• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الأول: أشخاص أراد الناس أن يمدحوهم

إيضاحات ضرورية:

هناك أشخاص جرت عادة بعض المؤرخين على تخصيصهم بالذكر في بعض الموارد في السيرة النبوية الشريفة، مع أنهم يهملون أو يكادون ذكر أشخاص قد ساهموا بصورة عميقة في بناء القوة الفكرية أو السياسية، أو المعنوية أو غيرها للمجتمع الإسلامي. وكان لهم أثرهم الكبير في حفظ الدين وفي نشره، وسهروا الليالي، وقدموا التضحيات الجسام من أجله وفي سبيله..
نعم، إنهم يهملون هؤلاء حين لا يحالفهم الحظ في أن يسلبوهم ذلك كله، لينحلوه إلى أعدائهم ومناوئيهم.
وحين تضطرهم الوقائع، ويفرض عليهم الواقع، الذي لا يجدون منه خلاصاً ولا عنه مناصاً، إلى الاعتراف بشيء من تضحيات وجهاد هؤلاء الذين يكرهون التنويه بذكرهم، والإعلان بمآثرهم، فإن تحريفهم وتلاعبهم بالحقائق، يصل إلى حد يصبح معه الإهمال والتجاهل أولى وأحفظ للحق، وأنفع للخلق، حيث يصبح السباب والتجريح أخف شناعة وقباحة من الكذب الصريح، الموجب لتحريف حقائق الدين، وتضييع جهد وجهاد الأولياء المخلصين.. وانسداد أبواب الهداية عن العالمين.
وقد نجد في هذا الفصل نماذج لأشخاص أريد التسويق لهم، من خلال الإدعاءات العريضة التي يطلقونها، والإنتفاخات الإستعراضية التي يقومون بها، لأن ذلك يخدم نفس الأهداف التي كان لهؤلاء الأشخاص دور في مساعدة أصحابها لبلوغها، أو لأنهم قد شاركوا في العمل على استبعاد نهج أصيل، ومحاصرة قيم الحق، وإضعاف حركة أناس يريدون لذلك النهج أن يفرض نفسه ولتلك القيم أن يكون لها دورها في واقع الحياة بقوة وحزم، وبعمق ورسوخ، وإباء وشموخ..
وحيث إننا قد التزمنا بمراعاة ومجاراة كتَّاب السيرة في ذكر ما أحبوا ذكره، فإننا نشير في هذا الفصل إلى نفس النقاط التي ذكروها، ونحاول أن لا نمر عليها مرور الكرام، بل نسجل بعض ما نجد ضرورة لتسجيله من توضيحات أو تصحيحات، مع التزام جانب الإختصار الذي نرجو أن لا يصل إلى حد الإخلال، والله الولي، والموفق، والهادي إلى سبيل الرشاد..

وفاة أم رومان:

