البقاء في مشهد المقدّسة فاتخذها في ذلك الوقت ـ وطناً دائمياً له.
(36) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ٩٩.
(37 و 38) المصدر السابق : ص ٩٩٩.
(39) ريحانة الادب : ج ٤ ، ص ٤٨٧.
(40) الفوائد الرضوية : ص ١٥٠.
(41) الفوائد الرضوية : ص ١٥٠ ـ ١٥١ بتصرف يسير.
(42) المصدر السابق : ص ١٥٢.
(43) نقباء البشر : ج ٢ ، ص ٥٤٤.
(44) خاتمة المستدرك / النوري : ج ٣ ، ص ٨٧٧ ، الطبعة الحجرية.
(45) حياة العلاّمة الشيخ حسين النوري / السيّد ياسين الموسوي : ص ٩ ، ط ١.
(46) نقباء البشر : ج ٢ ، ص ٥٤٥.
(47) نقباء البشر : ج ٢ ، ص ٦١٧. معارف الرجال : ج ٢ ، ص ٢٧٥.
(48) معارف الرجال : ج ١ ، ص ٢٧٣ ، ج ٢ ، ص ٥٢.
(49) حياة العلاّمة النوري : ص ٥٨ ، ط ١.
(50) نقباء البشر : ج ٢ ، ص ٥٥٥.
(51) مقدمة المستدرك : ج ١ ، ص (ز).
(52) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ٩٩٩.
(53) مقدمة كتاب (فيض العلام في عمل الشهور ووقائع الأيّام) للقمّي : ص ٨.
(54) مردان علم در ميدان عمل : ج ١ ، ص ٩٦.
(55) عن كتاب (پندهائي از رفتار علماي اسلام) : ص ١٧.
(56) القران : أصغر عملة مالية في ايران ، وكل عشرة قرانات تعادل توماناً واحداً.
(57) المسافة بين قم وطهران حوالي ١٤٥ كم.
(58) عن كتاب (شيخ عباس قمّي مرد تقوى وفضيلت) : ص ١٨.
(59) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ١٠٠٠.
(60) الرسالة مثبتة في كتاب آثار الحجة : ج ٢ ، ص ١٣٤.
(61) آثار الحجّة : ج ٢ ، ص ١٣٤.
(62) محدث قمّي حديث اخلاص : ص ٥٨.
(63) في رسالة (حياة العلاّمة حسين النوري) : ص ٨٧ ـ ٩٧ ، ط ١ سنة ١٤١٥ هـ. ق ـ قم المقدّسة.
(64) الفوائد الرضوية : ص ١٥١.
(65) راجع تفصيل الكلام في حياة العلاّمة النوري ـ المؤلّف : ص ٩٣ ـ ٩٧ ، ط ١.
(66) مقدمة تتمة المنتهى : ص ٤.
(67) ريحانه الأدب : ج ٤ ، ص ٤٨٧.
(68) معارف الرجال : ج ١ ، ص ٤٠١.
(69) الفوائد الرضوية : ص ٢٢٢.
(70) عدّ الشيخ الرازي في آثار الحجّة : ج ٢ ، ص ١٣٥ كتاب التحفة الطوسية مستقلاً عن كتاب النفخة القدسية.
(71) مقدمة بيت الأحزان : ص ١٣.
(72) الصفحة : ٢٢٢.
(73) الفوائد الرضوية : ص ٢٢٢.
(74) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ١٠٠١.
وقال العلاّمة القمّي في مقدمة كتابه سفينة البحار عند ذكر عزمه على تأليف هذا الكتاب المنيف : ( ... فلما استقر على ذلك عزمي وتمّ جزمي اعتزلت عن مجالس الأخلاء والأحباب واقبلت على تأليف هذا الكتاب ... الخ) ج ١ ، ص ٣ / س ٣ و ٤.
وقال الشيخ الرازي في : ج ٢ ، ص ١٣٥ : انّه الّفه خلال ٢٧ سنة.
(75) مقدمة بيت الأحزان : ص ١٥.
(76) مقدمة بيت الأحزان : ١٦.
(77) الفوائد الرضوية : ص ٢٢.
(78) المصدر السابق : ص ١٦.
(79) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ١٠٠١.
(80) الفوائد الرضوية : ص ٢٢١.
(81) الفوائد الرضوية ص ٢٢١.
(82) فيض العلاّم : ص ١٠.
(83 ـ 84 - 85) الفوائد الرضوية : ص ٢٢٢.
(86) معارف الرجال : ج ١ ، ص ٤٠١.
(87) وهو مختصر ( الشمائل المحمدية ) للحافظ أبي عيسى محمّد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة ٢٧٩. باللغة العربية وقد طبع أخيراً.
(88) هكذا عنونه المؤلّف في الفوائد الرضوية : ص ٢٢٢.
(89) الفوائد الرضوية : ص ٢٢١.
(90) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ١٠٠١.
