• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ردُّ دعوى التواتر المعنوي في تسليم الأمر لابن المهدي عليه السلام

 إنَّ التواتر ينقسم إلى أقسام: منه تواتر لفظي، وتواتر معنوي، وقبل الدخول في التفاصيل لا بدَّ أن نتعرَّف على معنى هذين القسمين من التواتر من خلال كلام أهل الاختصاص.
أمَّا التواتر اللفظي فقد عرَّفوه بأنَّه: (إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب، وصدورهم جميعاً عن خطأ أو اشتباه أو خداع حواسّ، على أن يجري هذا المستوى في الإخبار في جميع طبقات الرواة، حتَّى الطبقة التي تنقل عن المعصوم مباشرةً. فلو تأخَّر التعدُّد في طبقة ما، أو فقد أحد تلكم الشروط، خرج عن كونه متواتراً إلى أخبار الآحاد، لأنَّ النتائج كما يقول علماء الميزان تتبع دائماً أخسّ المقدّمات)(٩٧).
وأمَّا التواتر المعنوي فهو: (ما إذا تعدَّدت ألفاظ المخبرين في خبرهم، ولكن اشتمل كلٌّ منها على معنى مشترك بينها بالتضمّن أو الالتزام، وحصل العلم بذلك القدر المشترك بسبب كثرة الأخبار)(٩٨).
والفقرة الدالّة على تسليم الإمام المهدي عليه السلام الأمر إلى ابنه في الرواية التي أطلقوا عليها رواية الوصيَّة، لم يرد معناها مطلقاً ولا في رواية واحدة غير هذه الرواية، فكيف تكون متواترة لفظاً أو معنىً؟!
والأدلَّة التي استدلّوا بها على هذا المعنى تنقسم إلى قسمين: مقاطع من أدعية، وروايات تتكلَّم عن حكم ما بعد المهدي عليه السلام.
فقد استدلَّ أتباع أحمد إسماعيل بعدَّة أدلَّة حاولوا فيها إرباك ذهن المتتبِّع وتلبيس الحقِّ عليه من خلال الاستدلال بمقاطع أدعية يظهر منها وجود ذرّية للإمام عليه السلام، وكأنَّ الخلاف والنقاش هو حول إثبات ذرّية للإمام عليه السلام، وما هي العلاقة بين ثبوت ذرّية للإمام المهدي عليه السلام وبين من يتولّى القيادة بعده؟ متناسين أنَّ ديننا ومذهبنا قائم على الدليل والنصِّ الصريح والتنصيب الإلهي للحجَّة على الخلق، وهذا هو جوهر الفرق بيننا وبين المدارس الدينية الأُخرى، فإنَّنا إذا وجدنا دليلاً من المعصوم عليه السلام ينصُّ ويُصرِّح بوجوب اتّباع شخص ما باعتباره حجَّة علينا سواء كان ابن الإمام أم أخاه فيفترض وبمقضى ولاية المعصوم أن نكون أتباعاً مطيعين له، وأمَّا من لم يكن كذلك فلا يمكن القول بإمامته وإن كان ابناً للإمام أو أخاه، ألم يكن عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق عليه السلام، وجعفر ابن الإمام الهادي عليه السلام، وقد نازعا صاحب الأمر والحجَّة عليهما كما ورد في الأخبار(٩٩)؟ ونحن لا نقول بإمامتهما لعدم قيام الدليل على ذلك، مضافاً إلى عدم أهليَّتهما للإمامة.
والروايات الواردة فيمن يتولّى بعد القائم عليه السلام عدَّة روايات في معاني مختلفة:
١ _ منها ما رواه الشيخ الطوسي رحمه الله بسنده عن الحسن بن علي الخزّاز، قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال له: أنت إمام؟ قال: (نعم)، فقال له: إنّي سمعت جدَّك جعفر بن محمّد عليه السلام، يقول: (لا يكون الإمام إلَّا وله عقب)، فقال: (أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر عليه السلام، إنَّما قال جعفر: لا يكون الإمام إلَّا وله عقب، إلَّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليهما السلام، فإنَّه لا عقب له). فقال له: صدقت جُعلت فداك، هكذا سمعت جدَّك يقول(١٠٠).
