• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المطلب الأول: الهندوسية:

 تعدّ الديانة الهندوسية من أقدم الديانات الوضعية فهي أشبه بنظام أخلاقي فكري عبادي يتبع أيدولوجية فكرية معيَّنة مبنيَّة على أُسس وطقوس عبادية ونظام روحي متناغم معها قامت على أطلال الديانة الويدية(٣٦٩)، (وتشرَّبت أفكارها وتسلَّمت عن طريقها الملامح الهندية القديمة والأساطير الروحانية المختلفة التي نمت في شبه الجزيرة الهندية قبل دخول الآريين(٣٧٠) ومن أجل ذلك عدَّها الباحثون امتداداً لـ(الويدية) وتطوراً لها)(٣٧١).
وقد أطلق عليها بعض الباحثين تسميات منها الهندوكية لأنّها تمثِّل تقاليد الهند وعاداتهم وأخلاقهم وصور حياتهم(٣٧٢) وكذلك سُمِّيت بالبرهمية(٣٧٣).
والتي تتطلَّب الكثير من العبادات كقراءة الأدعية وإنشاد الأناشيد وتقديم القرابين(٣٧٤).
والهندوسية هي أشبه ما تكون بمنظومة متعدِّدة من المفاهيم والأنظمة العقائدية والعادات والتقاليد والطقوس، (تطورَّت مع الحياة وليس لها صيغة محددة ولهذا فيها من العقائد من يهبط إلى عبادة الأحجار والأشجار أو ما يرتفع إلى التجريدات الفلسفية الدقيقة)(٣٧٥).
ولهذا لم يعرف لهذه الديانة مؤسِّس أو يد واضعة، بل هي ورثت عقائدها من الديانة الويدية التي استقت مشاربها من كتابها المقدَّس الذي لا يُعرف من كتبه ويشار إلى أنَّها استقت بعض معتقداتها من الديانة الطوطمية(٣٧٦) التي خلفتها، الديانة التي تمجِّد كل شيء وتعبد كل كائن حي أو غير حي كما تعبد الأجداد والأسلاف(٣٧٧).
فهي ديانة تمجِّد الماضي، وهي أيضاً ديانة تستجيب دوماً لرياح التطوير والتغيير، لذا تجدها قد تطوَّرت وتداخلت لتشمل المعتقدات الجديدة التي أتى بها الغزو الآري(٣٧٨).
وقد تطوَّرت وتمازجت الهندوسية مع عقائد الآريين الذي تأثروا بالأقوام التي مرّوا بها أثناء هجرتهم إلى الهند(٣٧٩)، وبعد وصولهم إلى الهند تأثَّرت العقائد الآرية بعقائد السكان الأصليين في الهند ممّا أدّى إلى ابتعاد الهندوسية عن العقائد الآرية الأصلية(٣٨٠).
وكتاب الهندوسية المقدَّس هو الويدا أو الفيدا(٣٨١) والذي هو بالأحرى كتب عديدة تحمل مواضيع شتّى تشمل الآلهة والتناسخ والخلق والمقدَّسات والمحرَّمات والتي كانت بالأصل تعاليم شفهية دوِّنت باللغة السنسكريتية(٣٨٢) القديمة في الفترات المتفاوتة من الزمن وإن كانت معظمها عسيرة الفهم غريبة اللغة، وبدأ الكهنة بتدوين هذه الكتب في (٩٠٠ ق.م)(٣٨٣).
وتنقسم هذه الكتب على أربعة أقسام: وهي كما يأتي(٣٨٤):
١ - ريغ فيدا RIG VEDA)): وتشتمل على (١٠١٧) أنشودة دينية وضعت ليتضرَّع بها الهندوسي أمام الآلهة، ويرجع تأليفها إلى الألف الأول ق.م وينقل بها الكثير عن الشعوب والقبائل الآرية التي هاجرت إلى ما وراء السند. كما ويؤكد من خلال الأدعية والمزامير على وحدة الوجود وبدايات الفلسفة العقلية الهندوسية.
٢ - ياجور فيدا: YAJUR VEDA)) هي تفاصيل دقيقة عن الطقوس الدينية للقرابين والذبائح التي يقدِّمونها للآلهة. وتشتمل كذلك على الطرق المختلفة للصلوات والعبادات عند تقديم القرابين.
٣ - ساما فيدا: (SAMA VEDA) وهي تمثِّل الأغاني التي ينشدها المنشدون أثناء إقامة الصلوات وتلاوة الأدعية.
٤ - آثهار فيدا: (ATHAR VEDA) هي مجموعة من الترانيم والمزامير تستعمل من قبل الكهنة والرهبان الهندوس أثناء الأدعية الدينية والقرابين التي تقدم للآلهة. وتتضمَّن تعاليم التناسخ والتقمّص والحوارات المتعلّقة بالتجسّد الإلهي.
