• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل السادس: من متفرقات الاحداث

سرقة طعمة:

يذكر المؤرخون هنا: قصة «سرقة طعمة»، ونحن نذكر أولاً النص التاريخي للرواية، ثم نشير إلى ما يرد عليها من مناقشات، بقدر ما يسمح لنا به المجال هنا، فنقول:
نص الرواية:
إنهم يقولون: إنه في شهر ربيع، سنة أربع من الهجرة، كانت قصة السرقة المعروفة عن بني أبيرق([1]) وجعلها الدياربكري في السنة الثالثة([2]).
فقد جاء في تفسير القمي: «أن قوماً من الأنصار، من بني أبيرق([3])، أخوة ثلاثة، كانوا منافقين: بشير، وبشر، ومبشر. فنقبوا على عم قتادة بن النعمان ـ وكان قتادة بدرياً ـ وأخرجوا طعاماً كان أعده لعياله، وسيفاً ودرعاً.
فشكا قتادة ذلك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال: يا رسول الله، إن قوماً نقبوا على عمي، وأخذوا طعاماً كان أعده لعياله، وسيفاً ودرعاً، وهم أهل بيت سوء، وكان معهم في الرأي رجل مؤمن، يقال له: لبيد بن سهل.
فقال بنو أبيرق لقتادة: هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ ذلك لبيداً؛ فأخذ معه سيفه، وخرج عليهم، فقال: يا بني أبيرق، أترمونني بالسرقة وأنتم أولى بها مني؟! وأنتم المنافقون تهجون رسول الله، وتُنسبون إلى قريش، لتبينن ذلك، أو لأملأن سيفي منكم.
فداروه، فقالوا له: ارجع يرحمك الله، فإنك بريء من ذلك، فمشى بنو أبيرق إلى رجل من رهطهم، يقال له: أسيد بن عروة، وكان منطيقاً بليغاً، فمشى إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منا، أهل شرف ونسب وحسب، فرماهم بالسرقة، واتهمهم بما ليس فيهم.
فاغتم رسول الله «صلى الله عليه وآله» لذلك، وجاء إليه قتادة، فأقبل عليه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقال له: عمدت إلى أهل بيت شرف، وحسب، ونسب، فرميتهم بالسرقة؟! فعاتبه عتاباً شديداً؛ فاغتم قتادة من ذلك، ورجع إلى عمه، وقال: يا ليتني مت ولم أكلم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقد كلمني بما كرهته، فقال عمه: الله المستعان؛ فأنزل الله في ذلك على نبيه «صلى الله عليه وآله»: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً، وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً، وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً، يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً﴾([4]). يعني الفعل، فوقع القول مقام الفعل.
إلى أن قال في تفسير القمي: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر «عليه السلام»: أن أناساً من رهط بشر الأدنين، قالوا: انطلقوا بنا إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقالوا: نكلمه في صاحبنا، أو نعذره أن صاحبنا بريء؛ فلما أنزل الله: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ﴾ إلى قوله: ﴿وَكِيلاً﴾،
أقبل رهط بشر، فقالوا: «يا بشر استغفر الله وتب إليه من الذنوب، فقال: والذي أحلف به، ما سرقها إلا لبيد؛ فنزلت ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾([5]).
ثم إن بشراً كفر، ولحق بمكة، وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشراً وأتوا النبي «صلى الله عليه وآله» ليعذروه قوله: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ﴾ ـ إلى قوله: ـ ﴿وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً﴾([6])»([7]).
وذكر الطبرسي وغيره: الرواية السابقة، مع بعض الاختلافات والإيضاحات فقالوا، والنص للطبرسي: «كان بشير (هكذا في نص الطبرسي ) يكنى أبا طعمة، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» ثم يقول: قاله فلان، وكانوا أهل حاجة في الجاهلية والإسلام، فنقب أبو طعمة على علية رفاعة بن زيد».
ثم يذكر شكواه لقتادة، ثم يقول: «فتجسسا في الدار، وسألا أهل الدار في ذلك، فقال بنو أبيرق: والله ما صاحبكم إلا لبيد الخ..».
إلى أن قال: «فلما سمع بذلك رجل من بطنهم الذي هم منه يقال له: أسير بن عروة، جمع رجالاً من أهل الدار، ثم انطلق إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».
إلى أن قال: «فلما أتى قتادة رسول الله بعد ذلك ليكلمه، جبهه رسول الله جبهاً شديداً، وقال: عمدت الخ..».
ثم يستمر في كلامه، إلى أن ذكر أخيراً ذهاب بشير إلى مكة: «فنزل على سلافة بنت سعد بن شهيد، وكانت امرأة من الأوس، من بني عمرو بن عوف، نكحت في بني عبد الدار، فهجاها حسان، فقال:
فقد أنـزلتـه بنت سعد فـأصبحت        ينـازعهـا جـلـد أستهـا وتنازعــه
ظننتم بأن يخفى الذي قد صنـعـتمُ           وفينا نبي عـنـد ذي الوحي واضعه
فحملت رحله على رأسها، فألقته بالأبطح، وقالت: ما كنت تأتيني بخير، أهديت إليَّ شعر حسان.
هذا قول: «مجاهد، وقتادة بن النعمان، وعكرمة، وابن جريج»([8]).
ثم أضاف الطبرسي «رحمه الله» قوله: إلا أن عكرمة قال: إن بني أبيرق طرحوا ذلك على يهودي، يقال له: زيد بن السهين([9])، فجاء اليهودي إلى رسول الله، وجاء بنو أبيرق إليه، وكلموه: أن يجادل عنهم؛ فهم رسول الله أن يفعل، وأن يعاقب اليهودي؛ فنزلت الآية. وبه قال ابن عباس([10]).
وقال الضحاك: نزلت في رجل من الأنصار، استودع درعاً؛ فجحد صاحبها فخونه رجال من أصحاب النبي؛ فغضب له قومه، فقالوا: يا نبي الله، خوّن صاحبنا وهو مسلم أمين، فعذره النبي، وكذب عنه، وهو يرى: أنه بريء، مكذوب عليه فأنزل الله الآيات([11]).
واختار الطبري هذا الوجه، قال: لأن الخيانة إنما تكون في الوديعة، لا في السرقة([12]). إنتهى كلام الطبرسي.
وفي رواية عن ابن عباس: أن طعمة سرق درع قتادة، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرق الجراب، حتى انتهى إلى داره، ثم خبأها عند رجل من اليهود، يقال له: زيد بن السمين. ثم تذكر الرواية كيف اقتفوا أثر الدقيق، حتى انتهوا إلى دار طعمة؛ فحلف لهم، فتركوه. ثم اقتفوا أثر الدقيق إلى منزل اليهودي، ثم جاء قوم طعمة إلى النبي «صلى الله عليه وآله» الخ..([13]).
وقال الطبرسي أيضاً: «يروى: أن أبا طعمة بن أبيرق سرق درعاً من جار له اسمه قتادة بن النعمان، وخبأها عند رجل من اليهود؛ فأخذ الدرع من منزل اليهودي؛ فقال: دفعها إليَّ أبو طعمة، فجاء بنو أبيرق إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى آخر ما مر عن الضحاك([14]).
وعن ابن زيد: «كان رجل سرق درعاً من حديد في زمن النبي «صلى الله عليه وآله» طرحه على يهودي.
فقال اليهودي: والله ما سرقتها يا أبا القاسم، ولكن طرحت عليَّ، وكان للرجل الذي سرق جيران يبرئونه، ويطرحونه على اليهودي، ويقولون: يا رسول الله، إن هذا اليهودي خبيث، يكفر بالله وبما جئت به، حتى مال عليه النبي «صلى الله عليه وآله» ببعض القول.
فعاتبه الله في ذلك؛ فقال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً﴾([15]). واستغفر الله مما قلت لليهودي الخ..»([16]).
وعند الطوسي: أنه بلغ بني أبيرق نزول الآيات فخرجوا من المدينة، ولحقوا بمكة، وارتدوا؛ فلم يزالوا بمكة مع قريش؛ فلما فتح مكة هربوا إلى الشام؛ فأنزل الله فيهم: ومن يشاقق الرسول الخ..([17]).
وفي رواية عن ابن عباس، بعد أن ذكر: أن صاحب الدرع أتى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي،
فلما رأى السارق ذلك عمد إليها، فألقاها في بيت بريء، وقال لرجل من عشيرته: إني غيبت الدرع، وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده؛ فانطلقوا إلى النبي «صلى الله عليه وآله».
