أحاديث أُخر تتضمَّن تعداد الأئمّة الاثني عشر من قِبَل الأئمّة صلوات الله عليهم أنفسهم، من دون أن ينسبوا ذلك للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ويرووه عنه.
وربَّما يُدَّعىٰ أنَّها لا تنهض حجَّة علىٰ إمامتهم، لكن من المعلوم أنَّ مثل هذه التعاليم توقيفية لا يمكن الإخبار بها عن اجتهاد وحدس، بل لا بدَّ أن تنتهي إلىٰ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كما سبق من زيد بن علي رضي الله عنه.(٨١)
فهي مضامين أحاديث نبوية مرسلة منهم صلوات الله عليهم لا تقصر عن المسانيد، لما هو المعلوم من حالهم عليهم السلام من أنَّ كلَّاً منهم يحدِّث عن أبيه عن آبائه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.(٨٢)
ولاسيّما وأنَّها تشتمل علىٰ المعجز وهو الإخبار الغيبي الصادق من الإمام بوجود من بعده من الأئمّة الذين لم يولدوا بعد علىٰ ترتيبهم الذي حصل بعد ذلك، حيث يشهد ذلك بصدقهم عليهم السلام في الأحاديث المذكورة.
ولو غُضَّ النظر عن ذلك نفعت هذه الأحاديث في إثبات إمامة الأئمّة الذين هم بعد الإمام الذي رويت عنه، لأنَّها بمثابة نصّ منه علىٰ إمامتهم، فإذا ثبتت إمامة من رويت عنه كانت كسائر النصوص الواردة عنه، المتضمّنة لإمامة من بعده. ومن ثَمَّ يحسن إثباتها في جملة تتمَّة ما تضمَّن تعيين الأئمّة الاثني عشر بأشخاصهم، وهي عدَّة أحاديث:
٥٥ _ حديث الكميت بن أبي المستهل، قال: دخلت علىٰ سيّدي أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام، فقلت: يا ابن رسول الله، إنّي قد قلت فيكم أبياتاً، أفتأذن لي في إنشادها؟
فقال: (إنَّها أيّام البيض).
قلت: فهو فيكم خاصّة.
قال: (هات).
فأنشأت أقول:
أضحكني الدهر وأبكاني * * * والدهر ذو صرف وألوان
لتسعة بالطفّ قد غودروا * * * صاروا جميعاً رهن أكفان
فبكىٰ عليه السلام وبكى أبو عبد الله عليه السلام وسمعت جارية تبكي من وراء الخباء، فلمَّا بلغت إلىٰ قولي:
وستَّة لا يتجازىٰ بهم * * * بنو عقيل خير فرسان
ثمّ علي الخير مولاهم * * * ذكرهم هيَّج أحزاني
فبكىٰ ثمّ قال عليه السلام: (ما من رجل ذكرنا أو ذُكرنا عنده يخرج من عينيه ماء ولو مثل جناح البعوضة إلَّا بنىٰ الله له بيتاً في الجنَّة، وجعل ذلك الدمع حجاباً بينه وبين النار)، فلمَّا بلغت إلىٰ قولي:
من كان مسروراً بما مسَّكم * * * أو شامتاً يوماً من الآن
فقد ذللتم بعد عزٍّ فما * * * أدفع ضيماً حين يغشاني
أخذ بيدي ثمّ قال: (اللّهمّ اغفر للكميت ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر)، فلمَّا بغلت إلىٰ قولي:
متىٰ يقوم الحقّ فيكم متىٰ * * * يقوم مهديكم الثاني
قال: (سريعاً إن شاء الله سريعاً).
ثمّ قال: (يا أبا المستهل، إنَّ قائمنا هو التاسع من ولد الحسين عليه السلام، لأنَّ الأئمّة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر، الثاني عشر هو القائم عليه السلام).
قلت: يا سيّدي، فمن هؤلاء الاثنا عشر؟
قال: (أوَّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام، بعده الحسن والحسين عليهما السلام، وبعد الحسين علي بن الحسين عليه السلام وأنا، ثمّ بعدي هذا _ ووضع يده علىٰ كتف جعفر _).
قلت : فمن بعد هذا؟
قال: (ابنه موسىٰ، وبعد موسىٰ ابنه علي، وبعد علي ابنه محمّد، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وهو أبو القائم الذي يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً [كما ملئت ظلماً وجوراً]، ويشفي صدور شيعتنا).
