تجهيز الجثمان العظيم
وقام المأمون بتجهيز جثمان الإمام فغسله، وأدرجه في أكفانه وكتب إلى جميع أنحاء خراسان للفوز بتشييعه.
وهرع الناس بجميع طبقاتهم إلى تشييع جثمان الإمام، فكان يوماً مشهوداً لم تشهد خراسان بمثله، وتقدّم المأمون أمام النعش وجعل يخاطب الجثمان ليسمعه الناس قائلاً:
(أي المصيبتين عليّ أعظم فقدي إيّاك أم اتّهام الناس لي..).
في مقرّه الأخير:
وجيء بالجثمان تحت هالة من التهليل والتكبير، فواراه المأمون في مقرّه الأخير بجوار هارون الرشيد، وقد وارى أنصع صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية التي أمدّت الناس بعناصر الوعي والفكر.. لقد دفن الإمام في تلك البقعة الطاهرة، وأصبح مرقده الشريف في خراسان مناراً للكرامة الإنسانية وهو أعزّ حرم وأمنعه في الإسلام، فما يعرف الناس ضريحاً لولي من أولياء الله له مثل تلك الحشمة والعزّة والكرامة، وقد استشفّ النبي (صلى الله عليه وآله) من وراء الغيب أنّ بعض أوصيائه سيدفن في خراسان فأعلن ذلك، وذكر ما يحظى به زائره من الكرامة والمثوبة عند الله، وقال (صلى الله عليه وآله): (ستدفن بضعة منّي بخراسان، ما زارها مكروب إلاّ نفّس الله كربته، ولا مذنب إلاّ غفر الله ذنبه..)[1]. وقد نظم بعض الشعراء هذا الحديث الشريف ببيتين من الشعر وقد رُسِما على جدران المشهد الشريف وهما:
من سرّه أن يرى قبراً برؤيته***يفرّج الله عمّن زاره كربه
فليأت ذا القبر إنّ الله أسكنه***سلالة من رسول الله منتجبه[2]
وأثرت عن الإمام الجواد زيارة خاصّة لأبيه هذا نصّها:
(السلام عليك من إمام عصيب، وإمام نجيب، وبعيد قريب، ومسموم غريب..)[3].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الحدائق الوردية: ج 2 ص 219.
[2] في أنوار اليقين من مخطوطات مكتبة كاشف الغطاء جاء هذا البيت:
فليأت طوساً فإنّ الله أسكنها***سلالة من رسول الله منتجبه
[3] حياة الإمام الرضا (عليه السلام): ص 432.