• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الأول: في أجواء القتال

محاولة قرشية فاشلة:

وبعد مضي مدة على وجود النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» والمسلمين في المدينة، كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أبي بن سلول، ومن كان يعبد الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» يومئذٍ بالمدينة ـ قبل وقعة بدر ـ يقولون:
«إنكم آويتم صاحبنا، وإنكم أكثر أهل المدينة عدداً، وإنا نقسم بالله، لتقتلنه، أو لتخرجنه، أو لنستعن([1]) عليكم العرب، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم».
فلما بلغ ذلك ابن أبي ومن معه من عبدة الأوثان تراسلوا ؛ فاجتمعوا، وأجمعوا لقتال النبي «صلى الله عليه وآله».
فلما بلغ ذلك النبي «صلى الله عليه وآله» وأصحابه لقيهم في جماعة، فقال:
«لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت لتكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم. فأنتم هؤلاء تريدون أن تقتلوا أبناءكم وإخوانكم».
فلما سمعوا ذلك من النبي «صلى الله عليه وآله» تفرقوا؛ فبلغ ذلك كفار قريش، وكانت وقعة بدر([2]).

الإنتداب إلى بدر:

وفي السنة الثانية، في السابع عشر من شهر رمضان المبارك كانت حرب بدر العظمى بين المسلمين ومشركي مكة.
وذلك أن العير التي طلبها المسلمون في غزوة العشيرة وأفلتت منهم إلى الشام، ظل النبي «صلى الله عليه وآله» يترقبها، حتى علم بعودتها، وكانت بقيادة أبي سفيان، مع ثلاثين، أو أقل، أو أربعين، أو سبعين راكباً. وفيها أموال قريش؛ حتى قيل: إن فيها ما قيمته خمسون ألف دينار، في ذلك الوقت الذى كان فيه للمال قيمة كبيرة.
فندب رسول الله «صلى الله عليه وآله» المسلمين للخروج إليها؛ فانتدب الناس؛ فخف بعضهم، وثقل آخرون، ولعلهم تخوفوا من كرة قريش عليهم، حينما لا بد لها من محاولة الانتقام لهذا الإجراء الذي يستهدف مصالحها الحيوية.
يقول عدد من المؤرخين: «وأبطأ عن النبي «صلى الله عليه وآله» كثير من أصحابه، وكرهوا خروجه، وكان في ذلك كلام كثير واختلاف. وتخلف بعضهم من أهل النيات والبصائر، لم يظنوا أن يكون قتال، إنما هو الخروج للغنيمة، ولو ظنوا أن يكون قتال ما تخلفوا»([3]).
وقال الواقدي: كره خروج رسول الله «صلى الله عليه وآله» أقوام من أصحابه إلى بدر، قالوا: نحن قليل، وما الخروج برأي، حتى كان في ذلك اختلاف كثير([4]).
وقد حكى الله تعالى ذلك، فقال:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}([5]).
نعم لقد كرهوا ذلك لعلمهم بأن قريشاً لن تسكت على أمر خطير كهذا.
ومن هنا نعرف: أن قول بعضهم: إن من تخلف لم يكن يظن أن النبي «صلى الله عليه وآله» يلقى حرباً([6]) في غير محله، بل هو محاولة إيجاد عذر للمتخلفين مهما كان فاشلاً وغير معقول.
وإلا فالآية الكريمة خير دليل على عدم صحة هذا القول. وخرج المسلمون يريدون العير، وعلم أبو سفيان بالأمر، فأرسل إلى قريش يستنفرهم لنجاة العير.

الذين يخشون الناس:

ويذكر هنا: أن عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والمقداد، وقدامة بن مظعون، كانوا يؤذون في مكة؛ فكانوا يستأذنون النبي «صلى الله عليه وآله» بقتال المشركين، فلا يأذن لهم، فلما أمروا بالقتال، والسير إلى بدر، شق على بعضهم؛ فنزل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى}([7]).
ونحن نقول: إن نفسية المقداد ومواقفه تأبى أن يكون ممن شق عليهم ذلك؛ بدليل موقفه العظيم الآتي بعد صفحات يسيرة إن شاء الله، حينما استشار النبي «صلى الله عليه وآله» أصحابه في حرب قريش.
أضف إلى ذلك: أن الآية تدل على أن هؤلاء قد خافوا وجبنوا عن القتال، وكانت خشيتهم وخوفهم من الناس أشد منها بالنسبة إلى الله سبحانه، وأن ذلك كان لأجل حب البقاء، وللتمتع بالدنيا.
ونحن نعلم: أن المقداد لم يكن جباناً قط، ولا كان من محبي البقاء في الدنيا على حساب الدين والإسلام، وتلك هي حياته و سيرته خير شاهد على ما نقول.
كما أن الرواية والآية تدلان على أن فريقاً من أولئك المذكورين أولاً قد شق ذلك عليهم، وليس الكل.
وأما من عدا المقداد ممن ذكرت الرواية أسماءهم، فإن تعلقهم بالدنيا كما يظهر من سيرة حياتهم ومواقفهم المختلفة، يؤيد أن يكونوا ممن شق عليهم ذلك فعلاً.
فأما عبد الرحمن بن عوف؛ فلا يشك في كونه من الذين قالوا ذلك كما يفهم من بعض النصوص([8]) ولقد ترك هذا الرجل من المال ما هو معروف ومشهور، وقد جرى بين أبي ذر وعثمان وكعب الأحبار ما جرى بسبب ذلك([9])، وقد صرح بأنه أكثر قريش مالاً([10]).
وموقفه في يوم الشورى معروف أيضاً، فإنه قد ضرب بكل الأوامر الإلهية والوصايا النبوية في حق علي «عليه السلام» عرض الحائط، فلم يكن ليهتم كثيراً بأوامر الله ورسوله «صلى الله عليه وآله» وذلك رغبة منه في الدنيا وإيثاراً لها.
وأما قدامة فقد حده عمر في الخمر، وتخلف عن بيعة علي «عليه السلام»([11]). كل ذلك طلباً للدنيا، وانسياقاً وراء الهوى.
وأما سعد، فقد أبى أن يبايع علياً «عليه السلام»، وقعد عنه في حروبه، وقطع «عليه السلام» عنه العطاء، وصارمه عمار، وأخذ بعض أموال بيت مال الكوفة([12]). إلى غير ذلك مما يدل على تعلقه بالدنيا، وعدم اهتمامه بأوامر الله ورسوله.
فهؤلاء هم الذين يمكن أن يكونوا محط نظر الآية والرواية، وإنما أخفى الرواة أسماءهم، وخلطوهم بغيرهم، لأن السياسة كانت ترغب في ذلك، كما هو معلوم.

رؤيا عاتكة:

ويقول المؤرخون: إن عاتكة بنت عبد المطلب كانت قد رأت في الرؤيا: أن رجلاً أقبل على بعير له ينادي: يا آل غالب.
وفي رواية: يا آل غدر، أغدوا إلى مصارعكم، ثم دهده حجراً من أبي قبيس؛ فما ترك داراً بمكة إلا أصابتها منه فلذة.
فأخبرت عاتكة العباس برؤياها، فأخبر العباس عتبة بن ربيعة، فقال: هذه مصيبة تحدث في قريش.
أما أبو جهل، فقال: هذه نبية ثانية في بني عبد المطلب، واللات والعزى، لننظرن ثلاثة أيام، فإن كان ما رأت حقاً، وإلا لنكتبن كتاباً بيننا: إنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالاً، ونساءً من بني هاشم.
فلما كان اليوم الثالث جاءهم النذير يناديهم: يا آل غالب، يا آل غالب، اللطيمة، اللطيمة([13]).

قريش تتجهز:

وما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرج مالاً لتجهيز الجيش، وقالوا: من لم يخرج نهدم داره، فلم يتخلف رجل إلا أخرج مكانه رجلاً([14]).
وبعث أبو لهب العاصي بن هشام مكانه على أربعة آلاف درهم، كانت له عليه من مال المقامرة ـ على ما قيل ـ([15]).

موقف أمية بن خلف:

وكان أمية بن خلف معرضاً عن الخروج؛ لأن سعد بن معاذ كان قد قدم مكة معتمراً، فنزل على أمية، لصداقة بينهما، وخرج سعد ليطوف، ومعه أمية، فلقيهما أبو جهل، فقال لسعد: ألا أراك تطوف بمكة آمناً، وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم؟! أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً.
فقال له سعد ـ وقد رفع صوته ـ : أما والله، لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه، طريقك على المدينة.
فاعترض أمية عليه لرفعه صوته على سيد أهل الوادي بزعمه.
فقال سعد: دعنا عنك، فوالله لقد سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: إنهم قاتلوك.
فقال أمية: بمكة؟
قال سعد: لا أدري.
قال أمية: والله ما كذب محمد.
وفزع فزعاً شديداً (وقيل: أحدث في ثيابه فزعاً)، وعزم على ألا يخرج.
فلما كان يوم بدر أصر عليه أبو جهل ليخرج، حتى ليقال: إنه أرسل إليه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها بخور، حتى وضعها بين يديه، وقال: استجمر، فإنك من النساء. فتحمس حينئذٍٍ، وتهيأ للخروج، فنهته زوجته وقالت: «والله، إن محمداً لا يكذب». فأبى إلا المسير، فقتل في بدر([16]).

مع قضية ابن خلف:

ولا بد لنا هنا من تسجيل النقاط التالية:
1 ـ إن مما يلفت النظر هنا تهديد سعد لأبي جهل بقطع طريقه على المدينة، واعتباره هذا الإجراء أشد على أبي جهل من منع المدنيين من الوصول إلى مكة.
وذلك أمر واضح؛ فإن الحياة الإقتصادية للمكيين قائمة على التجارة، وأهم المراكز التجارية لهم هو الشام. وإذا تعرضت مكة لضغط إقتصادي قوي، وأصبحت بحاجة إلى الآخرين؛ فإن ذلك سوف يؤثر على وضعها السياسي والإجتماعي أيضاً، حيث تفقد هيبتها، وأهميتها، ونفوذها في القبائل العربية.
ولماذا وعلى أي شيء كانت تحارب محمداً «صلى الله عليه وآله» والمسلمين؟! أليس لأجل النفوذ والزعامة، التي تعتبرها فوق كل شيء، وأعز وأجل شيء؟!.
وقد تقدم بعض الكلام في هذا الموضوع حين الكلام عن الهجرة.
2 ـ إننا نلاحظ: أن أمية بن خلف لم تكن مواقفه وتصرفاته محكومة لعقله، ولا نابعة من أعماق ضميره ووجدانه. فهو يقتنع بصدق محمد «صلى الله عليه وآله»، ولكنه لا يقعد عن حربه ـ حين يقعد ـ من أجل ذلك، وإنما خوفاً على نفسه، وحفاظاً عليها، كما أنه لا يحاربه حين يحاربه من أجل تبدل الرؤية لديه، وإنما بوحي من تحمسه الكاذب، ونخوته الجاهلية؛ فأورده ذلك المهالك في الدنيا وفي الآخرة.
وقد حكى الله تعالى حالة أمثاله، بأجلى بيان، وأوجز عبارة، فقال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}([17]).
3 ـ في هذه القضية أيضاً دلالة واضحة على المكانة السامية التي كانت للنبي «صلى الله عليه وآله» في نفوس الناس جميعاً، وعلى أنهم يرونه صادقاً فيما يخبر به حين يرجعون إلى ضميرهم ووجدانهم، وإلى ما في قرارة نفوسهم من قناعة واقعية إلى حد أنهم يقسمون على صدقه فيما يخبر به، وأنه لا يكذب. ولكنهم في نفس الوقت يشعرون أنهم بحاجة إلى إظهار العناد والتكذيب لمصالح دنيوية، واعتبارات قبلية، أو غير ذلك.

