وأوضح طرق الاستدلال هي القياس، وهو له كيفية خاصَّة ربَّما يستعملها الإنسان في حياته يومياً من دون أن يعرف مسمّياته ومصطلحاته، وحسب تعبير الشيخ المظفَّر قدس سره: (إنَّ تسعة وتسعين في المائة من الناس هم منطقيون بالفطرة من حيث لا يعلمون)(١٦).
ولمن لم يطَّلع كيفية تشكيل القياس نقول: إن أراد أحد أن يبرهن على صحَّة ادِّعائه، ويصل إلى نتائج سليمة، واستعمل هذه الطريقة من الاستدلال المكوَّن من مقدّمتين، وهما: المقدّمة الأُولى هي الصغرى، والثانية تُسمّى كبرى.
ولو فرضنا أنَّ شخصاً أراد أن يُثبِت عدالة زيد مثلاً، فيُقدِّم مقدّمة، فيقول: إنَّ زيداً مصلٍّ (مقدّمة أُولى صغرى)، وكلُّ مصلٍّ عادل (مقدّمة ثانية كبرى)، (النتيجة): إنَّ زيداً عادل.
ولا يحقُّ لهذا المدَّعي أن يدَّعي هذه النتيجة إلَّا إذا كانت المقدّمتان صحيحتين، أمَّا إذا كانت إحداهما باطلة، أو كانت مشكوكة ولم يستطع إثبات صحَّتها فإنَّ ادِّعاءه يبقى بلا قيمة علمية. ولو رجعنا إلى مثالنا ونظرنا إلى كبرى قياس هذا المدَّعي وهي أنَّ (كلَّ مصلٍّ عادل) نجدها كاذبة، فكثير من المصلّين هم في صلاتهم ساهون، ويمنعون الماعون، فالويل لهم حسب تعبير الكتاب المنزل، والخوارج والنواصب وغيرهم خير مثال على كذب الكبرى المدَّعاة. فإن كذبت الكبرى سقط الاستدلال، ولم يعد للمدَّعى أيّ قيمة، وإن كان للمدَّعى الذي ثبت بطلانه لازم أخلاقي أو عقائدي كما في مقامنا في هذا البحث تنقلب النتيجة ضدّ صاحبها، فإنَّ لمثل هذه الادِّعاءات نتائج عكسية، ويترتَّب على كذبها آثار أخلاقية وعقائدية تصل حسب تقييم الإمام المهدي عليه السلام إلى حدِّ الكفر بالله العظيم والعياذ بالله.
***************
(١٦) المنطق: ٢٣٣.
المقدّمة الخامسة: الإنسان مفطور على الاستدلال
- الزيارات: 193