• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التأمّل في مصنوعات الله تعالى

التأمّل في مصنوعات الله تعالى

 


يقول الإمام الخميني المقدّس (ره): (من مراتب التفكّر، التفكّر في روائع الصنع وإتقانه ودقائق الخلق، بما يتناسب وقدرة الإنسان من طاقة للتفكّر. ونتيجة هذا التأمّل هي معرفة المبدأ الكامل والصانع الحكيم، وهذا على العكس من «برهان الصدّيقين». إذ أنّ مبدأ البرهان في ذاك المقام هو الحق تعالى عزَّ إسمه، ومنه يحصل العلم بالتجلّيات والمظاهر والآيات. وأمّا في هذا المقام فمبدأ البرهان هو «المخلوقات التي عن مسلكها يتم العلم بالمبدأ والصانع». وهذا البرهان يكون للعامة من الناس الذين لاحظّ لهم من برهان الصدّيقين؛ ولهذا قد ينكر الكثيرون أن يصبح التأمّل في الحق مبدأ العلم به، وأن يؤدي العلم بالمبدأ إلى العلم بالمخلوق.

إنّ التأمّل في لطائف الصنعة ودقائقها وفي إتقان نظام الخليقة، من العلوم النافعة، ومن أفضل الأعمال القلبية، وخير من جميع العبادات؛لأنّ نتيجته أشرف نتيجة. وعلى الرغم من أنّ النتيجة الأصلية لجميع العبادات والسرّ الحقيقي لها هو الحصول على المعرفة، فإنّ كشف هذا السر والحصول على تلك النتيجة ليسا متيسرَين للجميع، بل إنّ لذلك أهلاً تكون لهم في كل عبادة بذرة لمشاهدة أو لمشاهدات.

وعلى أيّ حال إنّ الإطلاع على لطائف الصنعة وأسرار الخليقة بحسب الحقيقة والواقع لم يتيسّر للبشر، حتى الآن. إنّ أساس الخليقة ونظامها يكون من الدّقة والاستحكام ومن الجمال والكمال في مستوى لو أنّ الإنسان أمعن النظر في أي كائن مهما كان حقيراً، مستخدماً كلّ علومه التي اكتسبها خلال قرون لما استطاع أن يطّلع على نسبة واحد بالألف من ذلك، فكيف له أن يتمكن من إدراك النظام الكلي الجميل، عن طريق الصور الذهنية العبادية الجزئية الناقصة لفهم بدائعه ودقائقه.

إنّنا سنلفت انتباهك إلى إحدى دقائق الخلق ممّا هو قريب بعض الشيء من الإِفهام ويُعدّ من المحسوسات.

أنظر وتأمّل في الارتباطات الملحوظة بين الشمس من جانب وبين  الشمس والأرض من جانب آخر، وفي المسافة المعيّنة بين الأرض والشمس، وحركة الأرض حول نفسها وحول الشمس. تلك الحركة التي تكون على مدار محدّد فيحصل منها الليل والنهار والفصول. فما أتقنه من صنع‍‍‍‍‍‍‌‍! ‍وما أكملها من حكمة! ولولا هذا التنظيم، أي لو كانت الشمس أقرب أو أبعد، لما تكوّن في الأرض ـ في الحالة الاُولى من الحر، وفي الحالة الثانية من البرد ـ معدن، ونبات، وحيوان. وكذلك لو توقّفت الأرض عن الحركة، على ما هي عليه من البُعد عن الشمس لما كان الليل أو النهار، ولا كانت الفصول، ولما تكونت الأرض نهائياً أو القسم الأكبر منها.

ولا يُقتصر على هذا أيضاً، فإنّ الأوج، أو أقصى نقطة للأرض عن الشمس، تقع في جهة الشمال؛ لكيلا تزداد الحرارة فتُصاب الكائنات بالضرر. وكذلك الحضيض، أو أقرب نقطة بين الشمس والأرض، تقع في جهة الجنوب؛ لكيلا يصاب أهل الأرض بضرر. ولا يُقتصر على بهذا أيضاً، فالقمر المؤثّر في تربية موجودات الأرض يعاكس الأرض في سيرها، بحيث عندما تكون الشمس في شمال الأرض، يكون القمر في جنوبها، والعكس بالعكس، إذا كان هذا في الشمال كانت تلك في الجنوب وذلك لانتفاع سكان الأرض منهما.

