• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الخامس: متآمرون على حياة النبي

ما الذي جرى بعد الهزيمة؟!:

عرفنا: أن المسلمين انهزموا عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» في حنين بلا مبرر، وقد أنزل الله في فعلتهم هذه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة. يسجل ملامتهم، ويجاهر بتوبيخهم، ويعلن: أن الله سبحانه قد انزل سكينته على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وعلى خصوص المؤمنين الذين جاهدوا، وصمدوا، ولم يفروا حسبما بيناه فيما سبق..
ثم جرت أحداث ومعالجات للموقف من قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله» انتهت بهزيمة المشركين.. فما هي تلك الأحداث التي جرت، والمعالجات التي حصلت؟!
هذا ما سوف نشير إليه في هذا الفصل الذي عقدناه لبيان هذا الأمر..
فنقول:
إننا نستطيع أن نجمل ما جرى من حين الهزيمة إلى حين عودة بعض المسلمين من هزيمتهم بما يلي:
1 ـ محاولات لاغتيال النبي «صلى الله عليه وآله» هي:
ألف: محاولة شيبة.
ب: محاولة النضير بن الحارث بن كلدة.
2 ـ حينت وقعت الهزيمة على المسلمين صار «صلى الله عليه وآله» يركض بغلته قِبَل الكفار وقد شهر سيفه. ثم نزل عنها، وصار يتقدم نحوهم.
3 ـ أمر «صلى الله عليه وآله» عمه العباس: بأن يصعد مرتفعاً لينادي المسلمين، ويذكرهم العهد، لكي يرجعوا.
وقد ناداهم النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه أكثر من مرة: يا للأنصار..
4 ـ رفع «صلى الله عليه وآله» يديه إلى السماء، وصار يدعو بما دعا به موسى «عليه السلام» حين فلق له البحر..
5 ـ أخذ كفاً من حصى أو من تراب، ورمى به في وجوه المشركين، وقال: شاهت الوجوه.
6 ـ تولى علي «عليه السلام» قتال الكفار، والباقون من بني هاشم، احتوشوا النبي «صلى الله عليه وآله»، ليكونوا جداراً بشرياً له، يحميه من العدو.
7 ـ أنزل الله تعالى جنوداً من الملائكة لتكون مع المسلمين..
9 ـ إن البعض قد رأى هؤلاء الجنود. وذكر ذلك للرسول حسبما تقدم، وسيأتي.
10 ـ حمي وطيس الحرب، حتى كسرت شوكة المشركين بجهاد علي «عليه السلام»، وصبر النبي «صلى الله عليه وآله»..
11 ـ ثم بدأت عودة بعض الأنصار وخصوصاً من الخزرج إلى ساحة القتال.
12 ـ قال «صلى الله عليه وآله»: أنا ابن العواتك (من سليم).
وسنتحدث عن هذه المفردات ونظائرها في الفصول التالية.
أما في هذا الفصل فنكتفي بعرض المؤامرات على حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فنقول:

شيبة يريد اغتيال النبي :

