• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الدليل الثالث: الرؤى والأحلام

 من أهمّ أدلَّة أحمد إسماعيل على صحَّة دعوته: الرؤى والأحلام.
قال أحمد إسماعيل في بيانه إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقمّ المقدَّسة:
(تقولون: (نحن نقبل شهادة العدلين)، فها الله [كذا] يشهد لي، ومحمّد يشهد لي، وعلي يشهد لي، وفاطمة تشهد لي، والحسن يشهد لي، والحسين يشهد لي، وعلي بن الحسين ومحمّد وجعفر وموسى وعلي ومحمّد وعلي والحسن ومحمّد يشهدون لي، بمئات الرؤى التي رآها المؤمنون، أفلا تقبلون شهادتهم وقولهم ونصحهم لكم؟ ألم يخبروكم أنَّهم يجتمعون على صاحب الحقّ إذا جاء، وقالوا عليهم السلام: (فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدّوا إلينا بالسلاح) [غيبة النعماني: ص ١٩٧]).
إلى أن قال:
(تستخفّون الناس، وتقولون لهم: وهل رأيتم رسول الله حتَّى تعرفونه بالرؤيا؟ سبحان الله، وهل كان أحد في زمن الإمام الصادق رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى يقول الإمام الصادق عليه السلام: (من أراد أن يرى رسول الله بالرؤيا فليفعل كذا وكذا)، والروايات كثيرة في هذا المعنى، فراجعوا (دار السلام) وغيره من كتب الحديث. تقولون: (الرؤيا حجَّة على صاحبها فقط)، فتردّون شهادة المؤمن العادل، الذي رأى وسمع في ملكوت السماوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبره بالحقّ؟ فكيف إذن تقبلون شهادته فيما رأى وسمع في هذا العالم الجسماني؟ (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضَيزَى)).
وقد كتب أنصار أحمد إسماعيل عدَّة كتب يؤكِّدون فيها على أنَّ الأحلام حجَّة في إثبات الإمامة وغيرها؛ لأنَّها وحي من الله تعالى.
من ضمن كتبهم: كتاب (الرؤيا في مفهوم أهل البيت) و(حجّية الرؤيا)، كلاهما لضياء الزيدي.
وبيان هذه المسألة يقتضي ذكر عدَّة أُمور:
١ _ أنَّ الأحلام ربَّما تكون صادقة وربَّما تكون كاذبة، وهي ليست كلّها على نسق واحد.
وهذا ما يؤيِّده الواقع، ودلَّت عليه الروايات.
منها: صحيحة سعد بن أبي خلف، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (الرؤيا على ثلاثة وجوه: بشارة من الله للمؤمن، وتحذير من الشيطان، وأضغاث أحلام)(٢٠٧).
وعن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك، الرؤيا الصادقة والكاذبة مخرجهما من موضع واحد؟ قال: (صدقت، أمَّا الكاذبة مختلفة، فإنَّ الرجل يراها في أوّل ليلة في سلطان المردة الفسقة، وإنَّما هي شيء يُخيَّل إلى الرجل، وهي كاذبة مخالفة، لا خير فيها، وأمَّا الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة، وذلك قبل السحر، فهي صادقة، لا تخلف إن شاء الله، إلَّا أن يكون جُنُباً، أو ينام على غير طهور ولم يذكر الله عز وجل حقيقة ذكره، فإنَّها تختلف، وتبطئ على صاحبها)(٢٠٨).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن محمّد بن القاسم النوفلي، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها، وربَّما رأى الرؤيا فلا تكون شيئاً؟ فقال: (إنَّ المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكلّ ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحقّ، وكلّ ما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام...)(٢٠٩).