قالوا: إن أم رومان بنت عامر، بن عويمر، أم عائشة ماتت في سنة ست. وكانت أولاً عند عبد الله بن سخبرة، فولدت له الطفيل، ثم مات عنها فتزوجها أبو بكر، فولدت له عبد الرحمن وعائشة.
فلما ماتت نزل النبي «صلى الله عليه وآله» في قبرها، فلما دليت فيه قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «من أراد أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى هذه»([1]). وهذا هو قول محمد بن سعد ، وإبراهيم الحربي.
وقد علق بعض الإخوة على هذا الحديث بقوله:
هذا الكلام لا ينسجم مع تعاليم الإسلام والتربية والأخلاق التي أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» أن يتربى الناس عليها ويتخلقوا بها، من لزوم غض النظر عن غير المحارم، ومراعاة حرمة الميت، فهو في مضمونه شاهد كذب على أنه لم يصدر عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولا يمكن أن يصدر عنه، خصوصاً في مثل هذا الزمان والمكان، فضلاً عن أنه لا يعطي أية منزلة ولا كرامة لأم عائشة سوى أنها جميلة جداً.
ولو سلم أنها كذلك فعلاً، فليس الجمال مقياساً للمكارم والتفاضل المجدي يوم لا ينفع مال ولا بنون، لأن الجمال نعمة يُسأل عنها المرء، وهذا الكلام لن يفيد حتى الزوج الذي يحتاج إلى كلمة تسليه، وشخص يعزيه.
وعلى أية حال فالمقام لا يتناسب مع هكذا مقال.
ونقول:
قد ذكرنا في الجزء الخاص بحديث الإفك من كتابنا هذا، في فصل: «شخصيات ومضامين غير معقولة»: أن هذا الكلام موضع شك، وأن آخرين يقولون: إنها عاشت بعد النبي «صلى الله عليه وآله» دهراً طويلاً، حيث ماتت في خلافة عثمان([2]).
ويستدلون على ذلك:
أولاً: برواية مسروق بن الأجدع عنها، وقد ولد مسروق أول سني الهجرة، وروى عنها حديث الإفك في خلافة أبي بكر أو عمر، وسمع منها حديث الإفك، وهو بعمر خمس عشرة سنة([3]).
ولكن كثيرين أنكروا هذا([4])، بل لقد قال السهيلي: إن مسروقاً ولد بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» بلا خلاف، ولم ير أم رومان قط([5]).
فالحكم بإرسال رواية مسروق بن الأجدع عنها، إستناداً إلى عدم الخلاف في ولادته أولى..
ثانياً: قد حاول العسقلاني إثبات بقائها إلى ما بعد سنة أربع أو خمس أو ست لكي يؤيد سماع مسروق منها بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله».. بالاستناد إلى روايتين:
إحداهما: رواية تخيير النبي «صلى الله عليه وآله» لنسائه. حيث أمر «صلى الله عليه وآله» عائشة أن تشاور أبويها: أبا بكر، وأم رومان..
والأخرى: حديث عبد الرحمن بن أبي بكر عن أضياف أبي بكر وفيه: «وإنما هو أنا وأبي، وأمي، وامرأتي الخ..».
وعبد الرحمن قد هاجر بعد الحديبية في سنة سبع أو ثمان بل هو قد أسلم يوم الفتح([6]). فدل ذلك على حياة أمه إلى ما بعد هذا التاريخ.
ونقول:
1 ـ قد ذكرنا في حديث الإفك: أن حياتها إلى سنة تسع لا تثبت بقاءها إلى ما بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله»، فضلاً عن أن تثبت سماع مسروق منها، وهو إنما ولد بعد وفاته «صلى الله عليه وآله» بلا خلاف.
2 ـ إن رواية أضياف أبي بكر قد عبرت بكلمة «وأمي»، فلعله نزَّل زوجة أبيه بمنزلة أمه.
3 ـ إن كلمة «وأمي» لا توجد في جميع نسخ البخاري، بل هي موجودة ـ فقط ـ في نسختي الكشمهيني، والمستملي.
4 ـ إن عبد الرحمن يقول: فقالت له امرأته، أو فقال لامرأته، وهذا يؤيد أن تكون زوجة أبيه، وليست أمه على الحقيقة..
5 ـ إن رواية الأضياف تقول: إن أبا بكر قد قال لزوجته: يا أخت بني فراس.. وهذا دليل آخر على أن المقصود ليس هو أم رومان،؛ حيث إنها ليست فراسية، فراجع ما ذكرناه حول ذلك في الجزء الخاص بحديث الإفك.
6 ـ إن التخيير لم يكن سنة تسع ـ كما يدعيه هؤلاء ـ بل كان قبل ذلك؛ لأن سورة الأحزاب التي وردت فيها آية التخيير قد نزلت ـ كما يقول نفس هؤلاء ـ سنة أربع أو خمس، أي حين زواج النبي «صلى الله عليه وآله» بزينب بنت جحش.
بل لقد صرحت رواية مسلم وغيره: بأن آية التخيير قد نزلت حين تظاهرت عليه عائشة وحفصة، فاعتزلهن رسول الله «صلى الله عليه وآله» تسعاً وعشرين ليلة، وذلك قبل أن يفرض الحجاب على نساء النبي «صلى الله عليه وآله»([7]).
وقد تقدم: أن الحجاب قد فرض ـ حسبما يدَّعون ـ عند زواجه بزينب بنت جحش، ونحن قلنا سابقاً: إنه قد فرض قبل ذلك. فلا نعيد..
وأما أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد نزل في قبر أم رومان، فهو مما رواه محبوها.
وقد عوَّدنا هؤلاء أنهم إكراماً لعائشة، ولأبي بكر، على استعداد لاقتحام كل المسلمات، وإيقاع أنفسهم في المتناقضات.
فإذا احتاجت عائشة إلى رواية مسروق بن الأجدع عن أم رومان، فإن أم رومان تعود إلى الحياة بعد عشرات السنين من موتها، ومسروق بن الأجدع يولد قبل زمان ولادته بعشر أو بعشرات من السنوات.
وإذا احتاجوا أم رومان لإظهار فضيلة لها من حيث إنها زوجة لأبي بكر، فإنها قد تموت قبل زمان موتها الحقيقي بعشرات السنين، لكي ينزل النبي «صلى الله عليه وآله» في قبرها، وينشئ لها المدائح والتقاريظ البديعة..
ونبقى نحن في أتون الحيرة والشك، فلا ندري من وما نصدق!! هل نصدق بموتها؟ أم بحياتها؟!.. أم نكذب هذا وذاك؟!
ونقول:
إنه ليس لها أي دور مميز يفرض على الناس أن يهتموا بتدوينه، وإنما يراد استخدام خصوصية كونها أماً لعائشة وزوجاً لأبي بكر لتسويق ما يريدون تسويقه من اختراعات وابتداعات، تهدف إلى تبييض وجه هذا أو ذاك.
ولعل هذا الاحتمال الأخير هو الأولى بالقبول، والأقرب إلى الاعتبار، والمنسجم كل الانسجام مع ما عرفناه وألفناه من هؤلاء وعنهم..

