• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أقسام المشيئة الإلهيّة

أقسام المشيئة الإلهيّة

 

 

لشيخنا المحقّق الأصفهاني (قدس سره) في المقام كلام وحاصله : أنّ مشيئته تعالى على قسمين : مشيئة ذاتيّة ، وهي عين ذاته المقدّسة ، كبقيّة صفاته الذاتية ، فهو تعالى صرف المشيئة ، والقدرة ، وصرف العلم ، وصرف الوجود ، وهكذا ، فالمشيئة الواجبة عين الواجب تعالى .

ومشيئة فعليّة ، وهي عين الوجود الإطلاقي المنبسط على الماهيات ، والمراد من المشيئة الواردة في الروايات ـ من أنّه تعالى خلق الأشياء بالمشيئة ، والمشيئة بنفسها ـ هو المشيئة الفعليّة التي هي عين الوجود المنبسط والوجود الإطلاقي .

والمراد من الأشياء هو الموجودات المحدودة الخاصة ، فموجودية هذه الأشياء بالوجود المنبسط ، وموجودية الوجود المنبسط بنفسه ، لا  بوجود آخر ، وهذا معنى قوله(عليه السلام) : « خلق الله الأشياء بالمشيئة » أي بالوجود المنبسط الذي هو فعله الإطلاقي ، وخلق المشيئة بنفسها ; ضرورة أنّه ليس للوجود المنبسط ما به الوجود .

ولا  يخفى أنّه(قدس سره) قد تبع في ذلك نظرية الفلاسفة القائلة بتوحيد الفعل ، وبطبيعة الحال إنّ هذه النظرية ترتكز على ضوء علّية ذاته الأزلية للأشياء ، وعلى هذا الضوء فلا محالة يكون الصادر الأول منه تعالى واحداً ذاتاً ووجوداً ; لاقتضاء قانون السنخيّة والتناسب بين العلّة والمعلول ذلك ، وهذا الصادر الواحد هو الوجود الإطلاقي المعبَّر عنه بالوجود المنبسط تارة ، وبالمشيئة الفعليّة تارة اُخرى ، وهو الموجود بنفسه لا بوجود آخر ، يعني أنّه لا  واسطة بينه وبين وجوده الأزلي فهو معلوله الأول ، والأشياء معلولة بواسطته ، وهذا المعنى هو مدلول صحيحة عمر بن اُذينة المتقدّمة .

ولنأخذ بالنقد عليه من وجهين :

الأوّل : أنّ القول بالوجود المنبسط في إطاره الفلسفي يرتكز على نقطة واحدة ، وهي أنّ نسبة الأشياء بشتّى أنواعها وأشكالها إلى ذاته تعالى نسبة المعلول إلى العلّة التامّة ، ويترتّب على هذا أمران :

]ألف[ ـ التجانس والتسانخ بين ذاته تعالى وبين معلوله .

]ب[ ـ التعاصر بينهما ، وعليه حيث إنّه لا  تجانس بين موجودات عالم المادة بكافة أنواعها وبين ذاته تعالى فلابدّ من الإلتزام بالنظام الجملي السلسلي ، وهو عبارة عن ترتّب مسبّبات على أسباب متسلسلة ، فالأسباب والمسبّبات جميعاً منتهيتان في نظامهما الخاص وإطارهما المعيّن بحسب الطولية والعرضية معاً إلى مبدأ واحد وهو الحق سبحانه ، وهو مبدأ الكلّ ، فالكلّ ينال منه ، وهو مسبّب الأسباب على الإطلاق . ونتيجة هذا أنّ الصادر الأوّل من الله تعالى لابدّ أن يكون مسانخاً لذاته ومعاصراً معها ، وإلاّ استحال صدوره منه . ومن الطبيعي أنّ ذلك لا  يكون إلاّ الوجود المنبسط في إطاره الخاص .

وغير خفي أنّه لاشبهة في بطلان النقطة المذكورة ، وأنّه لا واقع موضوعي لها أصلاً . والسبب في ذلك واضح ، وهو أنّ سلطنته تعالى وإن كانت تامّة من كافة الجهات ولا  يتصوّر النقص فيها أبداً إلاّ أنّ مردّ هذا ليس إلى وجوب صدور الفعل منه واستحالة انفكاكه عنه ، كوجوب صدور المعلول عن العلّة التامّة ، بل مردّه إلى أنّ الأشياء بكافة أشكالها وأنواعها تحت قدرته وسلطنته التامّة ، وأنّه تعالى متى شاء إيجاد شيء أوجده بلا توقّف على أيّة مقدّمة خارجة عن ذاته وإعمال قدرته حتى يحتاج في إيجاده إلى تهيئة تلك المقدّمة ، وهذا معنى السلطنة المطلقة التي لا  يشذّ شيء عن اطارها .

ومن البديهي أنّ وجوب وجوده تعالى ، ووجوب قدرته ، وأنّه تعالى وجود كلّه ، ووجوب كلّه ، وقدرة كلّه لا  يستدعي ضرورة صدور الفعل منه في الخارج ، وذلك لأنّ الضرورة ترتكز على أن يكون إسناد الفعل إليه تعالى كإسناد المعلول إلى العلّة التامّة ، لا إسناد الفعل إلى الفاعل المختار ، فلنا دعويان :

الاُولى : أنّ إسناد الفعل إليه ليس كإسناد المعلول إلى العلّة التامّة . الثانية : أنّ إسناده إليه كإسناد الفعل إلى الفاعل المختار .

أمّا الدعوى الاُولى فهي خاطئة عقلاً ونقلاً .

