تصوَّروا لو أنَّ كليم الله موسى عليه السلام حين دخل على فرعون وقال له ولملئه: إنَّ معي آية تُثبِت دعوتي ونبوَّتي وهي عصاي هذه التي سوف تلقف ما يأفك سحرتكم، ولمَّا حضر في يوم الزينة وألقى السحرة عصيَّهم فإذا هي أفاعٍ تُرهِب أعين الحاضرين، واستدارت أعين القوم إلى موسى عليه السلام تنتظر معجزته، وإذا به يعيد نفس كلامه السابق: إنَّ عصاي هذه لديها القدرة أن تلتهم ما تصنعون من باطل، ثمّ ترك القوم ورحل من دون أن يُثبِت ادِّعائه، ونبيّ الله عيسى عليه السلام كذلك في إحياء الموتى، وباقي النبيّين في معاجزهم، وكذلك لو ادَّعى طالب في الصفِّ الأوَّل من المرحلة الابتدائية أنَّه عالم بمادَّة الامتحان، ولا يوجد داعٍ للدخول إلى قاعة الامتحان، فهل يُقبَل ذلك منه؟وكذا لو ادَّعى شخص أنَّه عالم بالطبِّ من دون دراسة، ولديه خبرة تغنيه عن شهادات الجامعات، وأراد أن يعمل عملية حسّاسة لأحد الأشخاص المقرَّبين منكم، فهل تقبلون ذلك منه؟
فإذا كانت دعوى العلم من قبل طالب الصف الأوَّل الابتدائي لا تُقبَل إلَّا أن يخضع لاختبار إثبات دعوى علمه، وكذلك الطبيب لا تُقبَل دعواه في معرفة الطبِّ إلَّا من خلال الطرق الصحيحة المتَّبعة في هذا المجال، فوفق هذه المعادلة هل تُقبَل دعوى شخص يدَّعي علم الأوَّلين والآخرين من دون أن يُثبِت علمه أو يخضع لعملية اختبار وقد قال الإمام عليه السلام للشيعة في مدَّعي الإمامة: (اسألوه)(١٥)؟
وكيف لا نقبل دعوى معرفة طبيب بمعالجة عضو من أعضاء الإنسان من غير أن يمرَّ بطرق إثبات مهنته، ونقبل ذلك في خلافة السماء ووصاية سيِّد المرسلين في علاج أمراض البشرية جمعاء؟ وهل مجرَّد دعواه تكفي في إثبات حقِّه؟ هذا ما سوف نعرفه في طيّات المباحث، وكيف أنَّ هذه الجماعة وإلى أيِّ حدٍّ وصل بهم الاستهزاء بعقول الناس والسخرية منهم بطرحهم مقاييس وأساليب لا تُقنِع عجائز القرون الوسطى، لم ينزل الله بها من سلطان، أو يذكرها لنا إمام بساطع البيان.
***************
(١٥) راجع: الكافي ١: ٣٤٠/ باب في الغيبة/ ح ٢٠.
المقدّمة الرابعة: ادّعاء العلم لا يُصيّر الإنسان عالماً، وادّعاء المعجزة لا يُثبت حقّ مدَّعيها
- الزيارات: 159