إلى أن قالت الرواية: فقام رسول الله «صلى الله عليه وآله»؛ فبرأه، وعذره على رؤوس الناس؛ فأنزل الله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ..﴾([18])»([19]).
وقال الضحاك: أراد النبي «صلى الله عليه وآله» أن يقطع يده (أي يد اليهودي المتهم بالسرقة) وكان مطاعاً، فجاءت اليهود شاكين في السلاح؛ فأخذوه؛ وهربوا؛ فنزل: ها أنتم هؤلاء، يعني: اليهود([20]).
وقيل: إن زيد بن السمين أودع الدرع عند طعمة؛ فجحده طعمة، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ..﴾([21]).
وذكر السدي: «أن الآية نزلت في طعمة بن أبيرق، استودعه رجل من اليهود درعاً؛ فانطلق بها إلى داره؛ فحفر لها اليهودي، ثم دفنها، فخالف إليها طعمة، فاحتفر عنها، فأخذها، فلما جاء اليهودي يطلب درعه كافره عنها؛ فانطلق إلى أناس من اليهود من عشيرته؛ فقال: انطلقوا معي؛ فإني أعرف موضع الدرع؛ فلما علم به طعمة أخذ الدرع، فألقاها في بيت أبي مليك الأنصاري، فلما جاءت اليهود تطلب الدرع فلم تقدر عليها، وقع به طعمة، وأناس من قومه، فسبوه.
قال: أتخونونني؟ فانطلقوا يطلبونها في داره؛ فأشرفوا على دار أبي مليك، فإذا هم بالدرع.
وقال طعمة: أخذها أبو مليك.
وجادلت الأنصار دون طعمة، وقال لهم: انطلقوا معي إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وقولوا له: ينضح عني، ويكذب حجة اليهودي، فإني إن أكذب كذب على أهل المدينة اليهودي، فأتاه ناس من الأنصار؛ فقالوا: يا رسول الله، جادل عن طعمة، وأكذب اليهودي، فَهَمَّ رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يفعل؛ فأنزل الله عليه: ﴿لاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً..﴾ إلى قوله: ﴿أَثِيماً﴾.
ثم ذكر الأنصار ومجادلتهم، فقال: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله..﴾ إلى قوله: ﴿وَكِيلاً﴾.
ثم دعا إلى التوبة، فقال: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ..﴾ إلى قوله: ﴿رَّحِيماً﴾.
ثم ذكر قوله حين قال: أخذها أبو مليك؛ فقال: ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً..﴾ إلى قوله: ﴿مُّبِيناً﴾.
ثم ذكر الأنصار، وإتيانها إياه: أن ينضح عن صاحبهم، ويجادل عنه، فقال: ﴿لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ﴾، ثم ذكر مناجاتهم فيما يريدون أن يكذبوا عن طعمة، فقال: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ﴾.
فلما فضح الله طعمة بالقرآن بالمدينة، هرب حتى أتى مكة، فكفر بعد إسلامه، ونزل على الحجاج بن علاط السلمي، فأراد أن يسرقه، فسمع الحجاج خشخشة في بيته، وقعقعة جلود كانت عنده؛ فنظر فإذا هو بطعمة، فقال: ضيفي وابن عمي فأردت أن تسرقني؟! فأخرجه؛ فمات بحرة بني سليم كافراً، وأنزل الله فيه: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ..﴾ إلى قوله: ﴿وَسَاءتْ مَصِيراً﴾»([22]).
مناقشة النص:
ولكن لنا شكوك كبيرة في كثير من الجهات والأمور التي أثارتها النصوص المتقدمة، ونكتفي هنا بتسجيل النقاط التالية:
أولاً: إن ملاحظة النصوص المتقدمة، ومقارنتها فيما بينها، وكذلك مقارنتها مع غيرها من الروايات التي لم نذكرها، وإنما اكتفينا بالإشارة إلى مصادرها في الهامش،
إن هذه الملاحظة والمقارنة توضح لنا مدى التفاوت، والاختلاف، الذي قد يصل إلى درجة التناقض الواضح والفاضح فيما بينها، ولا نريد أن نذكر النصوص المتخالفة هنا، ما دام أن بوسع القارئ الكريم أن يلحظ ذلك بأدنى تأمل ومراجعة.
ثانياً: لقد ادّعت تلك النصوص: أن قوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ قد نزل بهذه المناسبة.
وقد أريد به: أن استغفر الله يا محمد «صلى الله عليه وآله» مما هممت به من معاقبة اليهودي.
وقيل: من جدالك عن طعمة.
وقد تمسك بهذه الآية من يرى جواز صدور الذنب من الأنبياء، وقالوا: لو لم يقع من الرسول «صلى الله عليه وآله» ذنب لما أُمر بالاستغفار([23]).
وقد صرحت بعض الروايات المتقدمة: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد عمل أو همَّ بعمل كان في غير محله على الأقل.
ففي بعضها: أنه «صلى الله عليه وآله» قد لام قتادة لوماً شديداً.
وفي أخرى: جبهه رسول الله «صلى الله عليه وآله» جبهاً شديداً.
وفي ثالثة: أنه «صلى الله عليه وآله» مال على اليهودي ببعض القول.
ورابعة تقول: فعذره النبي «صلى الله عليه وآله»، وكذب عنه وهو يرى أنه بريء مكذوب عليه، فنزلت الآيات.
وفي خامسة: أنه «صلى الله عليه وآله» برأ السارق، وعذره على رؤوس الناس، فأنزل الله إنا أنزلنا الخ..
ولعل كلمة «الخصام» تشير إلى الشدة في ذلك؛ فإن المخاصمة: «المنازعة، بالمخالفة بين اثنين، على وجه الغلظة»([24]).
إلى غير ذلك من النصوص المختلفة، التي تفيد: أنه «صلى الله عليه وآله» قد عذر السارق، وساهم في تبرئته فعلاً، أو أنه هم بذلك.
أما نحن فنقول: إن ذلك لا يصح؛ وذلك للأمور التالية:
1 ـ إن النبي «صلى الله عليه وآله» إما أن يكون قد قصر في تحريه للحقيقة فانخدع، فذلك لا يصح؛ لأن النبي «صلى الله عليه وآله»، لم يكن ليقدم على إدانة شخص، والدفاع عن آخر؛ ما لم يثبت له بعد التحري والتحقيق الدقيق براءته، وصدقه.
وأما الإقدام على تبرئة شخص، والدفاع عنه، من دون تحرٍ ولا تحقيق، فهو لا يصدر عن أي إنسان عادي آخر، فكيف بالنبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» الذي هو عقل الكل، ومدبر الكل، ورئيس الكل، وقد تلقى «صلى الله عليه وآله» الحكمة عن الله سبحانه، فلا يعقل أن يتصرف تصرفاً غير معقول كهذا.
وإما أن يكون قد حكم وفق الضوابط الظاهرية، التي جعلها الله سبحانه في موارد كهذه؛ فلا معنى لاعتبار ذلك من الذنوب التي لا بد أن يستغفر منها.
وإما أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد حكم وفق هواه، وعلى خلاف ما يريده الله سبحانه، حتى صح أن يعد الله ذلك ذنباً يستوجب الاستغفار.
فمعنى ذلك: أن لا يكون «صلى الله عليه وآله» معصوماً، وهذا خلاف ما ثبت بالدليل القاطع، والبرهان الناصع، من عصمته «صلى الله عليه وآله»، وخلاف الآيات التي ألزمت الناس بالرجوع إليه ليحكم بينهم، واعتبار حكمه حكماً إلهياً، لا بد من قبولهم به وانتهائهم إليه.
2 ـ إن قوله تعالى في بقية هذه الآيات التي يقال: إنها نزلت في هذه المناسبة: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً﴾([25]).
ثم قوله: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَّجْوَاهُمْ﴾.
وكذا قوله: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾([26]).
إن هذه الآيات تفيد: أنهم كانوا قد تناجوا في هذا الأمر، وبيَّتوا ما لا يرضي الله من القول، بهدف الذب عن صاحبهم، وإبعاد الشبهة عنه. ولكن لم يصل ذلك إلى درجة إقدامهم على تضليل النبي «صلى الله عليه وآله»، فلم يقدموا على ذلك أصلاً بصريح الآية التي تقول: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ﴾([27])، فقد دلت الآية: على أنهم لم يهموا بإضلال النبي «صلى الله عليه وآله»، لا أنهم هموا بذلك وفعلوه ووقع النبي «صلى الله عليه وآله» والعياذ بالله في حبائل مكرهم، وهمَّ بمعاقبة السارق، أو بقطع يده، أو أنه برأه على رؤوس الأشهاد، وجبه قتادة جبهاً شديداً!!
بتعبير أوضح: إن هؤلاءالناس قد يحاولون إضلال النبي «صلى الله عليه وآله»، زاعمين: أن ذلك ممكن لهم..