رجوع طالب بن أبي طالب عن الحرب:

وخرج مع المشركين من بني هاشم: العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث، وطالب بن أبي طالب. فأما طالب فخرج مكرهاً، فجعل يرتجز ويقول:
يـا رب إمـا يــغــزون طــالـب            في مـقـنـب مـن هـذه  المـقــانـب
فـليـكن المسلـوب غير السـالب         وليكـن المـغـلـوب غيـر  الغـالب
فجرت بينه وبين القرشيين ملاحاة وقالوا: والله، لقد عرفنا أن هواكم مع محمد؛ فرجع طالب فيمن رجع إلى مكة، ولم يوجد في القتلى، ولا في الأسرى، ولا فيمن رجع إلى مكة([18]).
وادَّعى البعض: أنه مات كافراً في غزوة بدر حين وجهه المشركون إلى حرب المسلمين([19]).
هكذا قالوا.. ونحن نقول:
ألف ـ كيف لم يوجد فيمن رجع إلى مكة، وابن هشام يذكر له قصيدة يمدح فيها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ويبكي أهل القليب ـ على حد تعبير ابن هشام ـ ويطلب في شعره من بني عبد شمس ونوفل أن لا يثيروا مع الهاشميين حرباً تجر المصائب والبلايا، والاهوال، وفيها يقول:
فـما إن جنينـا في قـريـش عظيـمـة     سوى أن حمينا خير من وطأ التربـا
أخـا ثقـة في النــائبـــات مـــرزّأ                كـريماً ثنــاه،  لا بخيـلاً ولا ذربـا
يطـيـف بـه العافـون يغشون بـابه      يـؤمّـون نهراً  لا نـزوراً ولا ضربا
فـوالله لا تـنـفـك عيـنـي حـزينـة         تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا([20])
وهذا يدل على أنه قد عاش إلى ما بعد وقعة بدر. وأما بكاؤه أهل القليب، فالظاهر أنه كان مجاراة لقريش، كما يدل عليه مدحه للنبي «صلى الله عليه وآله»، وطلبه من بني عبد شمس ونوفل أن لا يحاربوا الهاشميين وإلا، فكيف نفسر شعره المتقدم:
وليكن المسلـوب غير الســالـب                 ولـيـكـن المـغـلوب  غـير الغالب
ب ـ لقد ورد في رواية مرسلة عن أبي عبد الله «عليه السلام»: أن طالباً قد أسلم([21]).
وروي أنه هو القائل:
وخـيــر بـنـي هــاشــم أحمــد            رســول الإلـــه عــلــى فـتـرة([22])
وليس من البعيد: أن تكون قريش قد دبرت أمر التخلص من طالب انتقاماً لنفسها، لما جرى عليها من علي في بدر وغيرها.

المكرهون والراجعون:

وحينما خالف أبو سفيان في الطريق، ونجا بالعير، أرسل يطلب من قريش الرجوع، فأبى أبو جهل، إلا أن يرد بدراً، ويقيم ثلاثة أيام، ويأكل، ويشرب الخمور، حتى تسمع العرب بمسيرهم وجمعهم؛ فيهابونهم أبداً.
ولكن الأخنس بن شريق رجع ببني زهرة، ولم يشهدوا الحرب. وقيل: شهدها رجلان منهم قتلا في بدر.
بل قال التلمساني في حاشية الشفاء: إن الأخنس نفسه قد قتل في بدر، وقيل مات في خلافة عمر.
ويذكرون: أن سبب رجوع الأخنس ببني زهرة هو أنه سأل أبا سفيان سراً: إن كان محمد يكذب، فقال له: ما كذب قط، كنا نسميه الأمين، ولكن إذا كانت في بني عبد المطلب السقاية والرفادة لها والمشورة، ثم تكون فيهم النبوة، فأي شيء يكون لنا، فانخنس الأخنس، ورجع ببني زهرة([23]).
وكذلك لم يشهد بدراً من بني عدي أحد.
وأراد بنو هاشم الرجوع، فاشتد عليهم أبو جهل، وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع([24]).

موقف الرسول من المكرهين والراجعين:

فلأجل ما تقدم، ولأجل موقف الهاشميين من النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين، وحمايتهم لهم في مكة، نهى الرسول «صلى الله عليه وآله» عن قتل من خرج من بني هاشم، ونهى أيضاً عن قتل أبي البخترى، الوليد بن هشام، لأنه كان يكف الناس عنه «صلى الله عليه وآله» بمكة، وكان لا يؤذيه، وهو ممن قام في نقض صحيفة المقاطعة. ولكنه حين أبى أن يستأسر في بدر إلا مع زميل له، قتل هو وإياه.
وكذلك فقد نهى «صلى الله عليه وآله» عن قتل الحارث بن نوفل؛ لكراهة الخروج أيضاً فقتله من لم يعرفه. وكذلك جرى لزمعة بن الأسود.

نظرة في موقف النبي من هؤلاء:

وفي مجال الاستفادة مما تقدم نسجل النقاط التالية:
1 ـ إن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن ـ كما قدمنا، وكما يشعر به موقفه المسجل من هؤلاء ـ يهدف من الحرب إلى التغلب، والحصول على الملك والسلطان، ولا هو يرغب في سفك الدماء، ولا كان يعجبه أن يرى جثث القتلى ويسمع أنين الثكالى؛ بل كان له هدف أسمى وغاية فضلى، ترجع بالنفع العميم على الأمة، وعلى الأجيال، ويريد الوصول إليها بأقل عدد ممكن من الضحايا.
2 ـ كما أنه كان يقدر مواقف الناس، التي تعبر عن حسن خلق، وسجية وشهامة، وأريحية فيهم، مهما كانت هويتهم وانتماؤهم، وأياً كان موقفهم، لأنه هو الإنسان الكامل ورسول الإنسانية، فهو الذي يستطيع أن يدرك تلك الصفات والسجايا، ويقدرها أكثر من أي إنسان آخر.
ومن هنا، فقد كان موقفه واحداً من جميع أولئك الذين أحسنوا السيرة والتصرف ـ ولو مرة ـ وكذا كان موقفه من الذين أكرهوا على الخروج.
ولم يكن ليختص بموقفه هذا أقاربه وأهل عشيرته، فإنه لم يكن يتأثر في مواقفه بعواطف نسبية، بل ليس من مصلحته ذلك في مثل هذا الموقف من وجهة نظر المنطق، والتصرف العقلاني السليم.
3 ـ وهو بالتالي يقدر، ويفهم الظروف الصعبة التي كان يعاني منها البعض، بحيث تفرض عليهم قريش موقفاً لا ينسجم مع رغائبهم وقناعاتهم، أو على الأقل مع ميل وهوى نفوسهم، وإن كانوا مدينين من جهة أخرى، حيث كان بإمكانهم أن ينصروا الحق، وأن يقفوا موقفاً عقلانياً سليماً، كما فعل غيرهم ممن أسلموا، وعرضوا أنفسهم للرزايا والنكبات عن رضى واختيار منهم حتى نصرهم الله تعالى وجعل كلمة الحق هي العليا.

النبي يستشير في أمر الحرب:

لما كان المسلمون قرب بدر، وعرفوا بجمع قريش، ومجيئها، خافوا وجزعوا من ذلك؛ فاستشار النبي «صلى الله عليه وآله» أصحابه في الحرب، أو طلب العير.
فقام أبو بكر، فقال: يا رسول الله، إنها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، وما ذلت منذ عزت. ولم تخرج على هيئة الحرب.
فقال له رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إجلس؛ فجلس؛ فقال «صلى الله عليه وآله»: أشيروا علي.
فقام عمر، فقال مثل مقالة أبي بكر.
فأمره النبي «صلى الله عليه وآله» بالجلوس، فجلس.
ونسب الواقدي والحلبي الكلام المتقدم لعمر، وقالا عن أبي بكر: إنه قال فأحسن([25]).
ثم قام المقداد فقال: يا رسول الله، إنها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا: أن ما جئت به حق من عند الله، والله لو أمرتنا: أن نخوض جمر الغضا (نوع من الشجر صلب)، وشوك الهراس لخضناه معك، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}([26]).
ولكنا نقول: إذهب أنت وربك؛ فقاتلا، إنا معكم مقاتلون. والله لنقاتلن عن يمينك وشمالك، ومن بين يديك، ولو خضت بحراً لخضناه معك، ولو ذهبت بنا برك الغماد لتبعناك([27]).
فأشرق وجه النبي «صلى الله عليه وآله»، ودعا له، وسر لذلك، وضحك كما يذكره المؤرخون([28]).
فيلاحظ: أن الكلام كله قد كان من المهاجرين، وقد ظهر منهم: أنهم لا يريدون حرب قريش، وهم يتفادون ذلك بأي ثمن كان، غير أن المقداد قد رد عليهم مقالتهم، وخالفهم في موقفهم. ثم توجه النبي «صلى الله عليه وآله» إلى الأنصار، حيث يقول النص التاريخي:
ثم قال: أشيروا علي ـ وإنما يريد الأنصار، لأن أكثر الناس منهم؛ ولأنه كان يخشى أن يكونوا يرون: أن عليهم نصرته في المدينة، إن دهمه عدو، لا في خارجها، فقام سعد بن معاذ ـ وقيل ابن عبادة وهو وهم؛ لأنه لم يشهد بدراً؛ لأنه كان قد لدغ، فلم يمكنه الخروج([29]) ـ فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، كأنك أردتنا؟
فقال: نعم.
فقال: فلعلك قد خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟
قال: نعم.
قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله؛ إنا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله، فمرنا بما شئت.
إلى أن قال: والله، لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعل الله يريك ما تقر به عينك؛ فسر بنا على بركة الله.
فسر النبي «صلى الله عليه وآله»، وأمرهم بالمسير، وأخبرهم بأن الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين، ولن يخلف الله وعده، ثم قال: والله، لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة الخ..
وسار حتى نزل بدراً.
ويظهر من بعض النصوص: أن الصحابة كانوا ـ في أكثرهم ـ يميلون إلى طلب العير، وترك النفير([30]).
وقد ذكر الله تعالى ذلك في قرآنه المجيد، فهو يقول: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}([31]).
وقبل أن نمضي في الحديث نشير إلى الأمور التالية:

1 ـ إستشارة النبي أصحابه:

لقد تحدثنا فيما سبق حينما تكلمنا عن سر إرسال المهاجرين في الغزوات، ولسوف نتحدث فيما يأتي في غزوة أحد في فصل: قبل نشوب الحرب إن شاء الله تعالى، عن موضوع استشارة النبي «صلى الله عليه وآله» لأصحابه بما فيه الكفاية.
ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى أنه قد كان من الضروري أن يستشير «صلى الله عليه وآله» أصحابه في حرب بدر التي كانت حرباً مصيرية، سوف يتقرر على أساس نتائجها مصير الإيمان والشرك في المنطقة في المستقبل المنظور على الأقل، بل ومطلقاً كما أشار إليه «صلى الله عليه وآله» في دعائه: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد».
وواضح: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يكن بحاجة إلى رأيهم، وإنما هو يستشيرهم لأنهم هم الذين سوف يتحملون أعباء الحرب، ويعانون من نتائجها، على مختلف الأصعدة.
ثم إنه يستخرج بذلك دخائل نفوسهم، ويتميز المنافق من المؤمن، والجبان من الشجاع، والذي يفكر في مصلحة نفسه من الذي يفكر من منطلق التكليف الشرعي، ويعرف أيضاً الذكي من الغبي، والعدو من الولي، والضعيف من القوي إلى غير ذلك مما هو ظاهر لا يخفى.
ويدل على ما نقول: أن سعد بن معاذ يسأل النبي «صلى الله عليه وآله»: لعلك خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟
فقال «صلى الله عليه وآله»: نعم.
فهذا يدل على أن أمر الحرب مقضي ومأمور به من قبل الله تعالى؛ فليست استشارته «صلى الله عليه وآله» لهم إلا لما قلناه هنا، وقدمناه، وسيأتي في غزوة أحد.

2 ـ حرب قريش هي الرأي:

ومن الواضح: أن الرأي الحق هو حرب قريش، كما أراد الله ورسوله؛ وذلك لأن الأمر يدور بين:
أن يرجع المسلمون دون أن يتعرضوا للعير، ولا لقريش، وفي ذلك هزيمة روحية ونفسية واضحة للمسلمين، وإطماع لغيرهم بهم؛ من المشركين، واليهود والمنافقين.
أو أن يطلبوا العير فيدركوها، فيأخذوها، بعد قتل أو أسر رجالها. ولن تسكت قريش على هذا الأمر، بل هي سوف تتعرض لحربهم على أوسع نطاق. وقد تتمكن من مهاجمة المدينة قبل رجوع المسلمين إليها، وتقوم بإنزال الضربة القاصمة بالمسلمين، فإن قريشاً وهي بهذه العدة والعدد لن تسكت عن أمر كهذا، بل سوف تحاول رد هيبتها، والثأر لكرامتها.
فلم يبق إلا خيار واحد، وهو أن يقفوا في وجه قريش بعد أن يعرضوا عليها عروضاً مقبولة، وعادلة، ومعقولة.
إذن، فحرب وقتال قريش هي الخيار الأفضل والأمثل في ظروف كهذه، ولا سيما إذا طلبوا العير، وربما يوجب ذلك أن يزيد الأمر تعقيداً وإشكالاً بالنسبة إلى المسلمين بما لا قبل لهم به.
وتكون النتيجة هي أنه إذا أراد المسلمون العيش في عزة ومنعة، وأن لا يطمع بهم من حولهم، والمشركون، واليهود، والمنافقون، فلا بد من المبادرة للقتال، وليس ثمة خيار آخر أمامهم.

3 ـ التربية النفسية:

وفي مجال آخر نشير إلى:
ألف ـ لقد كان هدف المسلمين أولاً هو الحصول على المال؛ فأراد الله ورسوله أن يرتفع بهم عن هذا الهدف الدنيوي إلى ما هو أغلى، وأعلى، وأسمى. وإلا فإن قريشاً أيضاً قد كانت تهدف من وراء جمعها الجموع، وإثارة الحرب إلى أهداف دنيوية، إقتصادية، وإجتماعية، وسياسية أيضاً.
ب ـ لقد كان لحرب بدر أثرها في بث روح الاعتماد على النفس، ومواجهة المسؤوليات بصلابة وشجاعة، حيث لا بد من قتل فراعنة قريش، وإفناء صناديدها وأسرهم {لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً}([32])، ثم التهيؤ لحرب العرب والعجم بعد ذلك.

4 ـ نظرة في الآراء حول الحرب:

ويلاحظ: أن أكثر المؤرخين قد حذفوا كلام عمر وأبي بكر هنا، واكتفوا بقولهم: قام أبو بكر فأحسن، ثم قام عمر فأحسن، ثم قال المقداد كذا وكذا([33]).
وربما ينسبون إلى بعضهم كلاماً آخر لا ربط له بسؤال النبي «صلى الله عليه وآله» أصلاً.
وأما الفقرات التي نقلناها عنهما فلم تعجب الكثيرين من المؤرخين، فأضربوا عنها صفحاً بالطريقة المشار إليها آنفاً.
ولكن من الواضح: أن سرور النبي «صلى الله عليه وآله» بكلام المقداد، ودعاءه له يدل على أن كليهما (أعني أبا بكر وعمر) لم يكن منسجماً مع ما كان يهدف إليه النبي «صلى الله عليه وآله» من مشاورته لهم، بل كان مضاداً لما كان يرمي إليه «صلى الله عليه وآله»، ولو كان كلامهما لائقاً لذكره محبوهم من المؤرخين والرواة وما أكثرهم.
وأما مشورة المقداد، فكانت هي السليمة والمنسجمة مع المنطق، ومع الأهداف السامية التي كان يرمي إليها الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله». وذلك هو ما كان يتوقعه «صلى الله عليه وآله» ويرمي إلى الوصول إليه، والحصول عليه. ولذلك فقد استحق المقداد مدح النبي «صلى الله عليه وآله» ودعاءه له.
بل لقد ورد: أنه حين بلغ النبي «صلى الله عليه وآله» إقبال أبي سفيان شاور أصحابه، فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه([34]).
فإعراضه «صلى الله عليه وآله» عنهما ليس إلا لتخذيلهما عن النفير إلى حرب قريش، ومدحهم لها بأنها: ما ذلت منذ عزت، وما آمنت منذ كفرت الخ.. لا لأنه كان يريد من الأنصار أن يجيبوا وحسب. وإلا فلماذا سر من كلام المقداد، ودعا له، وهو من المهاجرين؟!
حتى لقد قال ابن مسعود عن موقف المقداد هذا: لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به([35]).
وعن أبي أيوب، قال ـ في ضمن حديث له ـ : «فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا مثل ما قال المقداد أحب إلينا من مال عظيم» فأنزل الله عز وجل على رسوله: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}([36]).
أضف إلى ذلك كله: أن كلام رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان عاماً للجميع: للأنصار والمهاجرين على حد سواء، كما أن المهاجرين كانوا كالأنصار من حيث إنهم لم يبايعوه على الحرب.

5 ـ سر سروره بكلام سعد والمقداد:

وإن التأمل في كلام سعد بن معاذ والمقداد يفيد: أنهما لم يشيرا عليه لا بالحرب، ولا بالسلام؛ بل ما زادا على أن أظهرا التسليم والانقياد لأوامر النبي «صلى الله عليه وآله» ونواهيه، وما يقضيه في الأمور. إنهما لم يبديا رأياً، ولا قدما بين يديه أمراً. وهذا هو منتهى الإيمان، وغاية الإخلاص والتسليم، وقمة الوعي لموقعهما، ووظائفهما، وما ينبغي لهما.
فهما ما كانا يريان لنفسيهما قيمة في مقابل قضاء الله ورسوله على حد قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}([37]).
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهَِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([38]). ولهذا الإيمان العميق، والتسليم المطلق، كان سرور رسول الله واستبشاره « سلام الله عليه وعلى آله الطاهرين».

6 ـ أين رأي علي ؟!

ويلاحظ هنا: أننا لا نجد علياً في هذا المقام يبدي رأياً، ولا يبادر إلى موقف، أو مشورة، مع أنه رجل الحكمة، ومعدن العلم؛ فما هو السر في ذلك يا ترى؟!
ونقول في الجواب: إن موقف علي «عليه السلام» هو موقف نفس النبي «صلى الله عليه وآله». وقد وصفه الله سبحانه وتعالى في آية المباهلة بأنه نفس النبي، فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ}([39]).
أضف إلى ذلك: أن علياً «عليه السلام» لم يكن ليتقدم بين يدي الله ورسوله في شيء وقد كان يرى أن من واجبه السكوت، والتسليم، والرضا بما قضاه الله ورسوله، ولا يجد في نفسه أي حرج من ذلك.