٥ - ويشتمل الويد الأخير (أثهار ويدا) على العديد من القصص الهندية التي تشتمل على السحر والخرافة، فالحياة الهندية مصوَّرة فيه وهي مليئة بالآثام والأغوال التي يخوِّفون الناس بها، وأن الناس تلجأ إلى السحر والرقي من أجل حماية أنفسهم بعد أن رفعت الآلهة يدها من مساعدتهم.
وكل هذه الويدات تشتمل على أربع أجزاء وهي كما يأتي(٣٨٥):
١ - السمهتا: يمثل دين الفطرة.
٢ - برهمان: يمثل مذهب القانون.
٣ - الأرنيك: فهو المعبر التاريخي الذي ينقل من الفكر إلى القانون.
٤ - الأبانيشاد: فهو المرتبة العليا وهو مذهب الروح في سلسلة الارتقاء الديني.
ومن الجدير بالإشارة أن تعدُّد الآلهة الذي تؤمن به الهندوسية موروث عن الاعتقاد بالآلهة السابقة الموجودة في الديانة الويدية مثل الإلهة أندرا ورودرا وأغنى(٣٨٦)، فإنَّ صفة تعدُّد الآلهة لدى الهندوس اتَّخذت منحى واسعاً حتَّى باتت تؤمن بربوبية كل شيء حتَّى الجماد والحيوان والأجداد والطبيعة كلها، كونها محلّاً للآلهة، (وهيهات أن تجد هندوسياً لا يعبد عدداً من الآلهة، فالعالم عنده زاخر بها، حتَّى أنَّه يصلّي للنمر الذي يفترس نعامه، ولجسر الخط الحديدي الذي يصنعه الأوربي، وللأوربي نفسه عند الاقتضاء)(٣٨٧).
وهذه هي نزعة التعدُّد لأنَّها تؤمن بعقيدة التناسخ التي تقوم على مبدأ الحلول في الأجساد وتكرار الولادة للروح، حيث تؤمن بأنَّ الروح كائن لا يمكن أن ينعدم ولابد عند الموت أن ينتقل من جسم إلى جسم آخر، وذلك لأنَّهم ينظرون للروح على أنَّها جوهر خالص لا يمكن أن ينعدم فهو (خالد صافي عالم مدرك تمام العلم والإدراك مادام منفصلاً عن الجسد، فإذا فاض على الجسد واتَّصل به اعتكر صفاءه ونقص علمه)(٣٨٨)، ولا يقتصر الأمر على الروح الطيبة أو الشريرة فحتَّى الإنسان الشرير روحه لا تنعدم بعد موته (بل يجوز أن تحل في كلب أو شجرة، وما يزال تكرار الوفاة فالولادة إلى أبد الآبدين، وإذا لم تستطع التجرُّد من الشهوات تجرُّداً تامّاً يصعد بها إلى حيث يمكنها الاتِّحاد مع الكل، فإن استطاعت الروح أن تتخلَّص من جزء الشَّر، فإنَّها ستندمج في الكل لتنعم بالاتِّحاد معه وبهذا الاتِّحاد تنجو من العذاب الذي يتجلّى في الولادة الجديدة المتكررة)(٣٨٩)، ولهذا كثرت عندهم الآلهة كثرة زائدة حتَّى أضحى كل شيء في الوجود هو بمثابة إله ومستحق للتقديس وخاصَّة بتأثير من الديانة الطوطمية السابقة (أو عن اعتقادهم بأنَّ الله يتجلّى في بعض الأحياء فيحلّ فيهم ويحتمل أن يحلّ في هذا الكائن أو ذاك لأنَّهم آمنوا بعقيدة التناسخ فجاز عندهم أن يكون الحيوان قديماً جدّاً أو صديقاً عاد إلى الحياة)(٣٩٠).
وأحياناً يسيرون باتِّجاه نزعة الوحدانية، فرغم تعدد الآلهة لكن عندما يقبلون على إله من الآلهة فإنَّهم يقبلون بكل توجُّهِهم ووجودهم ليصبح هذا الإله الذي يمجدونه الآن هو سيد الأرباب (فيسمّونه بكل اسم حسن ويصفونه بكل صفة كمالية ويخاطبونه بربِّ الأرباب وإله الآلهة تعظيماً وإجلالاً، لا تحقيقاً وإيقاناً، وإذا عطفوا إلى غيره أقاموه مقام الأوَّل وجعلوه ربَّ الأرباب والآلهة)(٣٩١).
***************
(٣٦٩) الويدية أو الفيدية: وهي الشكل القديم للديانة الهندوسية وقد دخلت إلى الهند مع دخول الآريين لها حوالي (١٥٠٠) قبل ميلاد المسيح (عليه السلام)، علماً أنَّ كتب الآريين المقدسة تدعى فيدا والتي تعني المعرفة المقدسة وتتضمن أناشيد للآلهة ونصوصاً لتقديم الذبائح، وكذلك نصوصاً تتناول العقائد التي تتحدث عن الله وصورة الإنسان والعبادة. ينظر: ثيودور، عادل، مدخل إلى الأديان الخمسة الكبرى، (بيروت، المكتبة البوليسية، ١٤٢٦هـ/٢٠٠٥م)، ص٤ةأو الفيدي.