والذي يخرج عليه _ أي عقيبه _ الحسين عليه السلام هو الإمام المهدي عليه السلام كما نصَّت الروايات، وهذه الرواية تدلُّ على أنَّ المهدي عليه السلام لا عقب له.
٢ _ وعن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (والله ليملكنَّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً)، قلت: متى يكون ذلك؟ قال: (بعد القائم عليه السلام)، قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: (تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر، فيطلب بدم الحسين عليه السلام ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّى يخرج السفّاح)(١٠١).
وهذه الرواية تدلُّ على أنَّ الذي يتولّى الإمامة بعد المهدي عليه السلام هو واحد من الأئمَّة الأطهار عليهم السلام، وهو الإمام الحسين عليه السلام عندما يرجع إلى الدنيا قبيل وفاة المهدي عليه السلام كما سياتي في الأخبار التي سننقلها قريباً.
٣ _ رواية أُخرى بنفس المعنى مع زيادة بيان من هو المنتصر والسفّاح، وهي: عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (والله ليملكنَّ أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً)، قلت: متى يكون ذلك؟ قال: (بعد القائم عليه السلام)، قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: (تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر إلى الدنيا وهو الحسين عليه السلام، فيطلب بدمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّى يخرج السفّاح وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)(١٠٢).
٤ _ وعن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا ابن رسول الله، إنّي سمعت من أبيك عليه السلام أنَّه قال: (يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً)، فقال: (إنَّما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا)(١٠٣).
المراد بـ (بعد القائم): بعد خروجه، لا بعد وفاته، لأنَّ هؤلاء الاثني عشر مهدياً ليسوا بأئمَّة، ولا يتولّون الإمامة بعد الإمام المهدي عليه السلام.
٥ _ وعن عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى:... (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) (الإسراء: ٦)، قال: (خروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهَّب، لكلِّ بيضة وجهان، المؤدّون إلى الناس أنَّ هذا الحسين قد خرج، حتَّى لا يشكُّ المؤمنون فيه، وأنَّه ليس بدجّال ولا شيطان، والحجَّة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنَّه الحسين عليه السلام جاء الحجَّة الموت، فيكون الذي يُغسِّله ويُكفِّنه ويُحنِّطه ويُلحِده في حفرته الحسين بن علي عليهما السلام، ولا يلي الوصيّ إلَّا الوصيّ)(١٠٤).
هذه الرواية تدلُّ على أنَّ الذي يتولّى الأمر بعد الإمام المهدي عليه السلام هو الإمام الحسين عليه السلام، ومع وجود الإمام الحسين عليه السلام كيف يمكن ﻟﻠﮕﺎطع أن يتولّى الإمامة دون الإمام الحسين عليه السلام، ويكون الحسين عليه السلام من رعيَّته؟!
٦ _ وعن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل أنَّه قال: (إنَّ منّا بعد القائم أحد عشر مهدياً من ولد الحسين عليه السلام)(١٠٥).
وهؤلاء الأحد عشر هم الأئمَّة الأحد عشر الباقون، ووصفهم بأنَّهم من ولد الحسين عليه السلام إنَّما هو بنحو التغليب، أي أغلبهم من ولد الحسين عليه السلام.
ومن مجموع هذه الروايات نستفيد أنَّ الذي يخلف الإمام المهدي عليه السلام ويستلم القيادة بعده هو الحسين عليه السلام، (فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنَّه الحسين عليه السلام جاء الحجَّةَ الموتُ، فيكون الذي يُغسِّله ويُكفِّنه ويُحنِّطه ويُلحِده في حفرته الحسين بن علي عليهما السلام، ولا يلي الوصيّ إلَّا الوصيّ).
وبعد الحسين يتولى الأمر أمير المؤمنين عليه السلام، (حتَّى يخرج السفّاح وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام).
وأمَّا الاثنا عشر مهدياً فهم قوم من شيعة الأئمَّة عليهم السلام، (إنَّما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا...).
قوله: (فليُسلِّمها إلى ابنه) في الرواية التي يستدلّون بها.