الحباب ذو الرأي:

ويروون: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» نزل أدنى ماء ببدر؛ فأشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء من القوم، ثم يصنع حوضاً للماء، ويغور سائر القلب؛ فيشرب المسلمون، ولا يشرب المشركون. ففعل الرسول «صلى الله عليه وآله» ذلك، ثم صوب رأي الحباب.
فسمي الحباب حينئذٍٍ: «الحباب ذو الرأي»([40]).
ولكن هذه الرواية لا تصح، وذلك:
أولاً: إنه قد دل الدليل على أن النبي «صلى الله عليه وآله» مصيب في كل ما يفعل ويرتتئي، ولا يصغى لما يقال من جواز الخطأ عليه في الأمور الدنيوية، فإنه مما يدفعه العقل والنقل. (وسيأتي البحث عن أن العصمة عن الخطأ والنسيان اختيارية عن قريب إن شاء الله تعالى).
وثانياً: إن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء، وكانت أرضاً لا بأس بها. ولا ماء بالعدوة الدنيا، وهي خبار([41]) تسوخ فيها الأرجل([42]).
وثالثاً: إن المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر كما سيأتي؛ ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه، ويتركوا الماء لغيرهم.
ورابعاً: إن ابن إسحاق ينص على أن المشركين وردوا الحوض، فأمر النبي «صلى الله عليه وآله» أن لا يعترضوهم([43]). وقد فعل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» في صفين مثل ذلك؛ حيث أباح الماء لأعدائه القاسطين، مع أنهم كانوا قد منعوه إياه أولاً([44]).
ومن الواضح: أن منعهم من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيه الأعظم «صلى الله عليه وآله».
فالصحيح هو الرواية التي تقول: إن المسلمين لم يكونوا على الماء، فأرسل الله السماء عليهم ليلاً حتى سال الوادي، فاتخذوا الحياض، وشربوا وسقوا الركائب، واغتسلوا وملأوا الأسقية([45]) كما أشار إليه تعالى، حين قال: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}([46]).
وذلك هو سر بناء الحوض، وليس ما ذكروه.

عدة وعدد المسلمين والمشركين:

وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد خرج في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدد أصحاب طالوت (وقيل: أكثر، وأقل) والأول هو قول عامة السلف([47]).
وكان معهم من الإبل سبعون بعيراً يتعاقبون عليها، الاثنان والثلاثة؛ فكان النبي «صلى الله عليه وآله»، وعلي «عليه السلام»، ومرثد بن أبي مرثد، وقيل: زيد بن حارثة، يعتقبون بعيراً.
وكان معه من الخيل: فرس للمقداد قطعاً بإجماع المؤرخين.
قيل: فقط([48]).
وروي ذلك عن أمير المؤمنين «عليه السلام»([49]).
وقيل: وفرس للزبير، أو لمرثد، أو هما معاً.
ومعهم من السلاح ستة أدرع، وثمانية سيوف([50]).
ومعه من المهاجرين، قيل: أربعة وستون، وقيل: سبعون، وقيل: ستة وسبعون أو سبعة وسبعون، وقيل: ثمانون، وقيل: مئتان وسبعون من الأنصار، وبقيتهم من سائر الناس، وقيل غير ذلك([51]).
والذين من الخزرج كانوا مئة وسبعين. وفي عدد الخزرج اختلاف أيضاً.
أما المشركون، فخرجوا وهم يشربون الخمور، ومعهم القيان، يضربن بالدفوف، وقد أرجعوهن من الطريق.
وكان معهم سبعمائة بعير([52]).
ومن الخيل، قيل: أربعمائة([53])، وقيل: مئتان، وقيل: مئة فرس([54])، وقيل غير ذلك. وكلهم دارع. ومجموع الدارعين فيهم ستمائة([55]).
وكان يتبرع بالإطعام رجل منهم كل يوم، فينحرون لهم تسعاً، أو عشراً من الإبل، فكان المطعمون اثني عشر رجلاً، منهم: عتبة، وشيبة، والعباس، وأبو جهل، وحكيم بن حزام؛ الذي أصبح فيما بعد من المؤلفة قلوبهم، كما هو معروف.

المشركون يدركون بغيهم وعدوانهم:

والتقى بعض المسلمين ببعض عبيد قريش على ماء بدر، فأخذوهم، وسألوهم عن العير، فأنكروا معرفتها، فضربوهم ورسول الله «صلى الله عليه وآله» يصلي، فانفتل من صلاته، وقال: إن صدقوكم ضربتموهم، وإن كذبوكم تركتموهم؟
ثم سألهم عن عدة قريش، فقالوا: لا علم لهم بعددهم.
فقال «صلى الله عليه وآله»: كم ينحرون كل يوم من جزور؟
قالوا: تسعة إلى عشرة.
فقال «صلى الله عليه وآله»: القوم تسعمائة إلى ألف رجل([56]) (وقيل: أكثر، حتى لقد قال البعض: إنهم كانوا ثلاثة آلاف رجل، وهو بعيد).
فأمر بهم «صلى الله عليه وآله»، فحسبوا، فعلم مشركو قريش، ففزعوا، وندموا على مسيرهم، حيث إنهم بعد أن علموا بنجاة العير أصروا على المجيء إلى بدر لتهابهم العرب، كما تقدم.
وقد اعترف عتبة بن ربيعة، الذي كان ولده أبو حذيفة مع النبي «صلى الله عليه وآله»: بأن مسيرهم بعد نجاة عيرهم كان بغياً منهم وعدواناً. وبذلت محاولة للاتفاق على الرجوع، لكن أبا جهل أبى ذلك، وقال:
«لا، واللات والعزى، حتى نقحم عليهم بيثرب، ونأخذهم أسارى، فندخلهم مكة، وتتسامع العرب بذلك، ولا يقوم بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه»([57]).
ورجع بنو زهرة حينئذٍ بإشارة الأخنس بن شريق، كما تقدم.

مواقع الجيشين:

وسبق المشركون إلى بدر، فنزلوا في العدوة القصوى، في جانب الوادي مما يلي مكة، حيث الماء، وكانت العير خلف المشركين([58]).
قال تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}([59]). ومحل نزولهم كان صلباً. ونزل المسلمون في العدوة الدنيا، أي جانب الوادي مما يلي المدينة، حيث لا ماء، وحيث الأرض رخوة، لا تستقر عليها قدم؛ مما يعني أن منزل المسلمين كان من وجهة نظر عسكرية غير مناسب.
ولكن الله أيد عباده ونصرهم على عدوهم، وجاء المطر ليلاً على المشركين، فأوحلت أرضهم، وعلى المسلمين؛ فلبدها، وجعلها صلبة، وجعلوا الماء في الحياض([60]).

معنويات المسلمين والعنايات الربانية:

ولما بلغ المسلمين كثرة المشركين، خافوا، وتضرعوا إلى الله.
وعن أبي جعفر الباقر «عليه السلام»: لما نظر النبي «صلى الله عليه وآله» إلى كثرة المشركين، وقلة المسلمين، استقبل القبلة، وقال:
«اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض»؛ فنزلت الآية: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}([61]).
فالإمداد بالملائكة إذاً، ليس إلا للتطمين، وإعطاء توهج روحي للمسلمين، الذين يحسون بالضعف، ويستغيثون ربهم، حسب مدلول الآية الشريفة.
ثم ألقى الله النعاس على المسلمين؛ فناموا، وقد ذكر الله سبحانه ذلك، وإرسال المطر عليهم؛ فقال: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}([62]).
نعم، لقد كان ذلك النعاس ضرورياً لفئة تواجه هذا الخطر الهائل، وهي تدرك أنها لا تملك من الإمكانات المادية شيئاً يذكر لدفعه.
نعم، لا بد من هذا النعاس؛ لئلا تستبد بهم الوساوس في هذا الليل البهيم، الذي تكبر فيه الأشياء وتتضخم، فكيف إذا كانت الاشياء كبيرة بطبيعتها؟
وقد كان هذا النعاس ضرورياً أيضاً ليحصل لهم الأمن والسكون: «أمنة» ولتقوى قلوبهم بالإيمان والسكينة، حتى لا يضعفوا عن مواجهة الخطر، وحتى يمكن لعقولهم وفكرهم أن يسيطر على طبيعة تصرفاتهم ومواقفهم، بدلاً من الضعف والانفعال، والتوتر. وبواسطة هذا النعاس وذلك المطر يربط الله على قلوبهم، حيث يطمئنون إلى أن الله ناظر إليهم، وإلى أن ألطافه وعناياته متوجهة نحوهم، فلا يهتمون بعد ذلك بالحوادث الكاسرة، ولا تهمهم الجيوش بكثرتها الكاثرة.
وفي مقابل ذلك، فقد ألقى الله تعالى في قلوب الذين كفروا الرعب، والخوف، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
وقد يقال: إن الله سبحانه قد أخبر في السور المكية، كسورة محمد «صلى الله عليه وآله» بعد ذكره الذين تحزبوا ضد أنبيائهم، وثمود، وفرعون، عن أن هناك حادثة شبيهة لما جرى لتلك الفئات، ستقع للمسلمين، فقال: {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ}([63])، فكان ذلك وقعة بدر، كما قاله البعض.

أهداف الحرب:

والملاحظة الهامة هنا هي: أن النبي «صلى الله عليه وآله» يصرح بأن حرب بدر حرب مصيرية، وأن هدفه من هذه الحرب هو التمكين لعبادة الله تعالى، وليس عبادة الذات، أو المال، أو الجنس، أو الجاه، أو السلطان، ولا غير ذلك، ولا سيما إذا شعرت قريش بالضيق والذل والضعف، عن طريق جعلها في معاناة إقتصادية ونفسية، حينما تدرك: أن طريق قوافلها إلى الشام ولبلدان أخرى أصبح مهدداً، وهذا ما سوف يضعف من عزائم القرشيين، ويزلزل وجودهم، ويجعلهم في الموقف الأضعف.
أما هدف المشركين، فهم أنفسهم قد أفصحوا عنه، وهو أن تهابهم العرب، وأن لا يكون بينهم وبين متجرهم أحد يكرهونه.
وشتان ما بين الهدفين، وكذلك ما بين نتائج الحرب ـ كما سنرى ـ بالنسبة إلى الفريقين.

في المواجهة:

ولما أصبح رسول الله «صلى الله عليه وآله» عبأ أصحابه. وكانت رايته مع أمير المؤمنين «عليه السلام»([64]).
وكان «عليه السلام» صاحب لواء رسول الله «صلى الله عليه وآله» في بدر، وفي كل مشهد([65])، وسنثبت ذلك في غزوة أحد إن شاء الله تعالى.
فما يقال: من أنه كان لرسول الله «صلى الله عليه وآله» في بدر أكثر من لواء: مع مصعب بن عمير، أو الحباب بن المنذر، في غير محله، إلا أن يكون مرادهم: أن لواء المهاجرين كان مع مصعب، ولواء الأنصار كان مع الحباب، ونحو ذلك.
وأما تفريقهم بين الراية واللواء في محاولة لرفع التنافي، فهو أيضاً محاولة فاشلة؛ لأن كلاً منهما قد ورد أنه كان مختصاً بأمير المؤمنين «عليه السلام»، كما يتضح من مراجعة النصوص في المصادر المشار إليها في الهامش([66]).
وسيأتي مزيد من التوضيح لذلك في واقعة أحد إن شاء الله تعالى.
أضف إلى ذلك: أن ابن سعد وابن إسحاق قد ذكرا: أن الراية قد اتخذت بعد وقعة بدر، وبالذات في وقعة خيبر([67]).
هذا لو سلم وجود اختلاف بين اللواء والراية، وإلا فقد نص جماعة من أهل اللغة على ترادفهما([68]).

