• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

غدر المأمون بالرضا

غدر المأمون بالرضا

وبعدما استنفذت الأغراض السياسية للمأمون في بيعته للإمام الرضا (عليه السلام) رأى أن يغدر به، ويفتك بحياته، وعلينا أن نتحدّث - بإيجاز - عن الأسباب التي دعته إلى اقتراف هذه الجريمة وهي:

1 - الحسد:

وأترعت نفس المأمون بالحسد للإمام الرضا (عليه السلام) وكان سبب ذلك ما ظهر للناس من فضل الإمام وعلمه، وقد روى المؤرّخون أنّ المأمون أوعز إلى علماء الأقطار الإسلامية بالقدوم إلى خراسان لامتحان الإمام، وقد خاضوا معه مختلف المسائل الفلسفية والكلامية والبحوث الطبّية وغيرها، وقد خرجوا من عنده وهم يقولون بإمامته ويذيعون فضله وينشرون معارفه، ولما استبان للمأمون ذلك أوعز إلى محمد بن عمرو الطوسي بطرد الناس عن مجلس الإمام[1] وقد كشف النقاب عن هذه الجهة أبو الصلت الهروي عندما سأله أحمد بن عليّ الأنصاري فقال له: كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع إكرامه ومحبّته له وما جعل له من ولاية العهد؟ فأجابه أبو الصلت:

(إنّ المأمون إنّما كان يكرمه ويحبّه لمعرفته بفضله، وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنّه راغب في الدنيا، فيسقط محلّه من نفوسهم فلمّا لم يظهر منه ذلك للناس إلاّ ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاً في نفوسهم، جلب عليه المتكلّمين من البلدان طمعاً في أن يقطعه واحد فيسقط محلّه عند العلماء، ويشتهر نقصه عند العامّة، فكان لا يكلّمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فوق المسلمين المخالفين إلاّ قطعه وألزمه الحجّة، وكان الناس يقولون: والله أنّه أولى بالخلافة من المأمون، وكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه فيغتاظ من ذلك ويشتدّ حسده[2].

إنّ الحسد من أخبث الأمراض النفسية وهو يفرز جميع الرذائل فقد ألقى الناس في شرّ عظيم وهو - من دون شكّ - قد دفع المأمون إلى اغتيال الإمام والفتك به.

2 - إرضاء العبّاسيّين:

وذهب بعض المؤرّخين إلى أنّ المأمون إنما سمّ الإمام إرضاءً لعواطف بني العبّاس ومداراة لهم[3] فقد قامت قيامتهم حينما صار الإمام ولي عهد المأمون وخافوا على الخلافة أن تنتقل إلى آل عليّ (عليه السلام) وقد أراد المأمون أن يزيل ما في نفوسهم فاغتال الإمام (عليه السلام) بعد أن تّمت أهدافه السياسيّة.

3 - عدم محاباة الإمام للمأمون:

ولعلّ من أوثق الأسباب التي دفعت المأمون إلى اغتيال الإمام هو أنّ الإمام كان لا يُحابي المأمون، ولا يداريه، وكان دوماً يوصيه بتقوى الله وطاعته، ويحذّره العقاب في الدار الآخرة، وقد أدلى بهذه الجهة أبو الصلت الهروي، قال: كان الرضا لا يُحابي المأمون من حقّ، وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله، فيغيظه ذلك ويحقده عليه، ولا يظهره له فلما أعيته الحيلة في أمره اغتاله وقتله[4].

4 - صلاة العيد:

ومن الأسباب التي أدّت إلى حقد المأمون على الإمام حديث صلاة العيد فقد طلب من الإمام أن يصلي صلاة العيد فامتنع الإمام من إجابته وأصرّ عليه المأمون فأجابه الإمام إلى ذلك إلاّ أنّه شرط عليه أن يصلّي بالناس كما كان جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي بهم ووافق المأمون على ذلك وأمر القوّاد وسائر الناس أن يبكّروا إلى دار الإمام، وخرج الناس بجميع طبقاتهم في الصبح الباكر وجلسوا في الطرقات، وأشرفوا من السطوح وهم يتطلّعون إلى خروج الإمام، وقام الإمام في الصبح فاغتسل لصلاة العيد، وتعمّم بعمامة بيضاء ألقى طرفاً منها على صدره، وطرفاً منها بين كتفيه، وأمر مواليه أن يفعلوا مثل ذلك، وخرج (عليه السلام) حافياً وبيده عكّاز وكان لا يسير خطوة إلاّ رفع رأسه فكبّر، وقد تخيّل إلى الناس أنّ الهواء وحيطان البيوت تجاوبه.

وكان القوّاد وسائر الناس قد تزيّنوا ولبسوا السلاح وتهيّأوا بأحسن هيئة كما كانوا يفعلون مع ملوكهم، وواصل الإمام مسيرته بتلك الهيئة التي تعنو لها الجباة، وقد رفع صوته قائلاً:

(الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا..).

ورفع الناس أصواتهم يدعون بدعائه، وهم يبكون، وقد تذكّروا في الإمام ما كان يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبان لهم ضلال أولئك الحكّام وأنّهم على غير الحق، وصارت مرو ضجّة واحدة، وسقط القوّاد من دوابهم ويقول بعض المؤرخين أن السعيد منهم من كان يعرف أحداً فيعطيه دابته ليوصلها إلى أهله.

وكان الإمام إذا سار عشر خطوات وقف فكبّر الله أربعاً، وتابعه الناس في ذلك، وقد علا منهم البكاء فقد رأوا في الإمام امتداداً ذاتياً لشخصيّة جدّه الرسول (صلى الله عليه وآله) المحرّر الأكبر للإنسانية المعذّبة، وقد وصف البحري خروج الإمام إلى الصلاة بقوله:

ذكروا بطلعتك النبي فهلّلوا***لمّا طلعت من الصفوف وكبّروا

حتى انتهيت إلى المصلى لابساً***نور الهدى يبدو عليك فيظهر

ومشيت مشية خاشع متواضع***لله لا يزهو ولا يتكبّر

ولو أنّ مشتاقاً تكلّف غير ما***في وسعه لمشى إليك المنبر[5]

وبلغ المأمون ما عليه الناس من الإكبار والتعظيم للإمام، فقال له الفضل بن سهل: إن بلغ الرضا المصلّى على هذا الحال افتتن الناس به، فالرأي أن تسأله أن يرجع، فأرسل إليه المأمون أن يرجع فرجع الإمام[6].

هذه بعض البوادر التي ذكرها المؤرّخون لحقد المأمون على الإمام وقد خاف على ملكه وسلطانه فصمّم على اقتراف أخطر جريمة في الإسلام، وهي تصفية الإمام (عليه السلام) جسدياً.

 --------------------------------------------------------------------------------

[1]  عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 172.

[2]  عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 239.

[3]  عيون التواريخ: ج 3، ورقة 227.

[4]  عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 239.

[5]  مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 372.

[6]  عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 2 ص 150 - 151، نور الأبصار: ص 143.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page