• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام الحسن

  • 1

    الكاتب: الدكتور علي رمضان الأوسيالإمام الحسن المجتبى عليه السلام.. الكلمة الطيبة
    أستاذ الدراسات العليا في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية/ لندن
    قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(١).
    المقدمة:
    الامام الحسن المجتبى بن امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهم السلام) هو الإمام الثاني من أئمة العترة المطهرة، وقد ترك خطباً عدة في ظروف متباينة ومع ذلك فهي بليغة رائعة حوت مثلاً علياً وقيماً نحتاجها اليوم في التخاطب، وهذا ما كان يميز خطاب الامام المجتبى (عليه السلام) مع الناس ومع الخصوم والمخالفين والاعداء كذلك. ومن هنا يمكننا ان نبرّز الجانب القيمي في لغة التخاطب، وقبل ان نتناول تلك المفردات في خطبه الشريفة في المبحث الرابع من هذا البحث نقدّم ثلاثة مباحث نعرض فيها:
    ١ - من هو الامام الحسن (عليه السلام)
    ٢ - الظروف التي أحاطت به (عليه السلام)
    ٣ - منهجه واسلوب المواجهة لديه
    ومن ثم التأشير على مفردات خطبه البليغة محاولين إدراجها تحت عناوين ومطالب.
    المبحث الأول: من هو الإمام الحسن (عليه السلام)
    أقدم في هذا البحث جوانب من نشأة الامام الحسن (عليه السلام) وسيرته الشريفة ومكانته عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال ما قام بتأليفه ابن عساكر (ت ٥٧١) ابو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي الدمشقي وهو أكبر الحفاظ في القرن الخامس الهجري.
    الامام الحسن (عليه السلام) هو سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) وريحانته وأحد سيدي شباب أهل الجنة، ولد في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة وقد سمّاه جدّه (صلى الله عليه وآله) (حسناً) (عليه السلام) وأنه شقّ اسم الحسين (عليه السلام) من اسم الحسن (عليه السلام). وكانت أمه فاطمة الزهراء (عليها السلام) تلاعبه وتقول له:

    بأبي شبه النبي      ليس شبيهاً بعلي

    وقال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): (انه ريحانتي من الدنيا، اللهم اني أحبُه وأحبَّ من يحبه).
    وعن أبي سعيد الخدري ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: آية التطهير (انّما يريدُ الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) نزلتْ فيَّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة)(٢).
    وعن ابن بريده الأسلمي عن أبيه (الصحابي الكبير) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)(٣).
    ومرة أطال النبي (صلى الله عليه وآله) السجود لما وثب ابنه الحسن (عليه السلام) على ظهره فقال (صلى الله عليه وآله) للمسلمين بعد الصلاة حين سألوه عن سبب إطالته السجود: (أن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجّله حتى يقضي حاجته).
    فالرسول (صلى الله عليه وآله) لم ينطلق في هذا الموضوع عاطفياً وانما ركّز على انّه ولده وانّه يحبّه الى هذه الدرجة، فهل فقه الناس سرّ ذلك لا سيما بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
    ومرة حمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبطيه على ظهره ويقول لهما: (نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما)(٤).
    وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُقعد الحسن والحسين (عليهما السلام) على فخذه ويقول: (اللهم ارحمهما) ويخاطب أهل بيته ويقول (صلى الله عليه وآله): (أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم)(٥).
    وروى المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (الحسن مني والحسين من علي)(٦).
    وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (انا وعلي وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في مكان واحد)(٧).
    وفي فضل الحسن (عليه السلام) قال (صلى الله عليه وآله): (ألا انّ الحسن بن علي قد أعطي من الفضل ما لم يُعطَ أحد من ولد آدم).
    وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أما حسن فله هيبتي وسؤددي وأما حسين فله جرأتي وجودي).
    وقال (صلى الله عليه وآله) للحسن (عليه السلام): (ان ابني هذا سيد وإن الله تعالى سيصلح على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين).
    شهادات بحقه (عليه السلام):
    هي شهادات كثيرة وذات أثر كبير حين تصدر من مخالفيه وقد عرضنا لما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مكانة ولده الامام الحسن (عليه السلام) والبحث العلمي يقتضي أحياناً ذكر ذلك لإبراز هذه المكانة على لسان آخرين.
    فقد قال ابو الحسن المدائني قال: قال معاوية - وعنده عمرو بن العاص وجماعة -: من أكرم الناس أباً وأمّاً وجداً وجدّةً وخالاً وخالةً وعمّاً وعمّةً؟
    فقام النعمان بن العجلان الزرقي فأخذ بيد الحسن فقال: هذا أبوه عليّ وأمّه فاطمة وجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجدّته خديجة وعمّه جعفر وعمّته أمّ هانئ بنت أبي طالب وخاله القاسم وخالته زينب.
    فقال عمرو بن العاص: أحبُّ بني هاشم دعاك إلى ما عملت؟ قال ابن العجلان: يا ابن العاص ما علمت أنّه من التمس رضى مخلوق بسخط الخالق حرّمه الله أمنيته وختم له بالشقاء في آخر عمره؟ بنو هاشم أنضر قريش عوداً وأقعدها سلماً وأفضلها أحلاماً.
    وفاخر يزيد بن معاوية الحسن بن علي فقال معاوية: ليزيد: فاخرت الحسن؟ قال: نعم. قال لعلّك تقول: إنّ أمّك مثل أمّه وأمّه فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولعلك تقول: إنّ جدك مثل جدّه؟ وكان جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمّا أبوك وأبوه فقد تحاكما إلى الله جل وعزّ فحكم أبيك على أبيه.
    وعن محمد بن عمر العبدي عن أبي سعيد: ان معاوية قال لرجل من أهل المدينة من قريش: أخبرني عن الحسن بن علي، قال: يا أمير المؤمنين إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم يساند ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل له شرف إلا أتاه فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين ثم نهض فيأتي أمّهات المؤمنين فيسلّم عليهنّ فربّما أتحفنه ثم ينصرف الى منزله، ثم يروح فيصنع مثل ذلك، فقال: معاوية ما نحن معه في شيء(٨).
    كرم أخلاقه وفضله (عليه السلام):
    قال الامام الحسن (عليه السلام): (اني استحيي من ربي أن ألقاه ولم أمشِ إلى بيته)، وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: (لقد حجّ الحسن بن علي خمساً وعشرين حجة ماشياً وإن النجائب لتقاد معه)(٩).
    وقد قَاسمَ الامام الحسن (عليه السلام) الله تعالى ماله ثلاث مرات(١٠).
    وقدم رجل المدينة وكان يبغض علياً فقطع به فلم يكن له زاد ولا راحلة، فشكى ذلك الى بعض أهل المدينة فقال له: عليك بحسن بن علي، فقال له الرجل: ما لقيت هذا إلا في حسن وأبي حسن، فقيل له: فأنّك لا تجد خيراً إلا منه فأتاه فشكى اليه فأمر له بزادٍ وراحلة، فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالاته)(١١).
    فهذا هو ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستحيي من ربّه ان لم يمشِ حافياً إلى بيته الحرام، ولا يضمر في قلبه غلاً حتى لخصومه وخصوم أبيه علي (عليه السلام) بل يفضل عليهم ويجود.
    وما أوردناه جزء يسير جداً من سيرته الفاضلة وكرم اخلاقه وفضله (سلام الله عليه).
    المبحث الثاني: البيئة والظرف السياسي حول الإمام الحسن (عليه السلام)
    بويع الامام الحسن (عليه السلام) في ٢١ رمضان سنة ٤٠ للهجرة كما بايعه أهل البصرة والمدائن وأهل العراق والحجاز واليمن وفارس، ورفض البيعة معاوية بن أبي سفيان الذي ولاه على الشام الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وبقيت الشام خارج اطار البيعة الشرعية للخليفة الجديد الامام الحسن بن علي (عليه السلام).
    ولم يتردد معاوية عن بث جواسيسه في أمصار البيعة الشرعية للإمام الحسن (عليه السلام) كما أخذ بتصعيد وتائر الحرب وتهديد الخلافة الاسلامية الجديدة والفتية.
    أبرز قضيتين واجهها الامام الحسن (عليه السلام):
    ١ - طبيعة المجتمع وما آل إليه الناس بعد الحروب الثلاثة المفروضة على الامام علي (عليه السلام).
    ٢ - حرب الشائعات وأساليب معاوية في الاغراء والتهديد.
    القضية الأولى:
    الكوفة كانت من أكثر الامصار الاسلامية ولاءً لأهل البيت (عليهم السلام) ولكن تداعيات الحروب الثلاثة وآثارها المدمرة (صفين، والجمل، والنهروان) التي فرضت على الامام علي (عليه السلام) جعلت هذا المجتمع طعمة للانقسامات التي أورثت الكثير من المشاكل للخلافة الشرعية، ومنها:
    ١ - الخوارج الذين استقروا في الكوفة بعد معركة النهروان ومن رموزهم: (شبث بن ربعي، وعبد الله بن وهب الراسي، وعبد الله بن الكوّاء، والأشعث بن قيس)، وكانوا يطالبون بقتال معاوية وكانوا يرون الامام الحسن (عليه السلام) ومعاوية غير مقبولين لديهم لكن القضاء على الأخير يسهل عليهم القضاء على الحسن (عليه السلام).
    ٢ - الرعاع أصحاب المصالح الضيقة: وهؤلاء لم تحكمهم قيم ولا ضوابط ولا يفقهون من الحق شيئاً وكانوا ينظرون إلى الجهة التي تتغلب على الأخرى فينضمون اليها.
    ٣ - الشكاكون: وهم الذين تأثروا بدعوة الخوارج ودعايات الامويين حتى بلغ بهم الشك في مبدئية أهل البيت (عليهم السلام).
    ٤ - القبليون واتباع الرؤساء: وهم أعظم خطراً اذ يتبعون رؤساءهم من غير إرادة ولا تدبّر وقد اتبعوا قياداتهم الضالة التي كاتبت معاوية ضد الامام الحسن (عليه السلام) ومنهم: (قيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجاج، وحجار بن أبجر وغيرهم).
    ٥ - المهجّنون الطامعون: وهم من المسلحين وقد بلغ تعدادهم أكثر من عشرين الفاً من (الموالي والعبيد) وقد وضعوا أنفسهم في خدمة من يدفع اليهم من الطغاة وقد فعلوا الأفاعيل الشريرة بالشيعة فيما بعد وصاروا فيما بعد مرتزقة الوالي الأموي على الكوفة وكان لهم دور شرير بعد ان قويت شوكتهم حتى سميت الكوفة باسمهم فقالوا: (الكوفة الحمراء).
    ٦ - شيعة أهل البيت: وهم من يؤمن بأحقية أهل البيت في الخلافة وان طاعتهم مفروضة على جميع المسلمين، ولم يكن لهم دور مؤثر في ظل هذا التمزق المجتمعي او ربما كانوا عدداً قليلاً غير مؤثر وغلا لما أجبر الامام علي (عليه السلام) على التحكيم في صفين ولما صالح الامام الحسن (عليه السلام) معاوية(١٢).
    ولقد ساهمت الظروف الاقتصادية وتداعيات الحروب الثلاثة في صنع هذه التوجهات وبات المناخ خصباً لترويج الشائعات وصناعة الافتراءات بسهولة مما جعل التشكل خلف هذه التوهمات أمراً عادياً لديهم.
    القضية الثانية: (حرب الشائعات وأساليب معاوية في الترغيب والتهديد)
    ما هي الإشاعة؟
    هي خبر او مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها ودائماً ما تكون أخباراً شيقة أو مثيرة وتفتقر عادة الى المصدر الموثوق(١٣).
    وقد ردّ القرآن الكريم على هذا اللون من الإشاعة بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١٤).
    وللشائعات آثار مدمّرة فقد تقضي على مجتمعات كاملة لاسيما إذا ما دعمتها أطراف وتوجهات تدخل في حساب مصالحها فهي تجعل من الصواب خطأ ومن الخطأ صواباً وعادة ما تسيطر على عقول المجتمع وقد يصعب إبطالها احياناً بعد ان تستشري في المجتمع وتتمكن من قناعاتهم(١٥).
    ولفداحة هذا السلاح المدمر عرّفنا به قليلاً فالشائعات كانت أحد الأسباب الخطيرة التي أدّت الى تفكك المجتمع الكوفي وجيش الامام الحسن (عليه السلام) الذي عسكر في (النخيلة) لمواجهة جيش معاوية.
    ما هي أبرز الأساليب الماكرة التي استخدمها معاوية؟
    ١ - بث الاشاعة في جيش الامام الحسن (عليه السلام) المتمركز في النخيلة، فكان معاوية يشيع بأن الحسن (عليه السلام) يكاتب معاوية على الصلح فلم تقتلون أنفسكم؟ وقد أحدث ذلك تمرداً كبيراً وقد أوصل رسالة ماكرة أخرى الى قائد الجيش الحسني وهو عبيد الله بن العباس بأن الحسن (عليه السلام) راسلني في الصلح وهو مسلّم الأمر إليّ فأن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً وإلا دخلت وأنت تابع، كما أغراه بالمال فاستجاب لمعاوية وفرّ من الجيش الحسني ومعه ثمانية آلاف من ذوي الاطماع والاهواء.
    وقام قيس بن سعد بن عبادة بقيادة الجيش بوصية من الامام الحسن (عليه السلام) وهدّأ الأوضاع في المعسكر، كما أشاع معاوية في المدائن ان القائد الجديد قيس بن سعد قد صالح هو الآخر معاوية، وألحقها باشاعة ثانية ان قيساً قتل، فأثّر ذلك أثراً عظيماً بأصحاب النفوس الضعيفة(١٦).
    ٢ - والى جانب الشائعات عمد معاوية الى اسلوب الرشوة باعطاء الاموال الكبيرة والوعود بالولاية على مصر من الأمصار أو القيادة على جيش، وحتى وصل الأمر الى الوعد بتزويج أحدى بنات معاوية لمن يقتل الحسن (عليه السلام)(١٧). وهذا غاية في التدني الاخلاقي وخساسة في النفس لتضلّ عن الحقّ.
    المبحث الثالث: كيف عالج الإمام الحسن (عليه السلام) هذه المواقف
    من الصعب مواجهة مثل هذه الاساليب الماكرة التي تستهدف الانسان وتفرغه من محتواه العقلي والروحي والاخلاقي، وتتعقّد أكثر فأكثر حين يبلغ الانحراف مستوى مؤثراً في قناعة المخدوعين وضعفاء النفوس، وقد اتخذت السياسة الأموية أساليب عدة لرسم منهج بديل عما أوصى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذريته من وجوب المودة اليهم واطاعتهم باعتبارهم عدل القرآن والثقل الثاني كما ورد ذلك في حديث الثقلين.
    ومنذ ان صدع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعوة الى الله سبحانه واجه أبا جهل وابا لهب وأبا سفيان وكانوا حرباً على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودعوته الجديدة فنزل قرآن بأبي لهب (تبت يدا أبي لهب وتب)(١٨)، ولم يرتدع، وكان أبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة ألدّ أعداء النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، وهو الذي جيّش المشركين في معركة بدر حيث قُتل فيها وحمد النبي (صلى الله عليه وآله) ربه على ذلك وردّد ثلاثاً: الله الذي لا إله إلا هو، ثم قال: هذا فرعون هذه الأمة.
    ولم يُسلم أبو سفيان يقيناً فما أسلموا بل استسلموا ولما وجدوا أعواناً على الاسلام وثبوا وكان من الطلقاء يوم الفتح حتى كبر وهرم على ذلك فخلفه معاوية وكان أكثر مكراً من أبيه، ومعاوية وهو في الشام حيث ولّاه الخلفية الثاني اتفق مع مروان بن الحكم في المدنية على ان يمنعا عثمان من ان يخلع نفسه حين حاصره الثوار في بيته واتفقا على قتله حتى لا تفلت الامور نهائياً من البيت الاموي، ولولا قميص عثمان لما آلت الخلافة الى الأمويين من خلال التحريض والافتراءات وسياسة المكر والخديعة. وما رفعت راية حرب على الاسلام إلا بنو أمية وزعيمهم ابو سفيان قائدها ورافعها وهذه العداوة هي عداوة الظلام للنور وليست تنافساً على مال أو جاه بل هي عداوة التضاد الطبيعي والتنافر الفطري(١٩).