هدوء ما قبل العاصفة:

وبعد أن عبأ النبي «صلى الله عليه وآله» أصحابه، قال لهم: غضوا أبصاركم، ولا تبدؤوهم بالقتال، ولا يتكلمن أحد([69]).
وسكت المسلمون، وغضوا أبصارهم، امتثالاً لأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأثر هذا الموقف في قريش بشكل واضح، حتى إن أحدهم حين جال بفرسه حول المسلمين؛ ليعرف إن كان لهم مدد، أو كمين، رجع للمشركين، وقال: «ما لهم كمين، ولا مدد. ولكن نواضح يثرب حملت الموت الناقع. أما ترونهم خرساً لا يتكلمون؟ يتلمظون تلمظ الأفاعي، ما لهم ملجأ إلا سيوفهم؟! وما أراهم يولون حتى يُقتلوا، ولا يُقتلون حتى يُقتل بعددهم».
فشتمه أبو جهل؛ لأنه رآه يجبن أصحابه.
وقال أبو جهل يشجع أصحابه مشيراً إلى قلة عدد المسلمين: «ما هم إلا أكلة رأس، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد».
وأرسل رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى المشركين يقول لهم: «معاشر قريش، إني أكره أن أبدأكم بقتال، فخلوني والعرب وارجعوا؛ فإن أك صادقاً فأنتم أعلى بي عيناً، وإن أك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمري».
ويقال: إن عتبة بن ربيعة رجح للمشركين قبول ذلك، فرماه أبو جهل بالجبن، وأنه انتفخ سحره([70]) لما رأى محمداً وأصحابه، وأنه خاف على ابنه أبي حذيفة الذي هو مع محمد.
فلما بلغ عتبة قول أبي جهل، قال: سيعلم مصفر أسته([71]) من انتفح سحره: أنا، أم هو؟ وتحمس لذلك، ولبس درعه، هو وأخوه شيبة وولده الوليد وتقدموا يطلبون البراز.
ونحن هنا نشير إلى الأمور التالية:

ألف: سر رعب المشركين:

إن المشركين كانوا يدركون مدى تصميم المسلمين على الحرب، وأنهم على استعداد لأن يموتوا جميعاً، بعد أن يقتلوا بعددهم على الأقل في سبيل دينهم وعقيدتهم.
وهذا من شأنه أن يبعث الرعب في قلوب المشركين، الذين يقاتلون من أجل البقاء في هذه الدنيا، والتمتع بلذاتها وخيراتها حسب زعمهم.
وإذا كان المسلمون ساكتين واجمين، فإن ذلك يزيد الجو رهبة، ويؤكد ويزيد الخوف والرعب في قلوب المشركين، الذين سوف تزيد حيرتهم حيث لا شيء يشير إلى طبيعة الحرب التي سوف يخوضونها، ومستواها، والاتجاه والطابع الذي سوف يعطونها إياه.
وأما قول أبي جهل عن المسلمين: ما هم إلا أكلة رأس الخ.. فهو لا يدل على عدم الرعب لدى المشركين، لأنه لم يقل ذلك إلا على سبيل التشجيع لأصحابه. ولا سيما بعد أن رأى ترددهم وجبنهم عن المواجهة.
أضف إلى ذلك: أننا لا بد أن نتذكر هنا: أنه تعالى في بعض مراحل المواجهة قد قلل المشركين في أعين المسلمين، وقلل المسلمين في أعين المشركين؛ ليقضي أمراً كان مفعولاً، ولسوف يأتي الكلام في هذا في أواخر الفصل التالي إن شاء الله تعالى.

ب: نظرة في عروض النبي على المشركين:

لقد حاول النبي «صلى الله عليه وآله» أن يكلم المشركين من الزاوية التي ينظرون منها، وتتلاءم وتنسجم مع فكرهم ومنطقهم، وتتلاقى مع مصالحهم التي يدعون أنهم جاؤوا يحاربون من أجلها. وذلك حينما قال لهم: «فإن أك صادقاً فأنتم أعلى بي عيناً». فإن هذا ينسجم مع حبهم للرياسة والزعامة، الذي كان من القوة والطغيان فيهم بحيث جعلهم يؤثرون تلك الرئاسات والزعامات على كل علاقاتهم النسبية والقبلية، ويحاربون قومهم، وحتى آباءهم وأبناءهم في سبيلها.
ثم هو يقول لهم: «وإن أك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمري». وهذا ينسجم أيضاً مع محبتهم للسلامة والحياة، ومع مصالحهم الإقتصادية.
وذلك يعوض ما يرونه في رجوعهم عن حربه من تنازل، واعتراف بقوته وشوكته.
مع إمكان تلافيهم ذلك بإظهار بعض الأعذار التي تحفظ لهم ماء الوجه بحسب نظرهم.
ولكن طغيان قريش، وغطرستها يأبيان عليها الانصياع للمنطق الواعي، والرأي السليم، فتصر على الحرب والقتال، ومواجهة نتائجها الساحقة لها ولكبريائها الزائف، وصلفها الأحمق والمقيت.

ج: النبي لا يبدأ القتال:

ثم إننا نجد: أن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يبدأ القتال، ويأمر المسلمين أن لا يبدأوا به، ويحاول أن يعطي الطرف الآخر الفرصة، ويقدم له خيارات كلها فيها مخرج مشرف له؛ فإذا أبى ذلك، وطغى وبغى، واعتدى على المسلمين، فإن من حقهم أن يدافعوا عن أنفسهم، وأن يردوا كيد المعتدي، من كان، ومهما كان.
وهكذا كان أمير المؤمنين «عليه السلام» مع أعدائه، سواء في حياة النبي «صلى الله عليه وآله»، أو بعد وفاته. ثم كان هو حال الحسين عليه السلام مع جيش يزيد «لعنه الله»، بل إن ذلك كان هو شعار شيعة أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم، اقتداء بإمامهم، الذي يقتدي بالنبي الأعظم «صلى الله عليه وآله».
ولسوف تأتي الإشارة إلى ذلك حين الحديث حول خصائص الشيعة بعد الانتهاء من غزوة بدر مع أبحاث أخرى في فصل: «بحوث ليست غريبة عن السيرة» إن شاء الله تعالى. وقد تقدمت أيضاً إشارة إلى ذلك.

النبي في العريش:

ويقولون: إنهم صنعوا للنبي «صلى الله عليه وآله» عريشاً من جريد النخل فكان فيه وأبو بكر معه، وليس معه غيره.
ويدّعون أيضاً: أنه «صلى الله عليه وآله» قد وافق على أن يضعوا نجائب وركائب مهيأة عنده، فإن انتصر فهو المطلوب وإن كانت الأخرى ركب النجائب، ولحق بمن وراءهم من الصحابة في المدينة([72]).
ولكن ذلك لا يصح بأي وجه؛ فقد قال المعتزلي: «قلت: لأعجب من أمر العريش من أين كان لهم أو معهم من سعف النخل ما يبنون به عريشاً، وليس تلك الأرض ـ أعني أرض بدر ـ أرض نخل؟ والذي كان معهم من سعف النخل، يجري مجرى السلاح يسيرٌ جداً.
قيل: إنه كان بأيدي سبعة منهم سعاف عوض السيوف، والباقون كانوا بالسيوف والسهام والقسي. هذا قول شاذ، والصحيح أنه ما خلا أحد منهم عن سلاح. اللهم إلا أن يكون معهم سعفات يسيرة، وظلل عليها بثوب أو ستر، وإلا فلا أرى لبناء عريش من جريد النخل هناك وجهاً»([73]).
ونقول:
أولاً: إن ما ذكره من وجود السلاح مع المهاجرين لا يمكن قبوله.
فقد تقدمت النصوص التي تتحدث عن مستوى تسلحهم، وليس فيها ما ذكره المعتزلي. والظاهر هو أن عدداً منهم كان مسلحاً بالقسي، كما يدل عليه أمر النبي «صلى الله عليه وآله» لهم برمي المشركين بالنبل إذا أكثبوهم. ولعل بعضهم كان معه رماح، والبعض الآخر عصي، وفريق كان لديه سيف، أو حربة، وفريق آخر كان معه سعف النخل، يدفع بها عن نفسه، ويهاجم العدو بها إن وجد فرصة لذلك.
وثانياً: إن استدراكه الأخير في غير محله؛ فإن السعفات المظلل عليها بالثوب يقال لها: خيمة، وليس عريشاً، بل لا يقال لها خيمة أيضاً، كما يرى البعض. كما أن ما ذكره من عدتهم وسيوفهم محط نظر يعرف مما تقدم.
ونضيف نحن هنا:
أولاً: إن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يمكن أن يفر من الزحف.
وثانياً: قوله «صلى الله عليه وآله»: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد» ـ وهو ما نقله مختلف المؤرخين ـ يكذب أن يكون «صلى الله عليه وآله» أراد الفرار على نجائبه، لو ربح المشركون هذه الحرب. إذ إن الله تعالى لا يمكن أن يعبد في الأرض حتى ولو رجع النبي «صلى الله عليه وآله» إلى أهل المدينة؛ فكيف يقول ذلك ثم يقدم على تصرف كهذا؟!
وثالثاً: لو أن النبي «صلى الله عليه وآله» خسر حرب بدر، فلن يتركه المشركون ينجو بنفسه منهم؛ ولن يعطوه الفرصة ليجمع لهم الجموع من جديد؟!. ولسوف لن يتركوا مهاجمة المدينة، والقضاء على مصدر متاعبهم فيها. وهم الآن بالقرب منها، ويعيشون نشوة النصر والظفر، ومعهم جيش على أحسن ما يرام في عدده وفي عدته.
ورابعاً: كيف يكون «صلى الله عليه وآله» قد اتخذ العريش مكاناً له، وحرسه الحراس فيه، وهم يقولون: إنه «صلى الله عليه وآله» رؤي يوم بدر في أثر المشركين مصلتاً السيف، يتلو قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}([74]).
ويقولون أيضاً: إنه قد اشترك في حرب بدر بنفسه، وقاتل بنفسه قتالاً شديداً([75]).
ومما يدل على اشتراكه في الحرب أيضاً، قولهم: كان ثمة يوم بدر رجال يقاتلون، واحد عن يمينه، وآخر عن شماله، وثالث أمامه، ورابع خلفه([76]).
ويروون عن علي «عليه السلام» أيضاً قوله: لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله «صلى الله عليه وآله»، فكان أشد الناس بأساً، وما كان أحد أقرب إلى المشركين منه([77]).
إذن، فلا بد أن نسأل: أين كان أبو بكر آنئذٍ؟ أمع النبي «صلى الله عليه وآله» في ساحة القتال؟ أم في العريش وحده، ليكون في موقع القائد والرئيس كما يريد الجاحظ أن يدَّعي حسبما سيأتي؟ وسوف تأتي بقية الحديث حول موضوع شجاعة أبي بكر، وحضوره في العريش في الفصل الذي يأتي بعد وقعة بدر إن شاء الله تعالى.
وخامساً: إنه إذا لم يكن معهم سوى فرس المقداد، فمن أين جاءت النجائب المعدة لفرار رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟! ولماذا لم تشارك في الحرب، للدفاع عن الدين وعن المسلمين؟!.
إشـارة:
ولو فرض صحة الحديث المتقدم المروي عن علي «عليه السلام»، فلا بد أنه كان يتحدث عن غيره لا عن نفسه، لأن علياً لم يكن يخشى المشركين، ولم يكن ليحتاج إلى ملجأ يحميه منهم. كيف وهو الذي قتل أكثر من نصف قتلى المشركين في بدر؟ وشارك في النصف الآخر كما سنرى؟
ويكون قوله «عليه السلام» ذلك نظير أن يقول شخص مثلاً: إننا في بلادنا نأكل كذا، أو نلبس أو نصنع الشيء الفلاني. مع أن هذا القائل لم يأكل، أو لم يلبس، أو لم يصنع ذلك الشيء شخصياً أبداً.