قلت: فمتىٰ يخرج، يا ابن رسول الله؟
قال: (لقد سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال: إنَّما مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلَّا بغتة).(٨٣)
٥٦ _ حديث جابر الجعفي: سألت أبا جعفر عليه السلام عن تأويل قول الله عز وجل: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشر شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: ٣٦]، قال: فتنفَّس سيّدي الصعداء، ثمّ قال: (يا جابر، أمَّا السنة فهي جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشهورها اثنا عشر شهراً فهو أمير المؤمنين [و]إليَّ، وإلىٰ ابني جعفر، وابنه موسىٰ، وابنه علي، وابنه محمّد، وابنه علي، وإلىٰ ابنه الحسن، وإلىٰ ابنه محمّد الهادي المهدي، اثنا عشر إماماً حجج الله في خلقه، وأُمناؤه علىٰ وحيه وعلمه، والأربعة الحرم الذين هم الدين القيم، أربعة منهم يخرجون باسم واحد: علي أمير المؤمنين، وأبي علي بن الحسين، وعلي بن موسىٰ، وعلي بن محمّد عليهم السلام، فالإقرار بهؤلاء هو الدين القيم (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي قولوا بهم جميعاً تهتدوا).(٨٤)
وهو وإن كان تفسيراً منه عليه السلام، إلَّا أنَّه من المعلوم أنَّه تفسير بالباطن مأخوذ عن آبائه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
ويؤيّده ما عن داود الرقّي، قال: دخلت علىٰ جعفر بن محمّد عليهما السلام، فقال: (ما الذي أبطأ بك عنّا، يا داود؟).
فقلت: حاجة عرضت لي بالكوفة هي التي أبطأت بي عنك، جعلت فداك.
فقال لي: (ماذا رأيت بها؟).
قلت: رأيت عمّك زيداً علىٰ فرس ذنوب قد تقلَّد مصحفاً وقد حفَّ به فقهاء الكوفة، وهو يقول: يا أهل الكوفة، إنّي العلم بينكم وبين الله تعالىٰ، قد عرفت ما في كتاب الله من ناسخه ومنسوخه.
فقال أبو عبد الله: (يا سماعة بن مهران، ائتني بتلك الصحيفة).
فأتاه بصحيفة بيضاء فدفعها إليَّ وقال لي: (اقرأ هذه بما أخرج إلينا أهل البيت، يرثه كابر عن كابر من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
فقرأتها فإذا فيها سطران: السطر الأوَّل: (لا إله إلَّا الله، محمّد رسول الله)، والسطر الثاني: ((إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشر شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) علي بن أبي طالب، والحسن بن علي، والحسين بن علي، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسىٰ بن جعفر، وعلي بن موسىٰ، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، والخلف منهم الحجَّة لله).
ثمّ قال لي: (يا داود، أتدري أين كان ومتىٰ كان مكتوباً؟).
قلت: يا ابن رسول الله، الله أعلم ورسوله وأنتم.
قال: (قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فأين يتاه بزيد ويُذهَب به، إنَّ أشدَّ الناس لنا عداوةً وحسداً الأقرب إلينا فالأقرب).(٨٥)
وهو وإن لم يُصرح فيه بإمامتهم عليهم السلام، إلَّا أنَّ من المعلوم أنَّ تميّزهم بذلك يناسب إمامتهم ووجوب طاعتهم، وأحاديثهم عليهم السلام يفسر بعضها بعضاً.
٥٧ _ حديث الأعمش، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: سألته عن الإمامة فيمن تجب؟ وما علامة من تجب له الإمامة؟
فقال لي: (إنَّ الدليل علىٰ ذلك والحجَّة علىٰ المؤمنين والقائم في أُمور المسلمين والناطق بالقرآن والعالم بالأحكام أخو نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخليفته علىٰ أُمَّته ووصيّه عليهم، ووليّه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسىٰ، المفروض الطاعة، يقول الله عز وجل: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: ٥٩]، وقال جلَّ ذكره: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) [المائدة: ٥٥]، المدعو إليه بالولاية، المثبت له الإمامة يوم غدير خُمّ، بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الله جل جلاله: ألست أولىٰ بكم من أنفسكم؟
قالوا: بلىٰ.
قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأعن من أعانه.