وبما أنَّ الركيزة الأساسية في النقاش تتمحور حول طبيعة ونوع العلاقة بين من يتسلَّم زمام الأُمور بعد المهدي وبينه عليه السلام، وهل هو ابنه أم هم عامَّة الشيعة أو أحد آبائه عليهم السلام؟
أمَّا ما دلَّ على أنَّ من يتسلَّم الأمر بعده عليه السلام هو ابنه فهي رواية واحدة فقط، وهي هذه الرواية التي أطلقوا عليها رواية الوصيَّة، وأمَّا ما دلَّ على رواية رجعة الحسين وأمير المؤمنين عليهما السلام وأنَّهما يتولَّان الأمر بعد الإمام المهدي عليه السلام، فهي روايات متعدِّدة.
وهناك رواية واحدة عامَّة ليس فيها أيّ إشارة إلى نوع علاقة من يتسلَّم الأمر من بعد المهدي عليه السلام به كرواية: بعد المهدي أحد عشر مهدياً، ورواية واحدة وصفت هؤلاء بأنَّهم من ولد الإمام الحسين عليه السلام.
وإذا رجعنا إلى تعريف التواتر المعنوي الذي ذكرناه فيما سبق نجد أنَّ ألفاظ المخبرين قد اجتمعت على لفظ المهديين من دون اشتراكها في بيان طبيعة علاقة المهديّين بالإمام عليه السلام، وكما أنَّ معنى المهديّين يصدق على أبناء الإمام فكذلك يصدق على المعنى المنافي له وهو الأئمَّة عليهم السلام، فيمكن لهم أن يتولّوا الأمر بعد رجعتهم، فإنَّهم عليهم السلام أئمَّة مهديّون كما جاء في الروايات:
عن إبراهيم بن يحيى المديني، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: (لمَّا بايع الناس عمر بعد موت أبي بكر أتاه رجل من شباب اليهود وهو في المسجد، فسلَّم عليه والناس حوله، فقال: يا أمير المؤمنين، دلِّني على أعلمكم بالله وبرسوله وبكتابه وبسُنَّته، فأومأ بيده إلى علي عليه السلام، فقال: هذا. فتحوَّل الرجل إلى علي فسأله: أنت كذلك؟ فقال: نعم، فقال: إنّي أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة...)، إلى أن قال: (فأخبرني كم لهذه الأُمَّة من إمام هدى، هادين مهديين، لا يضرُّهم خذلان من خذلهم، وأخبرني أين منزل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من الجنَّة، ومن معه من أُمَّته في الجنَّة؟ قال: أمَّا قولك: كم لهذه الأُمَّة من إمام هدى، هادين مهديين، لا يضرُّهم خذلان من خذلهم، فإنَّ لهذه الأُمَّة اثنا عشر إماماً هادين مهديين، لا يضرُّهم خذلان من خذلهم...)(١٠٦).
فقد أكَّد أميرالمؤمنين عليه السلام على أنَّ الأئمَّة الاثني عشر يصحُّ وصفهم بأنَّهم مهديّون، وبهذا الوصف يمكن أن ينطبق عليهم وصف اثني عشر مهدياً الذين يخلفون الإمام المهدي عليه السلام، وذلك برجعتهم عليهم السلام، وينسجم هذا المعنى أكثر إذا عرفنا أنَّ إحدى الروايات التي بيَّنت أنَّ عدد من يخلف المهدي عليه السلام هم أحد عشر مهدياً، وينسجم ذلك مع عدد آبائه عليهم السلام بالإضافة إليه فيكون عددهم اثني عشر مهدياً.
النتيجة:
إنَّ معنى المهديين لا يختصُّ بأبناء المهدي عليه السلام، بل لم يُطلَق عليهم إلَّا في هذه الرواية الضعيفة التي أطلقوا عليها رواية الوصيَّة، والروايات التي وصفت الأئمَّة الاثني عشر عليهم السلام بأنَّهم مهديّون كثيرة مستفيضة، فكيف يمكن أن يقال: إنَّ روايات المهديين الذين هم من أبناء الإمام المهدي عليه السلام متواترة تواتراً معنويَّاً؟!
