• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجهة الثانية: دعوى تعميم صفة اليماني

 المناقشة:
كيف يكون اليماني يمانياً، والكوفي كوفياً، والمكّي مكّياً؟ ولماذا؟
وفي هذه الجهة نريد أن نفهم كيف يمكن أن تُنسَب الألقاب المكانية لأصحابها، وما هو الهدف من النسبة؟
يتمُّ ذلك عادةً من خلال عدَّة معاني:
المعنى الأوَّل: هو أن يُولَد الشخص ويكبر في ذلك البلد ويُعرَف من خلال ولادته ونشأته بنسبته لهذا البلد. وهذا أوضح من المعاني الأُخرى.
المعنى الثاني: هو أن يُولَد الشخص في بلد معيَّن، ثمّ ينتقل عن بلده الأوَّل ويبقى محافظاً على انتسابه له تشرُّفاً أو تحنُّناً أو إثباتاً لشخصه وهويَّته. ويحصل هذا كثيراً لمن يهاجرون في بدايات حياتهم إلى أوطان جديدة.
المعنى الثالث: هو أن يُولَد الإنسان في بلد ووطن غير وطن أهله وقبيلته أو جذوره، سواء حدثت هذه الولادة في نفس الجيل أو بعد عدَّة أجيال، فينتسب الإنسان إلى وطنه الأصلي، وعادةً ما يكون الداعي في هذا المعنى هو للحفاظ على هويَّته وهويَّة ذرّيته الأصلية.
المعنى الرابع: هو أن يسكن الإنسان في بلد معيَّن فترة من الزمن تكون كافية عرفاً أن يصدق عليه أنَّه ينتسب لهذا البلد.
أمَّا لماذا الألقاب المكانية؟ وما الهدف منها؟
فإنَّ الغرض منها هو لتمييز الشخص عن غيره والتعريف به، وإنَّ أحد أنواع التعريف هو: بالجنس والفصل، فيكون اللقب جنساً، من جهة انطباق هذا العنوان على عدَّة أنواع من الناس في ذاك البلد، فيمكن أن يُصنَّفوا إلى المسيحي والمسلم، والعلماني والإسلامي، والأبيض والأسود، وغير ذلك، ويكون اسم الشخص فصلاً له عن غيره من الأشخاص.
ومن المعلوم أنَّ من أهمِّ شروط التعريف الصحيح أن لا يتمّ التعريف بالأعمِّ، أي يجب أن يكون التعريف مانعاً، ومن أمثلة التعريف الخطأ وغير العلمي هو: ما إذا رأيت شخصاً عربياً، وأردت أن تعرف من أيِّ بلاد العرب هو، فيجيبك شخص أنَّه من بلاد المغرب العربي، أو من بلاد الخليج، أو من بلاد الشام. وكذلك إن أردت أن تعرف شخصاً يتكلَّم لغة أجنبية، وأردت أن تعرف بلده، وأجابك أحدهم بأنَّه أُوربي أو من أمريكا الجنوبية مثلاً. فإنَّ كلّ تلك التعاريف غير صحيحة، وغير علمية، حيث إنَّك أردت بسؤالك أن تتعرَّف على بلاد هؤلاء الأشخاص، ومن خلال الإجابة الأُولى بأنَّه من المغرب العربي فإنَّ هذه البقعة الجغرافية تضمُّ عدَّة دول مغرب عربية، ولم يُبيِّن لك المعرِّف عن انتماء من تريد معرفته إلى أيِّ تلك الدول. وكذلك الخليجي، والأُوربي، والأمريكي الجنوبي، فإنَّ كلّ تلك التعاريف لم تكن مانعة من دخول بلدان مع بلد من تريد معرفته، وبقيت الإجابة مبهمة وعامَّة ولم تصل إلى الإجابة الحقيقية والنهائية من خلال إجابة شخص يجهل شروط التعريف الصحيح.
التطبيق:
ادَّعوا أنَّه ليس بالضرورة أن يكون اليماني من دولة اليمن، وجاؤوا بقرائن حاولوا من خلالها توسيع معنى اليمن ليشمل بلاداً وعباداً كثيرين، ومن خلال حيلة التعميم هذه يتشتَّت معنى اليماني حتَّى يصدق انطباقه عليهم، وكأنَّ النصوص الدينية والتاريخية غرض وأداة يستعملونها متى ما شاؤوا، وإذا اتَّفقت مصلحتهم تمديدها وتشتيت معناها فعلوا ذلك، ومتى ما شاؤوا تقليصها وتحجيم سعتها وفق افتراءاتهم أنكروها.
فمن جهة ادَّعوا وحدة شخصية اليماني والقائم حتَّى يكون الهمبوشي هو صاحب المقامين والوصفين، ومن جهة أُخرى شتَّتوا صفة ولقب اليماني لنفس الغرض.
وهذا هو منهجهم مع سائر المقدَّسات والنصوص التاريخية.
فإذا رجعنا إلى المعاني السابقة، نجد أنَّ الأوَّل والثاني منها لا ينطبق على أحمد إسماعيل من دون نقاش، فلم يُولَد باليمن ولا نشأ فيها، ولم يُولَد كذلك فيها وهاجر منها، وهذا من المسلَّمات، ولم يدَّع هو ذلك.
