• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ويمكن الجواب عن القاعدة بتقريبين

ويمكن الجواب عن القاعدة بتقريبين

 

 

]التقريب الأول :[

]ومجمل القول فيه[ أنّ القاعدة المذكورة مختصّة بالمعاليل الطبيعية ولا تنطبق على الأفعال الاختياريّة ، والوجه في ذلك أنّ القاعدة المذكورة مبتنية على مسألة السنخية والتناسب التي هي الأساس للعلّية ، ولذا كان وجود المعلول مرتبة نازلة من وجود العلّة .

وإن شئت قلت : أنّه متولّد منها ومستخرج من صميم ذاتها كالحرارة المتولّدة من النار ، فبطبيعة الحال يصير وجود المعلول ضروريّاً عند وجود علّته ، ويكون معدوماً عند عدمها . وهذا بخلاف الأفعال الاختياريّة . لأنّها غير مستندة إلى مبدء السنخيّة ; لأنّها لا تتولّد من صميم ذات الفاعل ، ولا  تخرج من كمون وجوده ، لتكون مرتبة نازلة من وجوده ، بل هي مبائنة له ذاتاً ووجوداً وتصدر منه بالاختيار وإعمال القدرة ، وليس هناك حتم ووجوب ، فله أن يفعل وأن لا يفعل ، فالأفعال الاختياريّة تحتاج في تحقّقها إلى الفاعل وإعمال قدرته لا إلى العلّة التامّة .

وتدلّ على ما ذكرناه الآيات الشريفة القرآنيّة ، منها قوله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)([1]) ، فيشير عزّ من قائل إلى احتياج الفعل إلى الفاعل والخالق ، والفاعل لهذه الأفعال هو الإنسان ، فيفعلها باختياره وإعمال قدرته من دون أن تكون هناك علّيّة تامّة .

وإن أبيت إلاّ عن العلّة التامّة فنقول : إنّ العلّة التامّة للفعل إنّما هي إعمال القدرة بتحريك العضلات نحو العمل ، فيتحقّق الفعل به لا محالة ، والفعل بذلك وإن صار ضروريّاً وواجباً إلاّ أنّه حيث كان إعمال القدرة الذي هو العلّة التامّة له اختياريّاً ، فلا ينافي الاختيار ، فيكون الفعل ضروريّاً بشرط الاختيار ، ومن الواضح أنّ الضرورة بشرط الاختيار لا  تنافي الاختيار بل تؤكّده([2]) .

]وأما تفصيل الكلام فيه فهو :[ أنّ كلّ ممكن ما لم يجب وجوده من قبل وجود علّته يستحيل تحقّقه ووجوده في الخارج ، ومن هنا يقولون أن كلّ ممكن محفوف بوجوبين :

وجوب سابق : وهو الوجوب في مرتبة وجود علته .

ووجوب لا حق : وهو الوجوب بشرط وجوده خارجاً.

ولنبحث هنا عن أمرين :

الأول : عن الفرق الأساسي بين المعاليل الطبيعية والأفعال الاختياريّة .

الثاني : عدم جريان القاعدة المذكورة في الأفعال الاختياريّة .

أمّا الأمر الأول ـ فقد سبق بشكل اجمالي أنّ الأفعال الاراديّة تمتاز عن المعاليل الطبيعية بنقطة واحدة ، وهي أنّها تحتاج في وجودها إلى فاعل ، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)([3]) فأثبت عزّ من قائل بذلك احتياج الفعل إلى فاعل وخالق وبدونه محال ، والفاعل لهذه الأفعال هو نفس الإنسان ، فإنّها تصدر منها بالاختيار وإعمال القدرة والسلطنة ، وليس في إطارها حتم ووجوب ، فلها أن تشاء وتعمل ، ولها أن لاتشاء ولا تعمل ، فهذه المشيئة والسلطنة لا  تتوقّف على شيء آخر كالارادة ونحوها ، بل هي كامنة في صميم ذات النفس حيث إنّ الله تعالى خلق النفس كذلك . وهذا بخلاف المعاليل الطبيعية ، فإنّها تحتاج في وجودها إلى علل طبيعية تعاصرها وتؤثّر فيها على ضوء مبدأ السنخيّة في إطار الحتم والوجوب ، ولا يعقل فيها الاختيار .