    فكيف وماذا صنع الامام الحسن (عليه السلام) أمام هذه السياسة الأموية المتجذرة منذ عصر النزول؟
    وهنا نورد أبرز ما قام به الامام الحسن (عليه السلام) في هذا الطريق:
    ١ - فضح سياسة معاوية وانها لا إسلامية:
    أ - بعد استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ومبايعة الامام الحسن (عليه السلام) أغاض ذلك معاوية فأرسل جواسيسه الى البصرة والكوفة فقبض عليهما فخاطب الامام الحسن (عليه السلام) معاوية بقوله:
    (أما بعد فأنك دسست إليّ الرجال كأنّك تحب اللقاء فتوقّعه ان شاء الله، وبلغني انك شمتّ بما لم يشمت به ذوو الحجى)(٢٠).
    فقد أشّر الامام الحسن (عليه السلام) الى عدوانية معاوية بأرسال الجواسيس وانه شمت باستشهاد امير المؤمنين (عليه السلام) وهذه ليست من شيم ذوي العقل الراجح، وفي ذلك كله فضح لمعاوية.
    ب - كما دعا الامام الحسن (عليه السلام) معاوية الى مبايعته وطاعته والدخول فيما دخل فيه المسلمون، وفي ذلك فضح للمنهج الأموي المخالف للخليفة الشرعي فهو الذي حارب كذلك أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بعد ان بايعه الناس، وهذا خروج ثان منه على البيعة الشرعية.
    فجاء في رسالة الإمام الحسن (عليه السلام) إلى معاوية:
    (من عبد الله الحسن أمير المؤمنين، إلى معاوية بن أبي سفيان، اما بعد: فان الله بعث محمد (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين فأظهر به الحق، وقمع به الشرك، وأعزّ به العرب عامة، وشرّف به قريشاً خاصة، فقال: (وانه لذكر لك ولقومك)، فلما توفاه الله تنازعت العرب في الأمر بعده فقالت قريش: نحن عشيرته وأولياؤه فلا تنازعونا سلطانه فعرفت العرب لقريش ذلك وجاحدتنا قريش ما عرفت لها العرب، فهيأت ما انصفتنا قريش، وقد كانوا ذوي فضيلة في الدين، وسابقة في الاسلام، ولا غرو إلا منازعتك إيانا الأمر بغير حق في الدنيا معروف، ولا أثر في الاسلام محمود، فالله الموعد، نسأله الله معروفه أن لا يؤتينا في هذه الدنيا شيئاً ينقصنا عنده في الآخرة، إنّ علياً لما توفاه الله ولاّني المسلمون الأمر بعده، فاتقِ الله يا معاوية وانظر لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) ما تحقن به دماءها وتصلح به أمرها والسلام)(٢١).
    ج - هدد معاوية الامام الحسن (عليه السلام) بقوله: (فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس، وان أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيتُ لك بما وعدت، ثم الخلافة لك من بعدي)(٢٢).
    لكن الامام الحسن (عليه السلام) لم يلتفت الى تهديده وهو يعرف كذبه وخداعه وأجابه (عليه السلام): (فاتبع الحق تعلم أني من أهله)(٢٣).
    وهذا التهديد كان آخر مراسلة بين الامام (عليه السلام) ومعاوية، فالأخير اتجه الى الحرب وهيأ لها كل مقدماتها، لكن الامام (عليه السلام) كان الأمر لديه واضحاً فوضع حداً لمكره وخداعه في مرحلة ما قبل الصلح.
    وهناك خطب كثيرة أثناء الصلح وبعده فضح فيها الامام (عليه السلام) سياسة معاوية ومكره وخداعه.
    ٢ - التأكيد على إمامته (عليه السلام) وشرعية مواقفه: في اجتماع الامام (عليه السلام) بمعاوية في الكوفة بعد الصلح وكان على غير رغبة من الامام (عليه السلام) لأنه رأى باطل معاوية قد استحكم وجوره قد انتصر فخطب معاوية بشكل قاس على الناس وقال قولته الشهيرة: (وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم) واخذ يسبّ ويشتم.
    وحين خطب الإمام (عليه السلام) التفت إلى الناس وقال (عليه السلام):
    (ان أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور، والله لو طلبتم بين جابلْق - وهي بأقصى المغرب - وجابرس - وهي بأقصى المشرق - رجلا جده، رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم ان الله هداكم بجدي محمد (صلى الله عليه وآله)، فانقذكم به من الضلالة، ورفعكم به من الجهالة واعزكم بعد الذلة، وكثركم بعد القلة وان معاوية نازعني حقا هو لي دونه، فنظرت لصلاح الامة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على ان تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت فرأيت ان اسالم معاوية، واضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته ورأيت ان حقن الدماء، خير من سفكها، ولم ارد بذلك الا صلاحكم وبقاءكم، وان أدرى لعله فتنة لكم ومتاع الى حين)(٢٤).
    وفي دمشق حيث كان معاوية، انبرى الامام الحسن (عليه السلام) في مناظراته مع المخالفين بفضحهم، والتعريف بنفسه ونسبه فوجّه خطابه الى أركان ظلم معاوية وهم: ابن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم، والوليد، وزياد ابن أبيه، وعبد الله بن الزبير، وبعد ان اسمعوا الامام (عليه السلام) كلاماً فيه شتائم، وسبّ، أجابهم (عليه السلام) واحداً واحداً ففضحهم جميعاً ومما جاء في كلامه الشريف مخاطباً اياهم مبيناً فضل أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام):
    (أتعلمون ان الذي شتمتموه منذ اليوم صلى القبلتين كلتيهما؟
    وانشدكم الله هل تعلمون انه بايع البيعتين كلتيهما بيعة الفتح وبيعة الرضون؟
    وأنشدكم الله هل تعلمون أنه أول الناس ايماناً؟
    وأنشدكم الله ألستم تعلمون انه كان صاحب راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر، ولقيكم يوم أحد ويوم الاحزاب ومعه راية الرسول (صلى الله عليه وآله)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في تلك المواطن كلها عنه راض.
    وأنشدكم الله أيها الرهط أتعلمون أنّ علياً حرّم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)(٢٥).
    وهكذا درج الامام (عليه السلام) على هذه الطريقة في التعريف بنفسه وأبيه وجدّه وأهله، وفضح المخالفين المعاندين لخط النبي وأهل البيت (عليهم السلام).
    وممّا قاله (عليه السلام) في مجلس معاوية في الشام: (قد علمت قريش بأسرها أني منها في عزّ أرومتها، لم أطبع على ضعف، ولم أعكس على خسف أعرف بشبهي وأدعى لأبي) وساء ذلك الخطاب ابن العاص الذي كان جالساً(٢٦).
    وهناك مواقف كثيرة مشابهة لهذا المنهج، وتعريفه بنفسه يدخل في سياسة تعبئة الجماهير وفضح المدّعين وتبديد الشبهات التي كان يثيرها أعداء أهل البيت (عليهم السلام).
    ٣ - فلسفته (عليه السلام) في الصلح مع معاوية:
    لم يكن الامام الحسن (عليه السلام) راغباً في الصلح إلا بعد ان خانه قادة جيشه، وتردد الناس في مواجهة الاعداء، فكانوا طعمة للشائعات والرشاوى التي أرسلها معاوية الى جيش الامام الحسن (عليه السلام)، ولم يكن الصلح أقل خديعة من رفع المصاحف يوم صفين الذي حال دون النصر المؤكد بعد ان اشرفوا عليه وتمكّن الفارس المؤمن مالك الاشتر من خيمة معاوية فأفسد الأمر حينها رفع المصاحف.
    وقد استهدف معاوية بهذا الصلح الجماهير المتعبة بعد تداعيات الحروب الثلاثة (الجمل وصفين والنهروان) التي فرضت على أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام).
    فوضع الامام الحسن (عليه السلام) الرفض والقبول في كفتي الميزان ليرى لأيهما الرجحان، فوجد أنه لو رفض الصلح وأصرّ على الحرب، فلا يخلو أما أن يكون هو الغالب، ومعاوية المغلوب وهذا وإن كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل، ولكن فليكن بالفرض هو الواقع، ولكن هل مغبة ذلك إلا تظلم الناس لبني أمية، وظهورهم باوجع مظاهر المظلومية، بالأمس قتلوا عثمان عين الامويين، واليوم يقتلون معاوية عين الأمويين، وخال المؤمنين (يا لها من رزية) ويتهيأ لبني أمية قميص ثانٍ فيرفعون قميص عثمان مع قميص معاوية، والناس رعاع ينعقون مع كل ناعق لا تفكير ولا تدبر، فماذا يكون موقف الحسن إذاً؟ لو افترضناه، هو (الغالب).
    أما لو كان هو (المغلوب) فاول كلمة تقال من كل متكلم إن الحسن هو الذي القى نفسه بالتهلكة، فان معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبى وبغى، وعلى الباغي تدور الدوائر، وحينئذ يتم لمعاوية وأبي سفيان ما أرادا من الكيد للاسلام وارجاع الناس الى جاهليتهم الأولى وعبادة اللات والعزى، ولا يبقي معاوية من أهل البيت نافخ ضرمة، بل كان نظر الحسن (عليه السلام) في قبول الصلح أدق من هذا وذاك، أراد أن يفتك به ويظهر خبيئة حاله، وما ستره في قرارة نفسه قبل أن يكون غالبا أو مغلوبا، وبدون أن يزج الناس في حرب، ويحملهم على ما يكرهون من إراقة الدماء(٢٧).
    المبحث الرابع: مضامين عالية من كلامه الشريف
    عرض الإمام الحسن (عليه السلام) أموراً كثيراً في العقيدة والسلوك والمثل العليا لاسيما في مجال تربية النفس والمجتمع ونحاول هنا ان نقتطف مختارات من كلامه الشريف لاسيما في مكارم الاخلاق ومساوئها:
    التقوى: (وجعل التقوى منتهى رضاه، والتقوى باب كل توبة، ورأس كل حكمة، وشرف كل عمل).
    طلب الرزق: (لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم، فأن ابتغاء الفضل من السنة والاجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، فان الرزق مقسوم واستعمال الحرص استعمال المآثم).
    التزام المساجد: (من أدام الاختلاف الى المسجد أصاب ثمان خصال: آية محكمة، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، وكلمة تدلّ على هدى، أو تردعه عن ردىً، وترك الذنوب حياءً أو خشية).
    محددات السياسة في رؤيته (عليه السلام): (هي أن ترعى حقوق الله وحقوق الأحياء وحقوق الاموات)(٢٨).
    مكارم الأخلاق:
    وقد ورد ذلك في إجاباته على أسئلة أبيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) منها(٢٩):
    السداد: دفع المنكر بالمعروف.
    الشرف: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة (موافقة الإخوان).
    المروءة: العفاف وإصلاح المرء ماله (إصلاح الرجل أمر دينه، وحسن قيامه على ماله، وإفشاء السلام والتحبّب إلى الناس).
    السماحة: البذل في العسر واليسر.
    الإخاء: الوفاء في الشدّة والرخاء.
    الغنيمة: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا.
    الحلم: كظم الغيظ وملك النفس.
    الغنى: رضى النفس بما قسم الله وإن قلّ، فإنّما الغنى غنى النفس.
    المنعة: شدّة البأس ومقارعة أشد الناس.
    الصمت: ستر العيب وزين العرض، وفاعله في راحة، وجليسه آمن.
    المجد: أن تعطي في الغرم، وأن تعفو عن الجرم.
    العقل: حفظ القلب كلّ ما استرعيته (استوعيته) أو حفظ القلب لكلّ ما استتر فيه.
    الثناء: إتيان الجميل وترك القبيح.
    الحزم: طول الأناة والرفق بالولاة والاحتراس من الناس بسوء الناس.
    الكرم: العطيّة قبل السؤال والتبرع بالمعروف والإطعام في المحلّ.
    النجدة: الذبّ عن الجار والمحاماة في الكريهة والصبر عند الشدائد.
    مساوئ الأخلاق:
    الدنيئة: النظر في اليسير ومنع الحقير.
    اللؤم: احتراز المرء نفسه (ماله) وبذله عرسه (عرضه).
    الشحّ: أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً.
    الجبن: الجرأة على الصديق والنكول عن العدوّ.
    الفقر: شره النفس في كلّ شيء.
    الجرأة: موافقة الأقران.
    الكلفة: كلامك فيما لا يعنيك.
    الخُرْق: معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك.
    السفه: اتباع الدناة ومصاحبة الغواة.
    الغفلة: تركك المسجد وطاعتك المُفسِد.
    الحرمان: تركك حظّك وقد عرض عليك.
    شرّ الناس: من لا يعيش في عيشه أحد.
    الكبر: به هلاك الدين وبه لُعِن إبليس.
    الحرص: عدو النفس وبه أُخرج آدم من الجنّة.
    الحسد: رائد السوء وبه قتل هابيل قابيل.
    ملخص القول:
    سيرة عطرة حُفّتْ بالمكاره والتحديات، لكنه (عليه السلام) جسّد قيم السماء ورسم لمن بعده طريقاً شجاعاً سمحاً عفيفاً وعزيزاً ويندر ان تجتمع هذه السمات المتقابلة في منهج واحد، فما أحرانا نحن المسلمين اليوم ان نتأسى بهذا التراث الكبير الذي حافظ على القرآن الكريم والسنة المطهرة في كل مواقفه واحاديثه وخطابه في وقت طغى الابتذال والحقارة في الطرف الآخر (وما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر) وعلى منهج أبيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) سار الامام الحسن المجتبى الكلمة الطيبة (سلام الله عليه) يوم ولد ويوم جاهد وقاد ويوم استشهد ويوم يبعث بين يدي الجبار ليقتص من جلاديه.

