التفكر الممنوع والمرغوب
لابُدَّ أن نعرف أنّ قولنا: «التفكّر في الذات والأسماء والصفات» قد يحمل الجاهل على أن التفكّر في ذات الله ممنوع بحسب الروايات، دون أنّ يعلم أن التفكّر الممنوع هو التفكّر في اكتناه الذّات وكيفيّتها، حسب ما يستفاد من الأحاديث الشريفة، فقد ورد عن النبي(ص):«تفكّروا في خلق الله، ولا تفكّروا في الله فتهلكوا»([1]). وقد يُمنع غير المؤهّل، من النظر في بعض المعارف ذات المقدّمات الدقيقة.
وهذان المقامان يتفق بشأنّهما الحكماء أيضاً. إذْ استحالة اكتناه الذّات الإلهيّة مبرهن عليها في كتبهم، ومنع التفكّر فيها مسلّم به عند الجميع.
والأحاديث التي تنهى عن التكلّم في ذات الله والتأمّل فيها، هي نفسها دليل على ما نقصده.
عن أبي عبد الله جعفر الصادق (ع) قال: «أَفْضَلُ العِبَادَةِ إدْمَانُ التفكّر فِي اللهِ وَفِي قدرَتِه»([2]).
والإدمان هو الإدامة، والمراد بالتفكّر في الله النظر إلى افعاله وعجائب صنعه وبدائع أمره في خلقه، فكلّ ذلك يدلّ على جلاله وكبريائه وتقدّسه وتعاليه، ويدلّ على علمه اللامتناهي وحكمته ونفاذ مشيته وقدرته وإحاطته بالأشياء.
سئل علي بن الحسين (ع) عن التوحيد، فقال: «إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخرِ الزَّمَانِ أقْوامٌ متعمّقون فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى [قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ] ([3])، والآياتِ مِنْ سُورةَ الحَديدِ إِلى قَوْلِهِ: [وَهُو عَليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ]([4]) «فَمَنْ رامَ وَراءَ ذلك فَقَدْ هَلَكَ» ([5])
إذاً، يتّضح أنّ هذه الآيات التي تشير إلى التوحيد وتنزيه الله عزّوجلّ، والبعث ورجوع الكائنات إلى الله نزلت للمتعمّقين وأهل التفكير العميق.
أمّا الذين لهم الاستعداد والأهليّة، فيكون من الراجح لهم التأمّل، بل هو أفضل من جميع العبادات.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ ميزان الحكمة: 3/1892، الجامع الصغير: 1/514/3347، كنز العمال: 3/106/5705.
[2] ـ الكافي: 2/55/3.
[3] ـ التوحيد: 2.
[4] ـ الحديد: 6.
[5] ـ الكافي: 1/91/ 3.