• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المناظرة الثانية: مناظرة أمير المؤمنين (عليه السلام) مع رجل من أهل الشام في القضاء والقدر

قال الشيخ الصدوق - عليه الرحمة -: وأخبرني الشيخ أدام الله عزه مرسلا عن عمرو بن وهب اليماني قال: حدثني عمرو بن سعد عن محمد بن جابر عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال شيخ من أهل الشام حضر صفين مع أميرالمؤمنين (عليه السلام) بعد انصرافهم من صفين: أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام، أكان بقضاء من الله وقدر؟ قال: نعم يا أخا أهل الشام، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما وطئنا موطئا، ولا هبطنا واديا، ولا علونا تلعة، إلا بقضاء من الله وقدر. (1)
فقال الشامي: عند الله تعالى أحتسب عنائي إذا يا أميرالمؤمنين، وما أظن أن لي أجرا في سعيي إذا كان الله قضاه علي وقدره لي. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله قد أعظم لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون، وعلى مقامكم وأنتم مقيمون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين، ولا عليها مجبرين. فقال الشامي: فكيف يكون ذلك والقضاء والقدر ساقانا، وعنهما كان مسيرنا وانصرافنا؟! فقال له أميرالمؤمنين (عليه السلام): ويحك يا أخا أهل الشام! لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، والأمر من الله عز وجل والنهي منه، وما كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المسئ، ولا المسئ أولى بعقوبة المذنب من المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان وحزب الشيطان وخصماء الرحمن وشهداء الزور وقدرية (2) هذه الأمة ومجوسها (3) إن الله أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلف يسيرا، وأعطى على القليل كثيرا، ولم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا، ولم يكلف عسيرا، ولم يرسل الأنبياء لعبا، ولم ينزل الكتب على العباد عبثا *(وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار)*(4). قال الشامي: فما القضاء والقدر اللذان كان مسيرنا بهما وعنهما؟ قال: الأمر من الله تعالى في ذلك والحكم منه ثم تلا: *(وكان أمر الله قدرا مقدورا)*(5). فقام الشامي مسرورا فرحا لما سمع هذا المقال وقال: فرجت عني يا أمير المؤمنين، فرج الله عنك وأنشأ يقول: أنت الإمام الذي نرجو بطاعته * يوم النشور من الرحمن رضوانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا * جزاك ربك عنا فيه إحسانا نفى الشكوك مقال منك متضح * وزاد ذا العلم والإيمان إيقانا فلن أرى عاذرا في فعل فاحشة * ما كنت راكبها ظلما وعدوانا كلا ولا قائلا يوما لداهية * أرداه فيها لدينا غير شيطانا ولا أراد ولا شاء الفسوق لنا * قبل البيان لنا ظلما وعدوانا نفسي الفداء لخير الخلق كلهم * بعد النبي علي الخير مولانا أخي النبي ومولى المؤمنين معا * وأول الناس تصديقا وإيمانا وبعل بنت رسول الله سيدنا * أكرم به وبها سرا وإعلانا (6)
************************************
(1) قيل إن القضاء والقدر هو: الأمر من الله تعالى والحكم بمعنى أنه تعالى بين ذلك وكتبه وأعلم أنهم سيفعلون ذلك في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته، وقدر ذلك في سابق علمه وقد اشتهر في الحديث النبوي الشريف إن كل شيء بقضاء وقدر، وإنه يجب الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن أفعال العباد واقعة بقضاء الله وقدره، لا بمعنى أنه تعالى خلق أفعالهم وأوجدها - كي ينسب فعل العباد له - إذ لو كان بهذا المعنى لسقط اللوم عن العاصي وعقابه، ولم يستحق المطيع الثواب على عمله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فالأفعال الصادرة من العبد كلها واقعة بقدرته واختياره غير مجبور على فعله، بل له أن يفعل غير مضطر، وله أن لا يفعل غير مكره. وهذا ما جاء عن أئمة الهدى - صلوات الله وسلامه عليهم -، قال إمامنا الصادق (عليه السلام): لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين. وهذا ما ذهبت إليه الإمامية ومن حذا حذوهم. فأفعال العباد واقعة تحت قدرتهم واختيارهم، ولكن غير خارجة عن قدرة الله تعالى، إذ هو المفيض على الخلق، فليست أفعالهم واقعة تحت الجبر بتمكينه لهم، ولم يفوض لهم خلق الأفعال فتكون خارجة عن قدرته وسلطانه، بل له الحكم والأمر، وهو على كل شيء قدير. وهناك من ذهب إلى أن الفاعل لأفعال المخلوقين من