(91) مقدمة منازل الآخرة لناشره بالفارسية الطبعة الاخيرة.
(92) صفحة ٢٢٢.
(93) صفحة ٨.
(94) لابدّ من التنبيه أن أكثر القضايا التي ترجمناها عن الكتب الفارسية قمنا باختصارها وبتصرف لا يخل بمعنى القصة عموماً لأسباب فنية.
(95) راجع كتاب (حاج شيخ عباس قمّي مرد تقوى وفضيلت) : ص ٦١ و ٦٢.
(96) راجع كتاب ( حاج شيخ عباس قمّي مرد تقوى وفضيلت ) : ص ٦١ و ٦٢.
(97) فضيلت هاي فراموش شده ( فارسي ) : ص ٨.
(98) راجع المصدر السابق.
(99) محدث قمّي : ص ٥٣.
(100) محدث قمّي : ص ٥٤.
(١01) الكربلائي : لقب مستخدم في ايران يطلق على من وفق لزيارة كربلاء المقدّسة. مقابل (مشهدي) لمن وفق لزيارة مشهد المقدسة.
(102) محدث قمّي : ص ٥٥ ـ ٥٦.
(103) الفوائد الرضوية : ص ٦٩٥.
(١04) راجع (شيخ عباس قمّي مرد تقوى وفضيلت) : ص ٥٦.
(١05) مردان علم در ميدان عمل : ص ٩٧.
(106) راجع (شيخ عباس قمّي مرد تقوى وفضيلت).
(107) منتهى الآمال : ج ٢ ، ص ١٣٨ ـ ١٣٩.
(108) محدث قمّي : ص ٤٣.
(109) تقدّمت القصّة في ص ٧٨.
(1١0) عن (حاج شيخ عباس قمّي مرد تقوى وفضيلت) ص ٦٤.
(111) عيون أخبار الرضا : ج ١ ، ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ، ونقله عنه في البحار : ج ٩٦ ، ص ٢٢٠ ، ح ١٠.
(112) الأمالي للطوسي : ج ١ ، ص ٣٦٥ ، وعنه في البحار ج ٩٦ ، ص ٢٢٥ ، ح ٢٣.
(113) الصحيفة المنسوبة للامام الرضا عليه‌السلام : ص ٢. عيون أخبار الرضا للصدوق : ج ١ ، ص ٢٥٩ ، ونقله في البحار : ج ٩٦ ، ص ٢٣١ ، ح ٢٣١.
(114) الأمالي للمفيد : ص ١٧ ـ ١٨ ، طبعة النجف. ونقله في البحار : ج ٩٦ ، ص ٢٣١.
(115) وكشاهد على ذلك القصة التي تقدمت في ص ٨٠.
(116) محدث قمّي : ص ٥٧.
(117) الأمالي للطوسي : ج ١ ، ص ١٧٠ ، المجلس ٦ ، ح ٣٢.
(118) المحاسن للبرقي : ص ١٢٠ ، (كتاب عقاب الأعمال) ، باب ٦٤ ، ح ١.
(119) مردان علم در ميدان عمل : ص ٩٧.
(120) مقدمة منتهى الآمال : ص ٥.
(121) مقدمة نفس المهموم للحسيني : ص ٦.
(122) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ٩٩٩.
(123) معارف الرجال : ج ١ ، ص ٤٠١.
(١24) تتمة المنتهى : ص ٥.
(١25) المصدر السابق.
(1٢6) أعيان الشيعة : ج ٧٠ ، ص ٤٢٥.
(127) نقباء البشر : ج ٣ ، ص ٩٩٩.
(128) الاعلام : ج ٣ ، ص ٢٦٥.
(129) ريحانة الأدب : ج ٤ ، ص ٤٨٧ ـ ٤٨٨.
(130) الغدير : ج ١ ، ص ١٥٧.
(١31) إن الفرق بين العميل الشرقي والغربي الدوافع التي تكمن وراء ارتباط العميل فانّ الدوافع التي تحرك العميل الغربي بالغرب انّما هي دوافع ماديّة أكثر منها فكرية ، ونقصد بالماديّة الاعم من الارتباط العضوي المادي ـ بأخذ الهبات والرواتب وغيرها ـ فتشمل الانسياب وراء الشهوات الجنسية والاباحية والتخلص من القيود الدينية وما الى ذلك.
بينما العميل الشرقي تبع أصحابه منخدعاً بما يسمى بالفكر العلمي المادي المبتنى على اسس مفاهيم الشيوعية الماركسية.
(132) مصفى المقال/ اغا بزرك الطهراني : ص ٢١٥. وفيات العلماء : ص ٢٣٢. نقباء البشر : ج ٣ ، ص ١٠٠٠. تاريخ قم لناصر الشريعة : ص ٢٧٤. معارف الرجال لحرز الدين : ج ١ ، ص ٤٠٢. ريحانة الأدب للمدرسي : ج ٤ ، ص ٤٨٨. وغيرها من المصادر.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page