ذاك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وإمام المتَّقين، وقائد الغرّ المحجَّلين، وأفضل الوصيّين، وخير الخلق أجمعين بعد رسول ربّ العالمين، وبعده الحسن ثمّ الحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ابنا خيرة النسوان، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسىٰ بن جعفر، ثمّ علي بن موسىٰ، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ ابن الحسن بن علي صلوات الله عليهم إلىٰ يومنا هذا واحد بعد واحد.
إنَّهم عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، معروفون بالوصيّة والإمامة في كلّ عصر وزمان، وكلّ وقت وأوان، وإنَّهم العروة الوثقىٰ، وأئمّة الهدىٰ، والحجَّة علىٰ أهل الدنيا إلىٰ أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإنَّ كلّ من خالفهم ضالّ مضلّ تارك للحقّ والهدىٰ، وإنَّهم المعبّرون عن القرآن، والناطقون عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالبيان، وإنَّ من مات ولا يعرفهم مات ميتة جاهلية، وإنَّ فيهم الورع والعفَّة والصدق والصلاح والاجتهاد، وأداء الأمانة إلىٰ البرّ والفاجر، وطول السجود، وقيام الليل، واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة، وحسن الجوار).
ثمّ قال تميم بن بهلول: حدَّثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في الإمامة بمثله سواء.(٨٦)
٥٨ _ حديث عاصم بن حميد، عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً في دعاء التوسّل: (... اللّهمّ إنّي أتقرَّب إليك بنبيّك وصفيّك وحبيبك وأمينك ورسولك وخيرتك من خلقك، الذابّ عن حريم المؤمنين، القائم بحجَّتك، المطيع لأمرك، المبلِّغ لرسالاتك، الناصح لأُمَّته حتَّىٰ أتاه اليقين، إمام الخير وقائد الخير، وخاتم النبيّين وسيّد المرسلين، وإمام المتَّقين وحجَّتك علىٰ العالمين، الداعي إلىٰ صراطك المستقيم، الذي بصرته سبيلك، وأوضحت له حجَّتك وبرهانك، ومهَّدت له أرضك، وألزمته حقّ معرفتك، وعرجت به إلىٰ سماواتك، فصلّيٰ بجميع ملائكتك، وغيَّبته في حجبك، فنظر إلىٰ نورك ورأىٰ آياتك، وكان منك كقاب قوسين أو أدنىٰ، فأوحيت إليه بما أوحيت، وناجيته بما ناجيت، وأنزلت عليه وحيك علىٰ لسان طاوس الملائكة الروح الأمين، رسولك يا ربّ العالمين، فأظهر الدين لأوليائك المتَّقين، فأدَّىٰ حقَّك وفعل ما أمرت به في كتابك بقولك: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة: ٦٧]، ففعل صلى الله عليه وآله وسلم وبلَّغ رسالاتك وأوضح حجَّتك، فصلِّ اللّهمّ عليه أفضل ما صلَّيت علىٰ أحد من خلقك أجمعين، واغفر لي وارحمني وتجاوز عنّي وارزقني، وتوفَّني علىٰ ملَّته، واحشرني في زمرته، واجعلني من جيرانه في جنَّتك، إنَّك جواد كريم.
اللّهمّ وأتقرَّب إليك بوليّك وخيرتك من خلقك، ووصيّ نبيّك، مولاي ومولىٰ المؤمنين والمؤمنات، قسيم النار وقائد الأبرار وقاتل الكفرة والفجار، ووارث الأنبياء وسيّد الأوصياء، والمؤدّي عن نبيّه والموفي بعهده والذائد عن حوضه، المطيع لأمرك، عينك في بلادك وحجَّتك علىٰ عبادك، زوج البتول سيّدة نساء العالمين، ووالد السبطين الحسن والحسين ريحانتي رسولك وشنفي عرشك وسيّدي شباب أهل الجنة، مغسِّل جسد رسولك وحبيبك الطيب الطاهر وملحده في قبره. اللّهمّ فبحقّه عليك وبحقّ محبّيه من أهل السماوات والأرض اغفر لي ولوالدي وأهلي وولدي وقرابتي وخاصَّتي وعامَّتي وجميع إخواني المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وسق إليَّ رزقاً واسعاً من عندك تسدُّ به فاقتي وتلمُّ به شعثي وتغني به فقري يا خير المسؤولين، ويا خير الرازقين، وارزقني خير الدنيا والآخرة، يا قريب يا مجيب.