ولكن بما أن هذا الأمر يستحيل حصوله.. فلا يصل سعيهم إلى نتيجة، ويكون همهم به بمنزلة العدم من حيث إنه من قبيل الهم بالمستحيل.
فيصح القول: بأنهم لم يهموا بذلك تنزيلاً له بمنزلة العدم.. بسبب استحالة تحقق مقتضاه، لأجل فضل الله على رسوله «صلى الله عليه وآله».
3 ـ إن نفس الآية الأنفة الذكر تدل على: أنهم حتى لو أنهم حاولوا إضلال النبي «صلى الله عليه وآله» في هذا، فإنهم سوف يفشلون في ذلك قطعاً وسوف لن يؤثر ذلك في النبي «صلى الله عليه وآله»، وذلك لقوله تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ﴾ فإنه بقرينة قوله بعده: ﴿وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ﴾، يفيد: أن إضلال هؤلاء لا يتعدى أنفسهم ولا يتجاوزهم إليك.
ويفيد: نفي إضرارهم بالنبي «صلى الله عليه وآله» نفياً مطلقاً، وذلك بسبب أن الله قد: ﴿أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾.
فنفس هذه الآية تفيد: أنه «صلى الله عليه وآله» لم يرتكب ذنباً في حق أحد يجب أن يستغفر الله منه.
وبعد كل ما تقدم، فإن الظاهر هو: أن الآية الشريفة: ﴿وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً، وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً، وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ﴾،
إن كل ذلك لا بد أن يكون وارداً مورد التأديب والتعليم له ولأمته في أن لا يبادروا بالخصام إلا بعد تبيّن الحق لهم، وليس يريد إثبات أنه «صلى الله عليه وآله» قد خاصم فعلاً عن الخائنين وجادل عنهم، فأذنب بذلك، فوجب أن يستغفر الله سبحانه. فإن ذلك ليس مراداً قطعاً؛ وذلك لما قدمناه من القرائن والأدلة، وهو من قبيل قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾([28]) فإنه لا يدل على وقوع الشرك منه «صلى الله عليه وآله».
أضف إلى ذلك كله: أن الشيخ الطوسي «رحمه الله تعالى» يقول: «على أنَّا لا نعلم: أن ما روي في هذا الباب وقع من النبي «صلى الله عليه وآله» لأن طريقه الآحاد، وليس توجه النهي إليه بدالٍّ على أنه وقع منه ذلك المنهي»([29]).
ثالثاً: وقالوا حول آية: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ﴾ : احتج به من ذهب من علماء الأصول: إلى أن له «صلى الله عليه وآله» أن يحكم بالاجتهاد، بهذه الآية([30]).
ونقول: إن الآية على خلاف ذلك أدلّ، حيث إن مفادها: أن الله سبحانه يريه الحق من الكتاب، فيحكم به.
وإلا فلو كان مراد الآية: أن له «صلى الله عليه وآله» أن يحكم بالاجتهاد، لكان ذكر إنزال الكتاب، ثم تعليل ذلك بقوله: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ﴾.
أضف إلى ذلك: أن الله سبحانه إذا أراه شيئاً فإنما يريه الحق، ولا يريه ما ليس بحق، ولو كان من قبيل الاجتهاد، الذي قد يخطئ ويصيب، لكان ينبغي أن يقول: بما تراه أنت ليشمل ما كان حقاً وما لم يكن كذلك.
وقد قال عمر بن الخطاب: «لا يقولن أحدكم: قضيت بما أراني الله، فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه «صلى الله عليه وآله»، ولكن ليجتهد رأيه، فإن الرأي من الرسول «صلى الله عليه وآله» كان مصيباً، لأن الله كان يريه إياه، وهو منّا الظن والتكلف»([31]).
وروي عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام أنه قال: «كان الرأي من رسول الله «صلى الله عليه وآله» صواباً، ومن دونه خطأ؛ لأن الله تعالى قال: فاحكم بينهم بما أراك الله، ولم يقل ذلك لغيره»([32]).
ويلاحظ هنا: أن الآية منقولة في هذه الرواية بالمعنى، لا بنصها الحرفي. والآية هي: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ﴾
رابعاً: أما ما ورد في رواية الضحاك؛ من أن اليهود جاؤوا شاكين السلاح، فخلصوا صاحبهم، وهربوا به، فهو موضع شك كبير، إذ لم يكن اليهود ليجرؤوا على ذلك بعد أن رأوا ما جرى لبني قينقاع من قبل، ثم لبني النضير.
وسيأتي بعض ما يرتبط بهذا الموضوع إن شاء الله تعالى.
كما ويرد هنا سؤال: إنه لماذا لم يتعقبهم المسلمون؟! وإلى أين هربوا؟ فهل إنهم خرجوا من البلاد التي تدين بالولاء لرسول الله «صلى الله عليه وآله»؟ ولماذا لم يذكر التاريخ لنا ذلك؟!
هذا كله، عدا عن أن ذلك يعتبر نقضاً للوثيقة التي كتبت في مطلع الهجرة فيما بين اليهود والمسلمين، والتي تنص على أن كل حدث واشتجار يخاف فساده: فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد «صلى الله عليه وآله»([33]).
خامساً: إن الظاهر هو: أن سورة النساء قد نزلت بعد السنة السادسة للهجرة، لأنهم يقولون: إنها نزلت بعد سورتي الأحزاب والممتحنة([34]) وهي قد نزلت بعد السنة الرابعة ولا سيما سورة الممتحنة، فإن قصة حاطب بن أبي بلتعة وكتابته لقريش، وانكشاف ذلك قد كان في قصة الحديبية([35]).
وثمة شواهد أخرى على ذلك في السورة مثل مجيء النساء المؤمنات في الحديبية، ونزول آية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ المُؤْمِنَاتُ..﴾([36]).
وصرح في رواية ابن عباس: بأن سورة الممتحنة نزلت بعد صلح الحديبية([37]).
كما أنها قد نزلت بعد سورة: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً﴾([38]) ولا شك في أن هذه السورة قد نزلت في شأن الحديبية وصرح الرواة في آية بيعة النساء بأنها نزلت عام الفتح([39]).
(وليراجع بقية تفسير سورة الممتحنة وتفسير سورة الأحزاب في الدر المنثور للوقوف على موارد أخرى تدل على ذلك).
أضف إلى ذلك: أنهم يقولون: إن قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ الواردة في سورة النساء قد نزلت يوم فتح مكة، حيث رد الرسول مفاتيح الكعبة إلى عثمان بن أبي طلحة، حسبما يقولون([40]).
بل لقد زعم النحَّاس: الاتفاق على نزول هذه الآية في مكة، حتى ادعى أن سورة النساء مكية([41]).
وفيها أيضاً: آية التيمم، التي يقول أبو هريرة وهو قد أسلم سنة سبع([42]): إنها لما نزلت لم يدرِ كيف يصنع([43]).
وتتبع الموارد الأخرى يُترك لمن أراد ذلك.
سادساً: تقدم: أن الطبري قد استظهر أن تكون القضية واردة في الخيانة في الوديعة لأن الخيانة إنما تقال في هذا المجال.
سابعاً: لقد روي في تفسير قوله تعالى: ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ ما يفيد: أن هذه الآيات قد نزلت في مورد آخر فراجع([44]).
ولم نفهم لماذا لم يشتك نفس صاحب الدرع إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأرسل شخصا آخر لهذا الغرض؟!
وأخيراً فإننا نلاحظ: أن بعض الروايات تهدف إلى الطعن بالأنصار، والحط من قدرهم.
الكلمة الأخيرة:
ولكننا مع كل ما تقدم، فإننا لا نستبعد أن يكون لهذه الرواية أصل، وإن لم نستطع أن نحدده بدقة، فربما يكون ثمة شخص قد سرق درعاً لأحدهم، فلما خاف أن تقطع يده هرب وارتد.
الارتداد لماذا؟!
ليس عجيباً أن يسرق الإنسان شيئاً ما، بدافع الحاجة أحياناً، أو بدافع الإضرار بخصمه أحياناً أخرى، أو لاقتضاء عادته وظروفه النفسية وغيرها وخصوصاً مع عدم بنائه نفسه، وأخلاقه، وعاداته، وسلوكه بصورة عامة، وفق المبادئ والمثل العليا التي يؤمن بها.
ولكن العجيب حقاً أن يتخلى هذا الإنسان عن عقيدته، وفكره، وقناعاته بسبب أمر تافه كهذا؟! وهذا إن دل على شيء؛ فإنما يدل على: أن هذه العقيدة لم تتخذ من نفسه صفة الأصالة والرسوخ الكامل، ولا اتصلت بعقله وبروحه، ولا هو تفاعل معها وعاشها فكراً وعقيدة وسلوكاً، وإنما كانت بالنسبة إليه نوعاً من الترف الفكري، أو انسياقاً في جو معين لم يَر بأساً من الانسياق معه، ولا ضرورة للتخلف عنه.