روي عن عبد الملك بن عبيد، وعن عكرمة قالا: قال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة: لما كان عام الفتح دخل رسول الله «صلى الله عليه وآله» مكة عنوة، وغزا حنيناً، قلت: أسير مع قريش إلى هوازن، فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرّة.
وتذكرت أبي وقتله حمزة، وعمي وقتله علي بن أبي طالب، فقلت: اليوم أدرك ثأري من محمد، وأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها.
وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمداً ما تبعته أبداً.
فكنت مرصداً لما خرجت له، لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة.
فلما اختلط الناس، اقتحم رسول الله «صلى الله عليه وآله» عن بغلته، وأصلتُّ السيف، ودنوت منه، أريد ما أريد.
وفي رواية: فلما انهزم أصحابه جئته من عن يمينه، فإذا العباس قائم عليه درع بيضاء، قلت: عمه لن يخذله، فجئته من عن يساره، فإذا بأبي سفيان بن الحارث، فقلت: ابن عمه لن يخذله، فجئته من خلفه، فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف إذ رفع إليَّ فيما بيني وبينه شواظ من نار كأنه برق.
فخفت أن يتمحشني، فوضعت يدي على بصري، خوفاً عليه، ومشيت القهقرى، وعلمت أنه ممنوع.
فالتفت إليّ وقال: «يا شيبة، أدن مني».
فدنوت منه، فوضع يده على صدري، وقال: «اللهم أذهب عنه الشيطان».
فرفعت إليه رأسي وهو أحب إلي من سمعي وبصري وقلبي.
ثم قال: «يا شيبة، قاتل الكفار».
قال: فتقدمت بين يديه، أحب والله أن أقيه بنفسي كل شيء.
فلما انهزمت هوازن رجع «صلى الله عليه وآله» إلى منزله، ودخلت عليه، فقال: «الحمد لله الذي أراد بك خيراً مما أردت»([1]).
ثم حدثني «صلى الله عليه وآله» بما هممت به.
وحسب نص الرواندي: أن شيبة قال: ما كان أحد أبغض إليّ من محمد، وكيف لا يكون ذلك وقد قتل منا ثمانية، كل منهم يحمل اللواء؟!
فلما فتح مكة آيست مما كنت أتمناه من قتله، وقلت في نفسي: قد دخلت العرب في دينه، فمتى أدرك ثأري منه؟!
فلما اجتمعت هوازن بحنين قصدتهم لآخذ منه غرة فأقتله، ودبرت في نفسي كيف أصنع، فلما انهزم الناس، وبقي محمد «صلى الله عليه وآله» وحده، والنفر الذين بقوا معه، جئت من ورائه ورفعت السيف، حتى إذا كدت أحطه غشي فؤادي، فلم أطق ذلك، فعلمت أنه ممنوع.
وفي نص آخر قال: رفع إليَّ شواظ من نار حتى كاد أن يحمشني، ثم التفت إليّ محمد «صلى الله عليه وآله»، فقال لي: أدن يا شيبة وقاتل. ووضع يده في صدري، فصار أحب الناس إليّ.
وتقدمت وقاتلت بين يديه، فلو عرض لي أبي لقتلته في نصرة رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فلما انقضى القتال دخلنا على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال لي: الذي أراد الله بك خير مما أردته لنفسك. وحدثني بجميع ما زورته في نفسي.
فقلت: ما اطَّلع على هذا إلا الله. فأسلمت([2]).
ونقول:
1 ـ إننا وإن كنا لا نناقش في أن يكون وضع رسول الله «صلى الله عليه وآله» يده على صدر إنسان يحدث هذا الإنقلاب فيه، ليكون ذلك من معجزاته «صلى الله عليه وآله».
ولكن المهم في الأمر هو: أن يكون هذا الناقل صادقاً فيما يدَّعيه لنفسه من تحول وانقلاب. إذ لعله نسج هذه الفضيلة ليتستر على ما يصل إلى حد الفضيحة له، حين صارحه رسول الله «صلى الله عليه وآله» بما كان قد دبَّره.
والظاهر: أنه هذه المصارحة بحضور آخرين، كما قد يومي إليه قوله: فدخلنا على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، الدال على: أنه لم يكن وحده.
وحتى لو كان وحده، فإنه لم يعد مطمئناً إلى أن هذا الأمر سيظل مكتوماً.. وهو يعرف أن انتشاره بين أهل الإيمان سوف يضعه في موقع المتهم، وسيجعلهم ينظرون إليه بعين الريبة والشك..
ولعله إذا نسج لنفسه هذه الفضيلة، يجد من يصدقها، ويستعيد بذلك بعضاً من الثقة لدى الناس.. إذ لا يمكن لأحد العيش في محيط مشحون بالريبة والشك.
2 ـ إن هذا الرجل يدَّعي: أنه أصلت سيفه، وتقدم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» من جهة اليمين، فوجد العباس، ثم من جهة الشمال، فوجد أبا سفيان بن الحارث.. فجاءه من خلفه..
غير أننا نقول:
قد يصعب على العاقل فهم هذه المزاعم، فإن المفروض: أن شيبة قد فعل ذلك بعد انهزام أصحابه «صلى الله عليه وآله» عنه، وإذ قد خلت الساحة منهم، فقد اصبح بإمكان النبي «صلى الله عليه وآله» ومن معه أن يروا كل من يسعى للإقتراب منهم، سواء أتاهم من الأمام، أو عن اليمين، أو اليسار.
كما أنهم حين يرون أنفسهم في موضع الخطر، فالمفروض هو أن يزداد حذرهم، وأن ينظروا في كل الإتجاهات، ولاسيما عن يمينهم ويسارهم، ولا يعقل أن يتعلق نظرهم بجهة واحدة، وهي الأمام، ثم يغفلون عن سائر الجهات غفلة تامة..
فكيف إذن يمكن أن نتصوره قد جاءهم عن اليمين تارة، وعن الشمال أخرى، وهو مصلت سيفه، ثم لا يلتفتون إليه، لا في المرة الأولى، ولا في الثانية؟!
ولا أقل من أن يكون هو نفسه قد فكَّر بأنهم سوف يرونه، ثم يختار المجيء من جهة الخلف من أول الأمر.
3 ـ مع أن ما ذكره شيبة عن كون أبي سفيان بن الحارث، كان عن يسار النبي «صلى الله عليه وآله» غير معلوم الصحة، فقد ذكروا أيضاً: أنه كان خلف النبي «صلى الله عليه وآله»، وكان يمسك بسرجه عند ثفر بغلة رسول الله «صلى الله عليه وآله»([3]).
والمراد بثفر البغلة: السير الذي في مؤخر السرج.
هذا كله عدا عن أن الأمر لا ينحصر بالعباس، وبأبي سفيان بن الحارث، فقد كان معه «صلى الله عليه وآله» أشخاص آخرون من بني هاشم يحيطون به..
4 ـ إنه يوجد بعض التناقضات بين نصوص هذه الرواية: فهل بدأ شيبة تنفيذ هجومه حين اختلط الناس، أو بعد انهزام المسلمين عن النبي «صلى الله عليه وآله»؟!
وهل رفع إليه شواظ من نار كأنه برق؟! أو أنه حين رفع السيف غشي فؤاده، فلم يطق أن يحطَّه؟!
5 ـ قال اليعقوبي: «وقال شيبة بن عثمان: اليوم أقتل محمداً، فأراد رسول الله ليقتله، فأخذ النبي «صلى الله عليه وآله» الحربة منه، فأشعرها فؤاده»([4]).

