حقيقة التفكير
التفكير عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحِسّي مع الخبرة والذكاء لتحقيق غاية أو محصلة، ويحصل بدوافع وفي فقدان الموانع.
حيث يتكوّن الإدراك الحسي من الشعور والتفاعل بالواقع والإنتباه إليه، وفي الغالب يكون عن مسلك قنوات التلقّي المعلوماتي والإدراك العقلي والتفاعل المعنوي وهي الحواس الخمس.
أمّا الخبرة، فهي ما يكتسبه الإنسان من معلومات عن الواقع ومعايشته له، وما يكتسبه من أدوات التفكير وأساليبه.
وأمّا الذكاء فهو، عبارة عن القدرات الذهنية الأساسية التي يتمتع بها العباد بدرجات متفاوتة.
ويحتاج التفكير إلى دافع يدفعه، ولا بدّ من إزالة العقبات التي تصدّه وتجنّب الوقوع في أخطائه بنفسية مؤهلة ومهيأة للقيام به.
وبيّن واضح أنّ المجهولات تفوق حجم المعلومات، وهذا مؤجج للكثيرين للإستزادة من العلم والمعرفة، نظراً لكون الإنسان ينشد فطرياً إلى الكمال العلمي والمعرفي، إلا أنـّه لابدّ للإنسان أن يعرف وجود حدود طبيعية لا يستطيع الإنسان تجاوزها كعلم الغيب، وهناك حدود يضعها الإنسان بقصد أو من دون قصد لتصده عن التفكير الصحيح والإبداع والابتكار.
جعل الله قدرة الإنسان لإدراك الواقع محدودة بمحدوديّة الحواس.
ولعل الحكمة من ذلك تكمن في عدم أهلية الإنسان للدخول في تفاعل تام مع ما حوله من أحداث ومجريات كونيّة.
ولكن يتحتّم علينا بيان حدود إدراك الإنسان للحقيقة وهي ثلاث:
- الحواس
- اللغة
- الإعتقادات السلبية التي تحد من قدرة الإنسان على بلوغ المعرفة وكشف الحقيقة.
ولكن، لا يستطيع الإنسان أن يدرك الاُمور على حقيقتها المطلقة، يعني تحقيق المعرفة الكلية التامّة لشي، فهو وإن كان يملك أذناً يسمع بها وعيناً يرى بها ولساناً يتذوّق به ويداً يلمس بها، إلا أنّ المعلومات المنقولة بآليات الإتصال المرتبطة بحواسه لا تنقل الصورة الحقيقيّة؛ إذ تمر بحذف وتشويه وإلغاء وغيرها من اُمور تعرقل وصول الصورة الكاملة؛ لذا في الغالب لا تصل الصورة إلا مجزّأة أو مشوهة أو مغلوطة، وتحدُّ بالتالي من إدراك الإنسان للعالم الخارجي الذي يحيط به.
وقد تأجّجت دوافع الإنسان وحركته لتوسيع مدى إدراكه وحجم صورة العالم الخارجي فانطلق الإنسان مستثمراً التقدم العلمي والتقني، فاستطاع الإنسان أن يرى أبعد بواسطة المنظار، ويسمع بوضوح بفضل المكبرات الصوتية، وغير ذلك. لكنّه كان دائمًا يصطدم بحدود اليقين الذي لا تستطيع معرفتُه الواعية تجاوزَه.
إضافة لذلك، يتضمّن إدراكُنا للحقيقة مظاهر لاواعية؛ إذ ينتقل الإدراك الذي تزوِّدنا به حواسُنا إلى ميدان العقل، حيث يتحوّل إلى حقائق نفسانيّة لا يمكننا إدراك طبيعتها النهائية؛ لأنّ النفس لا تستطيع إدراك كنهها الطبيعي، وكما أنّ الحقائق الملموسة مازالت مجهولة بالنسبة إلينا من بعض النواحي، ومثلما نحن عاجزون عن إدراك الطبيعة النهائية للمادة، كذلك تتضمّن كلُّ تجربة عددًا من العوامل الباطنية المجهولة.