وإن شئت فقل : إنّ الفعل الاختياري حيث كان يخضع لاختيار الإنسان ومشيئته فلا يعقل وجود نظام له كامن في صميم ذاته ، ليكون سيره ووجوده تحت إطار هذا النظام الخاص من دون تخلّفه عنه ، والوجه في هذا واضح : وهو أنّ مشيئة الإنسان تختلف باختلاف افراده كما تختلف باختلاف حالاته النفسية ودواعيه الداخليّة والخارجيّة ، فلهذا السبب جعل لها نظم وقوانين خاصة ، ليكون سيرها الوجودي تحت إطار هذه النظم ، وهذا بخلاف سلسلة المعاليل الطبيعية ، فإنّها تخضع في سيرها الوجودي ]إلى نظام خاص وإطار معيّن[([4]) أودعه الله تعالى في كمون ذاتها ، ويستحيل أن تتخلّف عنه ، ولذا لايعقل جعل نظام لها من الخارج ; لعدم خضوعها له واستحالة تخلّفها عن نظمه الطبيعية . وهذا برهان قطعي على أنّ السلسلة الاُولى سلسلة اختياريّة ، فأمرها وجوداً وعدماً بيد فاعلها دون السلسلة الثانية ، فإنّها مقهورة ومجبورة في سيرها على طبق نظمها الطبيعية الموضوعة في صميم ذاتها وكمون واقعها .

لحدّ الآن قد تبيّن افتراق السلسلة الاُولى عن السلسلة الثانية بنقطة موضوعية ، فلو كانت السلسلة الاُولى كالسلسلة الثانية مقهورة ومجبورة في سيرها الوجودي لم يمكن الفرق بينهما .

وأمّا الأمر الثاني : فالقاعدة المذكورة وإن كانت تامّة في الجملة إلاّ أنّه لاصلة لها بالأفعال الاختياريّة ، والسبب في ذلك أنّ هذه القاعدة ترتكز على مسألة التناسب والسنخيّة التي هي النقطة الأساسية لمبدأ العلّيّة ، فإنّ وجود المعلول ـ كما تقدّم ـ مرتبة نازلة من وجود العلّة ، وليس شيئاً أجنبيّاً عنه ، وعلى هذا فبطبيعة الحال أنّ وجود المعلول قد أصبح ضروريّاً في مرتبة وجود العلّة ، لفرض أنّه متولّد منها ومستخرج من صميم ذاتها وواقع مغزاها ، وهذا معنى احتفاف وجوده بضرورة سابقة ، ومن الطبيعي أنّه لا  يمكن تفسير الضرورة في القاعدة المذكورة على ضوء مبدأ العلّية إلاّ في المعاليل الطبيعية ، ولا  يمكن تفسيرها في الأفعال الاختياريّة أصلاً ، وذلك لأنّ الأفعال الاختياريّة سواء أكانت معلولة للإرادة أم كانت معلولة لإعمال القدرة والسلطنة ، فلا يستند صدورها إلى مبدأ السنخية ، بداهة أنّها لا تتولّد من كمون ذات علتها وفاعلها ، ولا  تخرج من واقع وجوده وصميم ذاته لتكون من شؤونه ومراتبه ، بل هي مباينة له ذاتاً ووجوداً ، وعلى هذا فلا يمكن التفسير الصحيح لاحتفافها بالضرورة السابقة ، فإنّ معنى هذا ـ كما عرفت ـ وجود المعلول في مرتبة وجود علّته ، وهذا لايعقل إلاّ في المعاليل الطبيعية ، ومن هنا يظهر أنّنا لو قلنا بأنّ الإرادة علّة تامّة لها فمع ذلك لاصلة لها بالقاعدة المزبورة ، لوضوح أنّه لا معنى لوجوب وجودها في مرتبة وجود الإرادة ، ثمّ خروجها من تلك المرتبة إلى مرتبتها الخاصة .

وعلى الجملة ، فإذا كانت العلّة مباينة للمعلول وجوداً ولم تكن بينهما علاقة السنخية فبطبيعة الحال لا  يتصوّر هنا وجوب وجود المعلول من قبل وجود علّته ، فإذن ليس هنا إلاّ وجوده بعد وجودها من دون ضرورة سابقة ، ومردّ هذا بالتحليل العلمي إلى عدم قابلية الإرادة للعلّيّة ، وقد تحصّل من ذلك أنّ الفعل في وجوده يحتاج إلى فاعل ما ، ويصدر منه باختياره وإعمال قدرته ، ولا تأثير للإرادة فيه بنحو العلّة التامّة . نعم قد يكون لها تأثير فيه بنحو الاقتضاء .

فالنتيجة : أنّه لا مجال للقاعدة المتقدّمة في إطار سلسلة الأفعال الاختياريّة فتختص بسلسلة المعاليل الطبيعية([5]) .

 

]التقريب الثاني :[

إنّ القاعدة المذكورة ]كما تقدّم[ تتم في الممكنات التي هي خارجة عن إختيار الإنسان كإحراق النار ، فيحتاج وجودها إلى المؤثّر ، والشيء ما لم يجب لم يوجد ، أمّا بالنسبة إلى الأفعال الاختياريّة التي تقع تحت قدرة الإنسان فهي لاتحتاج في وجودها إلى أن تصل إلى حدّ الوجوب بل هي تتوقّف على فاعل ; لأنّ الفعل الاختياري بلا فاعل محال ، وقد اشار تعالى إلى ذلك بقوله : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)([6]) فأثبت سبحانه وتعالى احتياج العمل إلى فاعل وخالق .

