• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

النموذج الثاني من جهالاته

 يدَّعي أنَّ الإيمان الذي يأتي بسبب معجزة إلهية هو غير مقبول عند الله تعالى، فقد ذكروا(١٨٢) أنَّ الإيمان الذي يأتي عن طريق المعجزة هو قهر للإنسان _ أي الإنسان مقهور على ذلك الإيمان _، وهذا ليس بإيمان ولا إسلام، وهو غير مرضي عند الله، ولا يريده ولا يقبله.
واستدلَّ أحمد إسماعيل على هذه الجهالات والسفاسف والمخالفة لواضحات كتاب الله تعالى بعدم فائدة إيمان فرعون لمَّا رأى معجزة البحر.
وجوابه من عدَّة وجوه:
الوجه الأوَّل: أنَّ ادِّعاء فرعون للإيمان ليس بسبب مشاهدة المعجزة كما تريد أن تُضِلَّ الناس، بل بسبب إدراكه بأنَّه ميِّت غرقاً بالبحر الذي حدثت له معجزة، ولأجل يأسه من الحياة بإدراكه الغرق ادَّعى الإيمان، ظنَّاً منه أنَّ ادِّعاءه الإيمان سيكون سبباً لنجاته.
قال تعالى: (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس: ٩٠).
فسبب عدم قبول إيمان فرعون المدَّعى هو اليأس من الحياة وتيقُّنه الموت، فيكون مشمولاً لقانون الله تعالى الذي بيَّنه في كتابه حين قال: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (النساء: ١٨).
وحيلتك هي محاولة الربط بين إيمان فرعون المدَّعى وبين معجزة البحر، مدَّعياً أنَّ إيمان فرعون كان بسبب المعجزة، عابراً ومتجاوزاً بهذا الربط المشوَّه حقيقتين قرآنيتين:
الأُولى: إنَّ ادِّعاء الإيمان بسبب يقينه بإدراكه الغرق الذي حصل بسبب المعجزة، (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ) أي الغرق من نتاجات المعجزة، فاستغللت هذا التشابه الحاصل بين النتيجة (مواجهة الغرق) والسبب (الذي هو المعجزة)، والذي أثَّر بفرعون وجعله يُعلِن إسلامه هو خوفه من الموت بالغرق الذي هو أحد نتاجات المعجزة، وليس متأثِّراً بمعجزة موسى عليه السلام، فلو كان متأثِّراً بها لما اقتحم البحر هو وجنوده والمعجزة في ذروتها، ولا يزال (كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (الشعراء: ٦٣)، مستغلَّاً علاقة أحدهما بالآخر، أي السبب بالنتيجة، متجاهلاً السبب الحقيقي لتُمرِّر حيلتك بهذا التقارب على ضعاف الخلق حتَّى تُغرِّر بأتباعك أنَّ المعجزة ليست دليلاً صالحاً للإيمان الصالح، وتُبرِّر لهم هروبك الذي يشبه كثيراً حيلة النعّامة.
وما ذلك إلَّا تسويفاً لعجزك عن الإتيان بمعجزة أو كرامة ممَّن يطلبها منك، وليس مهمَّاً أن تُحرِّف كلام الله تعالى وتبتر معانيه وتُقلِّل من قيمة آياته ومعجزاته من أجل أكاذيبك.
الثانية: التي حرَّفتها هي سبب عدم قبول إيمان فرعون لأنَّه ناتج عن طريق المعجزة، حيث قلت: (ففرعون يؤمن ويسلم ولكن الله لا يرضى ولا يقبل بهذا الإيمان...، لأنَّه إيمان جاء بسبب معجزة قاهرة)(١٨٣)، جاهلاً أو متجاهلاً لقانون الله تعالى الذي ذكره بكتابه، وهو أنَّ الظالمين والمجرمين الذين طبع الله على قلوبهم وجعل عليها أكنَّة لا تُقبَل توبتهم وإيمانهم إذا قرب موتهم واستيقنوا به.
هذا بالنسبة إلى دليله الخاصّ عن سبب إيمان فرعون وعدم قبول إيمانه، أمَّا بالنسبة إلى ادِّعائه عدم جدوى المعجزة وأنَّ الذين يطلبون المعجزة لا يؤمنون، فجوابه في الوجه الثاني.
الوجه الثاني: القرآن يتحدَّث عن معجزات تسبَّبت في وجود الإيمان وزيادته، منها: تابوت بني إسرائيل الذي هو آية للمؤمنين، قال تعالى: (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ...)، إلى قوله: (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: ٢٤٨ و٢٤٩).
ومنها: عصا موسى عليه السلام حين انقلبت أفعى فآمن بسببها السحرة، قال تعالى: (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى * قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى * قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) (طه: ٦٩ _ ٧٢).
وقال تعالى: (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ * قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ * رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (الشعراء: ٤٥ _ ٤٨).
وقال أحمد إسماعيل بعد ذلك: (لو كان الله يريد إلجاء وقهر الناس على الإيمان لأرسل مع أنبيائه معجزات قاهرات).
والقهر لغةً: (قهره قهراً: غلبه...، يقال: أخذت فلاناً قهرةً بالضمِّ، أي اضطراراً)(١٨٤).
ردُّه:
يحاول بحيله البائسة أن يُضِلَّ القارئ واصفاً المعجزة بالـ (القاهرة)، حيث اصطنع هذا الوصف المتشابه ليتناسب ذلك مع ادِّعاءاته الواهية من عدم فائدة المعجزة، وتقليل شأن الإيمان الناتج عنها، فوقع بعدَّة تناقضات ومخالفات لثوابت الدين كما ستعرف.