النضير يتربص بالنبي شراً:

قال محمد بن عمر: حدثنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه قال: كان النضير (بن الحارث بن كلدة) من أحلم قريش. وكان يقول: الحمد لله الذي أكرمنا بالإسلام، ومنَّ علينا بمحمد «صلى الله عليه وآله»، ولم نمت على ما مات عليه الآباء، فذكر حديثاً طويلاً، ثم قال:
خرجت مع قوم من قريش، هم على دينهم ـ بعد ـ: أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو. ونحن نريد إن كانت دبرة على محمد أن نغير عليه فيمن يغير.
فلما تراءت الفِئَتَان، ونحن في حيز المشركين، حملت هوازن حملة واحدة، ظننا أن المسلمين لا يجبرونها أبداً، ونحن معهم، وأنا أريد بمحمد ما أريد.
وعمدت له، فإذا هو في وجوه المشركين واقف على بغلة شهباء، حولها رجال بيض الوجوه، فأقبلت عامداً إليه، فصاحوا بي: إليك.
فأرعب فؤادي، وأرعدت جوارحي.
قلت: هذا مثل يوم بدر، إن الرجل لعلى حق، وإنه لمعصوم، وأدخل الله تعالى في قلبي الإسلام، وغيَّره عما كنت أهم به.
فما كان حلب ناقة حتى كرَّ أصحاب رسول الله «صلى الله عليه وآله» كرَّة صادقة، وتنادت الأنصار بينها: الكرَّة بعد الفرَّة: يا للخزرج، يا للخزرج، فحطمونا حطاماً، فرقوا شملنا، وتشتت أمرنا، وهمة كل رجل نفسه، فتنحيت في غبَّرات الناس، حتى هبطت بعض أودية أوطاس، فكمنت في خمر شجرة لا يهتدي إليَّ أحد إلا أن يدله الله تعالى عليَّ، فمكثت فيه أياماً، وما يفارقني الرعب مما رأيت.
ومضى رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الطائف، فأقام ما أقام، ثم رجع إلى الجعرانة.
فقلت: لو صرت إلى الجعرانة، فقاربت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، فما بقي، فقد رأيت عبراً، وقد ضرب الإسلام بجرانه، ولم يبق أحد، ودانت العرب والعجم لمحمد «صلى الله عليه وآله»، فَعِزُّ محمد لنا عز، وشرفه لنا شرف.
فوالله إني لعلى ما أنا عليه إن شعرت إلا برسول الله «صلى الله عليه وآله» يلقاني بالجعرانة كنَّة لكنَّة، فقال: «النضير»؟
قلت: «لبيك».
فقال: «هذا خير لك مما أردت يوم حنين، مما حال الله بينك وبينه».
فأقبلت إليه سريعاً.
فقال: «قد آن لك أن تبصر ما أنت فيه توضع».
قلت: قد أرى أن لو كان مع الله تعالى إلهاً غيره لقد أغنى شيئاً، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله.
قال رسول الله: «اللهم زده ثباتاً».
قال النضير: فوالله الذي بعثه بالحق، لكأن قلبي حجر، ثباتاً في الدين، وبصيرة في الحق، وذكر الحديث([5]).