اللّهمّ وأتقرَّب إليك بالوليّ البارّ التقي الطيّب الزكي الإمام بن الإمام السيّد بن السيّد الحسن بن علي، وأتقرَّب إليك بالقتيل المسلوب قتيل كربلاء الحسين بن علي، وأتقرَّب إليك بسيّد العابدين وقرَّة عين الصالحين علي بن الحسين، وأتقرَّب إليك بباقر العلم صاحب الحكمة والبيان ووارث من كان قبله محمّد بن علي، وأتقرَّب إليك بالصادق الخير الفاضل جعفر بن محمّد، وأتقرَّب إليك بالكريم الشهيد الهادي المولي موسىٰ بن جعفر، وأتقرَّب إليك بالشهيد الغريب الحبيب المدفون بطوس علي بن موسىٰ، وأتقرَّب إليك بالزكي التقي محمّد بن علي، وأتقرَّب إليك بالطهر الطاهر النقي علي بن محمّد، وأتقرَّب إليك بوليّك الحسن بن علي، وأتقرَّب إليك بالبقيّة الباقي المقيم بين أوليائه الذي رضيته لنفسك الطيّب الطاهر الفاضل الخير نور الأرض وعمادها ورجاء هذه الأُمَّة وسيّدها الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الناصح الأمين المؤدّي عن النبيّين وخاتم الأوصياء النجباء الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين...).(٨٧)
٥٩ _ حديث ثالث عن الإمام الصادق عليه السلام يقول فيه: (اللّهمّ إنّي حللت بساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمدانيتك وإنَّه لا يقدر علىٰ قضاء حوائجي غيرك، وقد علمت يا ربِّ إنَّه كلَّما تظاهرت نعمك عليَّ اشتدَّت فاقتي إليك، وقد طرقني همّ كذا وكذا وأنت تكشفه، وأنت عالم غير معلَّم، وواسع غير متكلِّف، فأسألك باسمك الذي وضعته علىٰ الجبال فاستقرَّت، ووضعته علىٰ السماء فارتفعت، وأسألك بالحقّ الذي جعلته عند محمّد وآل محمّد، وعند الأئمّة علي والحسن والحسين وعلي ومحمّد وجعفر وموسىٰ وعلي ومحمّد وعلي والحسن والحجَّة عليهم السلام، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأهل بيته، وأن تقضي حاجتي وتيسر عسيرها وتكفيني مهمّاتها، فإن فعلت فلك الحمد والمنَّة، وإن لم تفعل فلك الحمد غير جائر في حكمك وغير متَّهم في قضائك ولا حائف في عدلك).(٨٨)
٦٠ _ حديث مسعدة بن صدقة، قال: كنت عند الصادق عليه السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنىٰ متَّكئاً علىٰ عصاه، فسلَّم فردَّ أبو عبد الله عليه السلام الجواب، ثمّ قال: يا ابن رسول الله، ناولني يدك أُقبّلها، فأعطاه يده فقبَّلها، ثمّ بكىٰ.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: (ما يبكيك، يا شيخ؟).
قال: جُعلت فداك يا ابن رسول الله، أقمت علىٰ قائمكم منذ مائة سنة أقول: هذا الشهر وهذه السنة، وقد كبرت سنّي ودُقَّ عظمي واقترب أجلي، ولا أرىٰ فيكم ما أُحبّ، أراكم مقتَّلين مشردين، وأرىٰ عدوّكم يطيرون بالأجنحة، فكيف لا أبكي؟
فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام، ثمّ قال: (يا شيخ، إن الله أبقاك حتَّىٰ ترىٰ قائمنا، كنت معنا في السنام الأعلىٰ، وإن حلَّت بك المنيّة جئت يوم القيامة مع ثقل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ونحن ثقله، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: إنّي مخلَّف فيكم الثقلين فتمسَّكوا بهما لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
فقال الشيخ: لا أُبالي بعد ما سمعت هذا الخبر.
ثمّ قال: (يا شيخ، اعلم أنَّ قائمنا يخرج من صلب الحسن، والحسن يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمّد، ومحمّد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا _ وأشار إلىٰ موسى عليه السلام _، وهذا خرج من صلبي، ونحن اثنا عشر كلّنا معصومون مطهَّرون).