هذه كلّها من الاُمور الضرورية المحسوسة، غير أنّ الإحاطة ببدائع النظام ودقائقه لا تكون إلا للخالق الذي يحيط علمه بكل شيء.

ولكن لِمَ ابتعدنا كل هذا البعد؟ فليفكّر المرء في خلقه، على قدر طاقته وسعة علمه:

أولاً: في الحواس الظاهرة التي صنعت وفق المدركات والمحسوسات؛ إذ أنّ لكل مجموعة من المدركات التي توجد في هذا العالم قوّة مدركة بأدق ما تكون من الدّقة والترتيب المحيّرين للعقول.

ثانياً: في الاُمور المعنوية التي لا تدرك بالحواس الظاهرة، بل بالحواس الباطنية. دع عنك علم الروح والقوى الروحية للنفس، ممّا تقصر مدارك الإنسان عن فهمها، واتجه بنظرك إلى علم الأبدان وتشريحها وبنائها الطبيعي، وخصائص كل عضو من الأعضاء الظاهرية والباطنية، اُنظر ما أغرب هذا النظام وما أعجب هذا الترتيب؟! على الرغم من أنّ علم العباد لم يبلغ حتى الآن، ولن يبلغ حتى بعد مائة قرن إلى معرفة واحد بالألف منه، حسب الإعتراف الصريح بأفصح لسان من جميع العلماء، مع أن جسم الإنسان بالنسبة إلى كائنات الأرض الاُخرى، لا يزيد على مجرّد ذرّة تافهة، وأن الأرض وجميع كائناتها، لا تعدل شيئاً إزاء المنظومة الشمسية، وأنّ كل منظومتنا الشمسيّة لا وزن لها إزاء المنظومات الشمسيّة الاُخرى، وأنّ كل هذه المنظومات- الكبيرة منها والصغيرة -  مبنية وفق ترتيب منظّم، ونظام مرتّب، بحيث أنّ أيّ نقد لا يمكن أن يوجّه إلى أتفه ذرّة فيها، وأنّ عقول العباد كافة عاجزة عن فهم دقائقها. فهل بعد هذا التأمّل يحتاج عقلك إلى دليل آخر ليذعن بأنّ كائناً عالماً حكيماً لا يشبه الكائنات الاُخرى هو الذي أوجد هذه الكائنات بكل حكمة ونظام وترتيب وإتقان [أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ]( [1]).

إنّ كل هذا الخلق المتقن الذي يعجز عقل الإنسان عن فهمه، لم يظهر عبثاً وتلقائياً! فلتعمَ عين القلب التي لا ترى الله عزّوجلّ، ولا تشاهد جمال جميله في هذه المخلوقات! وليمحق الذي يبقى في الشك والتردد بعد كل هذه الآيات والآثار!

ولكن ما الذي يستطيع هذا الإنسان المسكين عمله بالأوهام‍!. لو أنّك عرضت مسبحتك وزعمت أنّ حبّاتها قد انتظمت تلقائياً من دون أن ينظّمها منظّم، لاستهزأت بك البشرية! والأدهى من ذلك أنّك لو أخرجت ساعتك من جيبك وزعمت نفس الزعم أيضاً بالنسبة إليها،  ألا يخرجونك من العقلاء؟ وألا يرميك كل عقلاء العالم بالجنون؟ فإذا وُصِفَ الذي يُخْرِجُ نظام هذه الساعة من قاعدة العلة والمعلول بأنّه مجنون، ويجب أن يحرم من حقوق العقلاء، فما الوصف المناسب الذي يجب أن يوصف به من يزعم أنّ نظام هذا العالم، لا بل هذا الإنسان ونظام روحه وجسمه قد ظهر تلقائياً؟ هل يجب إبقاؤه في العقلاء؟ ترى أي بَله أشد من هذا؟.[قُتِلَ الإنسان مَا أَكْفَرَهُ]( [2]). الأربعون حديثاً. 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1]  ـ  سورة إبراهيم:10.

[2]  ـ  سورة عبس: 17.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page