المبـارزة:

وكان أول من برز للقتال عتبة، وشيبة، والوليد؛ فبرز إليهم ثلاثة من الأنصار، فقالوا لهم: ارجعوا؛ فإنا لسنا إياكم نريد، إنما نريد الأكفاء من قريش، فأرجعهم النبي «صلى الله عليه وآله»، وبدأ بأهل بيته؛ لأنه كره أن تكون البدأة بالأنصار([78])، وندب عبيدة بن الحارث، وحمزة، وعلياً، قائلاً: «قم يا عبيدة، قم يا عم، قم يا علي، فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم إلخ..».
فسأل عتبة عنهم، فأخبروه عن أنفسهم، وسأل شيبة عن حمزة، فقال له: أنا حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله.
فقال شيبة: قد لقيت أسد الحلفاء، فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله.
فقتل علي «عليه السلام» الوليد، وجاء فوجد حمزة معتنقاً شيبة، بعد أن تثلمت في أيديهما السيوف، فقال: يا عم طأطئ رأسك، وكان حمزة طويلاً، فأدخل رأسه في صدر شيبة؛ فاعترضه علي بالسيف فطير نصفه (أي نصف رأسه). وكان عتبة قد قطع رجل عبيدة، وفلق عبيدة هامته، فجاء علي فأجهز على عتبة أيضاً.
فيكون أمير المؤمنين «عليه السلام» قد شرك في قتل الثلاثة([79]).
ومما يدل على أنه شرك في قتلهم جميعاً، ما ورد في كتاب «المقنع» من أن هنداً قالت:
مـا كـان لي عـن عتبة مـن صـبر                أبـي، وعمي، وشـقيـق صــدري
أخي الذي كـان كضوء الـبــدر           بـهـم كسـرت يـا عـلي ظهـري([80])
وقال السيد الحميري رحمه الله في مدح أمير المؤمنين «عليه السلام»:
ولـه ببـدر وقـعــة مـشـهــورة           كـانـت عـلى أهـل الشقاء دمــارا
فـأذاق شيبـة  والـوليــد مـنـيـة          إذ صـبـحــاه جـحـفــلاً  جـرارا
وأذاق عــتـبـة مثلها أهـوى لهـا                عضـبـاً صـقـيـلاً مـرهفـاً بتارا([81])
ويدل على ذلك أيضاً: ما أجاب به بعض بني عامر حسان بن ثابت على أبيات له، يقول ذلك البعض:
بـبـدر خرجتـم للـبراز  فـردكـم           شيـوخ قـريـش جهـرة وتـأخـروا
فـلما أتــاهـم حمـزة، وعـبــيــدة                 وجــاء عـلي بـالمـهـنـد يـخــطـر
فقالوا: نعم، أكفاء صدق، فأقبلوا               إليهــا ســراعــاً إذ بغـوا  وتجبروا
فجـال علي جـولــة  هــاشـمـيـة فـدمــرهــم لــما بغـوا وتكبروا([82])
وقد كتب «عليه السلام» في رسالة له لمعاوية: «فأنا أبو الحسن حقاً، قاتل جدك عتبة، وعمك شيبة، وخالك الوليد، وأخيك حنظلة، الذين سفك الله دماءهم على يدي في يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي»([83]).

بعد قتل الفرسان الثلاثة:

وحمل حمزة وعلي «عليه السلام» عبيدة بن الحارث، وأتيا به إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فاستعبر؛ وقال: يا رسول الله، ألست شهيداً؟!
قال: بلى، أنت أول شهيد من أهل بيتي (مما يشير إلى أنه لسوف تأتي قافلة من الشهداء من أهل بيته «صلى الله عليه وآله»، وهكذا كان).
فقال عبيدة: أما لو كان عمك حياً لعلم أني أولى بما قال منه، قال: وأي أعمامي تعني؟
قال: أبو طالب، حيث يقول:
كـذبتـم وبيـت الله يـبــزى  محمد       ولمـا نـطــاعـن دونــه  وننـاضـل
ونسـلـمـه حـتـى نـصــرع دونـه        ونــذهـل عـن أبنـائنـا   والحلائل
فقال «صلى الله عليه وآله»: أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟!.
قال: يا رسول الله، أسخطت علي في هذه الحالة؟
قال: ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمي، فانقبضت لذلك([84]).
وقد روى كثير من المؤرخين هذه القضية من دون ذكر القسم الأخير منها.
قالوا: ونزل في هؤلاء الستة قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ}([85]).
وفي البخاري: أن أبا ذر كان يقسم: أنها نزلت فيهم([86]).
ونزل في علي، وحمزة، وعبيدة أيضاً قوله تعالى: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}([87]).
وقيل: نزلت في علي وحده([88]).
وثمة عدة آيات أخرى نزلت في بدر في الثناء على أمير المؤمنين «عليه السلام»([89]) فراجع.
وبعد ما تقدم، فإننا نشير إلى الأمور التالية:

ألف: غضب النبي لأبي طالب:

إنه إذا كان الرسول «صلى الله عليه وآله» يغضب لذكر عمه، ولو بهذا النحو المهذب، والمحدود، فكيف إذاً يكون موقفه ممن يرمي أبا طالب بالشرك والكفر، ويعتبره مستحقاً للعذاب الأليم في نار الله المؤصدة؟!
فهل تراه سوف يكون مسروراً ومرتاحاً لهذا الكلام، الذي لا سبب له إلا السياسة، وما أدراك ما السياسة؟!

ب: بدء النبي بأهل بيته :

وقد رأينا: أن النبي «صلى الله عليه وآله» هو الذي أرجع الثلاثة الذين هم من الأنصار، وأمر حمزة وعلياً وعبيدة بن الحارث بالخروج إلى ساحة القتال أولاً([90]) وهم من أهل بيته، وقد قال علي «عليه السلام» عن النبي «صلى الله عليه وآله»:
«كان إذا حضر البأس، ودعيت نزال، قدم أهل بيته، فوقى بهم أصحابه، فقتل عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم أحد، وجعفر يوم مؤتة الخ..»([91]).
ونقول:
إنه حين يبدأ الرسول «صلى الله عليه وآله» الحرب بأهل بيته فإنه يكون قد أثبت بالفعل لا بالقول فقط، للأنصار وللمهاجرين: أنه ليس فقط لا يريد أن يجعلهم وسيلة للوصول إلى أهدافه، ويدفع بهم الخطر عن نفسه وأهل بيته، وإنما ثمة هدف أسمى، لا بد أن يساهم الجميع في العمل من أجله وفي سبيله. وهو «صلى الله عليه وآله» شريك لهم في كل شيء، في السراء والضراء، والشدة والرخاء. وهو يضحي ويقدم قبل أن يطلب ذلك من غيره، بل هو يحاول أن يدفع عن غيره، ولو بأهل بيته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وذلك هو ما يجب أن يكون المثل الأعلى لكل صاحب هدف، ولكل سياسي وقائد. فإن عليه أن يقدم هو أولاً التضحيات فإذا احتاج إلى معونة غيره، فإن طلبه منهم تكون له مبرراته، ويراه كل أحد: أنه صادق ومحق في طلبه ذاك. وليس له أبداً أن يجلس في برجه العاجي، ثم يصدر أوامره للآخرين، دون أن يرى نفسه مسؤولاً عن التحرك في اتجاه الهدف إلا في حدود الكلام وإصدار الأوامر، فإن الكلام لن يكون كافياً في تحقيق الأثر المطلوب في مجال التحرك نحو الهدف، مهما كان ذلك الهدف مقدساً، وسامياً.

ج: سخرية شيبة:

لقد رأينا كيف أن شيبة يسخر من كون حمزة أسد الله وأسد رسوله، ويعتز بكونه أسد الحلفاء؛ مع أن مقتضى الإنصاف والواقع هو عكس ذلك تماماً، فقد تقدمت الإشارة إلى بعض الأهداف الوضيعة، القائمة على أساس المنطق القبلي، والمنافع الخاصة، التي توخاها الحلفاء من حلفهم ثم هم يتوخونها من حرب بدر وغيرها..
وكلنا يعلم، وهم يعلمون: أن هدف الله ورسوله، وأسد الله من التضحيات على وجه الأرض ليس إلا إسعاد البشرية، ونجاة الإنسانية إن دنيا وإن آخرة.

د: الحق الذي جعله الله للمسلمين:

ثم ما هو هذا الحق الذي أشار إليه النبي «صلى الله عليه وآله» في قوله لعلي «عليه السلام»، وحمزة وعبيدة: «فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم»؟ أليس هو حق حرية الرأي والعقيدة، وحق الدفاع عن دين الله، وعن النفس، ورد البغي والعدوان؟ في مقابل القرشيين الذين عذبوهم، وأخرجوهم من ديارهم، وسلبوا أموالهم، بل وقتلوا منهم من قتلوا، وبغوا عليهم أقبح البغي؟!.
وخلاصة الأمر: أنهم يريدون أن يعيشوا أحراراً، وأن يدافعوا عن دين الله في مقابل من يريد الاستمرار في الانحراف والتعدي. وللمظلوم حق في أن يطالب بإنصافه من ظالمه، والباغي عليه، ولا سيما بعد أن عرض النبي «صلى الله عليه وآله» على قريش تلك الخيارات المتقدم ذكرها، فلم ترعو عن غيها. بل أرادت إطفاء نور الله، وأصرت على حرب المسلمين وإذلالهم، قال تعالى:
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ}([92]).

