• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أوَّلاً: من فتن الغيبة الكبرى

 الفتنة الأُولى: فتنة طول الغيبة:
شاءت الحكمة الإلهية أن يدَّخر الباري جلَّ وعلا الإمام المنتظر (عليه السلام) إلى وقت لا يعلمه إلَّا هو (عزَّ وجلَّ)، يراه مناسباً للظهور المقدَّس.
ولكن نجد أنَّ الإنسان ومن طبعه يحب أن يجني الثمار قبل أوانها، وأن يستقبل الأمر قبل تمامه، ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ﴾ (القيامة: ٥)، ﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ (الأنبياء: ٣٧).
وهذه السجيَّة في الإنسان ستجعل البعض يمتعضون من طول الغيبة، وربَّما أثَّر هذا على سلوكهم، بل وعلى عقيدتهم بالمهدي (عليه السلام)، وهذا ما نبَّهت عليه بعض الروايات الشريفة وأمرت بالثبات على المبدأ زمن الغيبة التي يضلُّ فيه الكثيرون.
قال محمّد بن علي التقي (عليهما السلام) لعبد العظيم الحسني: «المهدي الذي يجب أن يُنتَظر في غيبته، ويُطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، وأنَّ الله ليصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) حيث ذهب ليقتبس لأهله ناراً، هو سميّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيّه، تُطوى له الأرض»، قيل: ولِمَ سُمّي القائم؟ قال: «لأنَّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته، وسُمّي المنتظر لأنَّ له غيبة يطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويهلك المستعجلون»(٤٢٦).
عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت على موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقلت له: يا بن رسول الله، أنت القائم بالحقّ؟ فقال: «أنا القائم بالحقّ، ولكن القائم الذي يُطهِّر الأرض من أعداء الله (عزَّ وجلَّ) ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتدُّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون»، ثمّ قال: «طوبى لشيعتنا، المتمسّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أُولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمَّة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة»(٤٢٧).
وفي رواية أحمد بن إسحاق مع الإمام العسكري (عليه السلام)... فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا بن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت [به] عليَّ، فما السُّنَّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: «طول الغيبة يا أحمد»، قلت: يا بن رسول الله، وإنَّ غيبته لتطول؟ قال: «إي وربّي، حتَّى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقى إلَّا من أخذ الله (عزَّ وجلَّ) عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيَّده بروح منه. يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غداً في علّيين»(٤٢٨).
الفتنة الثانية: الاستعجال والدخول في الفتن:
كلّ من طالع التاريخ الإسلامي يجد وبوضوح أنَّ الشيعة قد مرَّت عليهم ظروف لا يحسدون عليها من ظلم وقتل وتشريد وحبس وغيرها كثير، وبالتالي انعكس هذا على نفسياتهم، وصاروا يبحثون عن متنفّس يُخلِّصهم ممَّا نزل بهم، هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فإنَّ أهل البيت (عليهم السلام) لم يغفلوا هذه الحقيقة، بل رسموا لشيعتهم الطريق الصحيح للخروج من هذا الظلم، وأنَّه إن كان الظرف مناسباً لذلك لم يكن لهم ولا للشيعة عذر في عدم القيام ضدّ الظلم.
ثمّ بيَّنوا أنَّ التخلّص من الظلم بكلّ صوره إنَّما يتمُّ على يدي الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّ من يقوم قبله حتَّى وإن كُتِبَ له الانتصار لكنَّه ما يلبث أن تنتهي حركته، وأنَّ العدل المطلق لا يتمُّ إلَّا على يديه (عليه السلام).
وعلى كلِّ حالٍ، هذه الحالة جعلت من بعض الشيعة يتأمَّلون التخلّص من الظلم على يد كلّ من ادَّعى القيام لأجل الحقّ.
وهنا، جاءت التعليمات من أهل البيت (عليهم السلام) في أن يتريَّثوا ولا يستعجلوا بالدخول في الحركات من دون معرفة أساسياتها ومرتكزاتها الحقيقية ونتائجها المحتومة.
وفي الحقيقة، إنَّ الاستعجال في الدخول في حركات كتلك هو من فتن الظهور وما قبله، لذلك أكَّدت الروايات الشريفة على عدم الاستعجال في الأمر قبل أن يحين أوانه.