أمّا الأوّل : ]أي البطلان عقلاً[ فلأنّ القول بذلك يستلزم في واقعه الموضوعي نفي القدرة والسلطنة عنه تعالى ، فإنّ مردّ هذا القول إلى أنّ الوجودات بكافة مراتبها الطولية والعرضية موجودة في وجوده تعالى بنحو أعلى وأتم ، وتتولد منه على سلسلتها الطوليّة تولّد المعلول عن علّته التامّة ، فإنّ المعلول من مراتب وجود العلّة النازلة وليس شيئاً أجنبياً عنه ، مثلاً الحرارة من مراتب وجود النار وتتولد منها وليست أجنبية عنها وهكذا ، وعلى هذا الضوء فمعنى علّية ذاته تعالى للأشياء ضرورة تولّدها منها وتعاصرها معها ، كضرورة تولّد الحرارة من النار وتعاصرها معها ، ويستحيل انفكاكها عنها ، غاية الأمر أنّ النار علّة طبيعية غير شاعرة ، ومن الواضح أنّ الشعور والالتفات لا  يوجبان تفاوتاً في واقع العلّية وحقيقتها الموضوعية ، فإذا كانت الأشياء متولّدة من وجوده تعالى بنحو الحتم والوجوب ، وتكون من مراتب وجوده تعالى النازلة بحيث يمتنع انفكاكها عنه ، فإذاً ما هو معنى قدرته تعالى وسلطنته التامّة ؟ على أنّ لازم هذا القول انتفاء وجوده تعالى بانتفاء شيء من هذه الأشياء في سلسلته الطوليّة ; لاستحالة انتفاء المعلول بدون انتفاء علّته .

وأمّا الثاني ]أي البطلان نقلاً[ فقد تقدّم ما يدلّ من الكتاب والسنة على أنّ صدور الفعل منه تعالى بإرادته ومشيئته .

ومن هنا يظهر أنّ ما ذكر من الضابط للفعل الاختياري وهو أن يكون صدوره من الفاعل عن علم وشعور ، وحيث إنّه تعالى عالم بالنظام الأصلح فالصادر منه فعل اختياري لا يرجع إلى معنى محصّل ، بداهة أنّ علم العلّة بالمعلول وشعورها به لا يوجب تفاوتاً في واقع العلّية وتأثيرها ، فإنّ العلّة سواء كانت شاعرة أم كانت غير شاعرة فتأثيرها في معلولها بنحو الحتم والوجوب ، ومجرّد الشعور والعلم بذلك لا يوجب التغيير في تأثيرها والأمر بيدها ، وإلاّ لزم الخلف .

فما قيل من أنّ الفرق بين الفاعل الموجب والفاعل المختار هو أنّ الأوّل غير شاعر وملتفت إلى فعله دون الثاني ، فلأجل ذلك قالوا: إنّ ما صدر من الأوّل غير اختياري ، وما صدر من الثاني اختياري ، لا  واقع موضوعي له أصلاً; لما عرفت من أنّ مجرّد العلم والالتفات لا يوجبان التغيير في واقع العلّية بعد فرض أنّ نسبة الفعل إلى كليهما على حد نسبة المعلول إلى العلّة التامّة .

وأمّا الدعوى الثانية فقد ظهر وجهها ممّا عرفت من أنّ إسناد الفعل إليه تعالى إسناد إلى الفاعل المختار ، وقد تقدّم أنّ صدوره بإعمال القدرة والسلطنة ، وبطبيعة الحال أنّ سلطنة الفاعل مهما تمّت وكملت زاد استقلاله واستغناؤه عن الغير ، وحيث إنّ سلطنة الباري عزّ وجلّ تامّة من كافة الجهات والحيثيّات ، ولا  يتصوّر فيها النقص أبداً ، فهو سلطان مطلق ، وفاعل ]لـ[ ما يشاء ، وهذا بخلاف سلطنة العبد ، حيث إنّها ناقصة بالذات فيستمدّها في كلّ آن من الغير ، فهو من هذه الناحية مضطر فلا اختيار ولا  سلطنة له ، وإن كان له اختيار وسلطنة من ناحية اُخرى ، وهي ناحية إعمال قدرته وسلطنته ، وأمّا سلطنته تعالى فهي تامّة وبالذات من كلتا الناحيتين .

لحدّ الآن قد تبيّن أنّ القول بالوجود المنبسط بإطاره الفلسفي الخاص وبواقعه الموضوعي يستلزم الجبر في فعله تعالى ، ونفي القدرة والسلطنة عنه أعاذنا الله من ذلك .

الثاني ]من وجوه النقد[ : أنّ ما أفاده(قدس سره) من المعنى للحديث المذكور خلاف الظاهر جداً ، فإنّ الظاهر منه بقرينة تعلّق الخلق بكلّ من المشيئة والأشياء تعدّد المخلوق ، غاية الأمر أنّ أحدهما مخلوق له تعالى بنفسه وهو المشيئة والآخر مخلوق له بواسطتها .

وإن شئت قلت : إنّ تعدّد الخلق بطبيعة الحال يستلزم تعدّد المخلوق ، والمفروض أنّه لا  تعدّد على المعنى الذي ذكره(قدس سره) تبعاً لبعض الفلاسفة ، فإنّ المخلوق على ضوء هذا المعنى هو الوجود المنبسط فحسب دون غيره من الأشياء ، لأنّ موجوديتها بنفس الوجود المنبسط لا  بإيجاد آخر ، مع أنّ ظاهر الرواية بقرينة تعدّد الخلق أنّ موجوديتها بإيجاد آخر .

وقد تحصّل من ذلك أنّ ما أفاده (قدس سره) لا  يمكن الالتزام به ثبوتاً ولا  إثباتاً([1]) .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] المحاضرات 2 : 39 ـ 43 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page