من هو النضير بن الحارث:

قد ذكر اسم النضير بن الحارث بن كلدة، على أنه هو الآخر كان قد حاول اغتيال النبي «صلى الله عليه وآله» في غزوة حنين.
وذكر ابن إسحاق وغيره: أنه كان من المؤلفة قلوبهم، الذين أعطاهم النبي «صلى الله عليه وآله» مائة بعير يوم حنين([6]). وهو من مسلمة الفتح.
ولكن يرد على هذا قولهم: إن موسى بن عقبة ذكر: أن النضير هذا من مهاجرة الحبشة([7]). وذكر ذلك ابن الأثير بلفظ قيل([8]).
وقال ابن عبد البر: «كان من المهاجرين، وقيل: من مسلمة الفتح، والأول أكثر وأصح»([9]).
وقال أيضاً: «وذكر آخرون النضير بن الحارث فيمن هاجر إلى أرض الحبشة، فإن كان منهم فمحال أن يكون من المؤلفة قلوبهم»([10]).
ويمكن أن يجاب: بما ذكره البلاذري عن الهيثم بن عدي، قال: هاجر النضير بن الحارث إلى الحبشة، ثم قدم مكة، فارتدّ، ثم أسلم يوم الفتح، أو بعده([11]).
وقول البلاذري هذا يدفع الإشكال الذي يقول: إنه لو كان مسلماً مهاجراً، فكيف يعطيه النبي «صلى الله عليه وآله» مائة من الإبل، فإنه إنما كان يعطيها لخصوص المؤلفة قلوبهم([12]).
وارتداده عن الإسلام، وإبطاله لهجرته، يكفي شاهداً على أن ثمة حاجة إلى تأليفه..
ولكن يبقى هناك إشكال آخر على كلام البلاذري، وعلى كل من يقول بأنه كان قد أسلم قبل الفتح، وكان من المهاجرين مفاده: أنهم يذكرون: أنه حضر عند الرسول «صلى الله عليه وآله» يوم حنين، وصار يسأله عن فروض الصلاة ومواقيتها.. فمن كان من المسلمين المهاجرين إلى الحبشة، أو إلى المدينة كيف يسأل عن الصلاة ومواقيتها يوم حنين، التي كانت في آخر سنة ثمان؟!([13]).
ويمكن أن يجاب: بأن الراوي لم يفصل لنا تلك الأسئلة ولم نعرف حيثياتها وخصوصياتها، فلعله سأله عن تفاصيل، وغوامض ودقائق ترتبط بفروض الصلاة وبأوقاتها، غير ما كان متداولاً بين الناس..