ماذا يقطع في حد السرقة؟!

إن حد السرقة هو قطع اليد، واختلفوا فيما يقطع منها، فقال قوم: بأن القطع للأصابع فقط. وإن كان الجمهور على أن القطع من الكوع([45]) على حد تعبير ابن رشد، واتفق على ذلك الأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل([46]).
ولكن قد خالف الشيعة في ذلك، وذهبوا تبعاً لأئمتهم إلى أن القطع يجب أن يكون من أصول الأصابع. ويدل على ذلك من النصوص الواردة عن أمير المؤمنين «عليه السلام» وغيره:
1 ـ إن الجاحظ يذكر: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» كان يقطع اليد من أصول الأصابع، حتى عد الجاحظ ذلك من المطاعن عليه([47]). وذلك يدل على شهرة ذلك عنه.
2 ـ روى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: أن علياً كان يقطع اليد من الأصابع، والرجل من نصف الكف([48]).
3 ـ ويشير إلى ذلك: أنهم يروون: أنه «عليه السلام» قد جيء بسارق، فقال لقنبر: اذهب به يا قنبر، فشد إصبعه، وأوقد النار، وادع الجزار ليقطع الخ..([49]).
فإن الظاهر: أنه أمره بشد إصبعه، ليكون القطع من أصول الأصابع.
4 ـ ويؤيد ذلك: قول عمر: لا تقطع الخمس «أي الأصابع» إلا في خمس([50]) أي دراهم.
5 ـ «وكان علي بن أصمع على البارجاه، ولاه علي بن أبي طالب «صلوات الله عليه»، فظهرت منه خيانة، فقطع أصابع يده، ثم عاش حتى أدرك الحجاج؛ فاعترضه يوماً، فقال: أيها الأمير، إن أهلي عقوني.
قال: بم ذاك؟
قال: سموني علياً.
قال: ما أحسن ما لطفت. ثم ولاه ولاية، ثم قال: والله لئن بلغتني عنك خيانة لأقطعن ما أبقى علي من يدك([51]).
6 ـ بل الظاهر: أن قطع الأصابع قد كان شائعاً قبل زمان عطاء، أي في الصدر الأول، كما يفهم من تساؤل ابن جريج، وجواب عطاء له، فقد قال ابن جريج لعطاء: سرق الأولى.
فقال: يقطع كفه.
قلت: فما قولهم: أصابعه؟!
قال: لم أدرك إلا قطع الكف كلها([52]).