وأمَّا المعنى الثالث وهو أن تكون جذوره من اليمن بحجَّة أنَّ العرب أصلهم من اليمن فذلك مردود، لأنّا عرفنا أنَّ المعصوم عليه السلام قال: اليماني من علامات القائم، وعرفنا أيضاً أنَّ العلامة هي ما يُهتدى بها، وأنَّ التعريف الصحيح يجب أن يكون مانعاً، فمن يلتزم بهذا الكلام ثمّ يدَّعي أنَّ أحمد إسماعيل هو اليماني، يترتَّب على دعواه أحد الأُمور التالية:
الأوَّل: أنَّ المعصوم الذي عرَّفنا بعلامية اليماني لا يريد الهداية لنا، وهذا القول يتَّصف به أهل الجحود والعناد والعياذ بالله، بعد أن آمن غيرهم بأنَّ آل محمّد عليهم السلام هم أعلام هداية الله.
الثاني: أنَّ المعصوم عليه السلام عرَّف لنا شخصاً بطريقة خاطئة وغير علمية والعياذ بالله، بعد أن عرفنا أنَّ من شروط التعريف أن لا يتمّ التعريف بالأعمِّ.
ودعوى أنَّ العرب أصلها من اليمن، والهمبوشي عربي أو ينتسب للعترة الطاهرة، هذا تعريف بالأعمِّ، لأنَّه يصدق على كلِّ عربي أنَّه يماني، وهذا القول مخالف لطبيعة العلامية وهدفها وهي هداية الناس. فإن ادَّعى جزائري أنَّه اليماني يصدق عليه، وكذلك المغربي والليبي والسعودي، وأيّ شخص يصدق عليه أنَّه عربي، أو كان عربياً كذلك وسافر إلى بلاد غربية، أو كان من جذور عربية حتَّى لو كان كندياً أو استرالياً أو أمريكياً، فما هو المانع من دخول كلُّ أُولئك بعد أن يصدق عليهم أنَّهم كانوا عرباً والعرب يمنيون، فلا يقتنع بهذا القول أقلُّ الناس احتراماً لأئمَّته ولعقله، فكيف من يدَّعي نصرة الإمام عليه السلام.
وأمَّا المعنى الرابع، وهو أن يسكن الإنسان بعد ولادته بلداً معيَّناً فينسب له ويُلقَّب به، فمن المعروف وعلى الأقلِّ عند أتباعه أنَّه ادَّعى كونه اليماني، ولم يكن قد زار اليمن، وبالتالي لا يصدق عليه هذا المعنى.
وحاول بعض أتباعه الاعتذار عن هذا الوجه بأنَّه بعد ادِّعائه بعدَّة سنوات قد سافر عدَّة أيّام إلى اليمن حتَّى يتمَّ صدق انطباق العنوان عليه.
فنسأله: هل تنازل عن دعوته الأُولى بصدق وكفاية انطباق معنى اليماني بأنَّ جذوره من اليمن حتَّى ذهب ليتدارك خطأه الأوَّل؟ وإلَّا لو كانت دعوته الأُولى صادقة حتَّى من وجهة نظره، فلماذا يذهب إلى هناك؟ أم حتَّى هو لم يقتنع بفكرته الأُولى وأراد إقناع نفسه حتَّى يكون يمنياً حقيقياً؟ أم يعلم بأنَّ حيلته الأُولى لم تنطلِ على قسم من أتباعه فأراد أن يخدعهم بحيلة جديدة؟ وهل هذه هي صفة قائم آل محمّد عليه السلام عندكم، وهذا مستوى احترامكم لمقامه؟ مجرَّد تساؤلات.
وممَّا زاد عناء هؤلاء هو أنَّ خلفاء الله في أرضه قد اعتنوا بهذا الجانب، وحصروا دائرة معرفته من خلال نصوص صريحة لا تقبل التأويل، فعن أبي جعفر عليه السلام في حديث عن القائم عليه السلام: (... خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني من اليمن...)(١٤٩).
وعن عبيد بن زرارة، قال: ذُكِرَ عند أبي عبد الله عليه السلام السفياني، فقال: (أنّى يخرج ذلك ولمَّا يخرج كاسر عينيه بصنعاء؟)(١٥٠).
ويكفينا هذا التحديد الواضح من الإمام عليه السلام بوضعه هذه العلامة لنا لمعرفة اليماني، وحصر دائرة تحديد بلده وهي حجَّة صريحة تُغنينا عن أوهام المتوهّمين، وضلالات المضلّين، وجهالة المتسرِّعين، حين أرادوا أن يوهموا الناس أنَّ استعمال المعصوم عليه السلام للفظ (اليماني) هو استعمال مجازي وليس حقيقياً، ويقصدون بالمجازي أنَّ المعصوم عليه السلام لا يريد من استعماله للفظ اليماني بأنَّه من هذا البلد المعروف اليوم، والذي تكون عاصمته صنعاء، والواقع جنوب غرب دول الخليج، ولم يُطلِعوا من يطرحون عليه هذه الفكرة ماهية شروط الاستعمال المجازي من الحقيقي.
وبالإضافة إلى ثبوت بطلان دعوته، وعدم صدق انطباق انتسابه لليمن وفق المعاني المتقدّمة، نحبُّ أن نضيف وجهين آخرين يُؤكِّدان عدم صدق انطباق وصف اليماني عليه:
الوجه الأوَّل: مجرَّد إمكان وصحَّة الاستعمال المجازي، وكذلك استعمال المعصوم عليه السلام لهذا النوع من الاستعمال، لا يكونان قاعدة يحكم بموجبها أنَّ كلَّ استعمال للمعصوم عليه السلام هو مجازي.