لا بد من التذكير:

ربما يتساءل البعض بسلامة نية تارة، أو بخبث أخرى، حين يريد أن يجعل من سؤاله هذا وسيلة للتشنيع، والإهانة، والرفض والإدانة، فيقول: ما الفائدة من بحوث وتدقيقات من هذا القبيل، أليست مضيعة للوقت، وهدراً للطاقة؟!.
ونقول في الجواب:
لا، ليس الأمر كذلك، فإن لهذه البحوث ونظائرها فوائد وعوائد مختلفة. ولعل أهمها:
1 ـ تعويد القارئ الكريم على عدم الإستئسار السريع للنص الذي يقرؤه، فلا يأخذ الأمور على عواهنها..
ثم هو يعطيه القدرة على التطواف في حنايا وزوايا أي نص يعرض عليه، واستخراج مكنوناته، والإستفادة من مخزوناته.. وبذلك يكون قد خرج من حالة الغفلة والسذاجة، إلى حالة من التيقظ والحذر، تصونه من أن يقع في فخ الهيمنة الفكرية من خلال الإدِّعاءات، والإلقاءات المغرضة، والمؤثرة في استلابه القدرة على التأمل، والتدبر، والنقد الموضوعي، الصحيح والعميق.
2 ـ  إن للعلاقة العاطفية بالأشخاص، والثقة بهم أثراً عميقاً في النفس الإنسانية، يهيؤها ذلك للإنقياد التام لهم، والتسليم لكل ما يأتي عنهم، أو ينسب إليهم. حتى لو بلغ الأمر إلى حد نقل هؤلاء المستسلمين من دين إلى دين، ومن النقيض إلى النقيض..
وهذا يحتم على العلماء تعويد الناس على التدقيق بحالة وبواقع كل شخصية يحتاجون إلى التعامل معها بنحو أو بآخر، وربما يكون لها أدنى دور في تكوينهم الفكري والثقافي، أو الإيماني، أو ما إلى ذلك..
وفرق كبير بين شخص تتعاطى معه على أنه خالص الإيمان، ومجاهد باليد واللسان، وبين أن تعرفه بأنه منافق، أو من المؤلفة قلوبهم، أو متآمر، أو ما إلى ذلك..
3 ـ إنه لا يصح الإستهانة بأي شيء يمكن أن يكون مؤثراً في حياة الناس، فكما لا يهمل الإنسان ربطة عنقه، ولا يرضى بأن يكون فيها أدنى خلل، حتى في شكلها، فكيف يتغاضى عن أمور تؤثر على فكره، ومسلكيته، وثقافته، وقيمه ومفاهيمه، وما إلى ذلك، بحجة أن هذه أمور صغيرة، وغير ذات أهمية؟! فهل ربطة العنق أهم من الدين والإعتقاد؟! ومن الفكر، ومن القيم؟! و.. و.. الخ..

أبو سفيان لم يكن مسلماً بل متآمراً:

قد تقدم أكثر من مرة: بعض الحديث عن إسلام أبي سفيان، وأن النصوص تؤكد على: أنه لم يسلم يوم الفتح، بل هو لم يزل كهفاً للمنافقين إلى أن توفي رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
ثم يأتي له تاريخ بعد وفاة النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» مليء بالمفاجآت التي تؤكد هذا الإنطباع عنه.
وقد تقدم: أنه خرج إلى حنين، وكانت الأزلام معه في كنانته.. وأنه كان هو ومعاوية وآخرون على التل ينظرون لمن تكون الغلبة، ويحبون أن تدور الدوائر على النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمين.. وستأتي نصوص عديدة أخرى تؤكد هذا المعنى أيضاً..
وها هي رواية النضير بن الحارث تؤكد أمرين خطيرين:
أولهما: كفر أبي سفيان.
والثاني: تآمره على النبي «صلى الله عليه وآله» في حنين.
يقول النضير بن الحارث: «خرجت مع قوم من قريش، هم على دينهم بعد: أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو. ونحن نريد إن كانت دبرة على محمد أن نغير عليه في من يغير».
ولكن تبقى هناك حلقة مفقودة، لا بد من البحث عنها، وهي: هل كان هناك تنسيق بين هؤلاء المتآمرين وبين غطفان؟!
وهل كان غيرهم ممن خرجوا إلى حنين، وهم بعد على شركهم، وعددهم ثمانون رجلاً ـ كما يقول البعض ـ يعرفون بنواياهم هذه؟!
وهل كان القرشيون ـ الشبان ـ الذين كانوا مع بني سليم في المقدمة قد اطَّلعوا على نية هؤلاء؟!
وهل أطلعوا بني سليم  أيضاً على ما كانوا دبروه وبيتوه؟!
وهل يمكن أن نعتبر سرعة فرار القرشيين وسليم بمثابة دليل على أن تلك المؤمراة كانت في طريقها إلى التنفيذ؟! وأن هزيمة المقدمة كانت أحد فصولها المهمة؟!..
إن هذه الأسئلة كلها تحتاج إلى إجابات مقنعة ومقبولة..
ولعلنا لا نجد لهذه الإجابات أثراً، إلا إن كانت شتائم وإهانات تواجهنا من قبل محبي معاوية وأبي سفيان وأضرابهما..