(٣٧٠) آريان: هو شعب قديم أصله من شرق أوروبا. استولى على إيران من الشمال الغربي للهند عام (٢٠٠٠ ق.م). وكان سبباً في تدهور حضارة السند. وكانت لغته صورة أولية من السنسكريتية وهي أساس اللغات الهندو الأوروبية. لأن الشعب الآري كان يسكن المناطق الممتدة من شرق أوروبا إلى جنوب آسيا. وقد وصل للهند سنة (٣٠٠٠ ق.م)، والآريون بشر أبيض الجلد وشعر أسود ولم يبقَ من هذا الجنس سوى اللغة الآرية، وكانوا يعبدون آلهة الإغريق. وقد ابتكروا أشكالاً من النصوص الشفهية في الفيدا المقدسة لدى الهندوس.
(٣٧١) شلبي، أحمد، أديان الهند الكبرى، (مصر، مكتبة النهضة المصرية، ١٤٠٥هـ/ ١٩٨٤م)، ص٣٨.
(٣٧٢) المصدر السابق: ص٣٨.
(٣٧٣) ابتداءً من القرن الثامن قبل الميلاد نسبة إلى براهما وهي القوة السحرية الكامنة. ينظر: المصدر السابق: ص٣٧.
(٣٧٤) شلبي، أديان الهند الكبرى، ص٣٧.
(٣٧٥) المقدسي، صبري، الموجز في المذاهب والأديان، (أربيل، ميديا، ١٤٢٨هـ/٢٠٠٧م)، ص١٩.
(٣٧٦) الطوطمية: هي ديانة مركبة من الأفكار والرموز والطقوس تعتمد على العلاقة بين جماعة إنسانية وموضوع طبيعي يسمى الطوطم، والطوطم يمكن أن يكون طائراً أو حيواناً أو نباتاً أو ظاهرةً طبيعية أو مظهراً طبيعياً مع اعتقاد الجماعة بالارتباط به روحياً. وكلمة طوطم مشتقة من اللغة الأمريكية الأصلية.
(٣٧٧) المقدسي، الموجز في المذاهب والأديان: ص٢٠.
(٣٧٨) الذي اختلف المؤرخون في منطقة صدوره فكان الرأي الأول أنّهم قبائل مهاجرة من أواسط آسيا استوطنت إيران والهند، وكان الرأي الآخر يؤيد فكرة أن الغزو الآري ما هو إلّا مجيء أقوام مهاجرة اكتسحت أوروبا وتمازجت وتفاعلت لتنتج جيلاً جديداً هاجر عبر الأراضي الواسعة إلى الهند في عام (١٥٠٠ ق.م)، المصدر السابق: ص٢٤.
(٣٧٩) شلبي، أديان الهند الكبرى: ص٣٨.
(٣٨٠) المصدر السابق: ص٣٩.
(٣٨١) حلمي، مصطفى، الإسلام والأديان، (بيروت، دار الكتب العلمية، ١٤٢٥هـ/ ٢٠٠٤م)، ص٤٥.
(٣٨٢) السنسكريتية: هي لغة قديمة في الهند وهي لغة طقوسية للهندوسية، والبوذية. لها موقع في الهند وجنوب شرق آسيا مشابه للغة اللاتينية واليونانية في أوروبا في القرون الوسطى، وقد لاحظ هذا الشبه العالم اللغوي ويليام جونز وهو مستشرق بريطاني حيث كان يعمل قاضياً هناك، ولهذه اللغة جزء مركزي في التقليد الهندوسي. وهي إحدى الاثنتين وعشرين لغة رسمية للهند. وتدرس في الهند كلغة ثانية. كما أنَّ بعض البراهميين يعتبرونها لغتهم الأُم.
(٣٨٣) المقدسي، الموجز في الأديان: ص٤٠.
(٣٨٤) المصدر السابق: ص٢٨-٢٩.
(٣٨٥) شلبي، أديان الهند الكبرى، ٤١.
(٣٨٦) ثيودور، مدخل إلى الأديان الخمسة الكبرى: ص٤.
(٣٨٧) المصدر السابق: ص٥.
(٣٨٨) أبو زهرة، محمد، الديانات القديمة، (دار الفكر العربي، ١٣٨٥هـ/ ١٩٦٥م)، ص٤٣.
(٣٨٩) العطار، أحمد عبد الغفور، الديانات والعقائد في مختلف العصور، (مكة المكرمة، ١٤٠١هـ/١٩٨١م)، ص١٠٣.
(٣٩٠) العقاد، عباس، الله، كتاب في نشأة العقيدة الإلهية، (بيروت، المكتبة العصرية، ١٣٦٨هـ/١٩٤٩م)، ص٧٧.
(٣٩١) شلبي، أديان الهند الكبرى: ص٤٦.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page