• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

صحّة إسناد الأفعال إلى الله سبحانه وإلى العبد

صحّة إسناد الأفعال إلى الله سبحانه وإلى العبد

 

 

قد ذكرنا أنّ الفعل الصادر من العبد يصحّ إسناده إلى الله سبحانه وتعالى من جهة ، وإلى العبد من جهة ، أمّا إسناده إلى العبد فلكونه صادراً منه بالإرادة والاختيار ، بلا جبر واضطرار ، وأمّا إسناده إلى الله تعالى فلكونه سبحانه هو الّذي أعطاه الوجود وأفاض عليه القدرة على العمل وسائر المقدّمات إلى اتمامه ـ على ما تقدّم بيانه ـ بلا فرق بين أن يكون الفعل طاعة أو معصية .

هذا بالنظر الدقيق العقلي ، وأمّا بالنظر العرفي فليس الأمر كذلك ، بل يكون إسناد الطاعة إليه أولى من إسنادها إلى العبد ، وإسناد المعصية إلى العبد أولى من إسنادها إليه تعالى ، والشاهد هو مراجعة العرف ، فإنّه من أعطى لأحد تمام مصارف السفر إلى مكّة المكرّمة وهيّأ له المقدّمات المتعارفة بأجمعها ، فسافر هذا الشخص إلى مكّة المكرّمة وأتمّ الحج ورجع ، يقال في العرف : إنّ هذا الحج قد صدر من هذا الّذي أعطاه المصارف وهيّأ له جميع المقدّمات ، بل يعترف بهذا نفس الحاج ، ويقول : إنّ هذا الحج إنّما صدر عن مساعيك الجميلة ، ولولاها لما تمكّنت منه ، فإذا كان الأمر كذلك في إعطاء المقدّمات المتعارفة فكيف لم يسند إلى الله الذي أعطى الوجود والقدرة والعقل له ولمن أعطاه المصارف وهيّأ له المقدّمات المتعارفة ، بل الإسناد إليه تعالى أولى من الإسناد إلى نفس الحاج ومن أعطى له المصارف .

هذا في الطاعة ، وأمّا العصيان فالأمر فيه على عكس الطاعة ]حيث يكون [إسناده إلى العبد أولى ، فإنّه من أعطى لأحد مصارف السفر إلى مكّة المكرّمة وهيّأ له جميع المقدّمات المتعارفة للحج ، فسافر هذا الشخص إلى لندن مثلاً وصرف مصارف الحج في الأمور القبيحة ـ نعوذ بالله تعالى ـ لا  يستند السفر إلى لندن وما فعله هناك من القبائح إلى الّذي أعطاه المصارف ، بل يستند إلى نفسه .

فكذا الحال في العصيان الصادر من العبد ، فإنّ الله سبحانه أعطاه الوجود والقدرة والعقل وسائر المقدّمات ليصرفها في الطاعة ، فلو صرفها العبد في المعصية كان إسنادها إليه لا إلى الله تعالى ، وهذا المعنى هو المراد في الحديث القدسي من قوله تعالى : «يا ابن آدم بمشيّتي كنت أنت الّذي تشاء ، فأنت أولى بسيّئاتك منّي وأنا أولى بحسناتك منك»([1])([2]) .

]وبذلك اتضح[ أنّ للفعل الصادر من العبد إسنادين حقيقيين : أحدهما : إلى فاعله مباشرة . وثانيهما : إلى معطي مقدّماته ومباديه التي يتوقّف الفعل عليها وهو الله سبحانه وتعالى . ولكن قد يكون إسناده إلى الله تعالى أولى في نظر العرف من إسناده إلى العبد ، وقد يكون بالعكس .

ولتوضيح ذلك نأخذ بمثال : وهو أنّ من هيّأ جميع مقدّمات سفر شخص إلى زيارة بيت الله الحرام مثلاً من الزاد والراحلة ونحوهما وسعى له في إنجاز تمام مهمّاته ،وقد أنجزها حتّى أحضر له سيارة خاصة أو طائرة فلم يبق إلاّ أن يركب فيها ويذهب بها إلى الحج ، فعندئذ إذا ركب فيها وذهب وأدّى تمام المناسك ، فالعرف يرى أولوية إسناد هذا العمل إلى من هيّأ له المقدّمات دون فاعله . وأمّا لو استقلّ هذا الشخص الطائرة وذهب بها إلى مكان لا يرضى الله ورسوله به وعمل ما عمل هناك ، فالفعل في نظر العرف مستند إلى فاعله مباشرة دون من هيّأ المقدّمات له .

وكذلك الحال في أفعال العباد ، فإنّ كافة مبادئها من الحياة والقدرة ونحوهما تحت مشيئته تعالى وإرادته كما عرفت سابقاً ، هذا من ناحية . ومن ناحية اُخرى : أنّ الله تعالى قد بيّن طريق الحق والباطل ، والهداية والضلال ، والسعادة والشقاوة ، وما يترتّب عليهما من دخول الجنة والنار بإرسال الرسل وإنزال الكتب .

فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين هي أنّ الله تعالى يعطي تلك المبادئ والمقدّمات لهم ليصرفوها في سبل الخير وطرق الهداية والسعادة ويرتكبوا بها الأفعال الحسنة ،لا في سبل الشر وطرق الضلالة والشقاوة ، وعندئذ بطبيعة الحال الأفعال الصادرة منهم إن كانت حسنة ومصداقاً لسبل الخير وطرق الهداية لكان إستنادها في نظر العرف إلى الله تعالى أولى من إستنادها إليهم ، وإن كانت قبيحة ومصداقاً لسبل الشر وطرق الضلالة لكان استنادها إليهم أولى من إستنادها إليه سبحانه وتعالى ـ وإن كان لا فرق بينهما في نظر العقل ـ وعلى هذا نحمل ما ورد في بعض الروايات بهذا المضمون «إنّي أولى بحسناتك من نفسك وأنت أولى بسيّئاتك منّي» فإنّ النظر فيه إلى ما ذكرناه من التفاوت في نظر العرف دون النظر الدقّي العقلي . وهذا لا ينافي ما حقّقناه من صحّة إستناد العمل إلى الله تعالى وإلى فاعله المباشر حقيقة([3]) .

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] هذا الكلام المنسوب إلى الله تعالى ملفّق من حديثين في الكافي 2 : 152 ، 157 ، أحدهما عن محمد بن أبي نصر والثاني عن الوشا ، فراجع .

[2] مصباح الاُصول ج1 / القسم 1 : 283 ـ 284 .

[3] المحاضرات 2 : 98 ـ 99 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page