لا توجد كمائن:

وقد ذكرنا فيما سبق: أن النصوص تدل على أن سبب الهزيمة لم يكن هو الكمائن في الشعاب والمضايق.. ورواية النضير بن الحارث قد أظهرت ـ كرواية أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب ـ: أن المسلمين قد التقوا بالمشركين في ساحة القتال، فلما تراءت الفئتان، حمل المشركون عليهم حملة واحدة. فكانت الهزيمة.
وهذا معناه: أن هزيمتهم لم تكن بسبب المفاجأة، والكمائن في المضايق والشعاب كما يدَّعون..
وسيأتي المزيد من شواهد ذلك، ودلائله إن شاء الله تعالى.

النضير..مع المشركين:

لقد صرح النضير بن الحارث: أنه كان مع  المشركين. وأن الأنصار قد عادوا إلى ساحة القتال، قال: «فحطمونا حطاماً، فرقوا شملنا، وتشتت أمرنا».
وصرح أيضاً: بأنه لما تراءت الفئتان «كانوا ـ هو وأصحابه ـ في حيِّز المشركين».
ولعلهم انحازوا إلى المشركين حين وصولهم إلى ساحة القتال. ولو بأن وقفوا على تل، بالقرب منهم كما قال معاوية.
ثم بدأت المعركة، فانهزم المسلمون أولاً، ثم عاد قسم منهم إلى القتال، فلما انهزم المشركون أعلن هؤلاء (أبو سفيان ورفاقه) استسلامهم وبخوعهم، فأعطاهم النبي «صلى الله عليه وآله» من الغنائم تأليفاً لهم..
وقد صرحوا: بأن النضير كان من جملة الآخذين لمائة من الإبل كسائر المؤلفة قلوبهم، فإذا كان قد قاتل مع مشركي هوازن، فذلك يدل على أمرين:
الأول: أنه انضم إليهم بعد وصوله مع الجيش الإسلامي إلى ساحة المعركة.
الثاني: أن في المؤلفة قلوبهم من كان متظاهراً بالشرك، ولم يكونوا جميعاً من المتظاهرين بالإسلام، ولا كانوا في صفوف المسلمين. بل كان بعضهم ممن قاتل المسلمين مع جيش هوازن. سواء أكان قرشياً مثل النضير بن الحارث، أو من قادة هوزان. بل قائدها نفسه مثل مالك بن عوف.

إنه لعلى حق، وإنه لمعصوم:

وقد أظهر الحديث المتقدم: أن رؤية النضير للملائكة دعته إلى أن يقارن بين يوم حنين، ويوم بدر، حيث ظهرت الملائكة في كلا هذين اليومين للمشركين..
فاعترف: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» على حق، وإنه لمعصوم، أي ممنوع بالملائكة، فلا يمكن الوصول إليه لقتله..
ثم زعم: أن الله تعالى أدخل حينئذٍ الإسلام في قلبه..
غير أننا نلاحظ على ذلك:
1 ـ إن الذين يرون الملائكة حال القتال هم الكفار، وسيأتي في حديث شيبة الحجبي قول النبي «صلى الله عليه وآله»: لا يراها إلا كافر.
2 ـ إنه إذا كان قد رأى الملائكة يوم بدر، وهي تدافع عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلماذا لم يؤمن منذ ذلك اليوم؟!
فإن كان يريد أن يزعم: أن أمر الإيمان لا يعود إليه، وإنما هو فعل إلهي جبري، يفرضه الله على الناس ـ كما ربما يوحي به قوله: «وأدخل الله في قلبي الإسلام، وغيَّره عما كنت أهم به».
فهو كلام مرفوض جملة وتفصيلاً. فإن الله تعالى لا يتدخل في أمر الإيمان بصورة جبرية، بل هو يقول للناس: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} ([14]).
فإن شاء الإنسان الإيمان زاد في توفيقاته، وألطافه.. وإن اختار الكفر وكله إلى نفسه، وحجب ذلك عنه على قاعدة: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} ([15]) و {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَهُ قُلُوبَهُمْ} ([16]).
ويبقى السؤال التالي يطرح نفسه، وهو: إذا كان الله تعالى هو الذي يحوِّل قلبه، وهو الذي يدخل الإسلام فيه، فلماذا لم يغيِّر قلبه في بدر، حين رأى الملائكة تنصر النبي «صلى الله عليه وآله»؟!
3 ـ إنه إذا كان الله قد غيَّر قلبه، وأدخل فيه الإسلام حين رأى الملائكة في حنين، فلماذا لم يمل مع المسلمين على المشركين، ويدفع عن نبي الإسلام من يريده بسوء؟! ولماذا بقي مع المشركين مقدار حلب الناقة حتى حطمهم المسلمون حطماً، وفرقوهم، وشتتوهم.
4 ـ لماذا لم يمض مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الطائف، ويظهر إسلامه أمامه ويقاتل معه مشركي ثقيف؟!
5 ـ لماذا لم يفارقه رعبه مدة أيام، مع أن الله أدخل الإسلام إلى قلبه وغيَّره؟! ولماذا لم يغيِّر قلبه، من قلب جبان إلى قلب شجاع، ولماذا لم يبدل خوفه طمأنينة، واضطرابه سكينةً؟!
6 ـ ولنا أن نسأل عن: أنه حين بقي أياماً مستتراً في خمر الشجر، فمن أين كان يأكل، ويشرب؟!
وهل ضعف جسده بسبب فقدان الطعام والشراب أياماً؟! أم بقي متماسكاً؟! وهل احتاج إلى معونة أحد للوصول إلى الجعرانة؟! وهل؟! وهل؟!
7 ـ إن قول الرسول «صلى الله عليه وآله» للنضير حين لقيه بالجعرانة: «قد آن لك أن تبصر ما أنت فيه توضع» يدل على: أنه حتى تلك اللحظة لم يكن قد أبصر أو اهتدى بعد. والله سبحانه قد أمهله، ولم يعاقبه رغم استحقاقه لذلك.
8 ـ إن الرواية المشار إليها قد ذكرت: أن المسلمين قد عادوا بسرعة من فرارهم، بحيث لم يغيبوا عن ساحة المعركة إلا قدر حلب شاة، مع أن الروايات قد تحدثت عن بلوغ المنهزمين في هزيمتهم مكة..
كما أنه سيأتي حين الحديث: أن النصر قد تحقق على يد علي «عليه السلام» دون سواه، قولهم: فوالله، ما رجعت راجعة للمسلمين حين هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتوفين عند رسول الله «صلى الله عليه وآله».
فإن صح ذلك، فلا بد أن يكون المراد بها: أن الذين عادوا بسرعة هم طائفة الخزرج من الأنصار، لا جميعهم وهو ما صرحت به نفس هذه الرواية، التي نحن بصدد الحديث عنها، حيث قالت: وتنادت الأنصار بينها: الكرة بعد الفرة، يا للخزرج، يا للخزرج، فحطمونا، الخ..
ومن الواضح: أن الخزرج الذين حضروا المعركة قد لا يصل عددهم إلى بضع مئات. بل لعل المقصود هو: خصوص الثمانين أو المائة رجل، الذين عادوا قبل انهزام المشركين بيسير.
9 ـ أما الحديث عن إمداد الله تعالى بالملائكة، فسيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى..
10 ـ وأخيراً.. فإن مراجعة ما كان النضير يحدث به نفسه ليقنعها بالإسلام، يشير إلى: أنه إنما كان يعرض على نفسه أموراً دنيوية ومادية، وليس من بينها أي شيء يمكن تصنيفه في عداد قناعات حَكَمَ بها عقله، وقادته إليها فطرته، فهو لم يتحدث مع نفسه عن فساد الشرك، وسخافة عبادة الأحجار، وصحة التوحيد، ونفي الشريك. وما إلى ذلك..
بل غاية جهده أن قال وهو مرعوب وخائف: «..فقد رأيت عبراً، وقد ضرب الإسلام بجرانه، ولم يبق أحد، ودانت العرب والعجم لمحمد، فعز محمد لنا عز، وشرفه لنا شرف».