وهذه هي حيلتهم من تعميم كلّ معنى يرونه يتوافق مع أباطيلهم، أو يقف عثرةً وسدَّاً أمامهم، يحكمون عليه بالمجازية، فنراهم تارةً يُمدِّدون وتارةً أُخرى يُقلِّصون المعاني وفق ما تشتهي أنفسهم الأمّارة بالسوء، من دون أيّ ضابط علمي أو عقائدي، متجاهلين أنَّ أهمَّ ضابط في استعمال المجاز من قِبَل المعصوم عليه السلام هو: وصفهم لأُمور لم توجد معانيها في آن ووقت ذكرها، فيستعملون في وصفها ألفاظاً تشترك مع تلك المعاني في أمر عامٍّ دون التفاصيل، ومثاله: حين يصف المعصوم عليه السلام الأسلحة التي يستعملها الإمام المهدي عليه السلام في ظهوره المبارك، فإنَّه ممَّا لا شكَّ فيه سوف يستعمل أسماء الأسلحة المعاصرة لزمن المعصوم صاحب الرواية، ومن جهة أُخرى فليس من المعقول على ما حقَّقه الشهيد محمّد الصدر قدس سره في موسوعته أنَّ الإمام المهدي عليه السلام سوف يستعمل نفس تلك الأسلحة، بل إنَّه سيستعمل أحدث الأسلحة المتوفّرة في زمن ظهوره عليه السلام.
وسبب استعمال المعصوم عليه السلام كما هو واضح لأسماء الأسلحة القديمة، هو: عدم وجودها في زمن الرواية، ولعدم معرفة من عاصر زمن الرواية بتلك الأسلحة، فهي مجهولة لديه تماماً، كما نحن نجهل ما سوف يتمُّ إنتاجه من أسلحة بعد ثلاثين أو أربعين عاماً من الآن. وذكر المعصوم لأشياء يجهلها السامع بالكلّية، بل تُعتَبر لديه من الطلاسم اللغوية، والمعجزات المعنوية الخارقة، ممَّا سوف ينعكس هذا النوع من التلقّي لكلام المعصوم عليه السلام بالاستغراب، وربَّما الاستنكار من البعض، وتكون سبباً للطعن والحطّ من كلام المعصوم عليه السلام، وبالتالي عدم وصول مضامين كلامه إلى الأجيال اللاحقة والتي سوف تعاصر الظهور المبارك، وهم المعنيّون أوَّلاً وبالذات من هذه الروايات، والأجيال السابقة إنَّما هم واسطة في نقل الرواية، ولتوفّر التسلسل المنطقي التاريخي في تفسير الروايات، ليتمَّ الحفاظ عليها والتربّي على مضامينها جيلاً بعد جيل وصولاً إلى الجيل الأخير والمباشر لزمن النهضة المهدوية الكبرى.
وإذا رجعنا إلى معنى اليماني فهو نسبة شخص معيَّن إلى بلد ومكان معيَّن، والمكان موجود في زمن الرواية، وكذلك استعمال لقب اليماني موجود، وقد لُقِّبَ الكثير من الأشخاص بهذا اللقب قبل ومع صدور هذه الروايات من المعصومين عليهم السلام، فلا يرد المحذور على الاستعمال الحقيقي (لليماني).
الوجه الثاني: قد وصف الإمام عليه السلام راية اليماني بأنَّها راية حقٍّ، وأنَّ الحقَّ بجانبه، وجعل عليه السلام اليماني علامة على الحقِّ، وهو ما سوف يشتبه على الناس في زمانه، إذن اليماني ورايته علامة على ظهور القائم عليه السلام، ونسبة اليمانية وصف وإشارة إلى الشخص الذي تنطبق عليه هذه النسبة، فتتوقَّف أهمّية اليماني ونصرته على معرفته، والتي يتوقَّف عليها أنَّ محاربته تؤدّي إلى الدخول في النار كما بيَّنته الرواية، فهل يحتاج اليماني إلى علامة على معرفته أم هو بحدِّ ذاته علامة على خروج القائم عليه السلام؟ وهل العلامة تحتاج إلى علامة؟ وإلَّا لماذا هي علامة؟
وبعد أن عرفنا أنَّ العلامة هي ما يُهتدى بها من الضلال حسب التعريف اللغوي، بالإضافة إلى كلام المعصوم عليه السلام: (والله لأمرنا أبينُ من هذه الشمس)، وراية اليماني الحقّ هي مقدّمة لأمرهم عليهم السلام، والتي جعلوها عليهم السلام علامة على ظهور قائمهم عليه السلام، فلا بدَّ أن تكون راية اليماني ظاهرة بنفسها، ولا تحتاج إلى أيِّ علامة أو تأويل مشوَّه.
إذن يلزم أن يكون استعمال المعصوم عليه السلام للفظ اليماني استعمالاً حقيقياً، (... وهذا هو الأقرب إلى ظاهر التعبير، وخاصَّة مع اتّصافه بكونه يمنياً)(١٥١)، فيحمل اللفظ على حقيقته من دون أن نوهم الناس أنَّه مجاز، لأنَّ المجاز ينافي حقيقة العلامية التي هي أمارة على معرفة الطريق تماماً كما نصَّت الروايات، وإلَّا يلزم الإخلال بحجّية حجَّة الأئمَّة عليهم السلام وذكرهم لعلامة غامضة ومشوَّشة تحتاج إلى تأويل كما يدَّعي المبطلون.