خسوف القمر:

ويقولون: إنه في السنة الخامسة من الهجرة في جمادى الآخرة انخسف القمر، وجعل اليهود يضربون بالطساس (جمع طاس) ويقولون: سحر القمر. فصلى بهم النبي «صلى الله عليه وآله» صلاة الخسوف، حتى انجلى القمر([53]).
ونقول:
إن من الواضح: أن اليهود لم يكونوا سليمي النوايا حينما ضربوا بالطساس، وقالوا: سحر القمر.
وذلك لأن خسوف القمر أمر عادي يحدث كثيراً، ويعرفه كل أحد.
فهل أراد اليهود بعملهم هذا التلاعب بأفكار الناس، وإيهامهم بأن هذا من فعل محمد «صلى الله عليه وآله»، وأنه ساحر، وليس بنبي؟!
إن تاريخ اليهود، ونشاطاتهم الماكرة والهدامة، لا تأبى عن تقوية هذا الاحتمال، وتأكيده.

النبي يبعث بالأموال إلى مكة:

وفي السنة الخامسة كما يقولون: أصابت قريشاً شدة، فبعث إليهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» بفضة، يتألفهم بها([54]).
وفي بعض النصوص: أنه أرسل إليهم بخمس مئة دينار([55]).
عن عبد الله بن علقمة الخزاعي، عن أبيه، قال: بعثني النبي «صلى الله عليه وآله» بمال لأبي سفيان بن حرب، يفرق في فقراء قريش، وهم مشركون يتألفهم. فقدمت مكة ودفعت المال إلى أبي سفيان فجعل أبو سفيان يقول: من رأى أبرّ من هذا ولا أوصل ـ يعني: النبي «صلى الله عليه وآله» ـ إنا نجاهد ونطلب دمه وهو يبعث إلينا بالصلات يبرنا بها([56]).
أما ما ذكره ابن سعد: من أنه «صلى الله عليه وآله» أرسل إلى أبي سفيان بمال يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح([57]) فلعلها كانت مرة أخرى غير التي كانت في السنة الخامسة. ولعل الرسول في كلا الحادثتين رجل واحد أيضاً.
ونقول:
إن هذا الموقف للرسول «صلى الله عليه وآله» من مشركي مكة لا يجوز تفسيره على أنه محاولة منه لشراء ولائهم، عن طريق استغلال ضعفهم الناشئ عن مكابدة الحاجة، ومكافحة الجوع، ومعاناة البلاء والالآم؛ لأن معنى ذلك هو أن مواقفه «صلى الله عليه وآله» وتصرفاته كانت تمليها عليه الروح التجارية، والشعور الانتهازي وأهداف لا إنسانية بصورة عامة.
وإنما عكس ذلك هو الصحيح. فإن مواقف المشركين معه «صلى الله عليه وآله»، وجرائمهم تجاهه، وتجاه أهل بيته وأصحابه والتي كانت قد بلغت الغاية، وأوفت على النهاية، لو فرض أنها قد كان لها دور في ما يتخذه من مواقف ويقوم به من أعمال، فقد كان اللازم هو أن يجد في معاناة أهل مكة أنواع البلاء ما يشفي غليل صدره ومتنفساً لحقده ووجده.
ولكننا نجده يعلن بفرحه وسروره، ويعرب عن تمنياته بزيادة النكبات، وتوالي المصاعب والمتاعب وبمضاعفة البلايا والمآسي على أولئك الذين لم يألوا جهداً ولم يدخروا وسعاً في حربه، وقهره، وإلحاق مختلف أنواع الأذى به وبكل من يلوذ به.
نعم، إن هذا هو الذي كان يمكن أن نتوقعه منه «صلى الله عليه وآله» في ظروف كهذه ولكن من يراجع حياة النبي «صلى الله عليه وآله» ومواقفه من أهل مكة قبل وبعد هذه القضية، فإنه يجده ذلك الرجل المشفق، والوالد الرحيم لهم حتى وهم يتخذون ضده وضد أهل بيته وأصحابه أعتى المواقف، ويرتكبون في حقهم أبشع الجرائم وأفظعها، فهو القائل في حرب أحد، التي قتل فيها عمه أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
وهو الذي قال لأهل مكة، حينما دخلها بعد ذلك في سنة ثمان للهجرة: اذهبوا؛ فأنتم الطلقاء.
مع أنهم قد حاربوه، ونابذوه على مدى سنوات طويلة، وقتلوا، أو تسببوا في قتل الكثيرين من الخيرة من أهل بيته وأصحابه.
وقد وصف القرآن الكريم حالته ومشاعره هذه بأنه: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُم، بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾([58]).
بل لقد كانت نفسه تذهب حسرات عليهم، حتى لقد قال الله تعالى له: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾([59]).
وقال مخاطباً إياه: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفاً﴾([60]).
نعم.. وهو هو شأن المسلم الأول، وتلك هي تعاليم الإسلام والتربية الإلهية الخالصة، التي تسمو بالإنسان عن أن يكون أسير انفعالاته وأحقاده، وتفتح أمامه الآفاق الرحبة، ليعيش الحياة بكل صفائها ونبلها، وبكل كمالاتها ومواهبها، لا تقيده قيود، ولا تحده حدود.