المعاصي هو الله تعالى ومع ذلك يعاقبهم عليها وهو الفاعل للطاعة ومع ذلك يثيبهم عليها، وأنه لا فعل للعبد أصلا - وهم المجبرة - ولا فاعل سواه ولا شريك له في ذلك فنسبوا إلى الله الظلم بمقالتهم هذه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وقد فند أمير المؤمنين (عليه السلام) مقالتهم هذه وزعمهم الباطل قال (عليه السلام): (لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب) إذ كيف يجبرهم على الطاعة ثم يثيبهم على عمل لم يصدر منهم، وكيف يجبرهم على المعصية ثم يعاقبهم عليها إذ لا عقاب على عمل لم يفعله العبد (وسقط الوعد والوعيد) الوعد على الطاعة بالثواب، والوعيد على المعصية بالعقاب حيث إنه تعالى وعد المطيعين بالثواب الجزيل، وأوعد العاصين بالعقاب، ولا يكون ذلك إلا باختيارهم وإرادتهم، ولذا أمرهم تعالى ونهاهم وأرسل الرسل لهم وأنزل الكتب عليهم وكلفهم، ومع الجبر لا قدرة لهم فلا تكليف فيبطل كل ذلك ما داموا مجبورين على أفعالهم. وليس هناك أدل من الوجدان على قدرة العبد واختياره وإنه غير مجبور على فعله فله أن يفعل وله أن لا يفعل وهو الصواب، ولذا نجد القرآن الكريم ينسب الأفعال إلى أصحابها ويحملهم مسؤولية أفعالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر. فمن تلك الآيات الشريفة قوله تعالى: *(من يعمل مثقال ذرة)*، *(من يعمل سوءا يجز به)*، *(كل امرئ بما كسب رهين)*، *(جزاءا بما كانوا يعملون)* إلى غير ذلك من آيات الوعد والوعيد والذم والمدح. وقد سئل الإمام أبو الحسن الهادي - صلوات الله عليه - عن أفعال العباد، فقيل له: هل هي مخلوقة لله تعالى؟ فقال (عليه السلام) لو كان خالقا لها لما تبرأ منها وقد قال سبحانه: *(إن الله برئ من المشركين ورسوله)* التوبة / 3. راجع: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص 315، تصحيح الاعتقاد - من مصنفات الشيخ المفيد -: ج 5 ص 43، الباب الحادي عشر للعلامة الحلي: ص 59، حق اليقين في معرفة أصول الدين لشبر: ج 1 ص 60، عقائد الإمامية للمظفر: ص 267.
(2) القدرية قيل: هم جاحدوا القدر القائلون بنفي كون الخير والشر كله بتقدير الله ومشيئته، وسموا بذلك لمبالغتهم في نفيه. وقالت المعتزلة: القدرية هم القائلون بأن الخير والشر كله من الله وبتقديره ومشيئته لأن الشائع نسبة الشخص إلى ما يثبته، وقال أبو سعيد الحميري: وسميت القدرية: قدرية لكثرة ذكرهم القدر، وقولهم في كل ما يفعلونه قدره الله عليهم، والقدرية يسمون: العدلية، بهذا الاسم، والصحيح ما قلناه لأن من أكثر من ذكر شيء نسب إليه، مثل من أكثر من رواية النحو، نسب إليه، فقيل: نحوي، ومن أكثر من رواية اللغة نسب إليها، فقيل: لغوي، وكذلك من أكثر من ذكر القدر، وقال في كل فعل يفعله: قدره الله عليه، قيل: قدري، والقياس في ذلك مطرد. وأما في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) فقد يطلق القدري على الجبري والتفويضي، كما عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل زعم أن الله عز وجل أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله عز وجل في حكمه وهو كافر، ورجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم فهذا وهن الله في سلطانه فهو كافر، ورجل يقول: إن الله عز وجل كلف العباد ما يطيقون، ولم يكلفهم ما لا يطيقون، فإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ. راجع: معجم الفرق الإسلامية للأمين: ص 190، الحور العين أبو سعيد الحميري: ص 204، بحار الأنوار: ج 5 ص 9 ح 14، سفينة البحار: ج 2 ص 409.

(3) جاء في كنز العمال ج 1 ص 121، ح 2677: إن لكل أمة مجوس ومجوس أمتي هذه القدرية الخ، وجاء في سفينة البحار ج 2 ص 409، وقد ورد في صحاح الأحاديث: لعن الله القدرية على لسان سبعين نبيا.
(4) سورة ص: الآية 27.
(5) سورة الأحزاب: الآية 38.
(6) الفصول المختارة للشيخ المفيد: ص 42 - 43، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للصدوق: ج 2 ص 127 - 128 ح 38، كنز الفوائد للكراجكي: ج 1 ص 363 - 364، الإحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 208 - 209، ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق: ج 3 ص 284 - 285 ح 1306، نهج البلاغة لأمير المؤمنين (عليه السلام) تحقيق صبحي الصالح: ص 481 من كلام له رقم: 78، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18 ص 227 - 228، بتفاوت.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page