• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المطلب الثاني: أدلَّة اصطفاء الأمّة الوارثة

 أ _ في القرآن الكريم:
* قال تعالىٰ: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (القصص: ٥).
* وقال تعالىٰ: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشركُونَ بِي شَيْئاً) (النور: ٥٥).
من هاتين الآيتين الكريمتين يمكن الاستدلال علىٰ اصطفائية الأُمّة الوارثة من خلال دلالة الجعل المنسوب لله علىٰ الاصطفاء تارةً، ومن خلال دلالة الاستخلاف علىٰ ذلك تارةً أُخرىٰ كما هو آتٍ:
أوّلاً: دلالة الجعل علىٰ الاصطفاء:
للجعل عدَّة معاني عدّها الفيروزآبادي بثلاثة عشر معنىً في القرآن الكريم(٩١٢)، وواحد من تلك المعاني هو: (صيرورة ما يكون به الشيء علىٰ صفة لم يكن عليها)(٩١٣). والضمير في (نَجْعَلَهُمْ) في قوله تعالىٰ: (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (القصص: ٥)، المنسوب لله عز وجل دالٌّ علىٰ أنَّه سبحانه اختارهم لتسنّم مقام الإمامة والوراثة(٩١٤)، وهذا المعنىٰ يلتقي مع قوله تعالىٰ: (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (الأنبياء: ٧٣)، وقوله تعالىٰ: (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (السجدة: ٢٤)، كما أنَّ اختصاص المستضعفين الذين آمنوا وعملوا الصالحات بهذا الجعل دليلٌ ثانٍ علىٰ اصطفائيتهم وكونهم صفوة الأُمم وخالصتهم(٩١٥).
ثانياً: دلالة الاستخلاف علىٰ الاصطفاء:
في قوله تعالىٰ: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (النور: ٥٥)، جاءت عبارة (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) متضمّنة معنىٰ الاصطفاء لاختصاص تلك الأُمّة بذلك الاستخلاف بقرينة قوله تعالىٰ: (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، (والمراد باستخلافهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم عقد مجتمع مؤمن صالح منهم يرثون الأرض كما ورثها الذين من قبلهم من الأُمم الماضين أُولي القوَّة والشوكة، وهذا الاستخلاف قائم بمجتمعهم الصالح من دون أن يختصَّ به أشخاص منهم كما كان كذلك في الذين من قبلهم، وأمَّا إرادة الخلافة الإلهية بمعنىٰ الولاية علىٰ المجتمع كما كان لداود وسليمان ويوسف وهي السلطنة الإلهية فمن المستبعد أن يعبّر عن أنبيائه الكرام بلفظ: (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، وقد وقعت هذه اللفظة أو ما بمعناها في أكثر من خمسين موضعاً من كلامه تعالىٰ ولم يقصد ولا في واحدٍ منها الأنبياء الماضون مع كثرة ورود ذكرهم في القرآن)(٩١٦).
وبذلك فإنَّ الآية الكريمة تتكلَّم عن أُمّة مستخلفة في الأرض ووارثة لها (إلَّا أنَّ استخلافهم من قِبَله تعالىٰ بإيراثهم الأرض واصطفائهم بالاستخلاف لم يكن اصطفاء جزافاً مطلقاً من غير شرط ولا قيد، بل ليمتحنهم بهذا الملك ويبتليهم بهذا التسليط والاستخلاف لينظر كيف يعملون)(٩١٧).
ثالثاً: دلالة السبق علىٰ الاصطفاء:
قال تعالىٰ: (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) (المؤمنون: ٦١)، وهذا (السبق هو مناط الاصطفاء)(٩١٨)، لقوله تعالىٰ: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (الواقعة: ١٠ و١١)، (ولفظ (الْمُقَرَّبُونَ) مأخوذ من القربة بمعنىٰ الحظوة وهو أبلغ من القريب لدلالة صيغته علىٰ الاصطفاء والاجتباء)(٩١٩).
وهؤلاء المقرَّبون هم ممَّن (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (المؤمنون: ١١٤).
وبما أنَّ الصالحون يرثون الأرض لقوله تعالىٰ: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء: ١٠٥)، فإنَّ الأُمّة الوارثة هي أُمّة مصطفاة، ومناط اصطفائيتها هو السبق في حيازة شروط وراثة الأرض والمسارعة في إحراز الكمالات العلمية وتحويل البُعد الإيماني إلىٰ واقع عملي قادر علىٰ بناء مدنية تليق بالإنسان في شتّىٰ ميادين الحياة من جهة، وضامن للسعادة الأُخروية من جهة أُخرىٰ.
ب _ في كتب العهدين:
عقيدة اصطفاء أُمّة ميراث الأرض أو أُمّة ملكوت الله من أوضح العقائد التي ذكرتها نصوص أسفار وأناجيل العهدين، وهذه النصوص هي:
أوّلاً: نصوص العهد القديم:
١ _ (إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصّة من بين جميع الشعوب فإنَّ لي كلّ الأرض..، وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأُمّة مقدَّسة)(٩٢٠).
٢ _ (لا تسبّ الله ولا تلعن رئيساً في شعبك..، وتكونون لي أُناس مقدَّسين..، لا تتَّبع الكثيرين إلىٰ فعل الشر ولا تجب في دعوىٰ مائلاً وراء الكثيرين للتحريف)(٩٢١).
٣ _ (وتكونون لي قدّيسين لأنّي قدّوس، أنا الربّ وقد ميَّزتكم من الشعوب لتكونوا لي)(٩٢٢).