أول وافد على رسول الله :

ويقولون: إنه في السنة الخامسة قدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» بلال بن الحارث، في أربعة عشر رجلاً من مزينة، فأسلموا. وكان أول وافد مسلم بالمدينة.
فقال لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ارجعوا، فأينما تكونوا فأنتم من المهاجرين. فرجعوا إلى بلادهم([61]).
ونقول: إننا نسجل هنا ما يلي:
1 ـ إن اعتبار النبي «صلى الله عليه وآله» هؤلاء من المهاجرين أينما كانوا وحيثما وجدوا يشير إلى:
ألف: إن المهاجر لا ينحصر بمن قدم من مكة إلى المدينة، بل يعم كل من هاجر من بلاده إلى الله ورسوله، كما أشارت إليه الآية بل الآيات القرآنية.
إذاً: فلا يحق لأهل مكة أن يعتبروا أنفسهم «المهاجرين» دون غيرهم. فالامتيازات التي حاولوا أن يختصوا بها لأنفسهم دون غيرهم على هذا الأساس تصبح بلا مبرر مهما كان ضعيفاً وغير معقول.
ب : إن اعتبارهم من قبل النبي «صلى الله عليه وآله» مهاجرين، حتى مع بقائهم في بلادهم هو بدوره أيضاً توضيح ومعيار آخر لمفهوم المهاجر الذي يعترف به الإسلام ويتعامل على أساسه.
ج : إننا نلاحظ: أنه «صلى الله عليه وآله» قد ركز على كونهم من المهاجرين، ولم يعتبرهم من الأنصار، ولا ندري إن كان ذلك منه «صلى الله عليه وآله» وهو الذي كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق إلماحة إلى سياسة الاستئثار والتجني التي سوف ينتهجها الحكام تجاه الأنصار، لصالح المهاجرين، وهو بذلك يبذل محاولة لإعطاء المبررات المنطقية لإدانة تلك السياسة الظالمة وإظهار بعدها عن النزاهة، وعن العدالة.
وقد رأيناه «صلى الله عليه وآله» قد اعتبر: أن كل من دخل في الإسلام طوعاً فهو مهاجري([62]) حسبما روي عنه.
وهذا بدوره إدانة أخرى لتلك السياسات التي انتهجها الخليفة الثاني بعده لصالح المهاجرين ضد الأنصار، بهدف تكريس الحكم في هذا الفريق الذي يهتم الخليفة الثاني بأمره، ويرسم لذلك الخطط، ويضع له المناهج.
وقد أشرنا إلى شيء مما حاق بالأنصار في الجزء الخامس من هذا الكتاب فليراجعه من أراد، وتحدثنا عن جانب من هذه السياسات في كتابنا «الحياة السياسية للإمام الحسن عليه السلام».
2 ـ إننا نلاحظ: أن هذه الوفود قد بدأت في السنة الخامسة، وذلك يدل على: أن الناس قد بدأوا يشعرون بقوة الإسلام، وشوكته، وأصبح واضحاً لديهم: أن قريشاً، بكل جبروتها وقوتها ونفوذها قد باتت عاجزة عن تسديد ضربة قاضية لهذا الدين الجديد رغم أنها قد ألحقت بالمسلمين خسائر كبيرة في حرب أُحد، ولكن تحرك النبي «صلى الله عليه وآله» في غزوة حمراء الأسد وفي غيرها وحتى في حرب أُحد بالذات قد ضيع عليها فرص تكريس النصر لها كما هو معلوم.
إذاً، فقد كان من الطبيعي أن يظهر من يرغب بالإسلام إسلامه، دونما خوف أو وجل.
كما أن من الطبيعي أن يخطب أولئك الذي يعيشون في المنطقة ود المسلمين، وأن يعقدوا معهم معاهدات وإتفاقات توضح نوع ومستوى ومنطلقات العلاقة بهم.
وهذه الوفود، وإن كانت قد ظهرت على نطاق واسع في سنة تسع من الهجرة أي بعد فتح مكة، وكسر شوكة قريش والقضاء على جبروتها،
ولكن بدء هذه الوفود ولو بصورة محدودة في السنة الخامسة، يدلل على وجود تحول حقيقي في ميزان القوى في المنطقة، ثم في نظرة الناس للإسلام، والمسلمين، وحساباتهم الدقيقة وتصوراتهم فيما يختص بالتعامل معه كقوة جديدة في المنطقة، وكدين جديد أيضاً.
3 ـ قولهم: إن وفد بلال بن الحارث كان أول وفد مسلم إلى المدينة قد يكون موضع ريب وشك إذا أردنا أن نبحث هذا الموضوع بدقة وأناة، فلعل وفد ضمام بن ثعلبة كان قبله.
إلا أن يدَّعى :أن ضماماً لم يكن قد أسلم حينئذٍ.
ومهما يكن من أمر: فإن موضوع الوفود وسائر ما يتعلق به موكل إلى ما يأتي إن شاء الله تعالى.
4 ـ وإذا كان بلال بن الحارث شاباً في مقتبل العمر، لم يتجاوز الخمس وعشرين سنة([63]) فإن نسبة هذا الوفد إليه، من بين سائر الرجال الذين رافقوه، ولعل الكثيرين منهم كانوا أسن منه، وقد يكون فيهم من هو من ذوي الشرف والرياسة في تلك القبيلة،
نعم.. إن نسبة الوفد إلى هذا الشاب دون أي منهم يصبح بحاجة إلى مزيد من التأمل والتحقيق والتدبر.
5 ـ إن بلالاً كان يسكن وراء المدينة([64]) ـ كما يقولون ـ فلا بد من التأمل أيضاً في سبب اعتبار قدومه إلى النبي «صلى الله عليه وآله» وفادة عليه.
نسأل الله التوفيق لمزيد من البحث في ذلك في الوقت المناسب.

