إنَّ الله سبحانه وتعالى منَّ على البشر ببعث الأنبياء والرسل والأوصياء حتَّى يُعلي كلمة الحقِّ والتوحيد، ويفيض الألطاف على البشر من خلالهم، فإذا منعوا من هذه الألطاف والخيرات، فليس ذلك لعدم وجود المقتضي؛ بل لوجود المانع من نزول الفيض واللطف الإلهيين.
وبعبارة أُخرى: من الأُمور العقلائية المتَّفق عليها أنَّ التاجر الثري قد يُعطي أولاده أموالاً ليختبرهم فيها، فإذا تاجروا بالشكل الصحيح أعطاهم وزادهم من ثروته، وإلَّا قطع عنهم المدد والمال، والسبب في ذلك ليس عدم وجود المال، أو لأنَّه لا يريد أن يعطيهم لبخل فيه؛ بل إنَّ الثروة متوفِّرة والإرادة موجودة؛ ولكنَّه حجبها عنهم لأنَّهم لم يحسنوا استعمالها، فأسرفوا فيها، وضيَّعوها ولم يضعوها في مواضعها.
فكذلك نقول: إنَّ سبب حجب اللطف الحاصل من وجود الإمام المهدي (عليه السلام) عن الناس، هم الناس أنفسهم، فإنَّ الله تعالى جعله إماماً وأنشأه بينهم لينتفعوا بمحضره الشريف، ويُقرِّبهم لما فيه قربهم من الله (عزَّ وجلَّ)، وليُبعِّدهم عن ما فيه بعد عن الله تعالى؛ ولكنَّهم حينما جحدوا بإمامة المفترض عليهم طاعته، وحاولوا قتله ومحاربته، حجب عنهم اللطف، ولا يُنسَب حرمانهم اللطف إلى الله سبحانه؛ بل المسؤول عن الاحتجاب، وعن الحرمان من الاستضاءة بذلك النور الساطع هم من أرادوا قتله، فتبقى الثمرة محفوظة، واللطف مصون بوجوده الشريف؛ ولكن الناس هم المانع من إيصالها.
وهذا بيان لما قرَّره علماؤنا الأعلام بما حاصله: أنَّ وجود الإمام لطف، وفعله لطف آخر، وعدمه من البشر، ومعنى ذلك أنَّ أصل وجود الإمام لطف من الله سبحانه وتعالى للبشر، وفعل الإمام المهدي (عليه السلام) الخارجي لطف آخر للبشر، ويرجع سبب عدم حصولهم على اللطف الثاني إليهم.
التنبيه الخامس: وقفة مع منشأ المنع من لطف الإمام (عليه السلام)
- الزيارات: 167