وفي توحيد المفضَّل بن عمر، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: (فَكِّرْ يا مفضَّل في الأحلام كيف دبّر الأمر فيها، فمزج صادقها بكاذبها، فإنَّها لو كانت كلّها تصدق لكان الناس كلّهم أنبياء، ولو كانت كلّها تكذب لم يكن فيها منفعة، بل كانت فَضْلاً لا معنى له، فصارت تصدق أحياناً، فينتفع بها الناس في مصلحة يُهتدى لها، أو مضرة يُتحذَّر منها، وتَكْذِبُ كثيراً لئلَّا يُعتمَد عليها كلّ الاعتماد)(٢١٠).
ومن هذه الروايات وغيرها يتبيَّن أنَّ الرؤى منها ما هو صادق، ومنها ما هو كاذب، فهي ليست على شاكلة واحدة، فلا يصحُّ الاعتماد على كلّ رؤيا؛ لأنَّها ربَّما تكون كاذبة.
٢ _ أنَّ رؤى الأنبياء والأئمّة عليهم السلام حقّ؛ لأنَّ الشيطان لا يتلاعب بهم، ولا سبيل له عليهم، فلا تُقاس رؤى الناس برؤى الأنبياء عليهم السلام، وكثيراً ما يلبِّس أحمد إسماعيل وأنصاره على الناس، فيحتجّون عليهم برؤيا إبراهيم عليه السلام حين رأى في المنام أنَّه يذبح ابنه، ورؤيا يوسف عليه السلام حين رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً ساجدين له، ورؤيا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) (الإسراء: ٦٠) وغيرها.
ورؤى الناس لا تُقاس برؤى الأنبياء عليهم السلام؛ لأنَّ رؤى الأنبياء وحي، وأمَّا رؤى الناس فمنها ما هو صادق، ومنها ما هو أضغاث أحلام.
قال الشيخ المفيد قدس سره:
(والذي نذهب إليه في الرؤيا أنَّها على أَضْرُب، فضرب منه يبشر الله به عباده ويحذِّرهم، وضرب تهويل من الشيطان وكذب يخطر ببال النائم، وضرب من غلبة الطباع بعضها على بعض، ولسنا نعتمد على المنامات كما حكاه، لكنَّنا نأنس بما نُبشر به، ونتخوَّف ممَّا نُحذَّر منها، ومن وصل إليه شيء من علمها عن ورثة الأنبياء عليهم السلام ميَّز بين حقّ تأويلها وباطله، ومتى لم يصل إليه شيء من ذلك كان على الرجاء والخوف. وهذا يُسقِط ما لعلَّه سيتعلَّق به في منامات الأنبياء عليهم السلام من أنَّها وحي؛ لأنَّ تلك مقطوع بصحَّتها، وهذه مشكوك فيها، مع أنَّ منها أشياء قد اتَّفق ذوو العادات على معرفة تأويلها حتَّى لم يختلفوا فيه، ووجدوه حسناً)(٢١١).
٣ _ أنَّ الرؤى لا تثبت بها الأحكام الشرعية، ولا العقائد الدينية؛ لأنَّ الأحكام والعقائد إنَّما تؤخذ من الكتاب العزيز، والسُّنَّة الصحيحة، والعقل، وأمَّا الأحلام والرؤى فليست أحد مصادر التشريع حتَّى لو كانت الرؤيا صادقة.
وعلى هذا أطبق علماء الشيعة الإمامية قديماً وحديثاً.
قال الشيخ المفيد قدس سره: (ومع ذلك فإنَّا لسنا نثبت الأحكام الدينية من جهة المنامات)(٢١٢).
وقال الشيخ الحرّ العاملي قدس سره: (وتواترت الروايات بأنَّ بعض الرؤيا صادق، وبعضها كاذب، وتواترت أيضاً بوجوب الرجوع في جميع الأحكام الشرعية إلى أهل العصمة عليهما السلام)(٢١٣).