ويبقى بذلك معنى تسلُّم ابن الإمام المهدي عليه السلام الأمر بدون عضيد من داخل الروايات، فإنَّ هذا المعنى لم تدلّ عليه إلَّا هذه الرواية الضعيفة فقط، وعليه فإنَّ رواية (استلام الابن) شاذّة لا يُعوَّل عليها، مضافاً إلى أنَّها وفق معايير علم الدراية هي من الروايات المهملة، لعدم ذكر بعض رواتها لدى رجال الحديث لا ذاتاً ولا وصفاً كما مرَّ.
واستدلّوا ببعض العبارات التي وردت في بعض الأدعية، ويمكن مناقشتها في عدَّة نقاط:
النقطة الأُولى:
روى السيِّد ابن طاووس في الدعاء لصاحب الأمر عليه السلام عن الإمام الرضا عليه السلام أنَّه قال: (... وتعزُّ به نصر وليِّك، ولا تستبدل بنا غيرنا، فإنَّ استبدالك بنا غيرنا عليك يسير، وهو علينا عسير. اللّهمّ صلِّ على ولاة عهده والأئمَّة من بعده، وبلِّغهم آمالهم وزد في آجالهم...)(١٠٧).
قالوا: إنَّ عبارة: ولاة العهد والأئمَّة من بعده، أي من بعد الإمام المهدي عليه السلام دليل على خلافة أبناء الإمام المهدي عليه السلام له.
الجواب:
إن كان ولاة العهد رجال عهد إليهم الإمام المهدي عليه السلام ببعض أُمور الدولة في حياته فهؤلاء في الحقيقة نوّابه وولاته، فينتفي النقاش، ولا يبقى للمستدلِّ حجَّة في ذلك، لأنَّ القائد الحقيقي المباشر للحكم هو الإمام المهدي عليه السلام، ومهما يكن ولاة العهد هؤلاء فإنَّهم لا يرقون إلى أهمّية ومنافسة الإمام على قيادة البشرية.
وإن كان ولاة الأمر هؤلاء يتولّون الأمر بعده فهم إمَّا نفس الأئمَّة المذكورين في العبارة التي بعدها وهي: (الأئمَّة من بعده) أو غيرهم، فإن كانوا غيرهم فمن المؤكَّد أنَّهم أقلّ منهم درجةً، لوضوح أنَّ الأئمَّة عليهم السلام هم الأعلى مقاماً بالنسبة إلى من سواهم، وإن كانوا هم أنفسهم فمعنى البعدية للإمام المهدي مشتركة بين المعنى الذي يريد أن يستدلَّ به المستدلّ وبين الأئمَّة الذين صرَّحت برجعتهم كثير من الأخبار من آباء المهدي عليه السلام، كرجعة الحسين الذي يتولّى دفن المهدي عليه السلام بعد موته كما مرَّ، ورجعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام، ولا يُرجَّح أيُّ معنى لأحدهما إلَّا بقرينة، ولا قرينة متَّصلة للمستدلِّ على أنَّ المعنى يرجع لأبناء المهدي عليه السلام، بل بالعكس إنَّ الاعتقاد بذلك مخالف للعقيدة الحقَّة كما سيأتي في النقطة الثانية، بل يمكن القول إنَّ هناك قرينة خارجية تُؤيِّد أنَّ المعنيُّ بولاة عهده هم القادة الذين يُعيِّنهم الإمام المهدي عليه السلام لإدارة شؤون العالم. قال في الدعاء: (ولاة عهده والأئمَّة من بعده).
والقرينة هي: أنَّه من الممكن كونهم ولاة العهد بمعنى أنَّهم يتولّون شؤون الدولة تحت ظلِّ قيادة الإمام المهدي عليه السلام، ويمكن أن يُستَدلَّ على صحَّة هذا القول بعبارات وردت في بعض الروايات تصف أصحاب المهدي عليه السلام بأوليائه، وهي صحيحة من الناحية العقائدية.
وفي روايات أُخرى ورد أنَّ الإمام المهدي عليه السلام يقول لأصحابه: عهدكم في كفِّكم(١٠٨)، أي العهد الذي يمليه هو عليه السلام عليهم لتوجيههم وليُبيِّن لهم ما يحتاجونه من كيفية إدارة شؤون ولاياتهم، وذلك حين يُرسِلهم لأداء مهام الحكم في بلاد العالم.