إسلام أبي هريرة:

ويقولون: إن أبا هريرة قد أسلم في سنة سبع، وقدم على النبي «صلى الله عليه وآله» في وقعة خيبر، وسيأتي الحديث عن ذلك حين الحديث عن خيبر إن شاء الله تعالى..

إسلام عمران بن حصين:

وذكروا: أن عمران بن حصين قد أسلم في سنة سبع أيضاً([8]).
وروي: أنه كان من المنحرفين عن علي «عليه السلام» أيضاً([9])، وأن علياً «عليه السلام» سيَّره إلى المدائن، وذلك أنه كان يقول: إن مات علي، فلا أدري ما موته، وإن قتل، فعسى أني إن قتل رجوت له([10]).
والظاهر: أنه قد رجع إلى أمير المؤمنين، وصار من شيعته، فإن الفضل بن شاذان قد عده في السابقين الذين رجعوا إلى علي «عليه السلام»([11]).
أو أنه كان متردداً، فتارة يكون معه، وتارة يكون عليه، كما يدل عليه روايته لحديث تسليم أبي بكر وعمر على علي «عليه السلام» بإمرة المؤمنين([12]).
وحديث سعيه لإقناع عائشة بالرجوع عن حرب عـلي «عليه السلام»([13]).
وأما حديثه في تحليل المتعة([14]) فلا يدل على موالاته لعلي «عليه السلام»، ولا على معاداته لمناوئيه

 


([1]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص26 وطبقات ابن سعد ج8 ص202 والروض الأنف ج4 ص21 ووفاء الوفاء ج3 ص897 والسيرة الحلبية ج2 ص79 والمستدرك للحاكم ج3 ص473 والجامع الصغير للسيوطي ج2 ص610 وكنز العمال ج12 ص146 وفيض القدير ج6 ص197 وأسد الغابة ج5 ص583 وعن الإصابة ج8 ص392 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص164.
([2]) تاريخ الخميس ج2 ص26 وتهذيب التهذيب ج2 ص468 عن البخاري في تاريخيه: الأوسط والصغير، وعن الإصابة ج8 ص392 وفيض القدير ج6 ص197 وعن مقدمة فتح الباري ص371.
([3]) الإصابة ج4 ص451 وتهذيب التهذيب ج12 ص468 وراجع: فتح الباري ج7 ص337 وإرشاد الساري ج6 ص343.
([4]) راجع: الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج4 ص452 والروض الأنف ج4 ص21 والإصابة ج4 ص452 وفتح الباري ج7 ص337 و 338 وتهذيب التهذيب ج12 ص468.
([5]) الروض الأنف ج4 ص21 والسيرة الحلبية ج2 ص79 وتهذيب الكمال ج35 ص360 وعن مقدمة فتح الباري ص371.
([6]) راجع: الإصابة ج4 ص451 و 452 وفتح الباري المقدمة ص371 وج7 ص337  وج8 ص401 وتهذيب التهذيب ج12ص468 و 469 ورواية تخيير النبي «صلى الله عليه وآله» نساءه في مسند أحمد ج6 ص212 وفيض القدير  ج2 ص187 وجامع البيان ج21 ص190 وعن تفسير القرآن العظيم ج3 ص489.
([7]) راجع: صحيح مسلم ج4 ص188 و 187 و 189 و 190 والدر المنثور ج6 ص242 و 243 عنه وعن ابن مردويه وعبد بن حميد ومسند أبي يعلى ج1 ص150 وعن تفسير القرآن العظيم ج4 ص415 وصحيح ابن حبان ج9 ص496 وكنز العمال ج2 ص528 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص189.
([8]) نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ص21 وأضواء على السنة المحمدية ص116 وسير أعلام النبلاء ج2 ص508.
([9]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج4 ص77.
([10]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج4 ص77.
([11]) إختيار معرفة الرجال ص38.
([12]) إختيار معرفة الرجال ص94 والأمالي ص19 واليقين ص285 و 316 ومدينة المعاجز ج1 ص62 والبحار ج37 ص311 و 323 و 335 ومواقف الشيعة ج3 ص100.
([13]) البحار ج 32 ص140 والكافئة ص21 ومواقف الشيعة ج2 ص35.
([14]) راجع: مصادر حديثه هذا في كتابنا: زواج المتعة.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page