    فهرست المصادر
    -------------------------------------------------------------------------------------
    ١ - اعلام الهداية - المجمع العالمي لأهل البيت (ع) - بيروت - ١٤٣٠هـ.
    ٢ - أنساب الأشراف - أحمد بن يحيى البلاذري - دار الفكر - بيروت - ١٤١٧هـ.
    ٣ - تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك - أبو جعفر ابن جرير الطبري - دار المعارف - مصر - ط٢.
    ٤ - تاريخ مدينة دمشق - علي الشافعي المعروف بابن عساكر - دار الفكر - بيروت.
    ٥ - تحف العقول عن آل الرسول (ص) - ابن شعبه الحراني - مؤسسة النشر الاسلامي - قم - ١٤٠٤هـ.
    ٦ - تهذيب التهذيب - ابن حجر العسقلاني - مؤسسة الرسالة - بيروت.
    ٧ - جامع البيان عن تأويل آي القرآن - ابو جعفر الطبري - القاهرة - ١٩٥٨م.
    ٨ - الحرب النفسية معركة الكلمة والمعتقد - صلاح نصر - دار القاهرة للطباعة والنشر.
    ٩ - حياة الامام الحسن (ع) - باقر شريف القرشي - دار البلاغة - بيروت.
    ١٠ - سنن الترمذي - محمد بن عيسى - القاهرة - ١٣٨٤.
    ١١ - السنن الكبرى - احمد بن الحسين البيهقي - دار المعرفة - بيروت.
    ١٢ - شرح نهج البلاغة للامام علي (ع) - ابن ابي الحديد المعتزلي - دار الأميرة للطباعة والنشر ط١ - ٢٠٠٧م.
    ١٣ - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت (ع) - الحاكم الحسكاني - مطبعة الاعلمي - بيروت ١٣٩٣.
    ١٤ - الطبقات الكبرى - محمد بن سعد البصري - دار صادر - بيروت - ١٤٠٥هـ.
    ١٥ - كشف الغمة في معرفة الائمة - ابن ابي الفتوح الأربلي - تحقيق هاشم الرسولي - تبريز.
    ١٦ - المحاسن والاضداد - ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ - مطبعة الله آباد - الهند - ١٩٢٠م.
    ١٧ - المحاسن والمساوئ - محمد بن ابراهيم البيهقي - تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم - دار المعارف - القاهرة - ١٩٩١م.
    ١٨ - مسند أحمد بن حنبل - المطبعة الميمنية - مصر - ١٣١٣.
    ١٩ - المعجم الكبير - سليمان بن احمد الطبراني - دار احياء التراث العربي.
    ٢٠ - مقاتل الطالبيين - ابو الفرج الاصبهاني - منشورات الشريف الرضي - قم - ط٢ - ١٤١٦هـ.
    ٢١ - ويكيبيديا - الموسوعة الحرة.
     