ومثاله: ما إذا كان لنا أحد الأحبَّة يريد السفر في صحراء مقفرة، وقد ملأتها الوحوش والآفات، وقد تشتبك فيها الطرق فتشتبه على غير العالم بمسالكها، وطلب منك تعريفه بها مع فرض اطّلاعك على تلك المسالك، وهذا العزيز المسافر يريد إغاثة أبنائك الذين هم في خطر من اعتداء المعتدين، فهل الموقف يتحمَّل أن تذكر له علامات مجازية غير واضحة؟ وهل يقبل عاقل بهذا التصرّف إن كنت أباً صالحاً وعاقلاً وواجبك حفظ هؤلاء الأبناء المهدَّدين بالخطر؟ فكيف إذا كان واضع العلامة هم قادة الخلق وأرأف وأرحم الناس بأوليائهم وأحكمهم وأعلمهم؟
إذن لا مجاز في علامة مهمَّة لظهور صاحب الأمر عليه السلام.
وممَّا يُسهِّل انحصار أمر اليماني وتقليص دائرة تشخيصه هي كثرة العلامات المرافقة له، والتي ربط المعصوم عليه السلام بعضها ببعض، وعبَّر عنها (كفرسي رهان)، أو (نظام كنظام الخرز)، أو (في سنة واحدة وشهر واحد ويوم واحد)، وهذا الربط والتلازم الذي أحدثه المعصوم عليه السلام قطعاً لطريق المدَّعين الذين وسيلتهم تأويل الروايات، وقد أتعب هذا الربط بين العلامات أئمَّة الضلال كثيراً في محاولة صرفه عن معناه الصريح لتطبيقه على أنفسهم المتعطِّشة إلى المناصب.
ومن أدلَّتهم على تعميم معنى اليماني إلى غير اليمن هو قولهم:
إنَّ الركن اليماني هو أحد أركان الكعبة المشرَّفة، وتسميته باليماني دليل على شمول مكّة لهذا الاسم، وبما أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام كانوا من سكنة مكّة فيصدق عليهم أنَّهم يمانيون، وبما أن أحمد إسماعيل الهمبوشي هو ابن للإمام المهدي عليه السلام حسب زعمهم، فيصدق عليه أنَّه يماني.
وكذلك استدلّوا بقول وارد عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان يمانٍ(١٥٢)، والحكمة يمانية)(١٥٣).
جوابهم من عدَّة جهات:
الجهة الأُولى: بطلان انتسابه للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، لعدم ثبوت البيِّنة الشرعية: قد ثبت في المبحث الثالث وهو ردّ دعوى انتسابه للإمام المهدي عليه السلام أنَّ البيِّنة الشرعية في ثبوت النسب غير متحقِّقة في ادِّعاء أحمد إسماعيل، وهي شاهدان عادلان، أو اعتراف الأب بنسبة ابنه له، أو الشهرة التي هي غير متحقِّقة في حقِّ الهمبوشي وغيرها من الشرائط المبحوثة في إثبات النسب، وكلّها لم تتوفَّر فيه، لأنَّه لم يطَّلع أحد على إخبار الإمام المهدي عليه السلام واعترافه بأنَّ أحمد إسماعيل من ذرّيته، ولم يشهد على ذلك أحد لا من المؤمنين العدول ولا غيرهم(١٥٤)، وهذا هو حكم الشريعة المقدَّسة، وكيف نُنسِب لخليفة الله في أرضه مخالفة لحكم شرعي؟ وعليه حتَّى وإن صحَّ وصف النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّه يماني فأحمد إسماعيل غير مشمول بهذا الوصف.
الجهة الثانية: غير الگاطع أولى بانطباق معنى اليماني وفق قاعدة التعميم: إنَّ أغلب النهضات الاصلاحية التي برزت على الساحة الإسلاميَّة وخصوصاً الشيعية منها التي كانت قيادات ترجع في نسبها إلى النبيِّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والعترة الطاهرة عليهم السلام، ووفق هذه المعادلة فهم يمانيون بجدارة، وذلك لكون:
انتسابهم للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وفق موازين شرعية.
انطلقوا في حركتهم الاصلاحية من الثوابت الإسلاميَّة المتعارفة والثابتة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
لم تتعارض دعواتهم مع العقيدة الحقَّة لمدرسة أهل البيت عليهم السلام لا من قريب ولا من بعيد.
اتَّسمت حركاتهم وثوراتهم بالتأثير الإيجابي لمذهب أهل البيت عليهم السلام والدين عموماً، وذلك بزيادة حسن ظنّ الناس بثوابت الدين سواء من داخل المذهب أو الدين أو من خارجهما، وانعكست تحرُّكاتهم عزَّةً ووحدةً وتماسكاً وقوَّةً للدين وللمذهب.
فوفقاً للمرجِّحات السابقة، فإن كانت صفة اليماني تنطبق على كلِّ أُؤلئك فهم أولى بالتسمية من المتطفّلين على نسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعايير الحركات الاصلاحية، وهذا ما تفتقده تلك الحركات الضالّة بالمطلق.