وهنا عدَّة روايات، نذكر منها:
الرواية الأُولى: عن سيف التمّار، عن أبي المرهف، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «هلكت المحاضير»، قال: قلت: وما المحاضير؟ قال: «المستعجلون، ونجا المقرّبون، وثبت الحصن على أوتادها، كونوا أحلاس بيوتكم، فإنَّ الغبرة على من أثارها، وأنَّهم لا يريدونكم بجائحة(٤٢٩) إلَّا أتاهم الله بشاغل إلَّا من تعرَّض لهم»(٤٣٠).
الرواية الثانية: عن أبي بكر الحضرمي، قال: دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله (عليه السلام)، وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان، فقلنا: ما ترى؟ فقال: «اجلسوا في بيوتكم، فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدّوا إلينا بالسلاح»(٤٣١).
سؤال وجوابه:
قد يتصوَّر البعض أنَّ مثل هذه الروايات تدعو الشيعة إلى الخضوع والخنوع وعدم العمل على التغيير على المستوى السياسي العامّ، بدعوى أنَّها أمرت بلزوم البيت، وبالتالي هذا سيتيح للظالمين الفرصة المناسبة لفرض سيطرتهم من دون معارض، وهذا بالتالي سيُبرِّر المقولة التي تُصوِّر الأمر بالانتظار على أنَّه يعني السكون والركود وعدم التفاعل مع الأحداث والواقع.
والجواب: تقدَّم تفصيله في الشذرة الثانية عشرة، فراجع.
الفتنة الثالثة: فتنة اختلاف الشيعة:
صحيح أنَّ إبليس آلى على نفسه أن يضلَّ عباد الله تعالى، وصحيح هو يعمل على ذلك ليلاً نهاراً، ولكن الواقع هو أنَّ إبليس يبذل كلّ جهوده في سبيل إضلال فئة واحدة من أُمَّة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهي الفرقة الناجية التي اتَّبعت أمر النبيّ بالولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) لفراغه عن ضلال ما عداهم فقد أُركسوا في الانحراف.
وهذا ما بيَّنه الإمام الصادق (عليه السلام) في وصيَّته لعبد الله بن جندب، حيث يقول فيها: «يا عبد الله، لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلَّا أولياءنا»(٤٣٢).
عن مالك بن ضمرة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا - وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض -؟»، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير؟ قال: «الخير كلّه عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا فيُقدِّم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيقتلهم، ثمّ يجمعهم الله على أمر واحد»(٤٣٣).
تنبيه:
إنَّ ذكر هذه الفتنة وتصريح الروايات بها لا يعني الاستسلام لها لو وقعت، بل لا بدَّ على المؤمنين أن يستعدّوا لمثل هذه الفتنة، وأن يلجؤوا - لو وقعت - إلى صمّام الأمان الذي وضعه أهل البيت (عليهم السلام) لشيعتهم لو وقعت الفتنة، وهو الرجوع إلى العلماء المأمونين على الدين، الذين يعرفون كيف يُوجِّهون عموم الناس نحو السبيل الذي يريده الله تعالى منهم.
***************
(٤٢٦) الخرائج والجرائح ٣: ١١٧١ و١١٧٢/ ح ٦٦.
(٤٢٧) كمال الدين: ٣٦١/ باب ٣٤/ ح ٥.
(٤٢٨) كمال الدين: ٣٨٥/ باب ٣٨/ ح ١.
(٤٢٩) (جوح) الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار وتستأصلها، وكلُّ مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة جائحة، يقال: جاحت الآفة المال تجوحه جوحاً من باب، قال: أهلكته، وتجيحه جياحة لغة فهي جائحة، والجمع الجوائح. (مجمع البحرين ٢: ٣٤٧).
(٤٣٠) الغيبة للنعماني: ٢٠٣/ باب ١١/ ح ٥.
(٤٣١) الغيبة للنعماني: ٢٠٣/ باب ١١/ ح ٦.
(٤٣٢) تحف العقول: ٣٠١.
(٤٣٣) الغيبة للنعماني: ٢١٤/ باب ١٢/ ح ١١.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page