    الهوامش:
    -----------------------------------------------------------
    (١) سورة ابراهيم: ٢٤ - ٢٥.
    (٢) رواه الطبري في تفسيره ٢٢/٦، ورواه الحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل ٢/٢٦.
    (٣) أخرجه النسائي في الحديث (١٢٥) من كتاب خصائص أمير المؤمنين ص ١١٨.
    (٤) راجع ابن سعد، الطبقات الكبرى، الجزء الثامن.
    (٥) راجع سنن الترمذي، باب مناقب فاطمة (عليها السلام) ١٣/٢٤٨ الحديث ٣٩٦٢.
    (٦) راجع الطبراني، المعجم الكبير ٣/٣٤.
    (٧) راجع الطبراني، المعجم الكبير، تحت الرقم (٩٤) من ترجمة الامام الحسن (عليه السلام)، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده في الحديث رقم ٣٠٦ من باب فضائل علي (عليه السلام) من كتاب الفضائل.
    (٨) راجع البلاذري، أنساب الاشراف، ترجمة الامام الحسن (عليه السلام).
    (٩) راجع البيهقي في السنن الكبرى ٤/٣٣١.
    (١٠) راجع البلاذري، انساب الاشراف ٣/٩.
    (١١) راجع ابن سعد، الطبقات الكبرى، ترجمة الامام الحسن (عليه السلام)، وراجع المزي، تهذيب الكمال ترجمة الامام الحسن (عليه السلام) ٢/٢٧١. وللمزيد راجع ابن عساكر، ترجمة الامام الحسن (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق، تحقيق محمد باقر المحمودي.
    (١٢) راجع باقر شريف القرشي، حياة الامام الحسن ٢/٨٠ – ٨٢.
    (١٣) راجع ويكيبيديا، الموسوعة الحرة.
    (١٤) سورة النور: ١٩.
    (١٥) راجع صلاح نصر، الحرب النفسية، معركة الكلمة والمعتقد.
    (١٦) راجع القرشي، حياة الامام الحسن (عليه السلام) ٢/٩٤، وتاريخ الطبري ٥/١٤١.
    (١٧) راجع العسقلاني ابن حجر، تهذيب التهذيب، ٧/١٧.
    (١٨) سورة المسد: ١.
    (١٩) راجع مقدمة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء على كتاب حياة الحسن للشيخ باقر شريف القرشي ١/١٠.
    (٢٠) راجع ابو الفرج الاصفهاني، مقاتل الطالبيين ص٣٣.
    (٢١) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ٤/٩. سورة الزخرف: ٤٤.
    (٢٢) حياة الامام الحسن (عليه السلام) ٢/٦٣.
    (٢٣) المصدر السابق نفسه.
    (٢٤) راجع الشيخ الأربلي، كشف الغمة ص ١٧٠.
    (٢٥) راجع البيهقي، المحاسن والمساوئ ١/٥٨ - ٦١، والجاحظ، المحاسن والاضداد ص ٩٢ - ٩٤.
    (٢٦) راجع القرشي، حياة الامام الحسن (عليه السلام) ٢/٣١٩.
    (٢٧) راجع مقدمة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء من كتاب الامام الحسن (عليه السلام) للشيخ باقر شريف القرشي ٢/١٧.
    (٢٨) راجع الحراني، تحف العقول.
    (٢٩) راجع مجمع أهل البيت، اعلام الهداية ٤/٢١٦ - ٢١٨.

    المصدر : العتبة الحسينية المقدسة

  • 1

    طيرُ السَّعادَةِ في الوِلادَةِ غَرَّدا
    والكونُ أثوابَ الهَنَاءِ قد ارْتَدَى

    وَازْدَانَت الفِرْدَوسُ تُعلِنُ لِلهَنَا
    يوماً وتَنثُرُ نَوْرَها المُتَوَرِّدا

    وَتَمَايَلَت حُورُ الجِنانَ بِغُنْجَةٍ
    فَرَحَاً بِنُورٍ في المدينةِ قد بَدَا

    في النِّصفِ مِنْ رَمَضَانَ كانَ
    هَدِيَّةً هوَ أوَّلُ الأنوارِ يُهدَى لِلهُدَى

    أعني لِأحمدَ وَالوَصِيِّ وَفَاطِمٍ
    فهُمُ الهُدى نَصَّاً وَمَنْ شَكَّ اعْتَدَى

    نُورٌ لَهُ سَجَدَ الجَلالُ مَهَابَةً
    وَغَدَا الجَمَالُ لِحُسنِهِ مُتَعَبِّدا

    نُورٌ لَهُ سَجَدَ الوُجودُ بِذِلَّةٍ
    أَوَلَيسَ مِنْ نُورِ الإلهِ تَوَلَّدا؟!

    أَوَلَيسَ أهلُ البيتِ عِلَّةَ مَا بَرَا
    الباريْ وَغَايةَ ما أفَاضَ وَأَوْجَدا

    نُورٌ بِهِ الزَّهراءُ قَرَّتْ عَينُها
    تلكَ الَّتي انْسَطَرَتْ لها نفسـي الفِدَا

    ضَمَّتْهُ فوقَ ضُلوعِهَا وَضُلُوعُها
    تلكَ الَّتي انْهَشَمت وما زالَ الصَّدَى

    لِنِدائِهَا يحيا بِقَلبِ مُحِبِّها
    رَغْمَ المُضِلِّ!! أيَسْمعُ الصُّمُّ النِّدا؟

    سَمَّاهُ بالحَسَنِ الإمامُ المُرْتَضَـى
    مِنْ بَعدِ ما أَمَرَ الإلهُ مُحَمَّدا

    سِبطٌ زَكيٌّ مُجْتَبَىً ألقابُهُ
    بِكَريمِ آلِ البيتِ خُصَّ وأُفرِدا

    وَلِفاطِمٍ قالَ النَّبيُّ مُبَشِّـراً
    أَوْرَثْتُ سِبطي هَيبَتي وَالسُّؤدُدَا

    فَعَليكَ صَلَّى اللهُ يا رَيحانةَ
    المُختارِ ما دامَ الإلهُ مُمَجَّدا

    الشاعر: سماحة الشيخ أحمد الدر العاملي.