المعركة في ضرامها:

ولما رأى أبو جهل مقتل عتبة وشيبة والوليد، حاول إنقاذ الموقف؛ فقال: لا تعجلوا، ولا تبطروا، كما بطر ابنا ربيعة. عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزراً، وعليكم بقريش، فخذوهم أخذاً، حتى ندخلهم مكة؛ فنعرفهم ضلالتهم التي هم عليها.
ويذكر ابن عباس، في قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى}([93]): أن النبي «صلى الله عليه وآله» ـ بأمر من جبرائيل ـ قال لعلي «عليه السلام»: ناولني كفاً من حصباء، فناوله كفاً من حصباء (وفي رواية: عليه تراب) فرمى به في وجوه القوم؛ فما بقي أحد إلا امتلأت عينه من الحصى.
وفي رواية: وأفواههم، ومناخرهم، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم، ويأسرونهم([94]). فابن عباس إنما يطبق الآية على هذا العمل الإعجازي.

الملائكة في بدر:

وقد أمد الله المسلمين بالملائكة لتثبيت قلوبهم، وفي كونهم حاربوا خلاف. وظاهر القرآن ربما لا يساعد عليه حيث يقول تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}([95]).
ولكن ثمة آية أخرى تشير إلى اشتراكهم بالقتال، وهي قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَألْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}([96]).
هذا إذا كان قوله تعالى: {فَاضْرِبُواْ ..} خطاباً للملائكة، كما لعله الظاهر، وإن كان خطاباً للمقاتلين من الناس، فلا دلالة في الآية على ذلك أيضاً.
ومهما يكن من أمر، فإن الملائكة كانوا يتشبهون بأمير المؤمنين علي «عليه السلام»([97]).
ولربما كانوا هم الوسيلة لتكثير المسلمين في أعين المشركين أثناء القتال، كما قال تعالى: {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ}.

عائشة في حرب الجمل:

وبالمناسبة، فإن عائشة قالت في حرب الجمل: ناولوني كفاً من تراب، فناولوها؛ فحثت في وجوه أصحاب أمير المؤمنين، وقالت: شاهت الوجوه ـ كما فعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» بأهل بدر ـ فقال أمير المؤمنين: «وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى، وليعودن وبالك عليك إن شاء الله»([98]).
كما أن عائشة قد نظرت إلى علي «عليه السلام» وهو يجول بين الصفوف في حرب الجمل، فقالت: انظروا إليه كأن فعله فعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم بدر، أما والله ما ينتظر بكم إلا زوال الشمس([99]).
وهكذا كان.. صدق أمير المؤمنين «صلوات الله وسلامه عليه».

الخزي والهزيمة:

وهزم الله المشركين شر هزيمة؛ وقتل أبو جهل. وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أوعده أن يقتله الله بأضعف أصحابه، بل أخبر «صلى الله عليه وآله» بكل ما جرى في بدر قبل وقوعه([100]). فقتله رجل أنصاري، واحتز رأسه ابن مسعود.
وقيل: إنه وجده بآخر رمق، فأجهز عليه، ولكن الأقرب هو الأول، لأن سلبه أخذه غير ابن مسعود.
وكان أول من انهزم في بدر إبليس لعنه الله، فإنه كان قد تبدى للمشركين ـ كما جاء في الرواية ـ بصورة سراقة بن مالك المدلجي، من أشراف كنانة، حيث إن قريشاً كانت قد خافت من بني بكر بن عبد مناف، لدم بينهم؛ فتبدى لهم إبليس بصورة سراقة، وأعطاهم جواره؛ فلما رأى ما جرى للمشركين، ورأى الملائكة مع المسلمين نكص على عقبيه، فانهزم المشركون.
وقال المكيون: هزم سراقة؛ فقال سراقة: ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم؛ فلما أسلموا علموا أنه الشيطان.
وروي: أن أبا سفيان لما أبلغ العير إلى مكة رجع، ولحق بجيش قريش، فمضى معهم إلى بدر، فجرح يومئذٍ جراحات، وأفلت هارباً، ولحق بمكة راجلاً([101]).