وإذا ضممنا العبارتين الواردتين في الروايتين وهما: (أوليائه، وعهدكم)، فيكون معناهما هم (أولياء عهد) الإمام عليه السلام. وجاء الدعاء المبارك بعد الدعاء للإمام المهدي عليه السلام الدعاء لمن يؤازره وينصره ويعينه في بسط دولته العادلة وملء الأرض قسطاً وعدلاً، وهي ليست بالمهمَّة السهلة ممَّا تطلب الإشارة والدعاء لهم بالتوفيق والعون والحفظ.
وبعبارة موجزة نقول: إنَّ ولاة عهده هم أعوانه الذين يتولّون الولايات في عهده المبارك، والمراد بالأئمَّة من بعده هم الأئمَّة الأحد عشر الذين يرجعون ويتولّون الإمرة من بعده واحداً بعد واحد.
النقطة الثانية:
واستدلّوا بعبارة وردت في هذا الدعاء، وهو: (... اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ المُصْطَفى، وَعَلِيٍّ المُرْتَضى، وَفاطِمَةَ الزَّهْراءِ، وَالحَسَنِ الرِّضا، وَالحُسَيْنِ المُصَفَّى، وَجَمِيعِ الأَوْصِياء مَصابِيحِ الدُّجى، وَأَعْلامِ الهُدى، وَمَنارِ التُّقى، وَالعُرْوَةِ الوُثْقى، وَالحَبْلِ المَتِينِ، وَالصِّراطِ المُسْتَقِيمِ، وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَوُلاةِ عَهْدِكَ، وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَمُدَّ فِي أَعْمارِهِمْ، وَزِدْ فِي آجالِهِمْ، وَبَلِّغْهُمْ أَقْصى آمالِهِمْ دِيناً وَدُنْياً وَآخِرَةً، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ)(١٠٩).
والعبارة التي استُدِلَّ بها هي: (والأئمَّة من ولده).
وجوابه:
يمكن أن يقال: إنَّ الضمير في (ولده) يرجع إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وعود الضمير إلى الأقرب إنَّما يُعمَل به إذا لم تقم قرينة على خلافه، ولهذا أُجيز رجوع الضمير إلى غير الأقرب إن كان هو المتحدَّث عنه، ومثاله: قوله تعالى: (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) (العنكبوت: ٢٧)، حيث قال المفسِّرون: إنَّ الضمير في قوله: (ذُرِّيَّتِهِ) يعود على إبراهيم عليه السلام لأنَّه المحدَّث عنه من أوَّل القصَّة إلى آخرها، مع أنَّه ليس الأقرب لضمير (ذُرِّيَّتِهِ)(١١٠).
وعليه يمكن رجوع الضمير من (وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ) في الدعاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، لأنَّه هو المتحدَّث عنه من أوَّل الدعاء.
ويتعزَّز ذلك إذا تأمَّلنا في سياق الدعاء المبارك سنجد أنَّه يُعاد صياغته عدَّة مرَّات محافظاً على الترتيب في سياقه، وفي كلِّ مرَّة يُؤتى بمعنى جديد، ويُبدأ بالصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ويُنتهى بالإمام المهدي عليه السلام، فبدأ في: (بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ...)، وانتهى المعنى الأوَّل إلى هذه العبارة: (وَصَلِّ عَلى الخَلَفِ الهادي المهديِّ، إِمامِ المُؤْمِنِينَ، وَوارِثِ المُرْسَلِينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِينَ).
وبدأ المعنى الثاني بقوله: (اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الأَئِمَّةِ الهادِينَ...).
ثمّ عاد السياق لذكر الإمام المهدي عليه السلام مرَّة أُخرى بقوله: (اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ المُحْيِي سُنَّتَكَ، القائِمِ بِأَمْرِكَ...).
ثمّ عاد السياق ثالثاً وبدأ بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ المُصْطَفى...).
وعاد أخيراً لذكر الإمام المهدي عليه السلام بقوله: (وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ...).
ثمّ عرج مرَّة أُخرى ليلخِّص جميع السياقات المتكرِّرة في الدعاء ليشمل جميع من ذكر بقوله: (وَوُلاةِ عَهْدِكَ، وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَمُدَّ فِي أَعْمارِهِمْ، وَزِدْ فِي آجالِهِمْ، وَبَلِّغْهُمْ أَقْصى آمالِهِمْ دِيناً وَدُنْياً وَآخِرَةً، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ).