  • 1

     

    مضمون الشبهة:
    ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب والذهبي في تاريخ الإسلام وغيرهما:أن الإمام الحسن عليه السلام طلب من عائشة الإذن بالدفن في بيتها فوافقت ثم قال لأخيه الحسين عليه السلام قد كنت طلبت إلى عائشة إذا مت أن تأذن لي فأدفن في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: نعم، وإني لا أدري لعلها كان ذلك منها حياء، فإذا أنا مت فاطلب ذلك إليها، فإن طابت نفسها فادفني في بيتها، فلما مات الإمام الحسن عليه السلام أتى الإمام الحسين عليه السلام عائشة فطلب ذلك إليها فقالت: نعم وكرامة، وبهذا يُعلم أن عائشة وافقت على الأمر، ولكن منع من دفنه في البيت اعتراض مروان على ذلك، وكان الإمام الحسن عليه السلام أوصى إذا منع القوم دفنه في البيت أن لا يراجعوا في الأمر، وأن يدفن في البقيع، وسعى أبو هريرة وابن عمر في إقناع الإمام الحسين عليه السلام بذلك تفادياً لوقوع الفتنة بين المسلمين(1).

    الرد على الشبهة:
    لعل نظرة عابرة يلقيها غير ذي الهوى على صفحات التاريخ كفيلة بأن تريه بطلان دعوى عدم ممانعة عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام عند قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه عليه السلام استأذنها في حياته فأذنت له بذلك؛ لأن ذلك يفتقر إلى الدليل الذي يثبت كون البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو بيتها, بعد ذلك يتم النقاش في أنها مانعت أو أذنت, وإلا فإن القضية – حسب قول أهل المنطق - من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع, فأساساً لم يثبت أن البيت بيتها حتى تأذن أو تمنع!!.
    نعم اشتهر عند أهل السنة أن البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو بيت عائشة، وتحديداً في حجرتها؛ لأنها كثيراً ما كانت تردد ذلك وتصرح بهذا في كلماتها, وجاء ذلك فيما رواه البخاري بسند ينتهي إلى عائشة أنها قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتعذر في مرضه: أين أنا اليوم؟ أين أنا غداً؟ استبطاء ليوم عائشة، فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري، ودُفن في بيتي)(2).
    والجواب على هذه الشبهة يكون عبر خطوات:
    الخطوة الأولى: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأسه على صدر عليّ بن أبي طالب عليه السلام
    إن ما ذكر في أعلاه معارض بصحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة، ومن طرق أهل السنة أنفسهم, فمنها:
    ما أخرجه ابن سعد في (الطبقات)، في باب من قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في حجر علي، وهو ذاته موجود في (كنز العمال) بالإسناد إلى علي، أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه: ادعوا لي أخي، فأتيته، فقال: ادن مني، فدنوت منه، فاستند إلي فلم يزل مستنداً إلي وإنه ليكلمني حتى أن بعض ريقه ليصيبني، ثم نزل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(3).
    وأخرج أبو نعيم في (حلية الأولياء)، وأبو أحمد الفرضي في نسخته وغير واحد من أصحاب السنن، عن علي قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وآله - يعني حينئذ - ألف باب، كل باب يفتح ألف باب)(4).
    وكان عمر بن الخطاب إذا سئل عن شيء يتعلق ببعض هذه الشؤون، لا يقول غير: سلوا علياً؛ لأنه هو القائم بها، فعن جابر بن عبد الله الأنصاري أن كعب الأحبار سأل عمر فقال: ما كان آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال عمر: سل علياً، فسأله كعب، فقال علي: أسندت رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صدري: فوضع رأسه على منكبي فقال:
    الصلاة الصلاة، قال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء، وبه أمروا وعليه يبعثون، قال كعب فمن غسله يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: سل علياً، فسأله، فقال: كنت أنا أغسله، الحديث(5).
    وقيل لابن عباس: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: نعم توفي وإنه لمستند إلى صدر علي، فقيل له: إن عروة يحدِّث عن عائشة أنها قالت: توفي بين سحري ونحري، فأنكر ابن عباس ذلك قائلاً للسائل: أتعقل؟ والله توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وإنه لمستند إلى صدر علي، وهو الذي غسله... الحديث(6).
    وأخرج ابن سعد بسنده إلى الإمام أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام قال: (قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ورأسه في حجر علي...)، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد من طريقين, عن أبي رافع(7), ثم من طريق ابن عباس(8).
    والأخبار في ذلك متواترة، عن سائر أئمة العترة الطاهرة، وإن كثيراً من علماء أهل السنة ليعترفون بذلك, فهذا ابن سعد واحد منهم، وقد أخرجه أيضاً – بالإضافة إلى ما سبق - بسنده إلى الشعبي، قال: (توفي رسول الله صلى الله عليه وآله ورأسه في حجر علي وغسله علي)(9).
    وجاء في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام ما يؤكد ذلك, وهذا نصها: (ولقد علم المستحفظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أني لم أرد على الله، ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وتتأخر فيها الأقدام، نجدة أكرمني الله بها، ولقد قبض صلى الله عليه وآله وسلم وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالتْ نفسه في كفي فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله وسلم، والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط، وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هنيهة منهم يصلون عليه، حتى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به مني حياً وميتاً)(10).
    وجاء ذلك أيضا في كلام له عليه السلام عند دفنه سيدة النساء فاطمة عليها السلام: (السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ورق عنه تجلدي، إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، موضع تعزٍّ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، فإنا لله وإنا إليه راجعون...)(11).
    وفي الصحيح عن أم سلمة قولها: (والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عدناه غداة وهو يقول: جاء علي، جاء علي، مراراً، فقالت فاطمة: كأنك بعثته في حاجة؟ قالت: فجاء بعد، فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب، قالت أم سلمة: وكنت من أدناهم إلى الباب، فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل يساره ويناجيه، ثم قبض صلى الله عليه وآله وسلم من يومه ذلك، فكان علي أقرب الناس به عهداً)(12).
    وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في مرضه: (ادعوا لي أخي، فجاء أبو بكر، فأعرض عنه، ثم قال: ادعوا لي أخي، فجاء عثمان: فأعرض عنه، ثم دعي له علي، فستره بثوبه وأكب عليه، فلما خرج من عنده قيل له: ما قال لك؟ قال: علمني ألف باب كل باب يفتح له ألف باب(13).
    الخطوة الثانية: النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفن في حجرته.
    إن دعوى كون الحجرة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي حجرة عائشة, باطل من وجوه:
    الأول: الظاهر كون الحجرة ملكاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا دلالة بانتقالها لعائشة.
    الثاني: لو كانت الحجرة لعائشة لما دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها إلا بإذنٍ منها, ولم يرو أحد قط إذن عائشة بدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيت سكناها.
    الثالث: يستفاد من قول الحق تعالى: (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ)(14)، عدم ملكية عائشة للبيت؛ لأنّ الآية أضافت البيوت إليه صلى الله عليه وآله وسلم كما هو واضح؛ ولأن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر إلى المدينة ابتاع مكان مسجده وحجرته فبناه، فلما وصل أهله وأزواجه أنزل كلاً منهم منازله.
    الرابع: لم تدّعِ واحدة من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملكاً كما ادّعت عائشة ذلك، وهذا شاهد قوي على عدم ملكيتها للبيت الذي كانت تسكنه على حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي دفن فيه, وليس لها إلا حق السكنى فيه فيما لو كان لها حق, وهذا ما يفيده قوله سبحانه: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)(15), حيث دلّ على مجرد السكنى؛ لأن الآية جاءت بعبارة الإطلاق لجميع الأزواج، ولو كان غير السكنى لهن في تلك البيوت لادّعَتْ كل واحدة منهنَّ ملكيّة البيت الذي تسكنه كما فعلت عائشة, والحال أننا لم نجد رواية واحدة تثبت ذلك.
    وهناك أحاديث تثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم مدفون في بيته وليس في بيت عائشة كما تدعي منها: ما رواه الطبري في تاريخه, وابن الجوزي في المنتظم, وابن خلدون في تاريخه, عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري)(16).
    فما ذُكر يؤكد أن البيت بيته صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كان ملكاً لعائشة لما جاز له صلى الله عليه وآله وسلم وصفه بأنه بيته.
    ومنها: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)(17), وأنت كما تلاحظ فقد نسب صلى الله عليه وآله وسلم البيت الذي دُفن فيه إلى نفسه ولم يقل إنه بيت عائشة وقد تملكته.
    الخطوة الثالثة: جغرافية بيت عائشة وبيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    إنّ بيت عائشة لم يكن في الجهة الشرقية من المسجد بل كان في الجهة القبلية منه؛ وقد كان دار حفصة في قبلي المسجد، وكان ملاصقاً لبيت عائشة من جهة القبلة.
    والمعروف عند الناس أنّ البيت الذي كان على يمين الخارج من خوخة آل عمر هو بيت عائشة.
    وعلى هذا.. فيكون بيت عائشة في قبلي المسجد لا في شرقيه حيث يوجد القبر الشريف، أي أنّه يكون في مقابله وبينهما فاصل كبير..
    ومما يدلّ على أنّ بيت عائشة كان في جهة القبلة من المسجد ما رواه تقي الدين المقريزي في (إمتاع الأسماع)(18)، والصالحي الشامي في (سبل الهدى والرشاد)(19)، والديار بكري في (تاريخ الخميس)(20), جميعهم بسند ينتهي إلى محمد بن هلال: (أنّه رأى حجر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جريد، مستورة بمسوح الشعر، فسألته عن بيت عائشة. فقال: كان بابه مواجه الشام. فقلت: مصراعاً كان أو مصراعين؟ قال: كان باباً واحداً).
    وفي عبارة الصالحي في (سبل الهدى والرشاد) وكذلك الديار بكري في (تاريخ الخميس): (مستورة بمسوح الشعر، مستطيرة في القبلة، وفي المشرق والشام ليس في غربي المسجد شيء منها إلخ..).
    ونقل السمهودي عن ابن عساكر قوله: (وباب البيت شامي)(21).
    فيستفاد من ذلك:
    1- ما قاله المحقق السيد مهدي الروحاني:
    قوله في الحديث (فسألته عن بيت عائشة): في هذا دلالة على أنّ الحجرة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن بيت عائشة؛ إذ فيه دلالة على أنّ السائل يعلم أنّ بيتها لم يكن في الموضع الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. ولذلك فهو يسأل عن موضع بيتها فيما عدا البيت الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليعرفه أين يقع.. انتهى.
    2- إنّ من المعلوم أنّ الجهة الشامية للمسجد هي الجهة الشمالية منه كما صرّحت به الرواية آنفاً – ويدلّ على ذلك أيضاً قول ابن النجار: (قال أهل السير: ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحجرات ما بينه وبين القبلة، والشرق إلى الشام، ولم يضربها في غربيه، وكانت خارجة عنه مديرة به، وكان أبوابها شارعة في المسجد)(22).
    وأيضاً: (وجه المنبر، ووجه الإمام إذا قام على المنبر بجهة الشام)(23).
    ومن المعلوم: أنّ الجالس على المنبر يكون ظهره إلى القبلة، ووجهه إلى الجهة المقابلة لها..
    وعليه - إذا تحقق ذلك - فإذا كان باب بيت عائشة يقابل الجهة الشمالية: فإنّ ذلك معناه أنّ بيتها كان في جهة القبلة من المسجد.. وكان باب حجرتها يفتح على المسجد مباشرة، حتى إنّها تقول: إنّها كانت ترجِّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو معتكف في المسجد، وهي في بيتها، وهي حائض.
    وقد حاول بعضهم توجيه ذلك: بأنّ المراد من الباب الذي لجهة الشام هو الباب الذي شرّعته عائشة لما ضربت حائطاً بينها وبين القبور بعد دفن عمر..
    وأجاب السمهودي بقوله: (وفيه بُعد، لأنّه سيأتي ما يؤخذ منه أنّ الحائط الذي ضربته كان في جهة المشرق)(24). وإذا كان في جهة المشرق؛ فلابد أن يكون الباب فيه مقابلاً للمغرب، لا لجهة الشام.
    3 - ويدلّ على كون بيت عائشة في جهة القبلة:أنّ الحُجَر كانت تبدأ من بيت عائشة، وتنتهي إلى منزل أسماء بنت حسن(25) كما نصّ على ذلك من شاهدها.
    4 - إنّ رواية المقريزي، والصالحي, والديار بكري المتقدمة تنصّ على أنّه لم يكن لبيت عائشة إلاّ باب واحد، بمصراع واحد.. ومن المعلوم: أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قد صُلِّي عليه، على شفير حفرته، ودفن في حجرة لها بابان..
    فقد روى ابن سعد، عن أبي عسيم، قال: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: كيف نصلّي عليه؟ قالوا: ادخلوا من ذا الباب أرسالاً أرسالاً، فصلّوا عليه، واخرجوا من الباب الآخر..)(26).
    ويمكن الجواب عن هذا الأخير: بأنّ الجواب لا بدّ أن يطابق السؤال، فإذا كان السؤال عن مصاريع الباب، لا عن عدد الأبواب، فلابد أن يكون الجواب عن ذلك أيضاً.. ولا يدلّ ذلك على أنّه لم يكن للحجرة باب آخر.
    5 - وسيأتي: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في مرضه (أي قبل انتقاله إلى بيت فاطمة) في حجرة عائشة؛ فكشف الحجاب؛ فكاد الناس أن يفتنوا، وهم في الصلاة لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. الأمر الذي يدلّ على أنّ حجرة عائشة قد كانت في طرف القبلة في مقابل المصلِّين..
    هذا, وقال ابن سعد: (واشترى (يعني معاوية) من عائشة منزلها بمائة وثمانين ألف درهم، ويقال بمائتي ألف. وشرط لها سكناها حياتها. وحمل إلى عائشة المال، فما رامت من مجلسها حتى قسمته. ويقال: اشتراه ابن الزبير من عائشة، بعث إليها – يقال – خمسة أجمال بخت تحمل المال، فشرط لها سكناها، حياتها، فما برحت حتى قسمت ذلك إلخ..)(27).
    ولا ينبغي أن يتوهم: أنّ المقصود ببيت عائشة هنا هو البيت الذي أخذته من سودة، التي توفيت في أواخر خلافة عمر؛ إذ قد أسند ابن زبالة، عن هشام بن عروة، قال: (إنّ ابن الزبير ليعتدّ بمكرمتين ما يعتد أحد بمثلها: إنّ عائشة أوصته ببيتها وحجرتها، وإنّه اشترى حجرة سودة)(28).
    فعائشة قد باعت بيتها وأكلت ثمنه، فمن أين يقولون: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دفن في حجرتها؟!
    واحتمال أن يكون المقصود هو بيتها المستحدث، لا يصحّ؛ لأنّ سياق الكلام ناظر إلى حُجَر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت لهن من قبله صلى الله عليه وآله وسلم.
    كما أنّ معاوية لا يدفع هذا المال الكثير إلاّ لينال شرفاً، أو ليحرم الآخرين شرفاً بزعمه.. إلاّ إذا كان هدفه هو تعظيم شأن عائشة، ولكن هذا بعيد عن سياسته تجاهها، فإنّ العلاقات بينهما لم تكن على ما يرام بسبب موقفه من آل الزبير وغيرهم ممن تحبهم.
    ثم هم يقولون: إنّ الموضع قد ضاق حتى لم يعد يسع إلاّ موقع قبر واحد، فدفن فيه عمر.. فقد روى البخاري، وغيره: أنّ عمر بن الخطاب لما أرسل إلى عائشة يسألها أن يدفن مع صاحبيه، قالت: كنت أريده لنفسي، فلأوثرنّه اليوم على نفسي..(29).
    قال ابن التين: (كلامها في قصة عمر يدلّ على أنّه لم يبق ما يسع إلا موضع قبر واحد)(30). ويؤيد ذلك: أنّه (لما أرسل عمر إلى عائشة؛ فاستأذنها أن يدفن مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر فأذنت، قال عمر: إنّ البيت ضيق، فدعا بعصاً؛ فأُتي بها فقدر طوله، ثُمّ قال: احفروا على قدر هذه)(31).
    وأيضاً.. فقد رووا: أنّه (جاف بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من شرقيه، فجاء عمر بن عبد العزيز، ومعه عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، فأمر ابن وردان: أن يكشف عن الأساس، فبينا هو يكشفه إلى أن رفع يده وتنحى واجماً، فقام عمر بن عبد العزيز فزعاً، فقال عبد الله بن عبيد الله: لا يروعنك، فتانك قدما جدّك عمر بن الخطاب، ضاق البيت عنه، فحفر له في الأساس إلخ..)(32).