الجهة الثالثة: وفيها مستويان من النقاش:
الأوَّل: أنَّ تسمية الركن باليماني لا يعني أن تكون الكعبة في اليمن، وإنَّما سبب تسمية الركن باليماني هو: أنَّ للكعبة أربعة أركان، وسُمّي كلُّ ركن منها بالبلاد التي في جهتها، والركن اليماني يعني إنَّه مقابل جهة اليمن، وكذلك الجهات الأُخرى كالمغربي والشامي والعراقي، وهو الذي فيه الحجر الأسود، وهو المكان الذي يتمُّ فيه إعلان بداية الظهور المبارك، وجاء في الروايات: (يظهر بين الركن والمقام)(١٥٥).
الثاني: أمَّا رواية (الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية)، فالقول فيها يتَّضح من خلال مقدّمتين:
المقدّمة الأُولى: (قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإسلام يمانٍ والحكمة يمانية)، فهذا كناية عن أنَّ أهل اليمن متَّصفون بحسن الإسلام، ويُفهَم هذا من (أل) الدالّة على الكمال، ومتَّصفون بالحكمة لأنَّ الأرض لا تتَّصف بالحكمة وإنَّما أهلها الذين يتَّصفون بذلك)(١٥٦).
المقدّمة الثانية: عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (... خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعرض الخيل...)، إلى أن قال: (بل رجال أهل اليمن أفضل، الإيمان يماني والحكمة يمانية، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من أهل اليمن...)(١٥٧).
ويمكن استنتاج عدَّة أُمور من خلال هاتين المقدمتين:
١ _ أنَّ اليمن قبل التقسيم الجغرافي المتأخّر، بل والقريب من زمن الرسالة كان يعتبر إقليماً عربياً واسعاً يضمُّ عدَّة مناطق مهمَّة، وذلك قبل أن تُتَّخذ هذه المناطق أهمّيتها التاريخية والدينية كمكّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة، ويقابل هذا الإقليم إقليم الشام، وأيضاً يقع تحت مسمّاه كثير من المناطق، والتي منها مدينة تبوك المعروفة، والتي هي الآن ضمن الدولة السعودية، وقد علَّق الشريف الرضي رحمه الله على هذه الرواية بقوله: (وقد قيل: إنَّه عليه الصلاة والسلام قال هذا الكلام بتبوك وهي من أرض الشأم).
٢ _ أنَّ كلَّ أهل إقليم ودولة معيَّنة لهم صفاتهم الخاصَّة، منها ما هو متأثِّر بثقافات مجاورة، ومنها ما هو أصيل لم يتأثَّر بصفات سلبية أُخرى، ومن المعروف أنَّ الأقاليم العربية آنذاك كانت ذات صلة بالإمبراطوريات والأُمم المجاورة بشكل أو بآخر. أمَّا أهل اليمن فيبدو من كلام النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّهم لم يتأثَّروا بذلك، وحافظوا على صفائهم وفطرتهم حتَّى صحَّ نسبة الإيمان والحكمة لهم، ويتَّضح هذا التصنيف من مناظرة جرت بين النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبين عيينة بن حصن:
عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...)، إلى أن قال: (إذا أنتم تناولتم المشركين فعمّوا ولا تخصّوا فيغضب ولده، ثمّ وقف فعرضت عليه الخيل، فمرَّ به فرس، فقال عيينة بن حصن: إنَّ من أمر هذا الفرس كيت وكيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك، فقال عيينة: وأنا أعلم بالرجال منك، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى ظهر الدم في وجهه فقال له: فأيُّ الرجال أفضل؟ فقال عيينة بن حصن: رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم، ثمّ يضربون بها قدماً قدماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل، الإيمان يماني والحكمة يمانية، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من أهل اليمن...)(١٥٨).
بما أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم هاجر إلى المدينة فإنَّه ليس من أهل اليمن، وعدم صدق كونه صلى الله عليه وآله وسلم من أهل اليمن دليل على عدم انتسابه حقيقةً لتلك البقعة المعيَّنة من الأرض.
وبما أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم منبع الإيمان والحكمة ومصدرهما، فلا يُعقَل أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم لا يتَّصف بما يتَّصف به أهل اليمن، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (بل رجال أهل اليمن أفضل)، هو تركيز منه صلى الله عليه وآله وسلم على أهل تلك البقعة بعينها إظهاراً ودعوةً منه صلى الله عليه وآله وسلم لصفاتهم الحميدة التي استطاعوا أن يحافظوا عليها من صفاء السريرة وسلامة الفطرة حتَّى صحَّ أن يُوصَف ويُنسَب الإيمان والحكمة لهم.
٣ _ أنَّ معيار وميزان الرسل والأوصياء عليهم السلام هو ما كان مرتبطاً بالله تعالى، وإنَّ مكّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة بعد الدعوة الإسلاميَّة صارتا الوجهة والميزان في التفاضل والمعيار في شرف الانتساب، وإنَّ من أهمِّ الوثائق التي يمكن أن يُستَدلَّ بها على معيارية الانتساب وحدوده للمصطفى وآله الأطهار عليهم السلام هي ما روي عن زين العابدين عليه السلام في مجلس يزيد بن معاوية لعنه الله حيث قال: (... من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي. أيّها الناس، أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا...)، إلى أن قال: (ليث الحجاز، وكبش العراق، مكّي مدني خيفي عقبي بدري أُحُدي شجري مهاجري، من العرب سيِّدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين: الحسن والحسين، ذاك جدّي علي بن أبي طالب)، ثمّ قال: (أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيِّدة النساء)، فلم يزل يقول: أنا أنا، حتَّى ضجَّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد لعنه الله أن يكون فتنة، فأمر المؤذِّن فقطع عليه الكلام(١٥٩).