والتعزيز المقصود هو ليس برجوع الضمير من (ولده) إلى بداية الدعاء، إنَّما للمعنى الثابت في جميع السياقات الثلاثة المتكرِّرة في الدعاء، والذي كان آخرها قبل ثلاثة سطور قبل عبارة: (من ولده).
ومثال على ذلك ما جاء في زيارة آل يس، حيث نخاطب الإمام عليه السلام قائلين: (وَأَشْهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ الله، أَنْتُمْ الأوَّلُ وَالآخِرُ، وَأَنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقٌّ...)(١١١)، والشاهد هو: أنَّ الزائر يخاطب الإمام عليه السلام بقوله: (أَشْهَدُ أَنَّكَ حُجَّةُ الله)، ثمّ يوصل كلامه من دون فاصل لفظي بالعبارة اللاحقة: (أَنْتُمْ الأوَّلُ وَالآخِرُ، وَأَنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقٌّ)، والمقصود بـ (أنتم) الأئمَّة من آبائة عليهم السلام.
وهذا الانتقال المباشر في الخطاب من الإمام المهدي عليه السلام إلى آبائه الطاهرين عليهم السلام من غير فاصل لفظي مع حفظ وحدة المعنى وهم جميع أهل البيت عليهم السلام، دليل على استعمال الأئمَّة عليهم السلام هذه التركيبة من الألفاظ في المعنى الذي طرحناه، وهو رجوع الضمير من (ولده) إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، لأنَّه هو المحدَّث عنه من أوَّل الدعاء.
ثمّ إذا لاحظنا ضمير (ك) في (عهدك) فإنَّه عائد على المخاطب وهو الله تعالى المضمر في قوله: (صلِّ)، وبهذا العود في الضمير فقد حصل فاصل في العطف بين عبارة من (ولده) وعبارة (وليّ أمرك)، ووجد مرجع جديد للضمير بدأ من الأصل بنسبة الولاة لله تعالى (وهو الأصل)، ثمّ تسلسل السياق كما في المرَّات السابقة ليشمل جميع المذكورين في الدعاء، ومن المؤكَّد أنَّ أشرف ولاة عهد الله تعالى هو النبيّ الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمَّة من ولده عليهم السلام، وبهذا المعنى حقَّ رجوع ولده إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم لوجود فاصل لفظي ومعنوي بين (من ولده) و(وليّ أمرك).
النقطة الثالثة:
ولضرورة أنَّ الأئمَّة بعد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم هم اثنا عشر إماماً كما نصَّت عليه روايات الخاصَّة والعامَّة في عشرات الأحاديث الصحيحة والصريحة، ومع قبول أنَّ هناك أئمَّة بعد الإمام المهدي غير الأئمَّة المعروفين المعصومين من آبائه يتعارض ذلك من حيث العدد مع الروايات الثابتة والمتواترة عنهم عليهم السلام، إذ يصبح العدد أكثر من اثني عشر، ومع التعارض يُقدَّم المتواتر على غيره، وهذا ما نبَّهنا عليه في النقطة السابقة.
ومن تلك الأحاديث ما ورد عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام، قال: قلت له: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إنَّ قوماً يقولون: إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسن والحسين، قال: (كذبوا والله، أوَلم يسمعوا الله تعالى ذكره يقول: (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف: ٢٨]؟ فهل جعلها إلَّا في عقب الحسين؟). ثمّ قال: (يا جابر، إنَّ الأئمَّة هم الذين نصَّ [عليهم] رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة، وهم الأئمَّة الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لمَّا أُسري بي إلى السماء وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش بالنور اثنا عشر اسماً، منهم علي وسبطاه وعلي ومحمّد وجعفر وموسى وعلي ومحمّد وعلي والحسن والحجَّة القائم، فهذه الأئمَّة من أهل بيت الصفوة والطهارة، والله ما يدَّعيه أحد غيرنا إلَّا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده...)(١١٢).
ولتشديد الأئمَّة عليهم السلام على التفريق بين المهديين والأئمَّة والتأكيد على معنى الاثني عشر إماماً كما مرَّ عن الصادق عليه السلام حين قال لأبي بصير: (... إنَّما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً)، وقوله عليه السلام: (إنَّما) لحصر معنى الإمامة بالاثني عشر.