فقال الشيخ: يا سيّدي، بعضكم أفضل من بعض؟
قال: (لا نحن في الفضل سواء، ولكن بعضنا أعلم من بعض).
ثمّ قال عليه السلام: (يا شيخ، والله لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله تعالىٰ ذكره ذلك اليوم حتَّىٰ يخرج قائمنا أهل البيت، ألَا إنَّ شيعتنا يقعون في فتنة وحيرة في غيبته، هناك يثبّت الله علىٰ هداه المخلصين، اللّهمّ أعنهم علىٰ ذلك).(٨٩)
٦١ _ حديث علقمة بن محمّد الحضرمي، عن الصادق عليه السلام، قال: (الأئمّة اثنا عشر).
قلت: يا ابن رسول الله، فسمّهم لي.
قال عليه السلام: (من الماضين علي بن أبي طالب عليه السلام والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي ثمّ أنا).
قلت: فمن بعدك، يابن رسول الله؟
فقال: (إنّي أوصيت إلىٰ ولدي موسىٰ، وهو الإمام بعدي).
قلت: فمن بعد موسىٰ؟
قال: (علي ابنه يُدعىٰ الرضا، يُدفَن في أرض الغربة من خراسان، ثمّ بعد علي ابنه محمّد، وبعد محمّد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، والمهدي من ولد الحسن عليه السلام).
ثمّ قال: (حدَّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، إنَّ قائمنا إذا خرج يجتمع إليه ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً عدد رجال بدر، فإذا حان وقت خروجه يكون له سيف مغمود ناداه السيف: قم يا وليّ الله فاقتل أعداء الله).(٩٠)
٦٢ _ حديث يونس بن ظبيان، قال: دخلت علىٰ الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام فقلت: يا ابن رسول الله، إنّي دخلت علىٰ مالك وأصحابه وعنده جماعة يتكلَّمون في الله، فسمعت بعضهم يقول: إنَّ لله وجهاً كالوجوه، وبعضهم يقول: له يدان، واحتجّوا لذلك بقول الله تبارك وتعالىٰ: (بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) [ص: ٧٥]، وبعضهم يقول: هو كالشاب من أبناء ثلاثين سنة، فما عندك في هذا يا ابن رسول الله؟
قال: وكان متَّكئاً فاستوىٰ جالساً، وقال: (اللّهمّ عفوك عفوك).
ثمّ قال: (يا يونس، من زعم أنَّ لله وجهاً كالوجوه فقد أشرك، ومن زعم أنَّ لله جوارح كجوارح المخلوقين فهو كافر بالله ولا تقبلوا شهادته ولا تأكلوا ذبيحته، تعالىٰ الله عمَّا يصفه المشبّهون بصفة المخلوقين، فوجه الله أنبياؤه وأولياؤه، وقوله: (خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ)، فاليد القدرة كقوله تعالىٰ: (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصرهِ) [الأنفال: ٢٦]، فمن زعم أنَّ الله في شيء أو علىٰ شيء أو يحول من شيء إلىٰ شيء أو يخلو منه شيء أو يشغل به شيء فقد وصفه بصفة المخلوقين، والله خالق كلّ شيء، لا يقاس بالقياس ولا يشبه بالناس، لا يخلو منه مكان، ولا يشغل به مكان، قريب في بعده بعيد في قربه، ذلك الله ربّنا لا إله غيره، فمن أراد الله وأحبَّه ووصفه بهذه الصفة فهو من الموحّدين، ومن أحبَّه ووصفه بغير هذه الصفة فالله منه بريء ونحن منه برآء).
ثمّ قال عليه السلام: (إنَّ أُولي الألباب الذين عملوا بالفكرة حتَّىٰ ورثوا منه حبّ الله فإنَّ حُبَّ الله إذا ورثه القلب واستضاء به أسرع إليه اللطف، فإذا نزل [منزلة] اللطف صار من أهل الفوائد، فإذا صار من أهل الفوائد تكلَّم بالحكمة فصار صاحب فطنة، فإذا نزل منزلة الفطنة عمل في القدرة، فإذا عمل في القدرة عرف الأطباق السبعة، فإذا بلغ هذه المنزلة صار يتقلَّب في فكره بلطف وحكمة وبيان، فإذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبَّته في خالقه، فإذا فعل ذلك نزل المنزلة الكبرىٰ، فعاين ربَّه في قلبه وورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء، وورث العلم بغير ما ورثه العلماء، وورث الصدق بغير ما ورثه الصدّيقون، إنَّ الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت، وإنَّ العلماء ورثوا العلم بالطلب، وإنَّ الصدّيقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة، فمن أخذه بهذه السيرة إمَّا أن يسفل وإمَّا أن يرفع، وأكثرهم الذي يسفل ولا يرفع إذ لم يرعَ حقَّ الله ولم يعمل بما أمر به، فهذه صفة من لم يعرف الله حقَّ معرفته ولم يحبّه حقَّ محبَّته، فلا يغرَّنَّك صلاتهم وصيامهم ورواياتهم وعلومهم، فإنَّهم حمر مستنفرة).