وقال الشيخ المجلسي قدس سره: (بقي الكلام في أنَّه هل يكون حجَّة في الأحكام الشرعية؟ فيه إشكال، فإنَّه قد ورد بأسانيد صحيحة عن الصادق عليه السلام في حديث الأذان: (إنَّ دين الله تبارك وتعالى أعزّ من أن يُرى في النوم)، ويمكن أن يقال: المراد أنَّه لا يثبت أصل شرعية الأحكام بالنوم، بل إنَّما هي بالوحي الجلي، ومع ذلك ينبغي أن يُخصّ بنوم غير الأنبياء والأئمّة عليهم السلام؛ لما مرَّ أنَّ نومهم بمنزلة الوحي، لكن هذه الأخبار ليست بصريحة في وجوب العمل به، إذ لعلَّه مع العلم بكونه منهم عليهم السلام لم يجب العمل به، إذ مناط الأحكام الشرعية العلوم الظاهرة)(٢١٤).
وعليه، فإنَّ الرؤى والأحلام لا يثبت بها تكليف شرعي، لا وجوب ولا حرمة، ولا غيرهما، والأحكام الشرعية إنَّما تثبت بالكتاب والسُّنَّة دون غيرهما من الأحلام والاستخارات التي ثبت أنَّها ليست بحجَّة في معرفة شيء من الأحكام الشرعية.
وقد سأل السيّد مهنّا بن سنان العلَّامةَ الحلّي قدس سره، فقال:
(ما يقول سيّدنا في مَن رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بعض الأئمّة عليهم السلام وهو يأمره بشيء، أو ينهاه عن شيء، هل يجب عليه امتثال ما أمر به، أو اجتناب ما ينهاه عنه، أم لا يجب ذلك مع ما صحَّ عن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: (من رآني في منامه فقد رآني، فإنَّ الشيطان لم يتمثَّل بي)، وغير ذلك من الأحاديث المرويّة عنه صلى الله عليه وآله وسلم؟ وما قولكم لو كان ما أمر به أو نهى عنه على خلاف ما في أيدي الناس من ظاهر الشريعة، هل بين الحالين فرق أم لا؟ أفتنا في ذلك مبيِّناً، جعل الله كلّ صعب عليك هيِّناً).
فأجاب نوَّر الله ضريحه بقوله:
(ما يخالف الظاهر فلا ينبغي المصير إليه، وأمَّا ما يوافق الظاهر فالأولى المتابعة من غير وجوب، ورؤيته صلى الله عليه وآله وسلم لا يعطي وجوب اتّباع المنام)(٢١٥).
وقد استحسن المحقّق البحراني قدس سره هذا الجواب، وقال معقِّباً عليه:
(وهو جيّد، أمَّا أوّلاً: فلأنَّ الأدلَّة الدالّة على وجوب متابعتهم وأخذ الأحكام عنهم صلوات الله عليهم إنَّما تُحمل على ما هو المعروف المتكرِّر دائماً؛ لما حقَّقناه في غير موضع من زبرنا ومصنّفاتنا من أنَّ الأحكام المودعة في الأخبار إنَّما تُحمل على الأفراد المتكرِّرة الكثيرة الدوران، فإنَّها هي التي ينصرف إليها الإطلاق، دون الفروض النادرة الوقوع، ولا ريب أنَّ الشائع الذائع المتكرِّر إنَّما هو أخذ الأحكام منهم حال اليقظة.
وأمَّا ثانياً: فإنَّ الرؤيا وإن كانت صادقة فإنَّها قد تحتاج إلى تأويل وتعبير، وهو لا يعرفه، فالحكم بوجوب العمل بها والحال كذلك مشكل.
وأمَّا ثالثاً: فلأنَّ الأحكام الشرعية إنَّما بُنيت على العلوم الظاهرة، لا على العلم بأيّ وجه اتَّفق، ألَا ترى أنَّهم عليهم السلام إنَّما يحكمون في الدعاوى بالبيّنات والأيمان، وربَّما عرفوا المحقّ من المبطل واقعاً، وربَّما عرفوا كفر المنافقين، وفسق الفاسقين، ونجاسة بعض الأشياء بعلومهم المختصّة بهم؟ إلَّا أنَّ الظاهر أنَّهم ليسوا مأمورين بالعمل بتلك العلوم في أحكام الشريعة، بل إنَّما يعملون على ظاهر علوم الشريعة، وقد روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّا نحكم بالظاهر، والله المتولّي للسرائر).