وفد ضمام بن ثعلبة:

قال الدياربكري: «وفي هذه السنة قدم على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ضمام بن ثعلبة، من بني سعد بن بكر، وعليه جمع كثير من أكابر أهل السير.
لكن الحافظ ابن حجر، قال في فتح الباري: إن قدوم ضمام كان في السنة التاسعة، كما ذهب إليه محمد بن إسحاق، وسيجيء في الخاتمة»([65]).
ونحن نوكل الحديث والتحقيق في ذلك إلى الحديث عن سنة تسع، وهي سنة الوفود إن شاء الله تعالى.
وإنما ذكرنا ذلك هنا متابعة لهم، وللإشارة إلى الموضع الذي نفضل إرجاء طرح هذه المسائل إلى حين بلوغه.

غدر مقيس بن حبابة:

قالوا: وفي السنة الخامسة، قدم مقيس بن حبابة من مكة، متظاهراً بالإسلام، فقال: يا رسول الله، جئتك مسلماً، وجئتك أطلب دية أخي، قتل خطأ، فأمر له رسول الله بدية أخيه هشام بن حبابة، فأقام عند رسول الله «صلى الله عليه وآله» غير كثير، ثم اعتدى على قاتل أخيه، فقتله، ثم رجع إلى مكة مرتداً([66]).
وذلك إن دل على شيء، فإنما يدل على: عدل الإسلام، وسماحته وتسامحه، ويظهر زيف وسقوط مناوئيه، وغدرهم.
وهو يعطي الصورة العملية عن أخلاقيات الإسلام ومناقبيته، ووفائه بالتزاماته.
وإلى جانب ذلك تظهر اللاأخلاقية والفلتان واللامبدئية الجاهلية.
أعاذنا الله من شرور أنفسنا، وهدانا إلى سواء السبيل.

 