([1]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص320 و 321 وج10 ص66 و 262 عن ابن سعد، وابن عساكر، والبغوي، والطبراني، وأبي نعيم، والبيهقي، وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص257 و 258 ومناقب آل أبي طالب  ج1 ص64 وإمتاع الأسماع ج2 ص17 وج4 ص118 وج14 ص16 وتاريخ الخميس ج2 ص102 عن السيرة النبوية لابن هشام، وابن أبي خيثمة، وعن الصفوة، وعيون الأثر ج2 ص217 وراجع: شجرة طوبى ج2 ص310 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص359 والبحار ج18 ص61 وج21 ص166 و 167 ومجمع الزوائد ج6 ص184 والمعجم الكبير ج7 ص299 وتاريخ الإسلام ج2 ص583 والبداية والنهاية ج4 ص381 وج8 ص233 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص632 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص71. وراجع: دلائل النبوة للبيهقي ج6 ص188 والمغازي للواقدي ج3 ص910 والإصابة ج3 ص161 عن ابن أبي خيثمة، وابن سعد، والواقدي، وابن إسحاق، والبغوي. وراجع: إعلام الورى ص121 و 122 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص231.
([2]) البحار ج21 ص154 و 181 والخرائج والجرائح ج1 ص117 و 118 وراجع: مجمع البيان ج5 ص18 ـ 20 وتاريخ الخميس ج2 ص102 و 103.
([3]) راجع: الإرشاد ج1 ص140 و 141 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص82 ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2 ص30 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص305 وج2 ص330 وإعلام الورى ج1 ص387 والبحار ج21 ص156 وج38 ص220 وج41 ص94 وراجع: مجمع البيان ج3 ص18 و 19 وأعيان الشيعة ج1 ص379 وج3 ص522 وكشف الغمة ج1 ص221.
([4]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص62.
([5]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص321 و 322 عن الواقدي، والإصابة ج3 ص558 و 555 و (ط دار الكتب العلمية) ج6 ص344 وتاريخ مدينة دمشق ج62 ص102 والبداية والنهاية ج4 ص419 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص691 ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص206 والخصائص الكبرى للسيوطي ج1 ص447 .
([6]) الإصابة ج3 ص557 و 558 و (ط دار الجيل) ج6 ص343 عن ابن إسحاق، وابن سعد، وابن شاهين، وابن عبد البر، والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص566 و (ط دار الجيل) ج4 ص1525 وأسد الغابةج5 ص31 و (ط دار الكتاب العربي) ص21 وتاريخ مدينة دمشق ج62 ص105 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص358 وإعلام  الورى ج1 ص236 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص441.
([7]) الإصابة ج3 ص555 و (ط دار الجيل) ج6 ص339 و 343 و 383 والدرر لابن عبد البر ص234 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص180 وتاريخ مدينة دمشق ج62 ص105.
([8]) أسد الغابة ج5 ص31 و (ط دار الكتاب العربي) ص21.
([9]) الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص565 و (ط دار الجيل) ج4 ص1525 وعنه في أسد الغابة ج5 ص31  و (ط دار الكتاب العربي) ص21.
([10]) الدرر لابن عبد البر ص234 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص180.
([11]) الإصابة ج3 ص555 و (ط دار الجيل) ج6 ص339.
([12]) أسد الغابة ج5 ص31 و (ط دار الكتاب العربي) ص21.
([13]) أسد الغابة ج5 ص31 و (ط دار الكتاب العربي) ص21.
([14]) الآية 29 من سورة الكهف.
([15]) الآية 17 من سورة محمد.
([16]) الآية 5 من سورة الصف.
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page