وأمَّا رابعاً: فلما ورد بأسانيد متعدِّدة عن الصادق عليه السلام في أحاديث الأذان: (إنَّ دين الله تبارك وتعالى أعزّ من أن يُرى في النوم))(٢١٦).
٤ _ أنَّ دين الله تعالى أعظم عند الله من أن يثبت شيء منه بالرؤيا، سواء أكان في الأحكام الشرعية أم في العقائد المهمّة.
وهذا الذي قلناه جاءت به الرواية الصحيحة، فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ما تروي هذه الناصبة؟)، فقلت: جُعلت فداك، في ماذا؟ فقال: (في أذانهم وركوعهم وسجودهم). فقلت: إنَّهم يقولون: إنَّ أُبي بن كعب رآه في النوم. فقال: (كذبوا، فإنَّ دين الله عز وجل أعزّ من أن يُرى في النوم)(٢١٧).
وفي هذه الرواية دلالة واضحة على أنَّ الله تعالى نزَّه أحكام دينه وعقائده عن أن يثبت شيء منها برؤيا، والأذان الذي لا يتعدَّى كونه واحداً من المستحبّات أعزّ عند الله من أن يُثبته برؤيا، فما بالك بالأحكام الإلزامية، أو العقائد المهمّة كالإمامة ونحوها؟
٥ _ أنَّ الرؤى تحتاج إلى تأويل وتفسير؛ لأنَّها في الغالب تكون رمزية غير واضحة، وأكثر الناس لا يعرفون تأويلها، ولعلَّها تُفسر على غير وجهها الصحيح، فكيف يمكن أن يُحتَجّ برؤيا رمزية غير واضحة الدلالة، أو تحتمل وجوهاً متعدِّدة؟
٦ _ أنَّ ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من رآني في منامه فقد رآني؛ لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة أحد من شيعتهم، وإنَّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوَّة)(٢١٨).
معناه: أنَّ من رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد المعصومين عليهم السلام في المنام، وهو يعرف صُوَرهم الحقيقية، ورآهم في المنام على نفس تلك الصور التي يعرفها، فإنَّه قد رآهم؛ لأنَّ الشيطان لا يتمثَّل بصُوَرهم.
أمَّا من رأى رجلاً في منامه، ووقع في روعه أنَّ هذا الرجل هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أنَّه واحد من المعصومين عليهم السلام، والحال أنَّه لا يعرف صورة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ولا صورة ذلك المعصوم عليه السلام، فإنَّ من رآه في منامه ربَّما يكون شخصاً آخر غير الذي أُلقي في روعه، فإنَّ الشيطان قادر على أن يُلقي في روع النائم ما هو خلاف الحقيقة من أمثال هذه الأُمور.