 
([1]) الظاهر: أن الصحيح هو: لنستعينن.
([2]) المصنف للصنعاني ج5 ص358 و359.
([3]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج14 ص85 ومغازي الواقدي ج1 ص20 و21 والبحار ج19 ص328 والسيرة الحلبية ج2 ص143.
([4]) مغازي الواقدي ج1 ص131.
([5]) الآيتان5 و 6 من سورة الأنفال.
([6]) الكامل لابن الأثير ج2 ص116.
([7]) البحار ج19 ص209 ومجمع البيان ج3 ص77 والدر المنثور ج2 ص184 عن: النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه، والبيهقي في سننه، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
([8]) يفهم ذلك من إطلاقات روايات الدر المنثور فراجع.
([9]) راجع: مروج الذهب ج2 ص340 ومسند أحمد ج1 ص63 وراجع: حلية الأولياء ج1 ص160 والغدير ج8 ص351 وراجع: أنساب الأشراف ج5 ص52 وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص54 وج8 ص256 وتفسير الميزان ج9 ص251 ـ 258 وتاريخ الأمم والملوك وغير ذلك.
([10]) راجع: كشف الأستار عن مسند البزار ج3 ص172 ومجمع الزوائد ج9 ص72.
([11]) راجع قاموس الرجال ج7 ص385 وعن كونه قد حد في الخمر راجع: الإصابة ج3 ص228 ـ 229 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص361 وأسد الغابة ج4 ص199 وشرح النهج للمعتزلي ج20 ص23.
([12]) راجع: قاموس الرجال ج4 ص312 ـ 315.
([13]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص143 و144 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص136= = و137 والروض الأنف ج3 ص43 وتاريخ الخميس ج1 ص369 عن ابن إسحاق والمغازي للواقدي ج1 ص29 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص259 ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج3 ص29 و30 والكامل في التاريخ ج2 ص116 و117 وتاريخ الإسلام (المغازي) ص53 والبحار ج19 ص245 والبداية والنهاية ج3 ص357 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص382.
([14]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص261.
([15]) السيرة الحلبية ج2 ص145 وأنساب الأشراف ج1 ص292 وراجع: السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص261 وتاريخ الخميس ج1 ص370 والمغازي للواقدي ج1 ص33 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص137والبداية والنهاية ج3 ص258.
([16]) السيرة الحلبية ج2 ص145، وراجع: صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة بدر، وباب علامات النبوة والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص384 و385 ورواه أحمد.
([17]) الآية14 من سورة النمل.
([18]) راجع: البحار ج19 ص294 و295، وروضة الكافي ص375، وتاريخ الطبري ج2 ص144، والكامل لابن الأثير ج2 ص121، وسيرة ابن هشام ج2 ص271، وتاريخ الخميس ج1 ص375 وراجع البداية والنهاية ج3 ص266 وأنساب الأشراف ج2 ص42 وفيه أنه حضر بدراً مع المشركين.
([19]) تاريخ الخميس ج1 ص163.
([20]) سيرة ابن هشام ج3 ص27 و28 والبداية والنهاية ج3 ص340.
([21]) البحار ج19 ص294.
([22]) شرح النهج ج14 ص78.
([23]) راجع السيرة الحلبية ج2 ص153.
([24]) راجع في ما تقدم السيرة لابن هشام ج2 ص271 والسيرة الحلبية ج2 ص154. وج1 ص291 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص31 و33.
([25]) راجع: مغازي الواقدي ج1 ص48، والسيرة الحلبية ج2 ص150، والدر المنثور ج3 ص166 عن دلائل النبوة للبيهقي، والبحار ج19 ص247، وتفسير القمي ج1 ص258.
([26]) الآية24 من سورة المائدة.
([27]) برك الغماد: يعني مدينة الحبشة كما في تاريخ الخميس ج1 ص373 وموضع من وراء مكة بخمس ليالٍ من وراء الساحل مما يلي البحر وهو على ثمان ليالٍ من مكة إلى اليمن. راجع مغازي الواقدي ج1 ص48.
([28]) تاريخ الخميس ج1 ص373، والسيرة الحلبية ج2 ص150 عن الكشاف ومغازي الواقدي ج1 ص48.
([29]) السيرة الحلبية ج2 ص150.
([30]) الدر المنثور ج3 ص163 و169 عن ابن جرير، وأبي الشيخ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والكشاف، والبيهقي، وعبد بن حميد والبداية والنهاية ج3 ص263.
([31]) الآية7 من سورة الأنفال.
([32]) الآية 42 من سورة الأنفال.
([33]) راجع على سبيل المثال: البداية والنهاية ج3 ص262، والثقات ج1 ص157.
([34]) صحيح مسلم باب غزوة بدر ج5 ص170، ومسند أحمد ج3 ص219 بطريقين، وعن الجمع بين الصحيحين، والبداية والنهاية ج3 ص263، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص394.
([35]) صحيح البخاري باب تستغيثون ربكم ج3 ص3 ط الميمنية، والبداية والنهاية ج3 ص262 و263، وسنن النسائي.
([36]) البداية والنهاية ج3 ص263 و264 عن أبي حاتم وابن مردويه.
([37]) الآية36 من سورة الأحزاب.
([38]) الآية1 من سورة الحجرات.
([39]) الآية61 من سورة آل عمران.
([40]) سيرة ابن هشام ج2 ص272، وتاريخ الخميس ج1 ص376، والسيرة الحلبية ج2 ص155؛ والكامل لابن الأثير ج2 ص122، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص403 و402، والبداية والنهاية ج3 ص267، وغير ذلك.
([41]) الخَبَار: ما لان من الأرض واسترخى.
([42]) راجع: فتح القدير ج2 ص291 عن الزجاجو311، والكشاف ج2 ص223 و203، وتاريخ الخميس ج1 ص375، وتفسير ابن كثير ج2 ص292 عن ابن عباس، وقتادة، والسدي، والضحاك، والدر المنثور ج3 ص171 عن ابن المنذر، وأبي الشيخ، والسيرة الحلبية ج2 ص154، وسيرة ابن كثير ج2 ص400 وعن الكشاف، وأنوار التنزيل، والمدارك، وغير ذلك.
([43]) وراجع: الكامل لابن الأثير ج2 ص123.
([44]) راجع كتابنا: الإسلام ومبدأ المقابلة بالمثل.
([45]) راجع: الكشاف ج2 ص203 و204، وتفسير ابن كثير ج2 ص292 غير أنه لم يذكر اتخاذ  الحياض.
([46]) الآية 11 من سورة الأنفال.
([47]) السيرة الحلبية ج2 ص149.
([48]) تاريخ الخميس ج1 ص371 عن الكشاف، والمناقب لابن شهر آشوب ج1 ص187، والبحار ج19 ص323، وهو عن تفسير العياشي ج2 ص25 و54، وحياة الصحابة ج1 ص493 عن الترغيب ج1 ص1316 عن ابن خزيمة. وراجع: المغازي للذهبي (تاريخ الإسلام) ص56 و59، والسيرة الحلبية ج2 ص149، ودلائل النبوة للبيهقي ط المكتبة العلمية ج3 ص38 و39 و49، والمغازي للواقدي ج1 ص27، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص35.
([49]) تاريخ الطبري ج2 ص135، والسيرة الحلبية ج2 ص149، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص388.
([50]) راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج1 ص187، والبحار ج19 ص206، ومجمع البيان ج2 ص214، وحسب طبعة دار إحياء التراث المجلد الأول ص415، وتاريخ الخميس ج1 ص371.
([51]) راجع: البحار ج19 ص323 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص40، والبداية والنهاية ج3 ص269، والسيرة الحلبية ج2 ص146، وحياة الصحابة ج1 ص603، وتاريخ الخميس ج1 ص371، وأنساب الأشراف ج1 ص290، ومجمع الزوائد ج6 ص93، والكامل في التاريخ  ج2 ص118، وغير ذلك.
([52]) راجع ما تقدم في المصادر المتقدمة في الهوامش المختلفة.
([53]) تفسير القمي ج1 ص262.
([54]) راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص187، والسيرة الحلبية ج2 ص146، والبحار ج19 ص244 و206، والكامل لابن الأثير ج2 ص118، ومجمع البيان، وغير ذلك، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص387.
([55]) التنبيه والإشراف ص204، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص387.
([56]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص298 و269، والمغازي للواقدي ج1 ص53، والبداية والنهاية ج3 ص263 و264، وراجع: دلائل النبوة ج2 ص327 و328، والسنن الكبرى ج9 ص147 و148، وزاد المعاد ج3 ص175، وصحيح مسلم ج5 ص170، وكشف الأستار ج2 ص311، والطبقات الكبرى ج2 ص15، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص132 ـ 134 و142 والسيرة الحلبية ج2 ص152.
([57]) البحار ج19 ص250 عن تفسير القمي، وراجع مغازي الواقدي ج1 ص71.
([58]) لسوف يأتي: أن العير قد سلمت، لأن أبا سفيان قد سلك بها طريق البحر وابتعد عن المدينة وعن مسير المسلمين.
([59]) الآية42 من سورة الأنفال.
([60]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص271 و272، وتاريخ الخميس ج1 ص375، وتاريخ الأمم والملوك ط الإستقامة ج2 ص144، والسيرة الحلبية ج2 ص154، والكامل في التاريخ ج2 ص122، ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج3 ص35، والبداية والنهاية ج3 ص266.
([61]) الآيتان 9 و10 من سورة الأنفال.
([62]) الآية 11 من سورة الأنفال.
([63]) الآية 11 من سورة ص.
([64]) مناقب الخوارزمي ص102، والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم النبيل، مخطوط في مكتبة كوبرلي رقم235، ومسند الكلابي في آخر مناقب ابن المغازلي ص434، ومناقب ابن المغازلي نفسه ص366، والإستيعاب هامش الإصابة ج3 ص33 و34، ومستدرك الحاكم ج3 ص11، وتلخيصه للذهبي بهامشه، ومجمع الزوائد ج9 ص125. ونقل ذلك عن: شرح النهج للمعتزلي ط أولى ج2 ص102، وجمهرة الخطب ج1 ص428، والأغاني ط دار الكتب ج4 ص175، وتاريخ الطبري ط دار المعارف ج2 ص430.
([65]) ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر، بتحقيق المحمودي ج1 ص145، وذخائر العقبى ص75 عن أحمد في المناقب، وطبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص14، وكفاية الطالب ص336 عنه، وفي هامشه عن: كنز العمال ج6 ص398 عن الطبراني، والرياض النضرة ج2 ص202، وقال: أخرجه نظام الملك في أماليه.
([66]) راجع المصادر في الهامشين السابقين.
([67]) السيرة الحلبية ج2 ص147.
([68]) المصدر السابق ص147 و148.
([69]) المصدر السابق.
([70]) انتفاخ السحر: كناية عن الجبن. والسحر: الرئة.
([71]) والظاهر أنه يرميه بالأبنة؛ فإن الأنصار كانوا يرمونه بذلك. راجع: مجمع الأمثال ج1 ص251 عند قولهم: أخنث من مصفر أسته، والبرصان والعرجان ص102 و103 متناً وهامشاً، والغدير ج8 ص251 عن صواعق ابن حجر ص108 عن الدميري في حياة الحيوان، وراجع: الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة ج1 ص188.
([72]) سيرة ابن هشام ج2 ص222 و279، ومغازي الواقدي ج1 ص49 و55، والكامل لابن الأثير ج2 ص122، وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص118، والسيرة الحلبية ج2 ص155 و156 و161 وغير ذلك من المصادر الكثيرة.
([73]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص118.
([74]) تاريخ الطبري ج2 ص172.
([75]) السيرة الحلبية ج2 ص123 و167، لكنه حاول توجيه ذلك بما هوخلاف صريح الكلام، فقال: إن المراد بالجهاد: الدعاء!!. كل ذلك من أجل أن يصح حديث العريش!!.
([76]) مغازي الواقدي ج1 ص78.
([77]) راجع: تاريخ الطبري ج2 ص135، والسيرة الحلبية ج2 ص123، والبداية والنهاية ج6 ص37، وحياة الصحابة ج2 ص677 عن أحمد، والبيهقي.
([78]) تفسير القمي ج1 ص264، والبحار ج19 ص313 و253، وسعد  السعود ص102.
([79]) راجع: المناقب ج3 ص119 عن صاحب الأغاني وغيره..
([80]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص283، والعثمانية، قسم نقوض الإسكافي ص432، والبحار ج19 ص292، والمناقب لابن شهر آشوب ج3 ص121.
([81]) ديوان السيد الحميري ص215، والمناقب لابن شهر آشوب ج3 ص122.
([82]) المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص119، والبحار ج19 ص291.
([83]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص435، ونهج البلاغة بشرح عبده ج3 ص13، والغدير ج10 ص151.
([84]) تفسير القمي ج1 ص265، والبحار ج19 ص255، وفي شرح النهج للمعتزلي ج14 ص80: أن رسول الله استغفر له ولأبي طالب يومئذٍ. والغدير ج7 ص316.
وفي نسب قريش لمصعب ص94: أن عبيدة قال: >يا رسول الله ليت أبا طالب حياً  = = حتى يرى مصداق قوله الخ..<.
وربما يقال: إن هذا هوالأنسب بأدب عبيدة وإخلاصه، ولكن لا؛ فإن قوله الآنف لا يضر في أدبه ولا في إخلاصه، حيث يرى نفسه قد ضحى بنفسه في سبيل الدين، فلا مانع من أن يقول ذلك.
([85]) الآية19 من سورة الحج.
([86]) البخاري ط الميمنية ج3 ص4، ومناقب ابن شهرآشوب ج3 ص118 عن مسلم، من دون قسم أبي ذر، ومستدرك الحاكم ج2 ص386، وصححه هو والذهبي في تلخيصه، والغدير ج7 ص202 عن: تفسير ابن كثير ج3 ص212، وتفسير ابن جزي ج3 ص38، وتفسير الخازن ج3 ص698، وتفسير القرطبي ج2 ص25 ـ 26، وصحيح مسلم ج2 ص550، وطبقات ابن سعد ص518، وبهذا قال ابن عباس، وابن خثيم، وقيس بن عباد، والثوري، والأعمش، وسعيد بن جبير، وعطاء.
([87]) الصواعق المحرقة ص80 .
([88]) مناقب الخوارزمي ص188، والكفاية للخطيب ص122.
([89]) المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص118 وغيره.
([90]) وفي أمالي المرتضى ج1 ص275، وإعلام الورى ص308، والبحار ج48 ص144، ومناقب ابن شهر آشوب ج4 ص316 أن الإمام الكاظم >عليه السلام< قال لنفيع الأنصاري:
>..وإن كنت تريد المفاخرة، فوالله ما رضوا مشركو قومي مسلمي قومك أكفاءهم حتى قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش<.
وأقول: لا منافاة بين الأمرين، فلعل المشركين لم يرضوا به، كما أنه «صلى الله عليه وآله» لم يرغب في البدأة بهم.
([91]) أنساب الأشراف ج2 ص81، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص77، وكتاب صفين لنصر بن مزاحم ص90، ونهج البلاغة باب الكتب الكتاب التاسع، والعقد الفريد ج4 ص336، ومناقب الخوارزمي ص176، ونهج البلاغة ج3 ص10 و11.
([92]) الآيتان 39 و40 من سورة الحج.
([93]) الآية 17 من سورة الأنفال.
([94]) البحار ج19 ص229 عن تفسير الثعلبي، والمناقب لابن شهراشوب ج1 ص189، وليراجع الحلبية ج2 ص167.
([95]) الآية15 من سورة الأنفال.
([96]) الآية12 من سورة الأنفال.
([97]) البحار ج19 ص285 عن المناقب.
ويروي الآخرون: أنهم كانوا على هيئة الزبير الذي كان عليه عمامة صفراء فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر كما في المستدرك للحاكم ج3 ص361، وحياة الصحـابـة ج3 ص586 عنه، وعن كنز العـمال ص268 عـن الطبراني وابـن = = عساكر، ومجمع الزوائد ج6 ص84، ولكن يعكر على هذا ما في دلائل النبوة لأبي نعيم ص170، وحياة الصحابة ج3 ص586 عنه من أن الملائكة كان عليهم يوم بدر عمائم بيض.
([98]) كتاب الجمل للشيخ المفيد ص186، وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص257، وراجع الفتوح لابن أعثم ج2 ص325.
([99]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص214.
([100]) البحار ج19 ص267 عن الاحتجاج، والتفسير المنسوب للإمام العسكري >عليه السلام< ص118 و119.
([101]) تاريخ الخميس ج1 ص375.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page