    وفي الصحيح، (قال عروة: ما هي إلا قدم عمر)(33).
    وإذ قد عرفنا: أنّ الحجرة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ضاقت حتى دفن عمر في الأساس.. فلننظر إلى بيت عائشة الذي كانت تسكن وتتصرف فيه.. فإننا نجده واسعاً وكبيراً.. وبقيت تتصرف فيه في الجهات المختلفة، فليلاحظ ما يأتي:
    1- مـا تقدّم من أنّ عائشة قد باعت بيتها لمعاوية، أو لابن الزبير وأن الحجرة قد ضاقت على عمر حتى دفن في الأساس، فإنّ النتيجة تكون هي: أنّ الموضع الذي دفن فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن هو بيت عائشة، كما تقول هي، وإنّما هو لغيرها.. أي أنّه لفاطمة الزهراء عليها السلام كما سيتضح..
    2- إنّ مما يدلّ على أنّ موضع إقامتها كان واسعاً، هو قولها: (ما زلت أضع خماري، وأتفضل في ثيابي حتى دفن عمر، فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جداراً)(34).. وعن مالك قال: قسم بيت عائشة قسمين: قسم كان فيه القبر، وقسم تكون فيه عائشة بينها حائط(35).
    فبعد دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الحجرة أخليت من ساكنيها وأظهرت للناس. وكان أول من بنى على بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم جداراً عمر بن الخطاب. قال عبيد الله بن أبي يزيد: كان جداره قصيراً، ثُمّ بناه عبد الله بن الزبير...(36) وعن المطلب قال: كانوا يأخذون من تراب القبر، فأمرت عائشة بجدار فضرب عليهم، وكانت في الجدار كوّة، فكانوا يأخذون منها، فأمرت بالكوّة فسدّت: أو أنّهم سدّوا أو ستروا على القبر بعد محاولة الحسين دفن أخيه الحسن هناك، اتقاء لمثل هذا الأمر حتى لا يتكرر بعد..(37).
    ويبدو أنّ عائشة قد سكنت قريب القبور، والظاهر، بل المقطوع به هو أنّ هذا البيت هو صحن دار فاطمة كما سنرى أن عائشة قد استولت عليه بمعونة الهيأة الحاكمة.. بعد أن أخلاه أصحابه – بعد دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجرتهم، وأظهر قبره صلى الله عليه وآله وسلم للناس كما قلنا.. وبعد أن منعتهم السلطة من إرث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
    ثم إنّ الأدلة تدلّ على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قد دفن في بيت ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام، كما أنّ عائشة كانت مستقرّة في دار بيت فاطمة عليها السلام هذا، وضربت جداراً بينها وبين القبور وبقيت في هذا البيت الطاهر – كما قدمنا – الذي كان في وسط بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلمكما ذكره ابن عمر.
    ومستندنا في ذلك هو ما يأتي:
    1- روى الصدوق في أماليه رواية مطوّلة، عن ابن عباس، جاء فيها:(.. فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصلّى بالناس، وخفف الصلاة، ثُمّ قال: ادعوا لي علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، فجاءا، فوضع صلى الله عليه وآله وسلم يده على عاتق عليّ، والأخرى على أسامة، ثُمّ قال: انطلقا بي إلى فاطمة, فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين..(38) ثُمّ ذكر قضية وفاته هنا.
    2- قال السمهودي:(أسند ابن زبالة، ويحيى بن سليمان بن سالم، عن مسلم بن أبي مريم، وغيره: كان باب فاطمة بنت رسول الله في المربعة التي في القبر، قال سليمان: قال لي مسلم: لا تنس حظّك من الصلاة إليها، فإنها باب فاطمة (رضي الله عنها)، الذي كان علي يدخل عليها منه)(39).
    وعن ابن أبي مريم: (إن عرض بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الاسطوانة التي خلف الاسطوانة المواجهة للزور قال: وكان بابه في المربعة التي في القبر)(40).
    وقد أسند أبو غسان، كما قال ابن شبة، عن مسلم بن سالم بن مسلم أبي مريم، قال: عرس علي (رضي الله عنه) بفاطمة بنت رسول الله إلى الاسطوانة التي خلف الاسطوانة المواجهة للزور. وكانت داره في المربعة التي في القبر. وقال مسلم: لا تنس حظّك من الصلاة إليها، فإنّه باب فاطمة، التي كان علي يدخل إليها منها، وقد رأيت حسن بن زيد يصلّي إليها(41).
    فهل كان علي عليه السلام يدخل على زوجته من وسط حجرة عائشة؟ أم أنّ عائشة أو غيرها من زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم كانت من محارمه عليه السلام؟! إنّ ذلك إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ ذلك الموضع هو بيت فاطمة عليها السلام التي ظلمت في مماتها، كما ظلمت في حياتها: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).. وليس بيت عائشة كما تريد أن تدّعي هي ومحبوها!!..
    3- إنّ ما يدلّ على أنّ شرقي الحجرة كان في بيت فاطمة عليها السلام وأن عائشة كانت تسكن في بيت فاطمة عليها السلام حينما ضربت الجدار, قول ابن النجار: (وبيت فاطمة اليوم حوله مقصورة، وفيه محراب، وهو خلف حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم)(42).
    فقال السمهودي: (الحجرة اليوم دائرة عليه، وعلى حجرة عائشة بينه وبينه موضع تحترمه الناس، ولا يدوسونه بأرجلهم، يذكر أنّه موضع قبر فاطمة (رضي الله عنها). وقد اقتضى ما قدمناه: أنّ بيت فاطمة رضي الله عنها كان فيما بين مربعة القبر، واسطوانة التهجد)(43).
    وعن مدفن فاطمة عليها السلام يرى ابن جماعة أنّ أظهر الأقوال هو أنّها دفنت في بيتها.
    ومن الواضح: أنّ اسطوانة التهجد يقع على طريق باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يلي الزوراء. أي خلف بيت فاطمة عليها السلام.
    قال السمهودي عن موضع تهجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (قلت: تقدّم في حدود المسجد النبوي ما يقتضي أنّ الموضع المذكور كان خارج المسجد تجاه باب جبريل قبل تحويله اليوم. وهو موافق لما سيأتي عن المؤرخين في بيان موضع هذه الاسطوانة)(44).
    وإذا كان كذلك فإنّ بيت عليّ يقع بين باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحجرة الشريفة، وباب النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أوّل الأبواب الشرقية مما يلي القبلة، وقد سُدّ الآن، ويقولون: إنّه سمي بذلك لا لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدخل منه، بل لأنّه في مقابل حجرة عائشة.. بل نجد ابن النجار يصرّح بأنّ هذا الباب هو نفسه باب علي عليه السلام... وهذا يعني أنّ ما بين الحجرة التي فيها القبر الشريف، وباب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من بيت فاطمة عليها السلام، وحيث دفنت.
    4- قول السمهودي في مقام بيان موضع باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وباب جبريل..: (الثاني: باب علي، الذي كان يقابل بيته الذي خلف بيت النبي)(45).
    وقال أيضاً: (ويحتمل أنّ بيت علي (رضي الله عنه) كان ممتداً في شرقي حجرة عائشة (رض) إلى موضع الباب الأول يعني باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمي باب علي بذلك، ويدلّ عليه: ما تقدم عن ابن شبة في الكلام على بيت فاطمة، من أنّه كان فيما بين دار عثمان التي في شرقي المسجد، وبين الباب المواجه لدار أسماء ويكون تسميته الباب الثاني بباب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقربه من بابه.. إلخ(46).
    وإذن.. فبيت فاطمة يكون ممتداً من شمالي الحجرة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى شرقيها – وإذا صحّ كلام ابن شبة هذا – فإنّه يصل إلى قبليها أيضاً.. والمفروض أنّ باب فاطمة وعليّ عليهما السلام كان شارعاً في المسجد أيضاً.. فكيف استدار بيت فاطمة عليها السلام على بيت عائشة وطوقه بهذا الشكل العجيب من الشمال إلى الشرق.. ويحتمل إلى القبلة أيضاً؟!.. عجيب!! وأي عجب!!..
    وإذن فما معنى أن تسكن عائشة في شرقي الحجرة وتضرب بينها وبين القبور جداراً؟ أ وليس شرقي الحجرة كان جزءاً لبيت فاطمة عليه السلام؟! وكيف يكون باب بيت فاطمة عليها السلام في نفس حجرة عائشة؟!
    وهل هناك مسافات شاسعة بين المسجد، وبين باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو باب جبريل تَسَعُ عدة بيوت وحُجَر؟! إن كُلّ ذلك يدلّ على صحة رواية الصدوق المتقدمة وإنّه صلى الله عليه وآله وسلم قد توفي، ودفن في دار فاطمة عليها السلام، لا في دار عائشة..
    ونعتقد: أنّه قد انتقل من دار عائشة إلى دار فاطمة في نفس اليوم الذي توفي فيه، وهو يوم الاثنين، وذلك لأنّه في يوم الاثنين، وحين صلاة الفجر كان لا يزال في بيت عائشة الذي لجهة القبلة، إذ قد روى البخاري: (أنّ المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلي لهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم، وهم في صفوف الصلاة.. إلى أن قال: وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم؛ فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلّم...(47).
    وبضمّ رواية الصدوق المتقدمة الدالة على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم خرج فصلى في الناس وخفف الصلاة، ثُمّ وضع يده على عاتق علي عليه السلام والأخرى على عاتق أسامة، ثُمّ انطلقا به إلى بيت فاطمة عليها السلام، فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها، ثُمّ يذكر قضية استئذان ملك الموت، ثُمّ كانت وفاته بعد مناجاته لعلي عليه السلام؛ فراجع..
    فبضمّ هذه الرواية إلى ما تقدّم نفهم أنّه قد انتقل إلى بيت فاطمة في نفس اليوم الذي توفي فيه، بعد أن صلى بالناس.
    وأمّا أنّه رفع الستر ثُمّ عاد فأرخاه؛ فلم يروه حتى توفي حسبما ذكرته رواية البخاري الآنفة الذكر، فلا يصحّ؛ لأنّ رواية ابن جرير تصرّح بأنّه عزل أبا بكر عن الصلاة في نفس اليوم الذي توفي فيه، فراجع.
    وبعد ذلك كله.. فإنّه لا يبقى أيّ شكّ أو ريب في أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قد دفن في بيت فاطمة عليها السلام، لا في بيت عائشة ولكن فاطمة عليها السلام قد ظلمت بعد مماتها كما ظلمت في حال حياتها.. وسيعلم الذين ظلموا آل محمد، عن طريق تزوير الحقيقة والتاريخ، فضلاً عن مختلف أنواع الظلم الأخرى.. أي منقلب ينقلبون...(48).
    الخطوة الرابعة: روايات المنع من دفن الإمام الحسن عليه السلام عند جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
    وبناء على ما تقدم من توضيح وبيان فإن دعوى كون الحجرة التي دفن فيها النبي عليه السلام هي حجرة عائشة وإن البيت بيتها مجرد دعوى باطلة تدل على فرط جهل صاحبها وعدم معرفته بأمهات مصادره وقد بيّنا بطلانها وافتضاحها.
    وببطلانها تبطل دعوى استئذان الإمام الحسن عليه السلام من عائشة لدفنه عند قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ البيت بيت جده وأمه الزهراء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, ولا معنى للاستئذان في ذلك الأمر, ولم يرد في رواية واحدة أن الإمام الحسن عليه السلام لما احتضر أوصى أخاه الحسين عليه السلام أنْ غسلني وكفني واستأذن عائشة في دفني عند قبر جدي, بل على عكس ذلك ورد بنص صريح أنه عليه السلام قال: (ادْفِنُونِي عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا أَنْ تَخَافُوا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ شَرٌّ، فَإِنْ خِفْتُمُ الشَّرَّ فَادْفِنُونِي عِنْدَ أمي)(49), وقوله عليه السلام: (فإن خفتم الشر) تدل بكل ما للكلمة من معنى على الاستيلاء والاستحواذ على بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل عائشة ومناصريها من بني أمية.
    فقد ورد في البخاري ما يؤكد ممانعة عائشة دفن الإمام الحسن عليه السلام عند قبر جده, وإن كان المنع الوارد في البخاري مطلق إلا أن مجيء بعض الروايات المخصصة لهذا الإطلاق أكد صدور ذلك المنع من عائشة, وهذا نص رواية البخاري في صحيحه حيث يؤكد أن عائشة لم تكن تأذن لأحد بعد دفن عمر, قال: (عن هشام عن أبيه أن عمر أرسل إلى عائشة: أئذني لي أن أُدفن مع صاحبي, فقالت: إي والله, قال: وكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة قالت: لا والله لا أُوثرهم بأحد أبداً)(50).
    فإذا أضفنا الحديث إلى ما ذكروه من أن الحسن عليه السلام أوصى بالدفن عند جده شكّل ذلك قرينة قوية على أن عائشة لم تأذن بالدفن؛ لأن رواية البخاري نص صريح على أنها لم تكن تأذن لأحد فيشمل ذلك الإطلاق الإمام الحسن عليه السلام.
    فما جاء في صحيح البخاري يهدم ما ذكره صاحب الاستيعاب وغيره من أن عائشة أذنت بدفن الإمام الحسن عليه السلام ولم يذكر في ذلك رواية مسندة, فلا يمكن لهذه الادعاءات أن تسهم في تبرير استحواذ عائشة على بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنعها دفن الإمام الحسن عليه السلام عند قبر جده, فلا تجدي نفعاً ولا تصمد أمام ما ثبت في صحيح البخاري من منعها المطلق من دفن أحد بعد عمر, على أنه قد يُجزم بأن المقصود في رواية البخاري الإمام الحسن عليه السلام؛ ذلك لأنه لم يثبت أنهم ذكروا صحابياً غير الإمام الحسن عليه السلام طلب الدفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, بعد دفن عمر.
    وهناك روايات صريحة غير ما رواه البخاري تؤكد منع عائشة دفن الإمام الحسن عليه السلام عند قبر جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, منها:
    ما رواه ابن عساكر عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: (سمعت عائشة تقول يومئذ: هذا الأمر لا يكون أبداً! يُدفن (الحسن) ببقيع الغرقد ولا يكون لهم (للرسول وأبي بكر وعمر) رابعاً، والله إنه لبيتي أعطانيه رسول الله في حياته وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري وما آثر علي عندنا بحسن)(51), وهذه الرواية مسندة عن ابن سعد عن محمد بن عمر عن علي بن محمد العمري عن عيسى بن معمر عن عباد بن عبد الله بن الزبير.
    ومنها: ما رواه أبو الفرج الأصفهاني عن علي بن طاهر بن زيد: (لما أرادوا دفنه ركبت عائشة بغلاً واستنفرت بني أمية ومروان بن الحكم ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو القائل: فيوماً على بغل ويوماً على جمل)(52).
    ومنها: ما رواه أبو الفداء: (وكان الحسن قد أوصى أن يُدفن عند جده رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما توفي أرادوا ذلك، وكان على المدينة مروان بن الحكم من قبل معاوية فمنع من ذلك وكاد يقع بين بني أمية وبين بني هاشم بسبب ذلك فتنة، فقالت عائشة رضي الله عنها: البيت بيتي ولا آذن أن يدفن فيه! فدفن بالبقيع، ولما بلغ معاوية موت الحسن خر ساجداً)(53).
    ونقل سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، قول الواقدي, فقال: (وقال ابن سعد الواقدي: لما احتضر الحسن قال: ادفنوني عند أبي يعني رسول الله فأراد الحسين أن يدفنه في حجرة رسول الله (ص)، فقامت بنو أمية ومروان وسعيد بن العاص وكان والياً على المدينة فمنعوه، قال ابن سعد: ومنهم أيضاً عائشة وقالت: لا يدفن مع رسول الله (ص) أحد)(54).
    وذكر اليعقوبي في تاريخه ما نصه: (وقيل: إن عائشة ركبت بغلة شهباء وقالت: بيتي لا آذن فيه لأحد! فأتاها القاسم بن محمد بن أبي بكر فقال لها: يا عمة ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء؟! فرجعت)(55).
    وذكر الشيخ المفيد في (الإرشاد) أن ابن عباس خاطبها قائلاً: (واسوأتاه.. يوماً على بغل ويوماً على جمل! تريدين أن تطفئي نور الله، وتقابلين أولياءه)(56).
    وروى الذهبي في (سير أعلام النبلاء): (قالت عائشة: لا يكون لهم رابع أبداً! وإنه لبيتي أعاطنيه رسول الله)(57).
    فيتضح من جميع ما تقدم أن عائشة هي من حالت دون دفن الإمام الحسن عليه السلام بجنب جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنها ادعت زوراً وبهتاناً أن البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيتها مع أن الجميع يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدفون في بيته وليس في بيت عائشة كما أثبتنا ذلك فيما تقدم, ومنه يتضح أن عائشة قد استحوذت على بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنعت مع استحواذها على البيت من دفن الإمام الحسن عليه السلام بجانب جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وليس ثمة ما يدل على ملكيتها للبيت كما أثبتنا ذلك بالدليل والبرهان, وهذا إنما يدل على بطلان دعوى استئذان الإمام الحسن عليه السلام من عائشة ليدفن عند قبر جده.