فنرى الإمام السجّاد عليه السلام أوَّل ما بدأ في التعريف بنفسه ذكر انتسابه إلى مكّة المكرَّمة شرَّفها الله تعالى حيث قال عليه السلام: (... من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي. أيّها الناس، أنا ابن مكّة ومنى...)، وهذه المشاعر المقدَّسة هي رمز لتوحيد الله في أرضه حسب وصف الشهيد محمّد الصدر قدس سره، فصحَّت أن تكون هي منطلق انتسابهم، فهم عليهم السلام محالّ معرفة الله وتوحيده.
ثمّ أخذ عليه السلام يُبيِّن الفروع والآثار التي بنيت على جذر وأصل التوحيد الذي ترمز إليه الكعبة المشرَّفة، حتَّى انتهى بذكر الآثار المترتِّبة على هذا الأصل إلى قاب قوسين أو أدنى. ولم نسمع منه أنَّه عليه السلام قد انتسب إلى اليمن أو غيره.
فمن أراد أن يعرف انتسابهم عليهم السلام فبدلاً من أن يتأوَّل عليهم ويُشبِّه على الناس صفاتاً وألقاباً من خلال معاني متشابهة ومخالفة للمبادئ العامَّة لأخلاقهم وهديهم عليهم السلام، بدل ذلك كلّه لماذا لا يرجع إليهم ويتبيَّن تلك الصفات ويتعرَّف على هذه الألقاب أو الكنى؟ خصوصاً من يدَّعي الانتساب إليهم، وهذا كلامهم بيِّن جليّ، قد ملأت آثارهم المصنَّفات الكثيرة، فلماذا هذا الغموض والإخفاء المتعمِّد على أتباعكم؟
وبعد ما أعيتهم الحيل في ردِّ الروايات التي نصَّت على تعيين بلد اليماني وكونه من اليمن، استعملوا حيلة أقلّ ما يُوصَف صاحبها بالكاذب الشجاع، وذلك لعلمه أنَّه لا يُصدِّقه أحد لوضوح افترائه ولكن يلقي بطعمه بها لعلَّ هناك من يلتقطه، وذلك خير من يسكت مذموماً مدحوراً.
والحيلة هي: أنَّه قد وردت روايتان مختلفتان في سند واحد عن الشيخ الصدوق رحمه الله، وكلا الروايتين تُصرِّحان بنسبة اليماني إلى اليمن، ووردت في إحدى الروايتين عبارة (من اليمن) بين قوسين، ولا يوجد في الرواية الأُخرى، فحاولوا أن ينفذوا من خلال هذه الثغرة ويُشبِّهوا على القارئ من خلال أحد طرقهم الماكرة وهي تشبيه المحكم، فقطعوا أنَّ العبارة التي بين قوسين مشكوك في وجودها في النصِّ الأصلي للرواية، من غير دليل صريح.
ثمّ جاؤوا بحيلة أُخرى وهي أكبر من أُختها، حيث حاولوا أن يُقنِعوا القارئ أنَّ الروايتين هما رواية واحدة من خلال قولهم: (ومضمونها _ أي الرواية الثانية _ يكاد يكون نفس مضمون الرواية الأُولى من جهة السؤال عن علامات خروج القائم عليه السلام)، ثمّ انتهوا إلى النتيجة الحاسمة (حتَّى لتكاد تكون الروايتان رواية واحدة)(١٦٠).
والهدف من تقريبهم هذا بين الروايتين هو عدم وضع عبارة (من اليمن) بين قوسين في الرواية الأُخرى، فإن صدَّق القارئ أنَّ سبب وجود القوسين هو عدم وجود هذه العبارة في النصِّ الأصلي، ثمّ صدَّق الكذبة الأُخرى بوحدة الروايتين، سوف ينتقل حكم الكذبة الأُولى وهو عدم وجود عبارة (من اليمن) إلى الكذبة الأُخرى وهي وحدة الروايتين، فتأخذ الرواية الثانية حكم الأُولى، فيُصدِّق هذا المسكين من خلال سلسلة الأكاذيب هذه أنَّ عبارة (من اليمن) لا توجد أيضاً في الرواية الأُخرى.
ثمّ يُرتِّبون على قيمة (تكاد) في قولهم: (لتكاد أن تكون الروايتان رواية واحدة) أصلاً أنَّ الرواية واحدة، وبالتالي نفي العبارة من الروايتين، وبالتالي اليماني ليس من اليمن، ثمّ ربَّما يكون من أيِّ مكان آخر، ومن الطبيعي صاحب المنصب جاهز لمنصبه الذي أعدّوه له من خلال هذه الخريطة الملتوية من التأويلات المشوَّهة.