فأسأله هنا: ماذا تقصد بالقاهرة؟ هل هو الجبر القطعي الذي ليس معه أيّ اختيار للإنسان أو حسب تعبير اللغويين بالغلبة والاضطرار؟
فإن كان كذلك فهو مردود لأنَّه:
١ _ مخالف للعقيدة الحقَّة التي أثبتها أئمَّة الحقِّ وآمن بها أتباعهم: (لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين)(١٨٥).
٢ _ خلاف الحكمة والقانون الإلهي والذي على وفقه شرَّع الشرائع، وهو قانون الاختبار والابتلاء اللذين يلزم منهما أن يكون الإنسان مختاراً، وفي خلافه يلزم نسبة الظلم لله سبحانه عمَّا يقول المبطلون.
وهذا من أساسيات العقيدة الحقَّة التي علَّمنا بها أئمَّتنا عليهم السلام، وذلك أحد أُصول ديننا العدل إن كنت تجهله.
ومع هذا كلّه فإنَّ الله تعالى قد ذكر هذا المعنى في كتابه الكريم حيث قال: (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأنعام: ١٤٩)، فلو شاء أن يهدي الناس لهداهم بكلِّ بساطة، أي قهرهم حسب فرض فهمك، فهو مالك القلوب والأرواح والأجساد ولا يحتاج إلى معجزة يستعين بها عليهم، (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة: ٢١٣).
وإن كان معنى القهر عندك هو شدَّة وضوح المعجزة وإثبات تفوّقها، فالاعتقاد خلاف ذلك يلزم منه: أنَّ آيات الله ليست بيِّنات وواضحات، وأنَّ حجَّته على عباده ليست بالغة وتامَّة.
وهذا ردٌّ صريح لكلام الله، وإنكار لآياته، وجحود لبيِّناته، وهل هناك وقاحة وجرأة أكثر من هذه على الله ورسله؟!
قال تعالى: (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) (الأنعام: ١٤٩).
الوجه الثالث: قال كما مرَّ: (إنَّ الله لا يقبل الإيمان الناتج عن المعجزة)، وهو يعترف بأنَّ معجزة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الخالدة هي القرآن الكريم، فما هو مصدر إيمانك إن كنت مؤمناً!؟ هل هو الكتاب العزيز الذي هو نور ورحمة أم غيره!؟ فوفق مقياسك أنَّ الله تعالى لا يقبل إيمانك لأنَّه مبنيٌّ على معجزة، فيلزم أحد أُمور أربعة:
١ _ إمَّا عدم قبول إيمانك حسب ميزانك.
٢ _ وإمَّا أنَّ القرآن الكريم ليس معجزة.
٣ _ وإمَّا أنَّك لست بمؤمن أصلاً بمعجزة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم.
٤ _ وإمَّا أنَّك مخطئ في قولك، فيثبت جهلك في فهم الكتاب العزيز والسنن الإلهية، وهذا هو المطلوب.
وبرز أحد المدافعين عن رأي سيِّده حين افتضح جهله قائلاً: (ولعلَّ من تدبَّر في المعجزات...، فالأمر وما فيه أنَّها _ أي المعجزات _ جاءت كذلك للبس)(١٨٦)، فاختصر بعبقريته جميع معاجز الأنبياء عليهم السلام بالحكم عليها أنَّها جاءت لتُلبِس على الناس أفكارهم، ولو ترك الأمر على رأي سيِّده لكان أهون الشرّين، إذ كيف تكون معجزة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم العظيمة، وهدية السماء للخلق أجمعين، التي هي أحد أهمّ معاجز الأنبياء عليهم السلام، ومتمِّمة للأديان السابقة، وصفها عندكم أنَّها جاءت للبس، والله تعالى يصفها: (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدى وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل: ٨٩)!؟
وهل تفهمون أنَّ الهداية والرحمة هي لبس!؟
ومن الطريف أنَّ هذا (النحرير) استشهد بعد رأيه هذا بقوله تعالى: (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (الأنعام: ٩)، فالآية تتكلَّم عن (اللِّباس وهو: ما وارَيْتَ به جَسَدَك)، ومن خلال سياق كلامه أنَّه يقصد (اللَّبْس الذي هو: خَلط الأُمور بعضها ببعضٍ إذا التَبَسَتْ)(١٨٧).
فالأوَّل اسم رباعي والثاني ثلاثي، والأوَّل مكسور اللام والثاني مفتوح.
ولا يخلو هذا الرجل من إحدى اثنتين:
١ _ إمَّا أنَّه جاهل إلى هذا الحدّ، وأنعم به من ناطق باسم إمامهم.
٢ _ وإمَّا أنَّه يعلم بذلك وإنَّما تخلُّصاً من خطأ مولاه أراد أن يُلبِس على الناس بهذه الحجَّة، (مستفيداً من الاشتراك اللفظي بينهما) مع خطئها، إلَّا أنَّها من وجهة نظرهم خير من السكوت، فأنعم به محتالاً ومخادعاً.
***************
(١٨٢) ذكر ذلك صاحب كتاب جامع الأدلَّة نقلاً عن كتاب إمامه (الجهاد: ٤٧/ باب الجنَّة).
(١٨٣) جامع الأدلَّة: ٣١٣.
(١٨٤) الصحاح للجوهري ٢: ٨٠١.
(١٨٥) الهداية للصدوق: ١٨.
(١٨٦) جامع الأدلَّة: ٢٦٨.
(١٨٧) أُنظر: كتاب العين ٧: ٢٦٢.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page