ثمّ قال: (يا يونس، إذا أردت العلم الصحيح فعندنا أهل البيت، فإنّا ورثناه وأُوتينا شرع الحكمة وفصل الخطاب).
فقلت: يا ابن رسول الله، وكلّ من كان من أهل البيت ورث كما ورثتم من كان من ولد علي وفاطمة عليهما السلام؟
فقال: (ما ورثه إلَّا الأئمّة الاثنا عشر).
قلت: سمّهم لي، يا ابن رسول الله.
قال: (أوَّلهم علي بن أبي طالب، وبعده الحسن والحسين، وبعده علي بن الحسين، وبعده محمّد بن علي الباقر، ثمّ أنا، وبعدي موسىٰ ولدي، وبعد موسىٰ علي ابنه، وبعد علي محمّد ابنه، وبعد محمّد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، وبعد الحسن الحجَّة صلوات الله عليهم، اصطفانا الله وطهَّرنا وآتانا ما لم يؤت أحداً من العالمين).
ثمّ قلت: يا ابن رسول الله، إنَّ عبد الله بن سعد دخل عليك بالأمس فسألك عمَّا سألتك فأجبته بخلاف هذا.
فقال: (يا يونس، كلّ امرئ وما يحتمله، وكلّ وقت حديثه، وإنَّك لأهل لما سألت، فاكتمه إلَّا عن أهله، والسلام).(٩١)
٦٣ _ حديث عبد الله بن جندب، عن الإمام الكاظم عليه السلام أنَّه قال: (تقول في سجدة الشكر: اللّهمّ إنّي أُشهدك وأُشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك: أنَّك أنت الله ربّي، والإسلام ديني، ومحمّداً نبيّي، وعلياً والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسىٰ بن جعفر وعلي بن موسىٰ ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي والحجَّة بن الحسن بن علي أئمَّتي بهم أتولّىٰ ومن أعدائهم أتبرَّأ...).(٩٢)
٦٤ _ حديث شرايع الدين التي كتبها الإمام الرضا عليه السلام للمأمون العبّاسي، جاء فيها: (إنَّ محض الإسلام شهادة أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً قيّوماً سميعاً بصيراً قديراً قديماً قائماً باقياً، عالماً لا يجهل، قادراً لا يعجز، غنيَّاً لا يحتاج، عدلاً لا يجور، وأنَّه خالق كلّ شيء، وليس كمثله شيء، لا شبه له ولا ضدَّ له ولا ندَّ ولا كفؤ له، وأنَّه المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة.
وأنَّ محمّداً عبده ورسوله وأمينه وصفيه وصفوته من خلقه، وسيّد المرسلين وخاتم النبيّين وأفضل العالمين، لا نبيّ بعده ولا تبديل لملَّته ولا تغيير لشريعته، وأنَّ جميع ما جاء به محمّد بن الله هو الحقّ المبين، والتصديق به وبجميع من مضىٰ قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصّلت: ٤٢]، وأنَّه المهيمن علىٰ الكتب كلّها، وأنَّه حقّ من فاتحته إلىٰ خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه وخاصّه وعامّه ووعده ووعيده وناسخه ومنسوخه وقصصه وأخباره، لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله.
وأنَّ الدليل بعده، والحجَّة علىٰ المؤمنين، والقائم بأمر المسلمين، والناطق عن القرآن، والعالم بأحكامه، أخوه، وخليفته، ووصيّه، ووليّه، والذي كان منه بمنزلة هارون من موسىٰ، علي بن أبي طالب عليه السلام، أمير المؤمنين، وإمام المتَّقين، وقائد الغرّ المحجَّلين، وأفضل الوصيّين، ووارث علم النبيّين والمرسلين.