([1]) الدر المنثور ج2 ص216، عن ابن سعد عن محمود بن لبيد.
([2]) تاريخ الخميس ج1 ص449.
([3]) الصحيح: بالراء لا بالزاي.
([4]) الآيات 105 ـ 108 من سورة النساء.
([5]) الآية 112 من سورة النساء.
([6]) الآية 113 من سورة النساء.
([7]) تفسير القمي ج1 ص151 ـ 152 وعنه في تفسير الميزان ج5 ص89 و 90 وفي تفسير البرهان ج1 ص414 وفي تفسير نور الثقلين ج1 ص453 و 454 وراجع: مجمع البيان ج3 ص105 ولباب النقول ص78 و 79 والمصادر الآتية في آخر نقل هذه الروايات.
([8]) مجمع البيان ج3 ص105 وراجـع: التبيـان ج3 ص317 وتفسير الميزان ج5 ص90 ـ 92 وفتح القدير ج1 ص511 ـ 512 والروض الأنف ج2 ص292 = = و 293 والدر المنثور ج2 ص215 ـ 217 عن: الترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن سعد والحاكم، وصححه، عن قتادة بن النعمان، وعن محمود بن لبيد.
([9]) لعل الصحيح: السمين.
([10]) راجع بالإضافة إلى مجمع البيان: الدر المنثور ج2 ص218 عن ابن جرير.
([11]) راجع: الدر المنثور ج2 ص218 عن ابن جرير، وابن المنذر، وسنيد، عن عكرمة، هذا بالإضافة إلى مجمع البيان.
([12]) راجع ما تقدم في: مجمع البيان ج3 ص105 والتبيان ج3 ص318.
([13]) تفسير الخازن ج1 ص400.
([14]) جوامع الجامع ص96.
([15]) الآية 105 من سورة النساء.
([16]) تفسير الميزان ج5 ص92 والدر المنثور ج2 ص217 عن ابن جرير.
([17]) التبيان ج3 ص317.
([18]) الآية 105 من سورة النساء.
([19]) الدر المنثور ج2 ص217 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم.
([20]) تفسير القرطبي ج5 ص376 وراجع ص379.
([21]) تفسير الخازن ج1 ص400.
([22]) الدر المنثور ج2 ص218 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي، ومهما يكن من أمر فإنك تجد الروايات المتقدمة وغيرها مما يختلف عنها بعض الاختلاف في: الدر المنثور ج2 ص215 ـ 219 عن الترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم، وابن أبي حاتم، وابن سعد، وأبي الشيخ وعبد بن حميد، وسنيد، وعبد الرزاق، وراجع: تنوير المقباس بهامش الدر المنثور ج1 ص289 ـ 293 وفيه: أن النبي «صلى الله عليه وآله» هم بضرب اليهودي.
وراجع: تفسير الكشاف ج1 ص561 ـ 565 وفيه: أنه هم بقطع يد اليهودي وفي هامشه عن تفسير الثعلبي وعن الواحدي، والترمذي والحاكم، والطبري وتفسير جامع البيان ج5 ص169 ـ 177 وغرائب القرآن بهامشه ج5 ص165 فما بعده، والجامع لأحكام القرآن ج5 ص375 عن: الترمذي، وعن الليث، والطبري، وذكر قصة موته يحيى بن سلام في تفسيره والقشيري كذلك، وزاد ذكر الردة، ثم قيل: كان زيد بن السمين ولبيد بن سهل يهوديين، وقيل: كان لبيد مسلماً الخ.. والتفسير الـكبـير ج11 ص32 ـ 42 وتفسير القـرآن العظيم ج1 ص550 ـ 552 ولباب النقـول ص78 ـ 80 وفي ظـلال القرآن ص751 و 752 و 759 = = والتبيـان ج3 ص316 وتفسير الخـازن  ج1 ص400 ـ 402 عن البغوي وغيره، وبهجة المحافل ج1 ص230 و 231 وشرحه بهامشه، وتفسير النسفي، بهامش الخازن ج1 ص400 ـ 402 وأسباب النزول ص103 وجوامع الجامع ص96 وفتح القدير ج1 ص512 والتفسير الحديث ج9 ص161 وتاريخ الخميس ج1 ص449 وأنساب الأشراف ج1 (قسم سيرة النبي «صلى الله عليه وآله») ص277 و 278 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص171 وهامشها، والروض الأنف عن الطبري، والترمذي والكشي ويحيى بن سلام في تفسيره وأكثر التفاسير، وابن إسحاق وفيه إشارة إلى بعض وجوه الاختلاف عند ابن إسحاق وغيره.
([23]) تفسير الخازن ج1 ص401 والتفسير الكبير ج11 ص34 والجامع لأحكام القرآن ج5 ص377 والتفسير الحديث ج9 ص163 وغرائب القرآن (مطبوع بهامش الطبري) ج5 ص167 وراجع: جامع البيان ج5 ص169.
([24]) مجمع البيان ج3 ص106.
([25]) الآيتان 112 و113 من سورة النساء.
([26]) الآية 108 من سورة النساء.
([27]) الآية 113 من سورة النساء.
([28]) الآية 65 من سورة الزمر.
([29]) التبيان ج3 ص316.
([30]) تفسير ابن كثير ج1 ص550 وراجع: تفسير النسفي بهامش الخازن ج1 ص400.
([31]) الكشاف ج1 ص562 وتفسير النسفي ج1 ص400 والتفسير الكبير للرازي ج11 ص33 وتفسير النيسابوري، بهامش جامع البيان ج5 ص166 وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج5 ص376.
([32]) تفسير نور الثقلين ج1 ص453 والإحتجاج  ج2 ص117.
([33]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص147 ـ 150 والبداية والنهاية ج3 ص224 ـ 226 ومكاتيب الرسول ج1 ص241 ـ 263 وراجع في الأقوال: ص184 وسنن البيهقي ج8 ص106.
([34]) الإتقان ج1 ص11.
([35]) راجع: الدر المنثور ج6 ص203 عن ابن مردويه وأبي يعلى، وابن المنذر.
([36]) الدر المنثور ج6 ص205 و 206 و 207 و 208 عن البخاري، وأبي داود في ناسخه والبيهقي في السنن والطبراني، وابن مردويه، وابن دريد في أماليه، وابن سعد، وابن إسحاق، وابن المنذر، وابن جرير، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم.
([37]) الدر المنثور ج6 ص208 عن ابن مردويه.
([38]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص43.
([39]) الدر المنثور ج6 ص209 عن ابن أبي حاتم.
([40]) الدر المنثور ج2 ص174 و 175 عن ابن مردويه، وابن جرير، وابن المنذر.
([41]) الإتقان ج1 ص12.
([42]) راجع: أسد الغابة ج5 ص316 والإصابة ج4 ص206 و 207 والإستيعاب بهامشها ج4 ص208 والبداية والنهاية ج8 ص102 وفتح الباري ج6 ص31 وج 7 ص377 و378 وشيخ المضيرة أبو هريرة وسير أعلام النبلاء ج2 ص589 ومسند أحمد ج2 ص475 وعمدة القاري ج23 ص291.
([43]) الدر المنثور ج2 ص167 عن المصنف لابن أبي شيبة.
([44]) تفسير نور الثقلين ج1 ص454 و 455 عن روضة الكافي، والإحتجاج، وتفسير العياشي وتفسير البرهان ج1 ص414 وتفسير العياشي ج1 ص275.
([45]) بداية المجتهد ج2 ص447. والكوع: هو طرف الزند الذي يلي الإبهام، ومنه المثل: أحمق يمتخط بكوعه.
([46]) راجع: الفقه على المذاهب الأربعة ج5 ص159.
([47]) العثمانية ص91.
([48]) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج10 ص185.
([49]) كنز العمال ج5 ص316 عن مسند أبي يعلى، وحياة الصحابة ج2 ص464 عنه.
([50]) سنن الدارقطني ج3 ص186، وأخرجه ابن المنذر والنسائي. وأخرجه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة وأبي سعيد. وفي هامش سنن الدارقطني عن: ابن شبرمة وابن أبي ليلى والحسن البصري.
([51]) الإشتقاق ص272 ووفيات الأعيان (ط دار صادر) ج3 ص175.
([52]) مصنف عبد الرزاق ج10 ص185.
([53]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص469 عن ابن حبان.
([54]) تاريخ الخميس ج1 ص470.
([55]) آثار الحرب في الفقه الإسلامي ص522 والمبسوط للسرخسي ج10 ص92 وراجع: الثقات ج1 ص261 عن شرح السير الكبير ج1 ص70.
([56]) التراتيب الإدارية ج1 ص390، 391 عن كنز العمال ج5 ص42 عن ابن عساكر.
([57]) الطبقات الكبرى (ط صادر) ج4 ص296 والتراتيب الإدارية ج1 ص225 وراجع: ص390، 391 عن ابن عساكر وعن كنز العمال ج5 ص42.
([58]) الآية 128 من سورة التوبة.
([59]) الآية 8 من سورة فاطر.
([60]) الآية 6 من سورة الكهف.
([61]) تاريخ الخميس ج1 ص470.
([62]) راجع: الجعفريات ص185 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص207 عنه ومستدرك الوسائل ج2 ص268 عن روضة الكافي.
([63]) الإصابة ج1 ص164.
([64]) الإصابة ج1 ص164.
([65]) تاريخ الخميس ج1 ص470 وراجع: الإصابة ج2 ص211.
([66]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص473، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص609 والكامل في التاريخ ج2 ص194 و92 و250.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page