أمّا الفاعل في المقام لهذه الأفعال فهي النفس فإنّها تعمل قدرتها وتسعى نحو الشيء فلها أن تشاء ولها أن لاتشاء فلا تعمل القدرة فيه ، وإعمال القدرة لا  يتوقّف على إرادة وشوق لتكون الإرادة علّة لذلك ، لأنّك عرفت أنّ النفس هي الفاعل بالإختيار ، فالشخص بنفسه فاعل للإختيار . نعم، إختيار النفس لهذا الفعل الخارجي يفتقر إلى مرجّحات غالباً تقتضي ذلك ، والغالب في مرجّح الفعل نفس الشوق وقد يكون غيره .

وإنّما قلنا باحتياجه إلى المرجّحات غالباً إخراجاً له عن اللّغوية لا  أخذاً بدعوى من يقول بقبح الترجيح بلا  مرجّح ; لما عرفت في مبحث الوضع من عدم قبح الترجيح بلا مرجّح بل قد يكون متعيّناً أحياناً ، كما لو تعلّق غرض شخص بإيجاد فرد من افراد الطبيعي وكانت الأفراد متساوية، كما إذا كان ظمآناً وكانت لديه كؤوس ماء متعدّدة متساوية من جميع الجهات ، أفتراه يترك الجميع ويموت ظمأً خوفاً من لزوم الترجيح بلا  مرجّح([7]) .

والخلاصة : إنّ الإنسان إذا حصل له شوق مؤكّد في نفسه نحو فعل من جهة ملاءمة الطبع لذلك يعمل قدرته في سبيل تحصيله فيوجد الفعل بلا قهر عليه ، وهذا أمر وجداني ، مثلاً لو تردّد الشخص بين طريقين ، أحدهما على يمينه وفيه ما تشهيه نفسه ، وثانيهما على يساره ، وفيه ما ينفر عنه طبعه لعدم ملائمته له ، فلا  ريب أنّنا نجده يتّخذ طريق اليمين مسلكاً له ، ولكن ليس قهراً عليه بحسب إختياره وإرادته .

ولو توسّعنا في الأمر لأمكننا أن ننكر وجود شوق للإنسان في بعض الأحيان عندما يعمل قدرته نحو شيء ، وذلك كما لو اُجبر على قتل أو ضرب أحد ولديه إمّا الأكبر الذي لا يرتضي سلوكه ، أو الأصغر الذي يرتضيه ، فلا محالة أنّه يختار الأول محافظة على الأصغر مع أنّه غير مشتاق إلى عمله بالاضافة إلى كلا الولدين حبّاً لهما وحنواً عليهما .

نعم ، الغالب في أفعال الإنسان أن تكون مع الشوق والإرادة كما عرفت ، وقد يكون المرجّح غيرها([8]) .

فتحصّل ]كما ذكرنا[ أنّ القول بأنّ الشوق المؤكّد علّة تامّة لصدور الفعل ـ بحيث يكون الشخص بعد تحقّقه مضطراً إلى الفعل ـ ممّا لا بأس به([9]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الطور : 35 .

[2] مصباح الاُصول ج 1 / القسم 1 : 262 ـ 263 .

[3] الطور : 35 .

[4] في الأصل : « تخضع نظاماً خاصاً وإطاراً معيّناً الذي أودعه » .

[5] المحاضرات 2 : 57 ـ 59 .

[6] الطور : 35 .

[7] «وبما ذكرناه يجاب عن شبهة الفخر الرازي ]الآتية[ بناءً على الهيئة القديمة من أنّ الأجرام السماويّة والكرة الأرضية لمّا كانت محاطة بأفلاك متعدّدة كالقمر وعطارد والزهرة ، وكان وراء الجميع فلك الأفلاك المسمّى بالفلك الأطلس الذي ليس وراءه خلاء ولا  ملاء ، كان الترجيح بلا  مرجّح محالاً ، فلنا أن نقول : لماذا كان الجدي في جهة الشمال دون الجنوب ، ولماذا كانت الشمس تطلع من المشرق وتغيب من المغرب ؟ فليكن الأمر بالعكس ، وما شاكل هذه من الإشكالات .

            والصحيح أن يقال] كما سيأتي بعد قليل[ : أنّ الترجيح بلا مرجّح غير قبيح ، فإنّ الاحتياج حيث تعلّق بخلق أصل الكرة الأرضية ، فخصوصياتها المعلومة لا  تحتاج إلى مرجّح بعد أن كان الاحتياج متمحّضاً في أصل الطبيعة ، فاختيار الفرد بهذه الكيفية وإن لم يشتمل على الخصوصية لا يلزم منه المحذور» . مصابيح الاُصول : 193 .

[8] مصابيح الاُصول : 191 ـ 193 .

[9] مصباح الاُصول ج 1 / القسم 1 : 263 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page