    مركز الإمام الحسن عليه السلام للدراسات التخصصية
    الوحدة العلمية / السيد مهدي الجابري

    الهوامش:
    --------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
    (1) ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب – لابن عبد البر – 1: 391. تاريخ الإسلام – للذهبي – 4: 40, بتصرف.
    (2) صحيح البخاري, 1: 412.
    (3) الطبقات الكبرى – لابن سعد – 2: 202.
    (4) كنز العمال – للمتقي الهندي -13: 114, تاريخ دمشق - ابن عساكر- 42: 385, الكامل – لابن عدي- 3: 389.
    (5) الطبقات الكبرى – لابن سعد – 2: 262.
    (6) الطبقات الكبرى, 2: 263. كنز العمال, 7: 253 ح 18790.
    (7) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – للهيثمي – 1: 293, ح 1616.
    (8) المصدر نفسه, 9: 35, ح 14262.
    (9) الطبقات الكبرى, 2: 202.
    (10) شرح نهج البلاغة – لابن ابي الحديد – 10: 179.
    (11) المصدر نفسه, 10: 265.
    (12) هذا الحديث أخرجه الحاكم: ص 139 من ج 3 من المستدرك ، والذهبي أورده في التلخيص ، وابن أبي شيبة في السنن - الكنز: ج 6 / ص 400..
    (13) فيما أخرجه أبو يعلى عن كامل بن طلحة عن ابن لهيعة عن حي بن عبد المغافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً ، وأخرجه أبو نعيم في حليته ، وأبو أحمد الفرضي في نسخته كما في: ص 392 من ج6، وأخرجه الطبراني في الكبير أنه لما كانت غزوة الطائف قام النبي مع علي(يناجيه) ملياً ، ثم مر ، فقال له أبو بكر: يا رسول الله لقد طالت مناجاتك علياً من اليوم ، فقال صلى الله عليه وآله: ما أنا انتجيته ، ولكن الله انتجاه ، وهذا الحديث من أحاديث الكنز: ج 6 / ص 399 وكان كثيراً ما يخلو بعلي يناجيه، وقد دخلت عائشة عليهما وهما يتناجيان فقالت: يا علي ليس لي إلا يوم من تسعة أيام ، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي؟ فأقبل صلى الله عليه وآله عليها وهو محمر الوجه غضباً. وهذا الحديث يراجع في المجلد الثاني من شرح نهج البلاغة / ص 78.
    (14) سورة الأحزاب: آية 53.
    (15) سورة الأحزاب: آية 33.
    (16) تاريخ الطبري, 3: 192, المنتظم في تاريخ الأمم والملوك, 4: 34, تاريخ ابن خلدون, 2: 485.
    (17) صحيح البخاري, 2: 61, ح 1195, صحيح مسلم, 2: 1010, ح 1390.
    (18) إمتاع الأسماع, 10: 98.
    (19) سبل الهدى والرشاد, 12: 51.
    (20) تاريخ الخميس, 1: 346.
    (21) خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى – للسمهودي – 2: 126.
    (22) الدرة الثمينة في أخبار المدينة, ص90.
    (23) وفاء الوفا بأخبار المصطفى – للسمهودي – 2: 52.
    (24) المصدر نفسه, 2: 110.
    (25) أسماء بنت حسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس(الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص 133).
    (26) الطبقات الكبرى – لابن سعد – 2: 221, الإصابة في تمييز الصحابة – لابن حجر العسقلاني – 7: 229.
    (27) الطبقات الكبرى, 8: 165.
    (28) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى, 2: 56.
    (29) صحيح البخاري, 5: 15, ح3700.
    (30) فتح الباري شرح صحيح البخاري – لابن حجر العسقلاني – 3: 258.
    (31) الطبقات الكبرى, 3: 277.
    (32) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى, 2: 112.
    (33) المصدر نفسه, 2: 118.
    (34) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى, 2: 111.
    (35) المصدر نفسه.
    (36) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى, 2: 111.
    (37) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى, 2: 111.
    (38) الأمالي – للشيخ الصدوق -: ص735.
    (39) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى, 2: 46.
    (40) المصدر نفسه, 2: 57.
    (41) المصدر نفسه, 2: 58.
    (42) الدرة الثمينة في أخبار المدينة: ص93.
    (43) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى, 2: 59.
    (44) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى, 2: 47.
    (45) المصدر نفسه, 2: 214.
    (46) وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى, 2: 214.
    (47) صحيح البخاري, 6: 12, ح 4448.
    (48) ينظر: الصحيح من سيرة النبي(ص) – جعفر مرتضى العاملي – 33: 120 - 139, بتصرف.
    (49) أنساب الأشراف – للبلاذري – 3: 60.
    (50) صحيح البخاري, 9: 104, ح 7328.
    (51) تاريخ دمشق – لابن عساكر – 13: 293.
    (52) مقاتل الطالبيين – لأبي الفرج الأصفهاني -: ص82.
    (53) المختصر في أخبار البشر – لأبي الفداء – 1: 183.
    (54) تذكرة الخواص – لسبط بن الجوزي -: ص 193, ط: بيروت.
    (55) تاريخ اليعقوبي, 2: 225.
    (56) الإرشاد – للشيخ المفيد – 2: 18.
    (57) سير أعلام النبلاء – للذهبي – 3: 275.

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page