قال الشيخ المفيد قدس سره:
(إذا جاز مِن بَشر أنَّ يدَّعي في اليقظة أنَّه إله كفرعون ومن جرى مجراه، مع قلَّة حيلة البشر وزوال اللبس في اليقظة، فما المانع من أن يدَّعي إبليس عند النائم بوسوسته له أنَّه نبيّ، مع تمكّن إبليس بما لا يتمكَّن منه البشر، وكثرة اللبس المعترض في المنام؟ وممَّا يوضِّح لك أنَّ من المنامات التي يتخيَّل للإنسان أنَّه قد رأى فيها رسول الله والأئمّة صلوات الله عليهم، منها ما هو حقّ، ومنها ما هو باطل، أنَّك ترى الشيعي يقول: (رأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، يأمرني بالاقتداء به دون غيره، ويعلمني أنَّه خليفته من بعده، وأنَّ أبا بكر وعمر وعثمان ظالموه وأعداؤه، وينهاني عن موالاتهم، ويأمرني بالبرائة منهم)، ونحو ذلك ممَّا يختصُّ بمذهب الشيعة، ثمّ ترى الناصبي يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النوم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، وهو يأمرني بمحبَّتهم، وينهاني عن بغضهم، ويعلمني أنَّهم أصحابه في الدنيا والآخرة، وأنَّهم معه في الجنَّة)، ونحو ذلك ممَّا يختصُّ بمذهب الناصبة، فتعلم لا محالة أنَّ أحد المنامين حقّ، والآخر باطل، فأولى الأشياء أن يكون الحقّ منهما ما ثبت بالدليل في اليقظة على صحَّة ما تضمَّنه، والباطل ما أوضحت الحجَّة عن فساده وبطلانه، وليس يمكن للشيعي أن يقول للناصبي: (إنَّك كذبتَ في قولك: إنَّك رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنَّه يقدر أن يقول له مثل هذا بعينه، وقد شاهدنا ناصبيّاً تشيَّع، وأخبرنا في حال تشيّعه بأنَّه يرى منامات بالضدّ ممَّا كان يراه في حال نصبه، فبان بذلك أنَّ أحد المنامين باطل، وأنَّه من نتيجة حديث النفس، أو من وسوسة إبليس ونحو ذلك)(٢١٩).
وللشيخ المفيد قدس سره تفصيل حسن في هذا المقام، حيث قال:
(وأمَّا رؤية الإنسان للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو لأحد الأئمّة عليهم السلام في المنام فإنَّ ذلك عندي على ثلاثة أقسام: قسم أقطع على صحَّته، وقسم أقطع على بطلانه، وقسم أُجوِّز فيه الصحَّة والبطلان، فلا أقطع فيه على حال. فأمَّا الذي أقطع على صحَّته فهو كلّ منام رأى فيه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد الأئمّة عليهم السلام وهو فاعل لطاعة، أو آمر بها، وناهٍ عن معصية، أو مبيِّن لقبحها، وقائل لحقٍّ، أو داعٍ إليه، أو زاجر عن باطل، أو ذامٍّ لما هو عليه. وأمَّا الذي أقطع على بطلانه فهو كلّ ما كان على ضدِّ ذلك؛ لعلمنا أنَّ النبيّ والإمام عليهما السلام صاحبا حقّ، وصاحب الحقّ بعيد عن الباطل. وأمَّا الذي أُجوِّز فيه الصحَّة والبطلان فهو المنام الذي يُرى فيه النبيّ أو الإمام عليهما السلام وليس هو آمراً، ولا ناهياً، ولا على حال يختصُّ بالديانات، مثل أن يراه راكباً، أو ماشياً، أو جالساً، ونحو ذلك)(٢٢٠).
وعليه، فليس كلّ من رأى رجلاً ظنَّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد المعصومين عليهم السلام تكون رؤياه صادقة، ويرتَّب عليها الآثار خصوصاً إذا كانت مهمّة كالإمامة ونحوها.
ومن المعلوم أنَّ كثيراً من المخالفين رأوا في منامهم من ظنّوه أنَّه ربّهم، وهذا متواتر عنهم.
قال ابن تيمية:
(وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربَّهم في المنام، ويخاطبهم، وما أظنّ عاقلاً ينكر ذلك، فإنَّ وجود هذا ممَّا لا يمكن دفعه؛ إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره، وهذه مسألة معروفة، وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أُصول الدين، وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله، والنقل بذلك متواتر عمَّن رأى ربَّه في المنام، ولكن لعلَّهم قالوا: (لا يجوز أن يعتقد أنَّه رأى ربَّه في المنام)، فيكونون قد جعلوا مثل هذا من أضغاث الأحلام، ويكونون من فرط سلبهم ونفيهم نفوا أن تكون رؤية الله في المنام رؤية صحيحة كسائر ما يُرى في المنام، فهذا ممَّا يقوله المتجهّمة، وهو باطل مخالف لما اتَّفق عليه سلف الأُمَّة وأئمّتها، بل ولما اتَّفق عليه عامّة عقلاء بني آدم، وليس في رؤية الله في المنام نقص ولا عيب يتعلَّق به سبحانه وتعالى، وإنَّما ذلك بحسب حال الرائي، وصحَّة إيمانه وفساده، واستقامة حاله وانحرافه)(٢٢١).