وتقابل هذه الفقرات الواردة في الأدعية التي استدلَّ بها المستدلُّ على حكم أولاد المهدي عليه السلام توجد فقرات تعضد عقيدة الرجعة، وقد ورد أهمّها في (أرقى الزيارات الجامعة متناً وسنداً، وأفصحها وأبلغها)(١١٣)، وهي الزيارة الجامعة الكبيرة.
والعبارات هي:
١ _ (وَجَعَلَنِي مِمَّنْ يَقْتَصُّ آثارَكُمْ، وَيَسْلُكُ سَبِيلَكُمْ، وَيَهْتَدِي بِهُداكُمْ، وَيُحْشَرُ فِي زُمْرَتِكُمْ، وَيَكِرُّ فِي رَجْعَتِكُمْ).
٢ _ (مُحْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُمْ، مُعْتَرِفٌ بِكُمْ، مُؤْمِنٌ بإِيَابِكُمْ، مُصَدِّقٌ برَجْعَتَكُمْ، مُنْتَظِرٌ لأَمْرِكُمْ).
٣ _ (وَأَحْيانِي فِي رَجْعَتِكُمْ، وَمَلَّكَنِي فِي أَيّامِكُمْ، وَشَكَرَ سَعْيِي لَكُمْ، وَغَفَرَ ذُنُوبِي بِشَفاعَتِكُمْ)(١١٤).
٤ _ وجاء في زيارة آل يس لصاحب الزمان عليه السلام: (وَأشهدُ أنَّكَ حُجَّةُ الله، أنْتُمُ الأوَّلُ وَالآخرُ، وَأنَّ رجعتكُمْ حقٌّ لا ريبَ فيها يوم لا ينفعُ نفساً إيمانُها لم تكُنْ آمنتْ منْ قبلُ أو كسبتْ في إيمانها خَيْراً). ومطلع الزيارة هو: (بسم الله الرحمن الرحيم، لا لأمره تعقلون، ولا من أوليائه تقبلون، حكمة بالغة فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إذا أردتم التوجُّه بنا إلى الله تعالى وإلينا، فقولوا كما قال الله تعالى: سلام على آل ياسين، السلام عليك يا داعي الله وربّاني آياته...) الزيارة(١١٥).
***************
(٩٧) الأُصول العامَّة للفقه المقارن: ١٩٤ و١٩٥.
(٩٨) معجم مصطلحات الرجال والدراية: ١٤٦.
(٩٩) راجع: بصائر الدرجات: ٥٢٢/ ج ٩/ باب ١٧/ ح ٣؛ الخرائج والجرائح ٢: ٩٦٠.
(١٠٠) الغيبة للطوسي: ٢٢٤/ ح ١٨٨.
(١٠١) الغيبة للطوسي: ٤٧٨ و٤٧٩/ ح ٥٠٥.
(١٠٢) مختصر بصائر الدرجات: ٤٩.
(١٠٣) كمال الدين: ٣٥٨/ باب ٣٣/ ح ٥٦.
(١٠٤) الكافي ٨: ٢٠٦/ ح ٢٥٠.
(١٠٥) الغيبة للطوسي: ٤٧٨/ ح ٥٠٤.
(١٠٦) كمال الدين: ٢٩٧ - ٢٩٩/ باب ٢٦/ ح ٥.
(١٠٧) جمال الأُسبوع: ٣٠٩.
(١٠٨) راجع: الغيبة للنعماني: ٣٣٤ و٣٣٥/ باب ٢١/ ح ٨.
(١٠٩) مصباح المتهجِّد: ٤٠٦ - ٤٠٩/ ح (٥٣٤/١٤٤).
(١١٠) راجع: همع الهامع ١: ٦٥.
(١١١) الاحتجاج ٢: ٣١٧.
(١١٢) كفاية الأثر: ٢٤٦ - ٢٤٨.
(١١٣) راجع: مفاتيح الجنان: ٧٩١، عن العلَّامة المجلسي رحمه الله.
(١١٤) من لا يحضره الفقيه ٢: ٦٠٩ - ٦١٧.
(١١٥) الاحتجاج: ٣١٥ - ٣١٧.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page