وبعده الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنَّة، ثمّ علي بن الحسين زين العابدين، ثمّ محمّد بن علي باقر علم النبيّين، ثمّ جعفر بن محمّد الصادق وارث علم الوصيّين، ثمّ موسىٰ بن جعفر الكاظم، ثمّ علي بن موسىٰ الرضا، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ الحجَّة القائم المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين.
أشهد لهم بالوصيّة والإمامة، وأنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة الله تعالىٰ علىٰ خلقه في كلّ عصر وأوان، وأنَّهم العروة الوثقىٰ، وأئمّة الهدىٰ، والحجَّة علىٰ أهل الدنيا إلىٰ أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأنَّ كلّ من خالفهم ضالّ مضلّ باطل، تارك للحقّ والهدىٰ، وأنَّهم المعبِّرون عن القرآن، والناطقون عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالبيان، ومن مات ولم يعرفهم مات ميتة جاهلية...).(٩٣)
وربَّما لم نستوف الأحاديث الواردة في ذلك، وفيما ذكرناه كفاية.
*************************************
(٨١) راجع (ص ٨٣/ ح ٤٩).
(٨٢) ففي حديث جابر: قلت لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام: إذا حدَّثتني بحديث فأسنده لي. فقال: (حدَّثني أبي، عن جدّي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن جبرئيل عليه السلام، عن الله عز وجل، وكلّ ما أُحدِّثك بهذا الإسناد). (أمالي المفيد: ٤٢/ ح ١٠).
وفي حديث هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره، قالوا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول الله عز وجل...). (الكافي ١: ٥٣/ باب رواية الكتب.../ ح ١٤).
ومن الطريف ما عن سالم بن أبي حفصة، قال: لمَّا هلك أبو جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام، قلت لأصحابي: انتظروني حتَّىٰ أدخل علىٰ أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السلام فأُعزّيه، فدخلت عليه فعزَّيته، ثمّ قلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ذهب والله من كان يقول: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا يُسئَل عمَّن بينه وبين رسول الله. لا والله لا يُرىٰ مثله أبداً. قال: فسكت أبو عبد الله عليه السلام ساعة، ثمّ قال: (قال الله عز وجل: إنَّ من عبادي من يتصدَّق بشقّ تمرة فأُربّيها له كما يُربّي أحدكم فلوه، حتَّىٰ أجعلها له مثل جبل أُحُد). فخرجت إلىٰ أصحابي، فقلت: ما رأيت أعجب من هذا. كنّا نستعظم قول أبي جعفر عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) بلا واسطة. فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: (قال الله عز وجل) بلا واسطة. (أمالي المفيد: ٣٥٤/ ح ٧).
(٨٣) بحار الأنوار ٣٦: ٣٩٠ و٣٩١/ ح ٢، عن كفاية الأثر: ٢٤٨ - ٢٥٠.
(٨٤) الغيبة للطوسي: ١٤٩/ ح ١١٠.
(٨٥) بحار الأنوار ٤٦: ١٧٣ و١٧٤/ ح ٢٦، عن مقتضب الأثر: ٣٠ و٣١.
(٨٦) كمال الدين: ٣٣٦ و٣٣٧/ باب ٣٣/ ح ٩.
(٨٧) مصباح المتهجّد: ٣٢٥ - ٣٢٩/ ح (٤٣٦/٤٨).
(٨٨) مصباح المتهجّد: ٣٣٢/ ح (٤٤١/٥٣).
(٨٩) بحار الأنوار ٣٦: ٤٠٨ و٤٠٩/ ح ١٧، عن كفاية الأثر: ٢٦٤ - ٢٦٦.
(٩٠) بحار الأنوار ٣٦: ٤٠٩ و٤١٠/ ح ١٨، عن كفاية الأثر: ٢٦٦ و٢٦٧.
(٩١) بحار الأنوار ٣٦: ٤٠٣ - ٤٠٥/ ح ١٥، عن كفاية الأثر: ٢٥٥ - ٢٥٩.
(٩٢) من لا يحضره الفقيه: ٣٢٩ - ٣٣١/ ح ٩٦٧.
(٩٣) عيون أخبار الرضا ٢: ١٢٩ - ١٣٤/ ح ١.
ما روي عن الأئمّة عليهم السلام في تعداد الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام
- الزيارات: 417