ولا أعلم هل نحن نتكلَّم عن عصابة نصب واحتيال أم عن تاريخ منقذ البشرية وخير الخلق وشريك القرآن؟ وسنذكر للقارئ الكريم نصَّ الروايتين، ونُجري مقابلة بسيطة بين متنيهما، ونرى كم بينهما من التطابق بحسب زعمهم:
الرواية الأُولى: عن محمّد بن محمّد بن عصام رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا القاسم بن العلاء، قال: حدَّثنا إسماعيل بن علي القزويني، قال: حدَّثني علي بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن محمّد بن مسلم الثقفي الطحّان، قال: دخلت على أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام وأنا أُريد أن أسأله عن القائم من آل محمّد صلّى الله عليه وعليهم، فقال لي مبتدئاً: (يا محمّد بن مسلم، إنَّ في القائم من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم شبهاً من خمسة من الرسل: يونس بن متّى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمّد، صلوات الله عليهم، فأمَّا شبهه من يونس بن متّى فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السنّ، وأمَّا شبهه من يوسف بن يعقوب عليهما السلام فالغيبة من خاصَّته وعامَّته، واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره على أبيه يعقوب عليهما السلام مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته. وأمَّا شبهه من موسى عليه السلام فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده ممَّا لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عز وجل في ظهوره ونصره وأيَّده على عدوِّه. وأمَّا شبهه من عيسى عليه السلام فاختلاف من اختلف فيه، حتَّى قالت طائفة منهم: ما وُلِدَ، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قُتِلَ وصُلِبَ. وأمَّا شبهه من جدِّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فخروجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والجبّارين والطواغيت، وأنَّه يُنصَر بالسيف والرعب، وأنَّه لا تُرَدُّ له راية. وإنَّ من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني (من اليمن)، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومنادٍ ينادي من السماء باسمه واسم أبيه)(١٦١).
الرواية الثانية: عن محمّد بن محمّد بن عصام رضي الله عنه، قال: حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثنا القاسم بن العلاء، قال: حدَّثني إسماعيل بن علي القزويني، قال: حدَّثني علي بن إسماعيل، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن محمّد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر عليهما السلام يقول: (القائم منّا منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر، تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويُظهِر الله عز وجل به دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلَّا قد عمر، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيُصلّي خلفه)، قال: قلت: يا ابن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال: (إذا تشبَّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقُبِلَت شهادات الزور ورُدَّت شهادات العدول، واستخفَّ الناس بالدماء، وارتكاب الزنا، وأكل الربا، واتُّقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقُتِلَ غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكيَّة، وجاءت صيحة من السماء بأنَّ الحقَّ فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وأوَّل ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [هود: ٨٦]، ثمّ يقول: أنا بقية الله في أرضه، وخليفته وحجَّته عليكم، فلا يُسلِّم عليه مسلِّم إلَّا قال: السلام عليك يا بقيَّة الله في أرضه، فإذا اجتمع إليه العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج، فلا يبقى في الأرض معبود دون الله عز وجل من صنم (ووثن) وغيره إلَّا وقعت فيه نار فاحترق. وذلك بعد غيبة طويلة، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به)(١٦٢).
ردُّ دعوى وحدة الروايتين:
أوَّلاً: أنَّ قولهم الوحدة من جهة السؤال، مردودة، وذلك لأنَّ إحدى الروايتين تقول: (سمعت)، والأُخرى قالت: (ابتدأني)، والنسبة بين الابتداء والسماع عموم مطلق، لأنَّ كلَّ ابتداء هو سماع، وليس كلُّ سماع من أحد يكون ابتداءً، إذ لعلَّه كان يتكلَّم مع غيرك فسمعته منه، أمَّا الابتداء بالكلام مع شخص فهو واضح أنَّ الكلام يكون مع السامع مباشرةً.
ثانياً: أنَّ كلَّ روايات القائم عليه السلام، بل كلّ روايات أهل البيت عليهم السلام، بل كلّ راوٍ ينقل عن غيره، فطبيعة نقله والألفاظ التي يستعملها هي إمَّا (سمعته)، وإمَّا (قال لي)، وإمَّا (ابتدأني)، فالتطابق في طريقة نقل الكلام عن أحد عامّ جدَّاً، تشمل جميع أصناف النقل، فلا وجه ولا معنى للحصر المدَّعى حتَّى رتَّبتم على هذا الحصر في الأُسلوب التطابق بين الروايتين.
ثالثاً: أمَّا وحدة السند، فجوابها نفس الجواب السابق، فليس كلَّما تطابق سند روايتين يكون أصلهما واحداً، فهناك عشرات الروايات تتطابق من حيث السند، فهل يُعقَل أنَّ المعصوم عليه السلام كان جالساً في مكان وزمان واحد يروي للناس هذا الحديث الذي يمتدُّ حسب دعوتهم إلى ساعات طويلة وربَّما إلى أيّام عدَّة؟!
أمَّا التطابق في المتن فردُّه:
أوَّلاً: أنَّ الرواية الأُولى تتكلَّم في مطلعها عن تشابه حالة القائم عليه السلام مع رسل الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنَّ ما جرى عليهم سوف يجري عليه من بداية ولادته المباركة في كيفية حصولها، وبيَّنت ما سيجري على الإمام عليه السلام من ظلم وإنكار وتنكُّر من بعض فئات ممَّن هم محسوبون على أُمَّة جدِّه صلى الله عليه وآله وسلم من جهة الاعتقاد به صلى الله عليه وآله وسلم.