وهذه الرؤى كلّها باطلة، وهي من أضغاث الأحلام وتلاعب الشيطان بهم، وتضليله لهم، وقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن إبراهيم الكرخي، قال: قلت للصادق عليه السلام: إنَّ رجلاً رأى ربَّه عز وجل في منامه، فما يكون ذلك؟ فقال: (ذلك رجل لا دين له، إنَّ الله تبارك وتعالى لا يُرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة)(٢٢٢).
٧ _ أنَّ الأحلام يمكن اختراقها والتلاعب بها من قِبَل آخرين، وقد ذُكِرَ أنَّه يمكن ذلك بطريقة الخروج عن الجسد أو ما يُسمَّى بالإسقاط النجمي (Projection Astral)، وهي حالة يكون فيها الجسد فقط نائماً، بينما يكون العقل في حالة يقظة تامّة.
والذين يمارسون الإسقاط النجمي يمكنهم عندما يخرجون عن أجسادهم أن يذهبوا لأشخاص آخرين في حال نومهم، ويتكلَّموا معهم بما يريدونه، ويُوحوا إليهم بما يشاؤون.
ولهذا يلجأ الدجّالون والمشعوذون إلى هذه الطريقة لإيهام ضحاياهم بصحَّة طريقتهم، فيأتون إليهم في المنامات، ويوحون إليهم بأنَّ هذا الجالس هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ يُسمعونه يأمرهم باتّباع هذا الدجّال والتمسّك به، فيصدِّقهم أُولئك المستهدَفون، ويؤمنون بهم، فيتحوَّلون إلى أتباع لهم ومريدين.
هذا أهمّ ما أردت أن أُبيِّنه في دليل الرؤى الذي اعتمد عليه أحمد إسماعيل، بل جعله أهمّ أدلَّته، واعتبر هذه الرؤى الكاذبة التي رآها أتباعه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عليهم السلام على صحَّة دعوته.
***************
(٢٠٧) الكافي ٨: ٩٠/ ح ٦١.
(٢٠٨) الكافي ٨: ٩١/ ح ٦٢.
(٢٠٩) أمالي الصدوق: ٢٠٨ و٢٠٩/ ح (٢٣١/١٥).
(٢١٠) توحيد المفضَّل بن عمر: ٤٢ و٤٣؛ ونقلها الحرّ العاملي في الفصول المهمّة في أصول الأئمّة ١: ٦٩٠/ ح (١٠٩٤/٤).
(٢١١) الفصول المختارة: ١٣١ و١٣٢.
(٢١٢) الفصول المختارة: ١٣٠.
(٢١٣) الفصول المهمّة في أصول الأئمّة ١: ٦٩٠/ ذيل الحديث (١٠٩٤/٤).
(٢١٤) بحار الأنوار ٥٨: ٢٣٧.
(٢١٥) أجوبة المسائل المهنّائية: ٩٧ و٩٨/ المسألة ١٥٩؛ بحار الأنوار ٥٨: ٢٣٨.
(٢١٦) الدرر النجفية ٢: ٢٨٣ و٢٨٤.
(٢١٧) الكافي ٣: ٤٨٢/ باب النوادر/ ح ١.
(٢١٨) أمالي الصدوق: ١٢١/ ح (١١١/١٠)؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢: ٢٨٧ و٢٨٨/ ح ١١.
(٢١٩) كنز الفوائد للكراجكي ٢: ٢١٣.
(٢٢٠) كنز الفوائد للكراجكي ٢: ٢١٢.
(٢٢١) بيان تلبيس الجهمية ١: ٧٣.
(٢٢٢) أمالي الصدوق: ٧٠٨/ ح (٩٧٤/٦).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page