٤ _ (وأسير بينكم وأكون لكم إلهاً وأنتم تكونون لي شعباً..، أنا الربّ إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر من كونكم لهم عبيداً وقطع قيود نيركم وسيَّركم قياماً..، لكن إن لم تسمعوا لي ولم تعملوا كلّ هذه الوصايا..، وإن رفضتم فرائضي وكرهت أنفسكم أحكامي فما عملتم كلّ وصاياي بل نكثتم ميثاقي..، فإنّي أعمل هذه بكم أُسلِّط عليكم رعباً وسلَّاً وحُمَّىً تُفني العينين وتتلف النفس..، وأجعل وجهي ضدّكم فتنهزمون أمام أعدائكم ويتسلَّط عليكم مبغضوكم وتهربون وليس من يطردكم)(٩٢٣).
٥ _ (تسكنون الأرض التي أُعطيت آباءكم إيّاها وتكونون لي شعباً وأنا أكون لكم إلهاً)(٩٢٤).
٦ _ (طوبىٰ للأُمّة التي الربّ إلهُهَا الشعب الذي اختاره ميراثاً لنفسه)(٩٢٥).
وهذه النصوص وغيرها تُشير لأمرين هما:
الأوّل: إنَّ الله سبحانه وتعالىٰ خصَّ جماعة معيَّنة (وهم الأُمّة المقدَّسة) باصطفائهم لوراثة الأرض التي وعد الله أن يُعطيها لنسل إبراهيم الخليل عليه السلام(٩٢٦).
الثاني: إنَّ هذا الاصطفاء وذلك الميراث مشروط بعدَّة شروط بيَّنتها النصوص، ففي النصّ الأوّل اشترط حفظ العهد: (إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي)، وفي النصّ الثاني اشترط عدم اتّباع الشر: (لا تتَّبع الكثيرين إلىٰ فعل الشر)، وفي الرابع اشترط الالتزام بأوامر الله ونواهيه التي جاءت بها شريعة موسىٰ(٩٢٧): (إن لم تسمعوا لي و لم تعملوا كلّ هذه الوصايا..، وإن رفضتم فرائضي).
وبهذا فإنَّ اختيار الأُمّة الوارثة في العهد القديم اختيار مشروط يتحقَّق بتحقّق شروطه ويستمرّ بالحفاظ عليها.
ثانياً: نصوص العهد الجديد:
١ _ (طوبىٰ لصانعي السلام لأنَّهم أبناء الله يدعون)(٩٢٨)، وصانعي السلام هم الودعاء، والودعاء يرثون الأرض (طوبىٰ للودعاء لأنَّهم يرثون الأرض)(٩٢٩).
٢ _ (وحينئذٍ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء، وحينئذٍ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتياً علىٰ سحاب السماء بقوَّة ومجد كثير..، فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السماوات إلىٰ اقصائها)(٩٣٠)، وهؤلاء المختارون هم أبناء الملكوت(٩٣١) (تعالوا يا مباركي الله رثوا الملكوت المُعَّدِّ لكم منذ تأسيس العالم)(٩٣٢).
هذه النصوص وغيرها تدلُّ بوضوح علىٰ اصطفائية أُمّة الملكوت والوراثة وكونها أُمّة مختارة. وهذا الوضوح يحتّم علىٰ البحث الوقوف عند حقيقة (شعب الله المختار) وموقف الأديان السماوية منها.
***************
(٩١٢) بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز/ الفيروز آبادي ١: ٦٠٩.
(٩١٣) تفسير مجمع البيان/ الطبرسي ٥: ١٣٧.
(٩١٤) ظ/ متشابه القرآن/ ابن شهرآشوب ٢: ٧٧.
(٩١٥) ظ/ تفسير الميزان/ الطباطبائي ٣: ١٦٤.
(٩١٦) تفسير الميزان /الطباطبائي ١٥: ٧٨.
(٩١٧) تفسير الميزان/ الطباطبائي ٨: ١٢٥.
(٩١٨) تفسير البحر المديد/ ابن عجيبة ٤: ١٨٣.
(٩١٩) التفسير الوسيط/ سيّد طنطاوي: ٤٠٥٨.
(٩٢٠) سفر الخروج ١٩: ٥ و٦.
(٩٢١) سفر الخروج ٢٢: ٢٨ – ٣١، و٢٣: ٢.
(٩٢٢) سفر اللاويين ٢٠: ٢٦.
(٩٢٣) سفر اللاويين ٢٢: ١٢- ١٧.
(٩٢٤) سفر حزقيال ٣٦: ٢٨.
(٩٢٥) سفر المزامير ٣٣: ١٢.
(٩٢٦) ظ/ السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم (شرح سفر الخروج)/ وليم مارش: ٨٥.
(٩٢٧) ظ/ الإيمان والعمل في الفكر الإسلامي/ مسعود عبد الله: ٣١ - ٣٣.
(٩٢٨) إنجيل متّىٰ ٥: ٩.
(٩٢٩) إنجيل متّىٰ ٥: ٥.
(٩٣٠) إنجيل متّىٰ ٢٤: ٣٠ و٣١؛ إنجيل مرقس ١٣: ٢٦ و٢٧.
(٩٣١) ظ/ الكنز الجليل في تفسير الإنجيل (إنجيل متّىٰ)/ وليم إدي: ٢٦٠ - ٢٦٥.
(٩٣٢) إنجيل متّىٰ ٢٥: ٣٤.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page