أمَّا الرواية الثانية فقد ابتدأت الكلام بفترة ما بعد الظهور المقدَّس، وبيَّنت الضمانات الكفيلة لتحقيق هدفه، كالتأييد بالنصر وإظهار الأرض كنوزها والنصر بالرعب وغيره، ثمّ عطفت على ذكر العلامات الاجتماعية والأخلاقية وبيان مدى انحراف المجتمع الإنساني من هذين الجهتين في فترة تسبق الظهور المبارك.
ثانياً: أنَّ الرواية الأُولى وبعد ذكر العلامات المحتومة وهي محلّ المقارنة والتي منها اليماني، توقَّفت عند هذا الحدّ بذكر علامة النداء، أي قبل الظهور بفترة.
أمَّا الرواية الثانية وبعد ذكرها لعلامة اليماني، ذكرت علامات أُخرى غير ما ذُكِرَ في الرواية الأُولى، واستمرَّت بعد ذلك بذكر تفاصيل الظهور المقدَّس، ككيفية الظهور وشعاره وعدد أنصاره وجيشه الأوَّل، إلى أن ذكرت تحقُّق بعض أهداف نهضته عليه السلام.
وخلاصة المقارنة:
إنَّ الرواية الأُولى تتكلَّم عن أحوال القائم عليه السلام وما سوف يجري عليه وعقيدة الناس به، وذكرت أهمّ العلامات التي تسبق ظهوره عليه السلام.
أمَّا الرواية الثانية فتتكلَّم عن أحوال المجتمع وسلوكه ومدى انحرافه، ثمّ ذكرت العلامات الرئيسية بشكل أكثر تفصيلاً، وبعدها بيَّنت تفاصيل الظهور وكيفيته.
فهل هناك تطابق بين الروايتين؟!
مع ملاحظة أنَّ كلَّ الروايات المتعلّقة بالإمام المهدي عليه السلام على كثرتها هي: إمَّا تتكلَّم عن فترة ما قبل ظهوره عليه السلام، أو تذكر تفاصيل ما بعد الظهور، أو كيفية الظهور. فإذا كان هذا العدد الكبير جدَّاً من الروايات تنحصر مواضيعها تحت هذه العناوين والفترات الثلاثة، فممَّا لا شكَّ فيه أنَّ أغلب الروايات سوف تكون متقاربة فيما بينها في المتن، ومع هذه الملاحظة فإنّا وجدنا هذا الفارق الكبير في مدلول ومتن الروايتين كما في المقارنة السابقة.
وعليه فإنَّ حيلة وحدة الروايتين مردودة جملةً وتفصيلاً.
وبدلاً من أن نحتال على أتباع آل محمّد عليهم السلام في الالتفاف على رواياتهم، ووفقاً لاحترامنا لكلامهم عليهم السلام، لماذا لا نتَّبع الطريقة الصحيحة في التعامل مع رواياتهم عليهم السلام؟ وهي ما إذا وجدنا نصَّاً نشتبه في وجوده كما تدَّعون كنصِّ (من اليمن)، فنحن أمام خيارين: إمَّا أن نرجع بهذا النصَّ إلى الروايات الأُخرى التي ذكرت مثله، وتكون هي المعيار في الاحتكام في وجوده من عدمه، وإمَّا أن نرى أنَّ هذا الحلّ لا ينسجم مع أفكارنا ويهدم العقيدة التي نحاول أن نُقنِع بها البسطاء من الناس فنصنع ميزاناً ومعياراً مخالفاً للحقيقة والعلم، يجهله هؤلاء البسطاء ونحاكم هذه العبارة وفقه، حتَّى يقتنعوا أنَّ اليماني ليس من اليمن، حتَّى وإن خالفنا قواعد أسَّسها المعصوم عليه السلام في فهم وتفسير كلامهم عليهم السلام، بعد أن صار المعيار هو الوصول إلى إقناع الناس بعقيدة هذا الضالّ أو ذاك المهوَّس.
***************
(١٤٩) كمال الدين: ٣٢٧ و٣٢٨/ باب ٣٢/ ح ٧.
(١٥٠) الغيبة للنعماني: ٢٨٦/ باب ١٤/ ح ٦٠.
(١٥١) تاريخ الغيبة الكبرى: ٥٣٩.
(١٥٢) يمان: أي يمني، نسبة إلى اليمن، فيقال: يمني ويمان، كما يقال: شامي وشام.
(١٥٣) صحيح البخاري ٤: ١٥٤.
(١٥٤) شهد عمّ الهمبوشي والسيِّد حسن الحمّامي وغيرهما على ذلك، لكن شهادتهما غير مقبولة، لأنَّها ليست شهادة صحيحة شرعاً، لأنَّ الشهادة لا بدَّ أن تكون عن حسٍّ، وهذه الشهادة ليست كذلك.
(١٥٥) راجع: كمال الدين: ٥٢٨/ باب ٤٧/ ح ١.
(١٥٦) المجازات النبوية: هامش صفحة ٣٤٠.
(١٥٧) الكافي ٨: ٦٩ - ٧٢/ ح ٢٧.
(١٥٨) المصدر السابق.
(١٥٩) بحار الأنوار ٤٥: ١٣٨ و١٣٩.
(١٦٠) جامع الأدلَّة: ١٣٤.
(١٦١) كمال الدين: ٣٢٧ و٣٢٨/ باب ٣٢/ ح ٧.
(١٦٢) كمال الدين: ٣٣٠ و٣٣١/ باب ٣٢/ ح ١٦.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page